قال الإمام على كرم الله وجهه:( لا تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه) إذا دخل الاستبداد من الباب، هربت الحرية والكرامة والأمن وحقوق الإنسان من النافذة؛ لأن الاستبداد لا يدخل وحده، وإنما يصحبه الإرهاب والبطش والترويع، عندئذ يتحول الناس إلى كائنات هلامية بائسة وفاقدة للرشد، حسبهم العيش في سكون وسلام، وأن تمضي حياتهم دون أن يمسهم أذى. إنها حياة أشبه بحياة القطيع ليس فيها من النشاط الإنساني سوى إشباع الغرائز، أما إشباع العقل والارتقاء بالفكر والدفاع عن الحق.. فهي أنشطة تخضع لسيطرة الحاكم المستبد الذي يسعده أن تتحول الرعية إلى إمعات عديمة الشخصية مهزوزة المواقف لا تفكر ولا تعقل ولا تبصر واجباتها تنحصر في التهليل والتكبير والتسبيح بحمد المستبد رئيسا كان أو أميرا . والحرية من الحقوق السامية التي لا يستغني عنها الإنسان السوي رغم أن نيلها والتمتع بشرفها لا يكون إلا بعد معاناة و كفاح طويل وعذاب قد يورد صاحبه مورد الهلاك بيد أن لحلاوة ثمار الحرية إغراء لا يقاوم يدفع بصاحب المبدأ لدفع مهرها الغالي غير هياب ولا مبالٍ وكم من رجالٍ أبطال ضحوا بحياتهم من أجلها. فالحرية كما ينبغي أن يمارسها كل إنسان هي الحق في أن تعيش حراً في مجتمع حر تعبر عن رأيك وفكرك دون حجرٍ أو إرهاب من أحد ، هي حقك في أن تمارس حريتك السياسية.. وحريتك الاقتصادية.. وحقك في أن تختار الحاكم وتنتقده وتحاسبه إذا أخطأ.. وتغيره إذا خرج على حدود العدل والإنصاف لذا فهي من الحقوق التي تنتزع ولا تعطى. وعلى مر العصور ظلت قضية نيل الحرية وإشاعتها في المجتمعات من الأهداف السامية للمفكرين الأحرار الذين ينتصرون للخير ويقفون إلى جانب العدل، ويحتقرون الظلم، ويجهرون بالحق فيشيعون في الناس دعاوي التحرر من قيد الاستبداد، ويؤلبونهم على كل مظاهر الفحش والفجور التي يمارسها الطغاة، لهذا كانوا دوما مطاردين ومستهدفين من قبل حاشية الطاغية وهو ما يحدث اليوم للأستاذ فيصل والدكتور القراي. إن محاكمة الدكتور القراي والأستاذ فيصل محمد صالح والأستاذة أمل هباني وغيرهم من المفكرين وكتاب الرأي والصحفيين التي تجري أحداثها في زمن الشفافية والعلانية وانتزاع الحقوق الديمقراطية التي تجتاح المنطقة هي سقطة أخرى من سقطات النظام الذي ما انفك يحاول إيقاف عجلة التطور والحداثة بتكميم الأفواه وامتهان الحقوق والحريات في محاولة يائسة لإرهاب معارضيه وجر المجتمع لنفق برنامجه المظلم وإعادة عقارب الساعة لعصر محاكم التفتيش البغيضة قافزا فوق حقيقة تطور البشرية وتخطيها لهذه المرحلة المخزية من تاريخها. ولا أدري لما كل هذا الإصرار من قبل النظام ورجاله على ظلم واستفزاز شعب السودان ومواطنيه وما الحكمة في ذلك؟!! وهو يعلم أن ذاك حرث في بحر الواقع لا يغني في الدنيا شيئا كما وأنه ظلمات كالحات يوم الموقف العظيم فما الإثم والذنب الذي ارتكبه الأستاذان فيصل والقراي؟!! حين انبريا بالقلم لتغيير وفضح منكر هزت فاجعته كيان المجتمع وزلزلت نازلته أمان الأسر. ومن هو الأحق بالملاحقة والمحاكمة والعقاب مرتكب الجرم أم من يحاول درء المفسدة بتوعية المجتمع ولفت نظر ولاة الأمر والدفاع عن شرف الحرائر من الغي والعبث؟!!. كان من الأجدر بنظام الإنقاذ تحييد قضية المعتدى عليها الأستاذة صفية سياسيا والبت فيها قضائيا كما هو متبع في دول القانون التي تحترم مواطنيها حتى تظهر الحقيقة مجردة وينال المذنب عقابه فينسد بذلك باب تناولها صحفيا بدل عن دفن الرؤوس في الرمال وترك الفيل والطعن في ظله وعلى النظام اليوم أن كان فيه ذرة عقل أن ينهي مهزلة المحاكمة الكيدية للأستاذين فيصل والقراي وبقية الصحفيين منعا لتداعياتها السالبة والالتفات لقضايا الفساد والتعدي السافر على المال العام التي أزكمت روائحها الأنوف، فنهج الهروب إلى الأمام ومحاولة صرف نظر الجماهير عن القضايا الملحة بمثل هذه المحاكمات السياسية المهزلة تبدو مستحيلة تماما كمحاولة حجب أشعة الشمس بغربال. . تيسير حسن إدريس 22/06/2011م تيسير ادريس [[email protected]]