اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    بعد رحلة شاقة "بورتسودان.. الدوحة ثم الرباط ونهاية بالخميسات"..بعثة منتخب الشباب تحط رحالها في منتجع ضاية الرومي بالخميسات    على هامش مشاركته في عمومية الفيفا ببانكوك..وفد الاتحاد السوداني ينخرط في اجتماعات متواصلة مع مكاتب الفيفا    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وفجأة دخلت عليّ ووجدتها بين أحضاني: أخيرا ولادة الدولة الجنوب .. بقلم: سليم عثمان
نشر في سودانيل يوم 12 - 07 - 2011


كاتب وصحافي سوداني مقيم فى قطر
Saleem Osman [[email protected]]
رغم الحزن الذى عصر قلوبنا عصرا،وبعد أن حلت بنا هذه النازلة، هل لنا غير أن نهنئ أخواننا فى جنوب السودان بولادة دولتهم الجديدة وعاصمتها جوبا الساحرة؟كمواطن عادي أشعر بكثير من الخجل عندما أسمع عبارة أن الجنوبيون نالوا أخيرا استقلالهم! هل كنا حقا كشماليين نستعمر اخواننا فى الجنوب؟ هل كانت حقا الوحدة مفروضة عليهم قسرا؟ هل كانوا يشعرون فعلا بأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة؟ شخصيا لا اظن ذلك لكن كلنا يعلم ان المستعمر البريطاني البغيض بذر منذ عام 1922 بذرة انشطار هذا الجزء العزيز من بلدنا، وجاءت حكوماتنا الوطنية سامحها الله وأخذت تسقي فى تلك البذرة، حتى جنينا حصاد زرعنا فى التاسع من يوليو الجاري ،هشيما وحنظلا مرا، ولذلك نرى أن انفصال الجنوب ،لا تتحمله النخب السياسية الحاكمة والمعارضة وحدها، بل حتى النخب المثقفة والمتعلمة، والمواطن العادي البسيط ايضا،نقاط الفشل نتقاسمها جميعا ،بدرجات متفاوتة فى قلتها وعظمتها.
عشية استقلال جنوب السودان كنت مستلقيا فى فراشي ، أقرا فى سفر عظيم ،يحكي فيه الزعيم الافريقي الباذخ فى شموخه ،نلسون مانديلا سيرته الذاتيه التى كتبها بنفسه ، بعنوان (رحلتي الطويلة من أجل الحرية) لأقارن بين نضالات هذا الرجل الرمز العظيم ونضال شعب جنوب افريقيا ،ونضالات الراحل جون قرنق ،ورئيس دولة جنوب السودان الوليدة سلفاكير ميارديت وشعب جنوب السودان،فكانت اولي الملاحظات التى لا تخطئها عين القارئ أن نضال مانديلا وشعبه كانت ضد اقلية بيضاء مستعمرة لبلده ،بينما كانت نضالات قرنق وسلفاكير وشعب الجنوب كانت ضد اخوة لهم فى الوطن، يشاركونهم الجغرافيا وسمرة البشرة والتاريخ المشترك وربما اللسان( معظم الجنوبيين يتحدثون عربي جوبا) وربما الاديان السماوية (اسلام ، مسيحية ، حيث هناك احصائية تقول بأن عدد مسلمي الجنوب 18% وعدد المسيحيين 17% والبقية ارواحيون وثنيون،وإن شئت لديهم ما يسمونه بالديانات الافريقية )
يحكي مانديلا فى هذا الكتاب سيرته الذاتية ، منذ الطفولة فيقول أن مانديلا هو اسمه الإنجليزي وليس الأفريقي الأصلي ففي جنوب افريقيا عندما يبلغ الطفل سن المدرسة يعطى اسما أجنبيا أما اسمه الذي اختاره له أبواه فلن يعرفه أحد به سوى من سماه
ويذكر مانديلا أصل عائلته وحكمها وتاريخها، ثم ينتقل لسنوات الدراسة ويفصل فيها وكان طموحه هو أن يكون محاميا فقط ،ولم يفكر يوما بالنضال السياسي ولأن والده توفي وهو صغير كما أنه من اسرة عريقة ،فقد تولى أمره بعد الدراسة أحد ملوك القبائل المحليين، وساعده لدخول الجامعة ودراسة القانون والحقوق ،على أن يصبح بعد ذلك محاميا كبيرا ،ثم يتولى حكم قبيلته الخاضعة في النهاية لسيطرة الرجل الأبيض، إلى أن أراد هذا الحاكم تزويج ابنه ومانديلا من فتاتين لايرغبان في الزواج منهما ،فهربا وهما لم يعتادا على حياة بسيطة ،ومارس مانديلا في بلدة أخرى مهنة المحاماة كمتدرب، فهو لم يزل طالبا في الجامعة ثم يتعرف على صديق يتبع لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وبدأ يحضر معه الاجتماعات وهو لا يفكر في الانخراط في العمل السياسي، أبدا لكنه يقول : لم أولد برغبة جامحة لأكون حرا، ولكنني ولدت حرا بكل ما كنت أدرك من معاني الحرية، فانضم للحزب عضوا فاعلا إلى أن أصبح من أهم الأعضاء في الحزب، وقدد فرض عليه حظر العمل السياسي، كما حظر عليه حضور الاجتماعات ،لكنه كان حاضرا فيها دائما، فهو يكتب كل مايريد قوله، وهو المحرك الأساسي لهذه الاجتماعات، ويتناقش بصورة خفية مع الأعضاء قبل الاجتماع ويكتب توصياته ،والمحاور ويرسلها خفية ويحرك الاجتماع بذلك وهو في مكانه وعاني كثيرا واكتشف أن الأساس في ما يعانيه السود هو شعور داخلي تولد من احتلال دام 3 قرون، بأنهم أقل مستوى من البيض، وكذلك الفقر وقلة التعليم ، وفي التعليم يقول مانديلا: التعليم هو أعظم محرك للنضوج الشخصي ، فهو الذي يمكن ابنة الفلاح من أن تصبح طبيبة ،وابن عامل المنجم أن يصبح رئيسا للمناجم ،وابن عامل المزرعة أن يصبح رئيسا لدولة عظمى،( الجنوبيون ربما أيضا كانوا يحلمون بأن يكونوا فى مستوي أمنيات الزعيم مانديلا وقد تحقق لهم ما أرادوا فهاهو سلفاكير ميارديت يصبح رئيس أول حكومة وطنية لدولتهم الوليدة وهو الجندي البسيط فى صفوف الجيش الذى تدرج فى الرتب العسكرية حتى وصل الى رتبة الفريق أول ،الجنوبيون يريدون أن يديروا دولتهم بأنفسهم ، يريدون انتاج النفط بخبراتهم ،يريدون ان يصبحوا امرين لا مأمورين،مخدمين لا مستخدمين من قبل الاخرفكم كانت دموع الشباب والكبار الرجال والنساء صادقه وعلم دولتهم يرفرف بين اعلام دول العالم ، ولكم انتظروا تلك اللحظات التاريخية وكم قدموا فى سبيلها من تضحيات جسام).
وعن سياسة التفرقة العنصرية : يقول مانديلا أنا مقتنع بأن سياسة التفرقة العنصرية مسؤولة عن الدفع بكثير من المواطنين الأسوياء الصالحين، إلى عالم الجريمة فالمنطق يقول: أن أي نظام قضائي لا يقوم على العدل والأخلاق لايمكن إلا أن يولد الاحتقار والازدراء، لكل ماينبثق عنه من قوانين وأنظمة. وسجن مانديلا في جزيرة روبن التي لايمكن الوصول إليها إلا بالطائرة ويسمح لأقرب أقربائه بزيارته فقط كل ستة أشهر وتكاليف الطائرة مرتفعة ويضيق عليهم و يقول :في أحد المرات مكثت سنتين لم يزرني أحد ،وقد حاولوا مساومته كثيرا بأن يطلقوه بشرط أن يتخلى عن نشاطه، فرفض فهو يتناقش مع السجناء ويوصل رسائل للحزب عن طريق المطلق سراحهم، وبذلك استمر ارتباطه بالحزب طيلة فترة سجنه ،ورغم إيمان مانديلا الشديد بقضيته، إلا أنه لم يكن جامدا ومتشددا ومتحجر العقل ، بل كان على العكس من ذلك ،مرنا يطور أفكاره كثيرا،ويتناقش مع المساجين الجدد من الشباب ليفهم طريقة تفكيرهم، ويطوّر من تفكيره هو الأخر، ويقول مانديلا : لقد انقضى العهد الذي تركناه خارج السجن، وأصبحنا نواجه خطر تحجر أفكارنا ،في عالم الزمن فالسجن نقطة سكون في عالم متحرك، ومن السهل على المرء أن يظل في السجن عند نقطة بعينها بينما العالم يتقدم ويتغير ونضال، مانديلا ليس سوى استمرار لنضال أبيه الذي وقف في وجه الحاكم الذي طلب حضوره بسبب خلاف على الماشية قائلا: لن أحضر لأنني أتوشح سيفي استعدادا للمعركة ويضيف مانديلا : أراد والدي بجوابه ذاك أن يبّين أنه ليس للحاكم المحلي سلطان شرعي عليه ،وبأنّه في الشؤون القبيلية لا يلتزم بقوانين ملك إنكلترا ولكن بتقاليد التيمبو وأعرافهم
ومانديلا الذى زار الخرطوم عدة مرات ومنحه السودان جواز سفر خاص خلال فترة النضال يقول : (فى الخرطوم استقبلني موظف الخطوط البريطانية, الذي أخبرني أن رحلتي الى دار السلام لن تقلع إلا اليوم التالي, و أنهم حجزوا لي غرفة فى فندق درجة أولى داخل المدينة. عندها أصبت بخيبة أمل كبيرة, فقد كنت أفضل أن أقيم, على الأكثر, فى فندق درجة ثالثة لا يحظى بأي شهرة, ... و عندما تم إنزالي أمام الفندق, كان على أن أمشى عبر صالة الفندق الطويلة و الأنيقة, حيث كان هناك عدد من البيض" يجلسون يتناولون المشروبات. و كان هذا, بالطبع قبل ظهور أجهزة الكشف عن المعادن و التفتيش الأمني, وكنت أضع مسدسي الأوتوماتيكي فى جراب داخل الجاكيت بينما ألف شريط المائتى رصاصة حول خاصرتي داخل البنطلون, وكان معي أيضا بضعة آلاف من الجنيهات نقدا. أحسست و أنا أعبر الصالة أن كل هؤلاء البيض المتأنقين يتفحصونني بأشعة اكس, و أنه سوف يلقى القبض على فى أي لحظة, ولكن أخيرا وصلت الى غرفتي بسلام) بعد ذلك, خلال تلك الليلة, كنت كلما سمعت خطوات الجرسون تقترب من باب غرفتي, عند طلب خدمة الغرفة, يصل توتر أعصابي أعلى مداه بكل تواضع : أن المرء يتعلم من كل ما يصادفه في حياته درساً ما ،يضيفه إلى تجاربه وعلومه، فهو يتعلم من السجن والحياة والخصم والسجان والرؤساء والكتب بل نراه في صباه يتعلم حتى من الحمار إذ يقول: بتواضع : ( وبعد أن أهانني الحمار أدركت أن إهانة الآخرين معاناة لا داعي لها وتعلمت منذ صغري أن أنتصر على خصومي ولكن دون الإساءة الى كراماتهم )خصوم مانديلا كانوا الخواجات البيض لكن خصوم اخواننا الجنوبين كانوا هم اخوانهم السمر فى الشمال، تعلم الزعيم مانديلا من الحب عندما أحب ديدي التي تعمل خادمة في البيوت، وهي حبه الثالث فيقول: بعد أن تردد في إعلامها بحبه : ( إن التعقل في السياسة فضيلة، ولكن ليس كذلك في الحب) إن حب مانديلا للمعرفة والتعلم من كل شيء هو الذي طبع شخصيته ،وجعل منه قائداً مرناً قابلاً للتكيف مع ظروفه ومعاناته ،وجعل منه إنساناً مقارعاً للظلم مناضلاً من أجل إعطاء كل ذي حق حقه، وفياً مع الآخرين ومع ذاته، عصامياً، محاوراً، مدافعاً عن حقوق الآخرين ولو كانوا خصوما ،ففى سيرته الذاتية لا يدّعي مانديلا البطولة لوحده بل يسرد أسماء كل الذين ناضلوا الى جانبه وقتلوا في سبيل قضيتهم، ولا يتورع عن الإشادة بمن كان لهم فضل كبير في النضال بل ويعتبر إن الكثيرين أفضل منه ولعل أفضل اللحظات نبلاً وإنسانية ووفاء عندما تخبره زوجته ويني خبر وفاة المحامي برام فيشر، فيصفه بكلمات ملؤها الألم والخشوع : ( كانت اللحظة الوحيدة المحزنة في تلك الزيارة عندما أخبرتني ويني بوفاة برام فيشر متأثرا بمرض السرطان لقد كان برام نقي المذهب وقرر بعد محاكمة ريفونيا أن العمل السري هو أفضل وسيلة يخدم بها النضال لم يكن برام ليطالب غيره بتضحيات لم يكن هو شخصيا مستعداً لتقديمها مهما عانيت أنا في سبيل الحرية فقد كنت أستمد قوتي من أنني أناضل الى جانب قومي ومن أجلهم أما برام فقد كان إنسانا حرا حارب قومه لضمان حرية الاخرين.لقد كان قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان (طبعا المقصود بالتحريرهو تحريره من الشمال) كان هؤلاء القادة امناء وأوفياء لزعيمهم الراحل قرنق حيث اقاموا له نصبا تذكاريا وسط المدينة وكان تلميذه باقان اموم امين عام الحركة يهتف كل حين(عاش قرنق ) نعم قرنق شبع موتا وأصبحت عظامه نخره لكنه حي فى قلوب شعبه وهو بالتالي الأب الروحي لاستقلال دولتهم، عندما وصل الخلاف بين مانديلا وبين زوجته الأولى ايفلين الى ذروته، وخيرته بين أسرته ونضاله السياسي اختار مانديلا النضال، ليس لأنه يريد أن يضحي بأسرته وأولاده بل لأنه أرك أن لا معنى لحياته وحياة أولاده في ظل نظام عنصري لا يعترف بأبسط أسس الحياة البشرية،وذلك رغم قساوة هذا القرار على وجدانه وقلبه ومشاعره، كأب حيث وصف الأمر بكلمات تتقطر حزنا وألما : ( كان لنهاية زواجي أثر مؤلم خاصة على الأطفال وخلّف في نفوسهم جروحا عميقة كان موقفا في غاية الألم والقسوة) عشق مانديلا الحرية، وعرف عذابات شعبه وذاقهاوأدرك أن لا معنى للحياة بدون الحرية، لذا كانت معاناته تزداد مع معاناة أهله وأحبائه وفقرهم وعملهم في الأرياف والمناجم وخاصة في مدينة جوهانسبيرغ (إيغولي) مدينة الذهب وسميت بهذا الاسم لأن الصخور التي رصفت شوارعها كانت من منجم (كراون) اغلي مناجم العالم ، تزوج مانديلا ثلاث مرات كان أباً حنونا دائم التفكير بأولاده وأمه وأهله وقبيلته ومسقط رأسه ، دائم التفكير بهم أثناء النضال وخلال فترة التخفي وخلال سنوات سجنه الطويلة كان يتألم لأنه لم يستطيع أن يودع حراس السجن، الذى كان يقبع فيه وكذلك عندما ياعتقل للمرة الأولى أمام أسرته وأبنائه الصغار كان لا يفكر الا بما ينتظرهم من معاناة وألم وعذاب ، بل كان يتأمل وقع الاعتقال على أرواحهم البريئة و في السجن كان دائم البحث عن جذور الخير في نفوس السجانين، ومحاولة محاكاة ذلك الجانب الخير .كان مانديلا محبا للحياة محبا لاسرته وشعبه والانسانية جمعاء، ولكن رغم كل المعاناة والألم لم يكن مانديلا يرضخ للحزن إذ سرعان ماكان يطرده بقوة الأمل والعزيمة على استمرار الحياة وعدم الرضوخ لعدوه ، حيث نراه يقدس الفرح والحب والحياة ،ويحيط اللحظات السعيدة في حياته بكثير من االاهتمام والمودة والتوق ويتذكرها بشغف حار،إذ يصف لمسه لزوجته داخل السجن بعد واحد وعشرين عاما من السجن فيقول : ( وفجأة دخلت عليّ ووجدتها بين أحضاني ) عانقت زوجتي وقبلتها لأول مرة بعد تلك السنوات الطويلة ،إنها اللحظة التي راودتني في الحلم ألف مرة ومرة ، وأحسست أني لازلت في حلم. أسلمت نفسي لها ونسيت كل ما حولي، وصمت كل شيء عدا قلبي وقلبها.
عدد من قادة الشمال كانوا حضورافى حفل اعلان قيام الدولة الجديدة ، كان الامام الصادق المهدي بين المشاركين يتأمل فى وجوه الجنوبين المبتهجين وربما يتحسر على تفريط الشمال عن جزء عزيز من الوطن ذاخر بموارده الطبيعية والتى ستكون غنيمة سائغة لاسرائيل التى رفع بعض الجنوبين فى غمرة الفرح الصاخب والهستيري علمها،وانها سوف تبادلهم وفاء بأكثر منه حينما تفتح سفارتها فى جوبا ،وويل لدولة السودان وجارتها فى شمال الوادي ان تمكنت اسرائيل من زمام الامور فى الدولة الوليدة ،كان الشيخ الترابي هو الاخريتأمل فيما صنعه تلاميذه بهذا الجزء وربما كان يترحم على مئات الشهداء بينهم شقيقه والذين روت دماؤهم الزكية ثري تلك الرقعة التى اقتطعت بليل من جسد السودان ،الحزب الاتحادي الديمقراطي مسئول ايضا عن انفصال الجنوب، فهو وقع اتفاقية مع الحركة لتقرير مصير الجنوب،الحزب الشيوعي ايضا مسئول ، فلو كان الرئيس نميري الذى اشتركوا معه فى الحكم ردحا من الزمن نفذ اتفاقية اديس ابابا 1972لما كنا اليوم نذرف الدموع على انفصال الجنوب.
من الاشياء القليلة التى تبعث الأمل فى النفس هو ان هناك تداخلا بيننا وبين الجنوبين فى كل شئ تقريبا الامر الذى يجعلنا نحلم مرة اخري بالوحدة او يجعل ابنائنا واحفادنا يحققون هذا الحلم،وان تحتفظ الدولة الوليدة بعلم السودان الذى نكس يوم ولادتها للذكري بأمر من سلفاكير فهو أمر طيب وأن تحمل الدولة الجديدة اسم السودان فهذا يعني ان اخواننا لم يقطعوا شعرة معاوية،بينهم واخوانهم فى الشمال، ولعل الدموع التى سالت من الشماليين والجنوبين على حد سواء فى يوم الفراق العظيم لن تذهب هدرا، ان وعى قادة السودان اليوم وغدا دروس هذه النازلة الكبري التى حلت بنا وإن استلهموا من مانديلا بعضا من حكمته وحبه لوطنه وشعبه فهو من قال: العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها.وهو القائل: إن الانسان الحر كلما صعد جبلا عظيماً وجد وراءه جبالا أخرى يصعدها وهو القائل ايضا: الحرية لا يمكن أن تعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً أو لا يكون حرّاً.
مطر:
نحن فى فصل الخريف ولا ندري كيف استعدت ولاية الخرطوم والولايات الاخريلهذا الموسم دعونا نعرف شيئا عن المطر :
الرَّذاذ : السَّاكن الصَّغير القطر كالغبار
والطَّلُّ : أخفُّ المطر وأضعفه
الرَّشّ والطَّشّ : أول المطر
والدِّيمة : المطر الذي يدوم أياماً في سكون بلا رعد وبرق
والمُزْنَة : المطْرة
والنَّضْح والبَغْش والدَّثُ والرَّكّ والرِّهْمَة : أقوى من الرذاذ
والهَطْل والتَّهْتَان : المطر الغزير السُّقوط
والغَيْث : الذي يأتي عند الحاجة إليه
والحَيا : الذي يُحيي الأرض بعد موتها
العُباب : المطر الكثير
والوابِل والصَّنْدِيْد والجَوْد : المطر الضَّخم القطر الشَّديد الوقع
والوَدْق : المطر المستمر
وحَبُّ المُزن وحبُّ الغَمَام : البَرَد .
الحميم : المطر الصيفي العظيم القطر والشديد الوقع
الوليّ : المطر بعد المطر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.