لماذا لا تتسع صدورنا للرأي الآخر؟ أين سماحة السودانيين التي نتشدق بها و نحن لا نحتمل الاختلاف؟ استضافت قناة الشروق الفضائية العميد معاش عبد العزيز خالد في حوار حول تحالف قوس قزح الذي يرى من خلاله الرجل مخرجاً لضائقات الوطن. أن تختلف مع الرجل أو تتفق معه ذاك شأن شخصي, لكن المهاترة و الاستهزاء و اطلاق الأوصاف الجارحة و التوسع فيها على أي كان في لقاء تلفزيوني مباشر على الهواء يتلقى الاتصالات من مشاهدين يعضلهم تعصب أعمى كأنه يريد للبسوس أن تزداد استعاراً هو أمر مرفوض جملةً و تفصيلاً. خاصة أن الاختلاف هو سنة الله في الأرض . . (و لو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدة و لا يزالون مختلفين) (هود:118). و قال المعصوم علية أفضل الصلاة و أزكى التسليم, "اختلاف أمتي رحمة". لم يبتدع أهل السودان التقاتل على السلطة, فقد قاتل سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, و هو من جاء لرسول الله باكياً بعد أن تجاوزه في التآخي بين الصحابة كما فعل مع الآخرين فبشرة رسول الله قائلاً: "أنت أخي في الدنيا و الآخرة", قاتل رضي الله عنه حين خرج علية طلحة . . طلحة الخير و الجود الفياض و الزبير بن العوام, حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم و معهم أم المؤمنين عائشة, وهم من هم, و ظهر عليهم في نصرٍ بلا طعم بلغ عدد قتلاه فيما رُوِيَ ستة آلاف بينهم حملة القرآن من كبار الصحابة. لكن لننظر لموقف علي رضي الله عنه من خصمه طلحة. ذكر القاضي أبي بكر بن العربي في مؤلفه "العواصم من القواصم" أن علي بن أبي طالب رأى طلحة ملقى في بعض الأودية, فنزل فمسح التراب عن وجهه ثم قال: "عزيز عليَّ أبا محمد أن أراك مجدلاً في الأودية و تحت نجوم السماء." . . و قال: "ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة." انظر إلى أدب الاختلاف (لا أقول الخصومة) الذي خلا من الدوافع الشخصية و تجرد من القدح في الشخوص على الرغم بلوغ الأمر بينهم حد القتال, فقد كان الهدف أسمى و كان الخلاف على فكرة. و قال الأصمعي دخلت أنا وعمران بن طلحة على علي بعد الجمل فرحب بعمران و أدناه و قال: "إني لأرجو أن يجعلني الله و أباك من الذين قال فيهم (و نزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين) (الحجر:47) و كان الحارث الأعور جالساً في ناحية فقال: "الله أعدل من أن نقتلهم و يكونوا إخواننا في الجنة", فقال له علي: "قم إلى أبعد أرض و اسحقها, فمن هو ذا إن لم أكن أنا و طلحة في الجنة؟"