الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة نقدية لقصيدة: صخرة في جبل للشاعر والأديب بشري الفاضل .. بقلم: عوض شيخ إدريس حسن
نشر في سودانيل يوم 03 - 07 - 2011


قبل ( كُُن)ْ.
كنتُ رطلاً من هُلامْ .
جائلاً في لا مكانْ ..
ثم .. دار الكونُ فابتدعَ الزمانْ .
بعد ( كُن) .
صرتُ صخراً صامتاً ..
خمسين مليونَ سنةْ .
قابعاً في وحدةٍ بلهاءَ ..
في جوفِ جبلْ .
هامداً لا صوتَ لي .
لا طولَ لي .
لا روحَ لي .
لا نظرةٌ كُبرى , فمن أينَ المقلْ .
مثل صمت الكون صمتي في المجراتِ البعيدةْ .
صاخبٌ , لكنه صامتٌ عنّا فلمْ تُجدِ الحِيَلْ .
هلْ يُفسّر لغزه للناسِ يوماً !
ثم نمضي في الحياة ..
بحزونٍ و شجونٍ , و سؤالاتً أقَلْ ؟
صخرةٌ .
لو أن لي سكينة ..
لفصَلْتُ روحي ..
عن بَلاداتِ الجمادْ
...............
لو أنني حجرٌ في الرملِ مدفونا
لشتلتُ ساريتي ..
و غرقتُ محزونا .
..............
كيفَ لي , إن كنتُ صخرا ..
مخرجٌ من فوهةِ الحزن .. و حَلْ ؟
قابعٌ في خيمتي – في لا زمانٍ – شاكراً ..
و أنا الأذلْ .
صائماً في وحدةٍ بلهاءَ في جوفِ جبلْ .
ثم .. قال الله ( كُنْ)..
فتذريتُ رمالا ..
و تقليتُ تقليتُ بمقلاة الأديم .
ناريَ الريحُ ..
بهاراتي الهشيمْ .
ثم .. دوّرتُ و .. دوّرتُ ..
كإكليمٍ قديم .
ساعياً بين الصحارىَ و الجبلْ .
و تدحرجتُ مع هوجِ الرياحْ .
صرتُ رملاً ..
ناعماً كمّاً عديداً ..
لاهياً ..
صاعداً ..
بين الصحارى و الجبلْ .
دورةٌ لا تنتهي .
لا قُبحَ ليْ .
لا حُسنَ لي .
فمن يحظى – و بالكونَ عماء – بمَُقلْ .
طافَ مليونٌ فقال الله : كُنْ .
صرتُ نسراً ..
ثم .. هومتُ و هومتُ على الأرجاءِ طُراً ..
مُحرَزاً تكوينَ نفسي ..
منذ أن كانت ديارُ الأهلِ رملا .
صرخةٌ أخرى .
ولا زالَ الصراخْ ..
منذُ أن صيّرني اللاهوتُ في الناسوتِ طفلا .
و حبَوني بالنوايا يافعاً ..
وعدوني : بالمرايا , و السعادة و العسلْ .
ها أنا ..
في كل يومٍ حائرٌ ..
أشربُ الحزنَ و أقتاتُ الأملْ .
ذرةٌ في لُجّةِ الكون العجيبةْ .
لا خيارَ لي سوى السعي حثيثاً ..
كصحابيْ .
قبل أنْ ..
أرقىَ إلى حيثُ الجبل
بشرى الفاضل
الخوطوم بحري
1992
بداية:-
(If I read a book and it makes my whole body so cold no fire
Can ever warm me, I know that it is poetry. If I feel physically as if the top of my head were taken off, I know that it is poetry. These are the only ways I know it. Is there any other way?)
Emily Dickinson
(The critical power is of lower rank than the creative. True, but in assenting of this proposition, one or two things are to be kept in mind. It is undeniable that the exercise of a creative power, that a free creative activity, is the true function of man; it is proved to be so by man' finding in it his true happiness. But it is undeniable, also, that men may have the sense of exercising this free creative activity in other ways than in producing great works of literature or art; if it were not so, all but a very few men would be shut out from the happiness of all men; they may have it in well-doing, they may have it in learning, they may have it even in criticizing.)
Matthew Arnold “ The Function of Criticism"
هل إمتثال ( القبلى )الزمان والمكان شرطين أساسين للعيانات الخارجية فى القصيدة بمفهوم كانط ؟
(صخرة فى جبل ) بين مادية هرقليطس و مثالية أفلاطون:
أستمرار جدلية الانسان بين الميتافيزيقا و الفيزيقا
الجو الفلسفى فى سيرة الصخرة في كينونتها هل تتفق مع فرضية (بيكون)
ما دعانى للخوض فى هذه التجربة النقدية مناجاة هذه القصيدة لى ،عمقها الذى يلحَ فى مناداتى كلما إبتعدت عنها ، ليقودنى إلى خضم ذاخر بالتعابير الفنية و الفكرية ،بعدها الجمالى و إكتنازها وثقلها بتساؤلاتها العصرية، و لهاثها المضمر إزاء قضايا تهم الوجود و لا زالت تقلق و تحير الفكر الأنسانى . دعتنى القصيدة لمخاطبتها و مجادلتها مستفزة قراءتى لها مرارا و تكرارا ، متساهله و مستعصية. حاولت أن أنظر لها من الخارج أوهمتنى بقربها و بساطتها ، حاولت أن أتتبع صخرتها قبل أن تصير رطلا من هلام ثمَ صخرة و بعده ، أدخل معها الجبل لأسمع هسيسها فى صمتها وأرصد حركتها في سكونها فى جوف الجبل . أنصعت لها , تبعتها في مسيرتها وتحولاتها لأنساق معها فى فضائها المتسع ، أصير هلاماً ثم صخراً ثم انساناً ، نسراً مهوماً في الارجاء ،ثمَ..............
بداية لن أقترح مبضعا معينا لتشريح هذه البنية الشعريه. بل سأعتمد على قدرات وتجارب في محاولة لإجلاء غموض تراكيبها ودلالاتها العصية دون اللجو الي ادوات إجرائية مؤكدة. محاولة قد تندلق إلى الانطباعية أو تسير مسارها نحو مقاربة مستساغة ترضي قليلا من الطموح في هذا المجال.
للإبداع الشعري متعتة و قيمتة الخاصة كذلك يطمع الناقد لهذه المتعة والقيمة بشكل اخر
أيضاً كما يقول (ماثيو ارنولد ) في الجزئية أعلاه مع علمى التام بأن العمل النقدي فى مثل هذه الحالات قد يضيف أبعاداً جديدة لمستوى النص لم تكن فى الحسبان أو قد ينقص من كثافته الجماليه و الفكرية المختزنه داخله ويرمية فى كومة إلابتذال.
تبدأ القصيدة بإيقاع خفيف يوهم القارئ ببساطتها و يقينية فهمها ، لكنه ثقيل فى نفس الوقت منفتح على جو فكرى يندرج فيما يحيل القارئ لمسألة السؤال المؤرق و بحكم اختلاف وجهات النظر عن نشأة الكون، عن المجرات ، وما بها ، عن الوجود إلانسانى عن المادة الزمان و المكان واشتراطهما بالمادة وتجليها لكليهما دون انفصال تقوم علي أساسه كل العيانات الخارجية ام ان هناك الرأي الاخر الذي يدحض ذلك .هي أسئلة مستمرة تطرحها حواس مزعومة مرهونه بضعفها إزاء عوالم غامضة نرى ظهرها فقط أو ربما من خلال وعى متواضع يتسم بالوهم كثيرا فى بعده الميتافيزبقى و يندلق إلى العدم أحيانا أو يلهث وراء إقتراضات تتقاطع وتتوازى كجراحات أبديه يحملها الانسان منذُ أن تنملت أعضاؤه العليا.
القصيدة( صخرة فى جبل ) كما أري تفتح أفقا واسعا لنقاش فلسفى يمتد ويتسع مرورا بالمجتمع العبودى الاغريقى والرومانى وحتى الان فى محاولة تفسير الكون وبدايته عن طريق الاساطير والشعر، مرورا بإفتراضات طاليس، و إنكسماندر، و انكمانس، و هرقليطس بأن للأشياء مصدرا ماديا واحداً. تطورت هذه النظرة عند إميدوقلس، إنكساجوراس، ليوسبييوس و ديمقريطس، كما تشكل نقيضها عند سقراط وافلاطون إذ بدأ خطين من الصراع الفلسفى كما يقال(مادية ديمقريطس و مثاليه إفلاطون) و لازال الانسان فى بحث دائم عن راس الخيط الذى يمكنه من الوصول لحل لغز الكون.
بداية - تتمحور القصيدة فى سته مقاطع وست وستين سطراً كل مفردة منها تكوّن عنصراً قائماً فى ذاته ملتحماً مع غيره ليكوّن كلاً متناغماً هو بنية القصيدة ومسار اتجاهها. هذه البنية تظهر أمامنا في حركة مستمرة كحركة تحول صخرتها باحثه عن مرسى لها ثم ترتد حاسرة إلى الجبل فى رمزية متماثله مع حسرتها. لنبحث عن هذه الحركة فى اتجاهها ومكمن مرساها.
تتمفصل القصيدة في صياغ زمني متخذة المفردة (كن) التي تشكل عنصراً اساسياً في بنية القصيدة ومحتواها الحدثي والتاريخي . كن الحدث الزمن التاريخ السيرورة التغير والتحول في مسيرة الهلام قبل ان يصير هلام وبعده. فلنتبع هذه السيرورة ونتمثلها في احتمالاتها دون ان نعادل بينها وبين هذه الاحتمالات.
تبدا القصيدة بالمفردة (قبل) وهى نقيض (بعد) وتحمل فى احشائها سؤالا مشروعاً
ماذا كان قبل (قبل) وقبل (قبل).قبل........
اشير هنا الي مشكلة الشي والزمان والمكان
عند الفيلسوف امانويل كانط (فى العرض الميتافيزيقى) 193 الزمان هو الشرط القبلى لكل الظواهر عامة، إذ لا يمكن التجرد من فكرة الزمان بالنسبه للمادة ، بمعنى اخر إن الظواهر المادية لا تُدرك بدون تصور زمان بل يمكن تصور الزمان بدون ظواهر وفى الزمان وحده يمكن وقوع الظواهر. إضافه إلى ذلك يفسر(كانط) المكان أيضا كإمتثال ضرورى (قبلى) يقوم أساسا لكل العيانات الخارجية، فلا يمكن تصور عدم وجود مكان وان امكن تصور عدم عيانات خارجيه أى ماديه فى المكان. فالمكان عيان محض لايمكن إلاتصور مكان واحد احد وان تصور عدة أمكنة فأنها تعني أجزاء للمكان الواحد الاحد.( ارجو ان أشير إلي أن الزمن والمكان عند كانط شكلين قبلين للتأمل الحسي...مقولتين اللروح المطلق عند هيغل...رفض موضوعية الزمان والمكان وجعلهما تعتمدان علي الوعي الفردي كما عند بركلي وهيوم وماخ ) اما بالنسبة للنظرة (المادية العلمية) كما هو معلوم فهي ترفض أي حقيقة خارج الزمان والمكان، وانهما لا ينفصلان عن المادة فهي تجلي لكليهما ،أي المادة .
تستمر قصيدة صخرة في جبل في حركتها الباحثة عن ما (قبل) (كن) في قبل كن لتدخل( كن) وتزيد السؤال ثقلاً وتبعده أكثر.
مفردة كن زاد من فرصة السؤال و البحث عن ( قبل)
قبل (كن).
كنت رطلا من هلام.
جائلا في لا مكان..
ثمَ ..دار الكون فابتدع الزمان.
فعل (كن) أمر كما اسلفت مقدماً وهو الكينونة او هو الحدث او الحادثة في الزمان والمكان (ك و ن ...الكون.. الكينونة..الحدث .. الكائنة :الحادثة .. لابد من الإتجاه للكشف عن تعددية المعني في الخطاب الشعري وتعدد الاصوات الحاضرة في المشاركة في إنتاجه وإنتاج دلالته . مفردة (كن) خارج هذه القصيدة لها مرجعية دينية في الكتاب المقدس سفر التكوين( وقال الله ليكن جلد وسط الماء. وليكن فاصلا...................ودعي اليابسة ارضا) الإصحاح الأول 6 . 9
كذلك في المرجعية الدينية قصة عيسي كلمة الله لأنه كان بكلمة (كن) من غير أب . بيد أن المأمور هنا وهو عيسي يخرج من (كان) المادي وهي مريم العذراء كما يقول التراث الديني. غير ان فعل (كن) كما ورد في القصيدة لها منحأ آخر وهو الخروج من الهلام المادة بالرجوع الي العبارة كاملة في السطر الثاني (كنت رطلاً من هلام).. الهلام كمادة لها خصائصها ولكنها ايضا في اللغة تعني المجهول او غير محددة المعالم. إذا أخذنا المفردة رطل هو قياس مقدار للمادة ووجود المادة مرتبط بشرطي الزمان والمكان كما اسلفت مقدماً . فماذا عن العبارة التالية في القصيدة (جائلاً في لا ماكن) والعبارة التي تليها (ثم دار الكون فابتدع الزمان.)
أود ان اورد هنا افتراضاً للفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون1561-1626 مؤسس( المادية الجديدة) والعلم التجريبي اذ يشير في كتابه (في المبادي والاصول) الي اسطورة قديمة تقول ان كيوبيد كان اقدم الالهة، اذ كان موجوداًُ قبل بداية الاشياء ولم يكن معه عندئذ الا (الهيولي) تعني (الشواش ، اللاتكون حالة الكون ، المادة اللامتشكلة المفروض أنها سبقت وجود الكون وهي المادة التي تشكلت منها جميع الاشياء ، واستطرد يقول عن هذه المادة اي (الهيولي) هي المادة الاولي ، انها شيئاً ايجابي غير قابل للتعليل ، ويجب ان تؤخذ مطلقه وان لا يحكم عليها بفكرة سابقة ، وانه من الخطأ ان نتخيل علة ما عندما نكون بصدد القوي الاولي وقانون الطبيعة الايجابي .
احيل القاري مرة اخري الي إشارة هنا بين (كنت رطلا من هلام) كلمة هلام التي وردت في القصيدة تعني المادة كما تعني المجهول ايضا اوغير محدد المعالم في اللغة وبين افتراضات فرانسيس بيكون أعلاه عن (الهيولي) وكذلك وما سبق ذكره عن الزمان والمكان عند امانويل كانط . تجدر الاشارة هنا ايضاً الي ان هرقليطس (مادي) يذهب في افتراضاته الي ان النار هي المادة الاولي في الطبيعة لانها الاقدر علي التغير و الحركة ، وقد نشأ العالم كله و الاشياء المنفصلة وحتي الارواح عن النار . اذ كان يعتقد اي هرقليطس ان هذا النظام الواحد لكل الاشياء لم يخلقه احد من الالهة ولا احد من البشر ولكنه كان دائماً ويكون وسيكون النار الابدية التي تشتعل بحساب وتخبو بحساب ، وان الاشياء كلها تخرج من النار لضرورة يسميها هرقليطس ((اللوجس)) وهي تعني القانون في اليونانية . كذلك ابيقور ينطلق من الإعتراف بخلود المادة التي تمتلك مصدرا داخليا للحركة.( الموسوعة الفلسفية ..إشراف م. روزنتال..ي.يودين....الطليعة بيروت)
يتفق بيكون مع هرقلطيس في مادية الكون ويختلفان في ماهية المادة. وتطورت هذه النظرة الي الكون كما هو معلوم عند كارل ماركس في نظرية المادية الجدلية اي النظرة العلمية الفلسفية لوجود المادة مرتبطاً أرتباطاً وثيقاً بالحركة والزمان والمكان وقدرتها علي التطور الذاتي بوصفها لا نهائية كمياً وكيفياً.
أرجع مرة أخري الي السطر الثاني من القصيدة لأتبعها في مشوارها وبحثها الشاق الي مرساها ومقصدها متخذاً المفردة (كن) وتحولاتها في ضمير المتحدث( كنت) (كنت رطلاً من هلام) . تتحدد المفردة رطلاً وهي مقدار شكل ظاهرة عيان لها شكلي الزمان والمكان يحددان زمنها وموقعها كما يحددان مقدارها من عياناً آخر ، تفيد ذلك عبارة (من) التي لا تتحدد هي الاخري الا في زمن جزئي ومكاناً جزئي من الزمن الواحد الاحد . ولكن ينتفي الشرط المادي من (كنت رطلا من هلام) كما ورد في القصيدة بأضافة (جائلاً في لا مكان) إلا بإفتراضية وجود الكون والتي يحددها السطر الرابع (ثمَ.. دار الكون فابتدع الزمان) بشرط الدوران في المكان والزمان الذي نشأ بفاعل مضمر تعنيه عبارة ( فابتدع ) الزمان.
أشير هنا الي الفاصل بين ثم .. ودار في ((ثم ..دار الكون فابتدع الزمان)) في اعتقادي أنها تعني الامتداد الزمني كما تعني الغائب في(دار وابتدع ) .
تتمرحل القصيدة في تحولها وسيرها ليتحول (العدم) بإفتراض اللامكان الي هلام بفعل (كن) في الأسطر الأولي من القصيدة ثم مرحلة اخري اثقل حالاً الي الصخرة . ترد كلمة (بعد) بعبارة (بعد كن) في السطر الرابع حيث تفيد التوالي محدثة تحولاً ظاهراً في الاشارة الي ما هو عيان تغيير متغير عن ما قبله ،الي تحول مكشوف من الهلام الي الصخر بفعل (كن) (ارجو ان انوه هنا الي ما اشرت إليه انفا عن المفردة (كن ) وعلاقتها بالتراث الديني وتحولات الكون).
في القصيدة ياتي التحول مرتباً (بفعل كن) ثمَ هلام الي صخر) الصخر يعني الصمت والسكون وعدم الحركة . ترد عبارة (خمسين مليون سنة) هل تحدد عمر الصخر كرمز للأرض (الإنسان) مقارنة بالكواكب الأخري في الكون بما فيها ، حالاتها وصفاتها في الأسطر المتوالية من السطر السابع الي السطر الثالث عشر ؟
(صامتاً ،قابعاً ، وحدة بلهاء ،هامداً ، (لا طول )، لا روح ، لا نظرة كبري، فمن اين المقل ) .
إذا بفعل (كن) اري تحديد ماهية الصخري خاصة في سطر القصيدة الرابعة عشر.
) مثل (صمت الكون صمتي في المجرات البعيدة) اقف هنا في هذه العبارة ( صمت الكون في المجرات البعيدة ) ثمَ ( صاخب ، لكنه صامت عنا فلم تجدي الحيل ) هناك المفردة ( صامت ،وصاخب ) اشير الي ضمير المتحدث المفردة (صمتي) الذي يرجع الي البيت السادس في القصيدة (صرت صخرا صامتا ) المقارنة بين صمت الصخرة وصمت المجرات البعيدة ليست صمت بمعناه المفهوم إنما عدم معرفة عن بعض تؤكده عبارة (صاخب) التي تعني الحركة أو
(مثل صمت )الكون صمتي في المجرات البعيدة .
(صاخب )، لنكه صامت عنا فلم تجدي الحيل
الحركة وشدة الصوت في المجرات البعيدة كما في الصخرة ، في التوافق بين الصمت والصخب في البيتين الرابع عشر والخامس عشر من القصيدة (صمت الكون صمتي صاخب صامت عنا ) . يؤكد البيتان ان هناك حركة وحياة في المجراة الاخري مثل ما في الأرض لكنها محجوبة عنا فلم تجدي محاولات الإكتشافات لمعرفة هذي الحياة في المجرات البعيدة التي اصبحت لغز وهاجس لأنسان الأرض واسئلته المتكررة كما اشرت لها في بداية المقال (سؤال تطرحه حواس مزعومة مرهونة بضعفها إزاء عوالم غامضة............).
تستخدم المفردة (سكينة) في السطر العشرين من القصيدة وهي الألة التي تعني القطع بمعناها الواسع فصل الروح عن الجماد ..فصل الحياة (المعرفة) عن الجماد (اللا معرفة ).عدم الإرادة والانعتاق من الجهل وعدم معرفة حقيقية الكون والعجز الكامن في ( لو ان لي سكينة) وكذلك في البيت الذي يليه ( لو انني حجر في الرمل ........)
عبارة (كيف لي ، ان كنت صخرا..) في السطر السادس والعشرين تعني الإثبات والتأكيد للصخرة
في حالة الحزن ومسبباته عدم المعرفة . كلمة وحل تعني الطين الذي ترتطم فيه الدواب فيغلبها السير أو المشي. قد يعني في القصيدة التوحل في المعرفة ، التخلف في السير هذا المعني الذي يؤكده البيت التالي ( قابع في خيمتي .... القبوع تعني لغويا في في القاموس ( قبع القنفذ : ادخل رأسه في جلده...قبع الرجل :تخلف عن أصحابه........عبارة( في لا زمان) قد تعني عدم الاهتمام بالزمن ليس لي علاقة بما يحصل في هذا العالم قابل بذلتي ، مهانتي بعدم علمي ومعرفتي.
تاتي عبارة(كن) في فعل التمرحل مرة أخري واضحة هذه المرة بفعل الله من ( الهلام ، الصخر ، الرمال) تحولات في مسيرة الصخرة . تتوالي المفردات (وحل ، قابع ،صائم ، في وحدة بلهاء) لتؤكد الثبات ..الصمت ..السكون..الجمود ..اللا حياة اللامعرفة .فعل (كن) الامر بفعل الله تتحول الصخرة الي (رمال) جمع كثرة اي صارت ذرات من الرمل ثم تقليت اي نضجت بمقلاة الاديم، قد تعني الجلد ، الأنسان ، والأدمة في الإنسان تعني سمرة البشرة وآدم( أبو البشركما جاء في الديانات خلق من طين ) من الاديم الأرض كما هو متعارف عليه في الدين لتأتي المتوالية (عدم ، هلام ، صخر ، رمال ، آدم.)
ناري الريح ، بهاراتي الهشيم) النار الريح الحياة الحركة التغيير وهي صفات الانسان (وإنبهاره) بكل شيء امامه يمكن ان تعني الإعياء وانقطاع النفس من الجري وراء معرفة الاشياء ليصل الي غاية معينة ، او قد يعني هذا المقطع تهشيم الإنسان لكل شئ امامه ليصل الي هدفه.
تكرار حركة الدوران (السعي) هدف وقصد ًحركة الإنسان في الحياة علي الأرض العلو والسمو إلي أعلي ، ثمَ الإنحدار الطائش السريع وتكاثر الانسان علي وجه الارض..هذا إذا رجعنا الي البيت ( فتذريت رمالا..) مع خيبة الامل والإحباط بعدم المعرفة بخبايا الكون والوجود والمجرات الأخري
الصاخبة المتحركة ولكنها مجهولة عنا . هذا ما توضحه الأبيات اللاحقة :
لا قبح لي .
لا حسن لي.
في الحالتين لالشئ لافائدة لذا أتي البيت التالي:.
فمن يحظي_ وبالكون عماء – بمقل.
في السطر الثالث عشر من القصيدة ترد عبارة (فمن أين المقل) أذ تعني العبارة نفي المقل أي العينين (المعرفة) . تتنافي مع عبارة (وبالكون عماء بمقل) في السطر الثامن والاربعين التي تثبت العماء مع وجود المقل ، ولكنها تتفق معها في عدم البصيرة( معرفة الكون وبما فيه اسرار المجرات الأخري وسرها)
في السطر التاسع والارعين تأتي المفردة (كن) مرة اخري في (طاف مليون فقال الله كن) في تحولات الصخرة (، هلام ، صخرة ، رمل ، أنسان) تتكرر في تحولاتها وسيرها محدثة تحولا اخر لتصير نسراً (انسان)، هذه المرة بعد مليون سنة ، قد تعني عمر الانسان علي كوكب الارض في تجواله وبحثه الدائم وفي تميزه الداخلي والخارجي عن الكائنات الأخري من خلال الصفات الفسيولوجية والانسانية . السؤال هنا في معني نسرا وعلاقته بالطيران وبشدة الهيام علي الأرجاء.؟ ثمَ علاقة الإنسان بالفضاء وبالكون عامة والسعي إلي ما به.
قد يعني البيت:( محرزا تكوين نفسي...والذي يليه منذ كانت ديار الأهل رملا) ما قام به من إحراز انجازات منذ وجوده في الكهوف الأرض ولكنها لا ترقي إلي طموحاته الجامحة في معرفة اسرار الكون الهائل بمجراته وكواكبه واسراره.
في السطر الثالث عشر قبل الاخير حيث ترد عبارة (صرخة أخري..ولازال الصراخ) اذ تبين الصراخ المستمر اي ان هناك صرخة (قبل صرخة آخري) قد يعني ذلك الصرخة الاولي صرخة الميلاد ثمَ صرخة الانسان ودهشته المستمرة في مراحل نمؤه المعرفي وسعيه الجاد للمعرفة جوانب الحياة المستمرة .
في هذا البيت : منذ ان صيرني اللاهوت في الناسوت طفلا .
أقف هنا عند المفردة (اللاهوت) اذ تعني علم الله نسق من المعتقدات القطعية الدينية ترتبط بفلسفة الدين وتفسر الحدث بالرجوع إلي علة وجود كما تسعي الي برهنة ان اللاهوت يمكن ان يتفق مع العلم ( الموسوعة الفلسفية . م زروزنتال) تتقابل اللاهوت مع الناسوت وهي تقاربل كلمة (نوس) في اليونانية والتي تعني الذهن او العقل وهي خاصية الوعي والتفكير التي تميز الانسان عن الكائنات الاخري. هذا البيت اعلاه يحمل بعدا قد يحيد به عن بعدا اخر: هل االاهوت يمكن ان يصيَرالإنسان طفلا جاهلا في هذا العالم من خلال ما اشرت له من نسق من المعتقدات القطعية التي لها جاهزية معرفة العالم. ..؟ (حبوني
بالنوايا يافعا ..الاغداق بالنوايا والوعد با (ا لمرايا ) معرفة النفس( والسعادة ) والعسل ) أي تحقيق النفس وما ترمو اليه من معرفة وسعادة وهناء . أم أنها الطفولة ؟
لم يجدي شئ ولم يجني شئ غير الحيرة ة والحزن وسماع الأمل وكثرة الحديث عن ذلك ...هذا ما تشير إليهالأبيات:
ها أنا..
في كل يوم حائر..
أشرب الحزن وأقتات الأمل.
القصيدة تتحدث بألسن كثيرة ولكنها لسان واحد يظهر ضعفه ، صغره ، وجهله وأحباطاته إزاء جوع وعطش مميت لمعرفة هذا الكون العجيب وهو أي الشاعر لا يساوي سواء ذرة في هذا الكون، حين لا خيار له غير السير السريع كمن سبقوه إلي الجبل ،العلو والإكتشافات التي تشكل المعرفة .
بنية القصيدة:
تتبني قصيدة ( صخرة في جبل ) في سيرورة سردية واعية بهدفها محددة نقاط بدايتها وصيرورتها في تداعي ،أقول( مرصن)، وإحساس شفيف باللغة ودراية متقنة ببنائها كاشفة خط سيرها الداخلي من خلال حركة الصخرة وتحولاتها المتعرجة حيث تتمفصل القصيدة في مقاطع تتحدد بفعل (كن) الحدث في تحولاته . كل مفصلاً منها يتحدد كفترة تاريخية مفتوحة قبل ان يتلاحق مع ما بعده ، مع تدحرج صخرته في رمزية من الهلام الي صخرة الي رمال الي بشر. تبدو مفرداتها عناصر متحدة مكونة كلاً متماسكاً خفيف الحركة ومبسط ، لكنه مستعصي المعني وثقيل كحركة صخرته في تحولاتها ، ينسرد كاسلوب قصصي او ما يشابه الاساطير في تناولها لمفهوم الخلق ليوحي بسردية تاريخية في المفردات (قبل ،بعد ، ثم ، صرت ، كنت، قابعاً ، جائلاً) كما انها توحي بالبعد الزمني منذ ميلاد الهلام وقبله كما في القصيدة . إنما تطرحه القصيدة يعد مكمن همها أو فلنقل محنتها إزاء المعرف الأنسانية بإمور هذا الكون وهو أمر صعب ان لم أقل مستحيل إذ تنتهي كل المحاولات بالحيرة والحزن المرير. فالإنسان او فلنقل كوكب الأرض يعتبر (ذرة في لجة الكون العجيبة )
أرجو أن أوضح جانبا مهما فيما تقدم كان محاولة لتسليط الاضاءة علي قصيدة( صخرة في جبل ) اي محاولة ايضاحها من خلال فحص عناصرها وتفسيرها منفردة ومتزامنة مكونة بنية القصيدة ونسيجها الداخلي وتشابكها. . اعني هنا بالأخص المفردة ( كن ) التي تكررت أربع مرات في القصيدة في خصوصيتها لم تأتي متطابقة مع مرجعيتها وحالتها في التراث الديني بل اتت منسجمة في تأسيس قضيتها وهدفها المنشود بطرحها موضوعا مختلفا له خصوصيته الثقافية الإنسانية فاعلا في نص القصيدة بمفهوم مختلف وهذا ليس بالغريب في ضوء ما يعرف بتشابك الثقافات والنصوص في توافقها وتعارضها وصراعاته الأيديولوجية مفردة (كن ) لها هنا دلالتها ا الابستمولوجية ، البحث المعرفي عن ما يدور في هذا الكون العجيب وعجز الإنسان عن الوصول لهذه المعرفة وقد ظل هذا السؤال عن معرف الكون كما اشرنا من قبل يشغل حيزاً كبيراً في الفكر الأنساني المتعاقب من تأملات وديانات واساطير...... ألخ تتوافق وتتعارض الي درجة الصراعات والحروب.
ارجو ان اشير ان هذه القصيدة قد نشرت في سودانيز اونلاين
بواسطة الاخ والصديق الفنان المبدع عماد عبدالله
عوض شيخ أدريس حسن
awad hassan [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.