كانت فرصة جيدة تلبية الدعوة التي وجهت لي من قبل جمعية الدراسات السودانية لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية وتقديم ورقة حول الوحدة والإنفصال في السودان، لقد كان هذا المؤتمر سانحة ممتازة للإلتقاء بكوكبة من الباحثين السودانيين والأفارقة والأمريكان والمهتمين بالشأن السوداني، والتعرف على رؤاهم ووجهات نظرهم حول الموضوع المطروح أو مجمل القضايا الإجتماعية والثقافية والإجتماعية ببلادنا وتداخلاتها مع المنظومة الدولية وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومعرفة المزاج السوداني هناك، خاصة وأنها أصبحت قبلة لهجرة كثير من الأسر السودانية، ومدى مواءمتهم وتأقلمهم مع هذه المجتمعات أو نفرانهم منها. ولقد لاحظت إهتماماً دقيقا بقضايانا من هؤلاء المؤتمرين، وباعتبار أن السودان الحالي والقديم ظل يشكل في وجدانهم أنه أرض لأرقى الحضارات الإنسانية الأولى، وإذا كانت المجموعات الأثرية تأتي للسودان وتحفر داخل الأكوام وباطن الأرض لسبر أغوار هذه الحضارة، كذلك ينقب هؤلاء الأنثربولوجيين والأكاديميين داخل مكونات الشخصية السودانية المتفردة، ومكونات النسيج الإجتماعي السوداني، ولقد التئم هذا المؤتمر بجامعة ولاية أوهايو مدينة كولومبس، وكادت أن تطير آمالي بحضور المؤتمر نسبة للظروف المالية، لولا إلتزام من جانب رئيس الجمعية ريتشارد لوبان بدفع جزء من نفقات الإقامة من حساب الجمعية، وعلى أنهم لن يستطيعوا أبداً المساهمة في تذكرة الطائرة، هكذا كانت نبراته واضحة معي عبر خط التليفون، وريتشارد لوبان وزوجته امرهم عجباً فهم ظلوا على علاقة بالسودان منذ السبعينات، وهما عالمان أنثروبولوجيان، أعطوا نفسيهما أسماء سودانية، فهو يلقب بعبد الفضيل الماظ (الرمز التاريخي المعروف لثورة 1924) وأما زوجته كارولين فتلقب بمهيرة (بنت أحد ملوك الشايقية والتي وقفت ضد الأتراك تحرض الرجال على القتال)، عنوان المؤتمر كان (قضايا الوحدة والإنفصال بعد الإستفتاء في 2011) وتمت استضافة المؤتمر بواسطة شعبة الدراسات الإفريقية بجامعة ولاية أوهايو بمدينة كولومبس، وينبغي التفريق بين هذه الجامعة وجامعة أوهايو بمدينة أثينا، أو قرية أثينا كما يطلق عليها د.عبدالله عثمان والذي يعمل محاضرا بذات الجامعة، بدأت فعاليات المؤتمر من يوم الخميس 12/5 إلى يوم الأحد 15/5/2011م، ولقد افتتح المؤتمر بواسطة عميد كلية القانون والفنون والذي تتبع له شعبة الدراسات الإفريقية، وتحدث كذلك رئيس قسم الدراسات الأمريكية الإفريقية، ولقد قدمهما وبشكل جيد د.كالتشي كالو، النيجيري الشاب وقدم لأعضاء الجمعية إيذانا ببدء الفعالية، وكان هناك إزدحاما في الأوراق وكثافة وفي خلال 3 أيام تم تقديم حوالي الثلاثون ورقة وبحثاً ومحاضرة و7 جلسات غير البرامج التعريفية والترفيهية. وتم فيها نقاش لمختلف جوانب القضية، والأبعاد التاريخية والإجتماعية والثقافية للصراع في السودان وإمكانية تحقيق سلام مستدام، قدم فيها مجموعة من الأكاديميين من أمثال ريتشارد لوبان وجي أسبولدنق، وكارولين لوبان، وراندال فقل وتيرنس والز باحث مستقل، وجورج هاتك من جامعة بريستون، ومورتيز ميهاتش من جامعة أكسفورد، وريموند براون دبلوماسي سابق بالخارجية الأمريكية, والباحثتان كارولين فاريا وجينيفر اندرسون، ومن الجنوبيين شارك كل من د.ايكوبس بوقو من جامعة ولاية أوهايو، لاكو تونقن من كلية بترزر، وسام لاكي من الجامعة الوسطى، وبثياه يونقو. ومن شمال السودان قدم أوراق كل من د.عبدالله جلاب، ومحمد القاضي، ومعتصم الشيخ ود.محمد عابدين من جامعة طوكيو، وعبده مختار موسى من جامعة أمدرمان الإسلامية. وقد قدمت ورقتي يوم السبت 14/5/2011م وكانت تحت عنوان " الدولة الوطنية: بين التعددية وتقرير المصير أوالتشرذم دولة السودان (كنموذج) بين الوحدة والإنفصال." ولقد لاقت رواجا ونقاشا جيدا من قبل المؤتمرين وتشعب النقاش بين الجانب التاريخي وثم السياسي لينتهي بمسائل الهوية, ولقد ناقش الحضور من الجنوبيين بهمة وحماسا وكذلك الدكتورة سعاد تاج السر و د..بقيع وخاصة فى موضوع السودانوية وجدلية الهوية والمواطنة وبحق كانت فرصة ذهبية لنستمع لارائهن ولارائهم بعد طول غياب عن السودان ومواضيع الساعة والاحتكاك مع الاجيال الجديدة . بعد نهاية المؤتمر تجولت بعدة ولايات في العمق الأمريكي , بدءا من ولاية أوهايو ونورث وساوس كارولينا وثم كلورادو وتكساس ووست فرجينيا ونيويوركوواشنطن وبنسلفانيا وفرجينيا . من أين تستمد أمريكا قوتها؟؟ مع نهاية الحرب الأهلية الأمريكية ددأت حالة من الإستقرار والإزدهار التنموي تشهدها القارة الأمريكية الشمالية، وتمكن الرئيس إبراهام لنكولن من إنهاء عهود طويلة من الإسترقاق وأعطيت الحقوق المدنية للسود مثلما هي للبيض، وتم تأسيس إتحاد الولايات الخمسون، القائم على الحكم الفدرالي وأعطي لكل ولاية نظام تشريعي قد يختلف مع أي ولاية أخرى، وهذا الإختلاف أعطى حرية الحركة المطلوبة للتنقل من ولاية لأخرى والمرونة المطلوبة لإدارة الولاية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت الولاياتالمتحدةالأمريكية ذات النظام الفيدرالي الفريد تظهر للوجود كإمبراطورية عملاقة، وتمكن الأمريكيون من ربط كل الولايات بشبكة طرق وجسور وكباري معلقة، وطرق قارية تربط بين كل الولايات والتي بدأت بعشرين ولاية لتنتهي بخمسون ولاية تدخل الإتحاد الأمريكي، وكما بدأ العمل في الطرق بوسائل تقليدية متواضعة وبسيطة وبل بدائية، وبدأوا من عشرينات الفرن الماضي العمل اليدوي وباستخدام الدواب، لينتهي الأمر باستخدام أرقى الوسائل من بلدوزرات وقاطعات للجبال وغيرها لتقوم هذه الشبكة حديدية بين مجاهيل القارة، وكذلك بواسطة الطائرات التي تربط بين هذه الولايات. مما سهل التنقل والحركة بين الولايات، وفتح أسواقا للعمل ورواجاً للإستثمار، فإذا لم تجد عملا هنا، يمكنك أن تجده هناك، وكذلك الحركة من أجل العلاج والتعليم وخاصة الجامعي وفوق الجامعي، وبل للتنزه والسياحة وفعلا تعتبر السياحة مصدرا وموردا ماليا هاما، وإذا عرفنا أن أغلب السياح في أمريكا هم من الولاياتالمتحدة نفسها، وهم لضغوط العمل اليومي، يوظفون أيام اجازتهم الأسبوعية أو السنوية للسياحة والتجوال والزيارات بين الولايات، ويتميز الأمريكان بحبهم لبلادهم ومناطقها المختلفة خاصة مثل جبال الروكي في ولاية كلورادو، والشواطئ الدافئة في ميامي فلوريدا، وساوث كارولينا، والكونغرس والبيت الأبيض في واشنطن دي سي، والمدينة الخلابة نيويورك، وولايات الأسماك في ألاسكا، والترفيه في نيفادا ونيومكسيكو، وإذا كان حتى الأجانب مولعين بحب أمريكا والهجرة إليها فما بالك بالأمريكان. وأضف إلى ذلك أن أمريكا يحكمها قانون تقوم عليه حقوق مواطنة متساوية وقوانين للعمل راسخة، هناك موارد من الغابات، والمعادن، وبل الأنهار وتوفر المياه العذبة بصورة لا تجدها في أي مكان آخر في العالم وكل هذه الأنهار تحمل أسماء هندية، مثل نهر أوهايو وسياوة، وكلورادو وميسيسيبي وميسوري، والجليد كذلك يعلو الجبال الشاهقة وسلسلة جبال الروكي والتي تمتد إلى داخل الأراضي الكندية، ويبلغ إرتفاعها حوالي 15000 قدم فوق لاسطح البحر، وهي من المناطق التي تجذب السياح، وخاصة ممارسة التزحلق على الجليد، وركوب الخيول المروضة، ولهذا تعتبر جبال الروكي وولاية كلورادو من أكثر المناطق جذباً للسياحة، ونجد بها كل مقومات السياحة من حدائق و مطاعم وبقالات وكافتريات وكل أنواع الرياضة، من تزحلق وركوب خيل، ولعبة الحبل، والفولي والباسكيت وكرة القدم، حتى أنني وجدت لعبة جر الحبل وبنفس الطريقة التي كنا نعملها بها في السودان، وتقوم بها بعض العائلات هناك. وأمريكا ونتيجة لهذه المياه العذبة الوفيرة نجد أن بها أكبر موارد غابية وممنوع قطع الأشجار الجائر وغيره، وبالرغم من أن لهم مصانع للأثاثات فإنهم يستوردون الأخشاب من كندا، ووسط هذه الغابات والحدائق الغناء نجد كل أنواع الحيوانات، ترتع في هذا الجو المفعم بالخضرة، والجمال، فنجد أبقار الوحش والأيائل والغزلان والأرانب وهي تسرح وتمرح إلى جانب السناجب. ثقافة القانون والمؤسسة والعمل وحقوق المواطنة:- فإذا كانت للمجموعات الإنسانية أو حتى الدول أو الأفراد ثقافتها المميزة وخصوصيتها المتفردة التي تميزهم/ها عن الآخرين، فإن ما يميز الدولة الأمريكية والمواطن الأمريكي هو حكم القانون والليبرالية، وصار هناك حكم القانون والقيم الليبرالية هي الثقافة السائدة، ولكي تعيش في حالة من الإستقرار ولا شيئ يعكر صفوك، ما عليك إلا الإلمام بفقرات القانون الحاكم، ومواكبة حركة المجتمع بروح ليبرالية والليبراليةLiberation وتعني التحرر والإنفتاح، بالرغم من أن المجتمع الأمريكي يعتبر من أكثر المجتمعات محافظة ولكن يمكن إعتبار أن المجتمع الأمريكي متنوع يتراوح من حيث قيم المحافظة أو اليبرالية، فقد تجد مجتمعات أقرب ما تكون للمجتمعات الشرقية وأخرى طابعها الإنفتاح، وواحدة طابعها ثقافي، وكل شيئ موجود، وسيادة حكم القانون والمؤسسة إرتبطا إلى حد كبير بالعمل وقوانينه، والقانون مرتبط بحياة الناس العملية، ولذا نجد أن أهم شيئ هو العمل والوظيفة، وكل حياتهم مرتبطة بالعمل، وحتى حركتك وسكنك وفق مكان عملك، ولذا نجد قيم إحياء قيم العمل ومحاربة البطالة، بالرغم من إستثرائها، وباتت خطر يداهم المجتمع الأمريكي قاطبة إلى جانب مكافحة المخدرات، مما يؤثر سلباً على ميزان الموضوعات والذي بلغ العجز فيه 1.1 تريليون دولار مما يدفعهم للإستدانة والذي خلق الأزمة الأخيرة. وكما ذكوت سابقاً فإن الدولة الأمريكية تحكم بالقانون الذي لا يميز بين البشر من حيث اللون أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العنصر، أو المهنة أو المنصب، فالجميع سواسية أمام القانون، وبل إننا نجد أن القانون يضع مواد عقوبات قاسية على الجرائم ضد النساء والأطفال، وخاصة قضايا كالتحرش والإعتداء الجنسي على النساء والقصر والقاصرات، وكما تأتي قضايا مثل إنجاب الأطفال غير الشرعيين ومحاولة ذويهم الهروب من مسئولية تكاليف تربية الطفل فنجد أنهم متى ما حدث إختلاف، فإن الوسيلة المستخدمة وهي فحص الحامض النووي DNA وتعتبر وسيلة ناجحة ولا يتحدث بعدها متحدث ولا يغالط بعدها مغالط، وإنما يحسم الأمر تماماً وكما يقال قطعت جهينة قول كل خطيب، وجهينة هنا هي الحامض النووي ومن منا لا يتذكر قص كلينتون ومونيكا، وفحص الحامض النووي متوفر في كل ركن، ويمكن القيام به بسهولة، ويا ريت هذه الوسيلة تستخدم في السودان ويتم توفيرها ولأنها وسيلة إثبات قانون وسند معضد. وكما أن العمل مرتبط بالقانون، ومنها كانت للشخص أي سوابق جنائية، أو كما نطلق عليه هنا الفيش وسخان، فإنه لا يستطيع العمل بتاتا في أي ولاية من الولايات إلا بشروط مهينة ومذلة، والعمل في أمريكا هو الذي يحدد للشخص مساراته ويحدد مكان سكنه وحركاته بناء على مكان العمل، وتتوقف عليه معيشته، ولذا نجد أن المواطن الأمريكي يعمل ويعمل حتى يوم مماته، ولا راحة أبداً، ومن يوم الإثنين بداية الأسبوع إلى يوم الجمعة آخر الدوام، وينبغي أن ينوم حوالي الساعة العاشرة صباحاً حتى يستطيع أن يحصل عمله في التاسعة صباحاً، ولكن تبدأ الرحلات بين ليلة السبت وليلة الأحد من كل أسبوع، تجدهم يجهزون عرباتهم للإنطلاقة عبر القارة الأمريكية ولا يعودون إلا ليلة الإثنين ليبدأ أسبوع عمل جديد، وهذا للشخص الذي يعمل في القطاع العام أو الحكومة، أما العمل في القطاع الخاص فهو بالساعة، وبالرغم من أن إجازة الأحد هي إجازة عامة، ولكن بعض الناس يعملون يوم الأحد لأنه متاح لهم العمل فقط يوم الأحد والعمل بالساعة والعمل مجزي، وأي إنسان يدخل أمريكا ويتحصل على Social Card يمكنه العمل، حتى وإن لم تكن له أي شهادات. فأغلب الأعمال هي أعمال يدوية: عتالة، تعبئة، سواقة، ولذا فالعامل غالي جداً، وساعته تبدأ من 8 دولارات في الساعة إلى 15 دولاراً في الساعة، ولذا نجد كثير من الشركات الأمريكية تصنع بضائعها في الخارج وخاصة آسيا وجنوب شرق آسيا، نسبة لتدني الأجور هناك مقرنة بأمريكا. وكما نجد أن الشعب الأمريكي يحب العمل، وتجدهم دائما في حالة من الإجتهاد والكسب، وفي ذات الوقت يمتازون بالبساطة، فيمكن أن تجد مدير شركة ولكنه يرتدي تي شيرت ورداء وسفنجة، وهذا عادي جداً، عكس الأوروبيين من حيث الهندام والمظهر وإن اتفقوا جميعاً في إحترامهم للمواعيد والإلتزام الصارم. وأما الثقافة فأمرها عجب، فتكاد تكون الثقافة السائدة هى حكم القانون وحقوق المواطنة وحقوق العمل، وحقوق الإنسان عموماً، أي أن القانون والمؤسسة هي الثقافة السائدة، نجد أن اللغة السائدة هى اللغة الإنجليزية الأمريكية، تنافسها اللغة الإسبانية تأتي في المرتبة الثانية، وإن بدأت بعض المؤسسات تعترف بذلك، ونجد كلمات لاتينية كثيرة في الشوارع واليافطات. ومن حسنات الأمور هناك تقام سنوياً احتفالات تسمى بإسم المدن، ولقد حضرت إحتفالاً في مدينة دايتون (المدينة التاريخية المعروفة والتي تم فيها التوقيع على استسلام المانيا وإيطاليا ودول المحور) وبها متحف طيران وقاعدة جوية مشهورة، وحضرت إحتفالاً هناك ضم دولاً وثقافات عالمية من حيث ثقافة الأكل، والشرب، وثقافة الغناء والرقص، والمسرح، ولقد استطاع العم محمد ابراهيم (من مقاصر) إقامة معرض نوبي رائع فكان ملفتاً للنظر وجذب الإنتباه فالتحية له وهو مقيم بدايتون. وفي أمريكا الثقافة السائدة هي ثقافة الموضة ومتايعة كل ما هو جديد، وبمعنى أشمل تسود القيم الليبرالية كما ذكرت آنفاً، ولذا نجد أن أغلب المشاهير من عالم السينما والغناء والموسيقى، وثم لاعبي كرة السلة، ومهندسي ميكروسوفت والطبقة الرأسمالية، وثم السياسيين، وبالرغم من أن الدولة قائمة على العلم فإن العلماء نجد دورهم دائماً في مؤسساتهم اما المجتمع فلا نجد لهم ذكراً، وإلى جانب المشاهير ونجوم هوليوود والمغنيين والمغنيات من أمثال ( ريحانا) وهي مغنية وراقصة في ذات الوقت، ونجد رواجاً للراقصين وخاصة راقصات الإستربتيز، ويأخذون أجوراً عالية نسبياً، وكما أن الفتيات يجدن فرصاً للعمل في الكباريهات والأندية الخاصة بهذا النوع من الرقص. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل تستمر أمريكا بهذه الوضعية وإلى متى؟ وما هي المؤثرات التي ساعدت أو تساعد في خلخلة بنية الدولة الأمريكية؟ يخيل لي من أكبر العوامل هي انتشار الجيش والمارينز والقوة الأمريكية في كل أنحاء العالم، وتدخلهم باستخدام القوة لفرض رؤاهم وهذا يكلفهم باهظاً، وإن كانوا يأخذون أضعافه، وأكثر ما يثير الشارع في أمريكا هو غلاء الأسعار فالناس هناك يريدون أشياء جيدة وبأسعار زهيدة، وأي زيادة في سعر لتر الوقود حتى ولو بالسنت يخلف حالة من الهلع والذعر، فكل شيئ محسوب لديهم ويريد أن يوزن راتبه حسب منصرفاته، ولأن الإنسان الأمريكي تقليدي ومحافظ فهو لا يقبل الجديد بسهولة ولكي يتعايش معه يحتاج لزمن، والفرد الأموريكي نجده يحاول أن يحافظ على رتابة الحباة ويتبع طريقة أبويه. وبالرغم من القيم الديمقراطية والليبرالية السائدة في الدولة والمجتمع الأمريكي، نجد أن الهجرة والمهاجرين قد أثروا على هذه الثقافة السائدة، وبالرغم من أمريكا قد كونها المهاجرين على حساب المجموعات الهندية والتي حل محلها هؤلاء المهاجرون، إلا أن زيادة نسبة الهجرة وخاصة من آسيا وأفريقيا وهذه المجموعات تحمل رؤى وثقافات قد تكون مناقضة للواقع الأمريكي ونجد في أمريكا أفراد خاصة من الأصوليين الإسلاميين، من يلعن الأمريكان وقوانينهم ونمط حياتهم الليبرالي ذو الطابع المسيحي والذي يتعارض مع رؤيته السلفية والأصولية، فلذا نجد أن ضربة الحادي عشر من سبتمبر وتفجير برج التجارة تم من داخل أمريكا وليس من خارجها، وعليه فإن الهجرة الأخيرة سوف تجلب لهم كارثة، فنجد مثلاً أن اللوتراب وهذا مصطلح حديث، أولاً بعضهم لا مهنة له وتقنياً ضعيف، وهو يحمل قيماً مناقضة للمفاهيم السائدة في المجتمع الأمريكي، فإما أن يكبت هذه القيم وبالتالي يحدث انفصاماً في الشخصية أو تتحول في العلن إلى تفجيرات للبنى التحتية، وفي ذات الوقت بالرغم من الإمكانيات الواسعة من جامعات ومعاهد ومراكز استشارة وتطوير، فهؤلاء وبحكم أعمالهم بعيدون عن مراكز الاستشارة وهم يذهبون للعمل وفي المساء يذهبون للمسجد لأداء الصلوات وهناك يجدون من يثبت لهم رؤاهم السلفية، ويتفه لهم ما وصلت إليه الحضارة الغربية، وهكذا يستمر الحال إلى أن تحدث كارثة بفضل هذه القناعات والتي لم تكلف الاستنارة الأمريكية نفسها لسبر أغوارها والتعامل معها بجدية. السكان، الجغرافيا، التاريخ، والإقتصاد:- تقع الولاياتالمتحدةالأمريكية بين المحيط الأطلنطي والمحيط الباسفيكي من الشرق والغرب، وتحدها كندا من الشمال والمكسيك من الجنوب، وروسيا من الغرب، وتبلغ مساحتها 3.79 مليون ميل مربع، ويقطنها حوالي 312 مليون نسمة من البشر، ولذا فتعتبر هي الثالثة أو الرابعة عالمياً من حيث السكان ومن حيث المساحة، ولقد تم اكتشاف أمريكا بواسطة الرحالة الإسباني كريستوفر كولمبس عام 1492 والذي كان يقصد الهند فوجد نفسه في جزر جامايكا بأمريكا الوسطى، ليتوج الرحالة كوكوستادور اكتشافه بولاية فلوريدا بالجنوب ومن ثم أمريكا الشمالية عام 1513، ولقد كان يسكنها سكان أصليون منذ 12000- 40000 سنة، ويعتقد أن سكان الاسكا قد هاجرا منذ ذلك التاريخ من آسيا، ولقد حازت على استقلالها من الإمبراطورية البريطانية 4 يوليو 1776م، وفي 17 سبتمبر 1787م بدأت تتبلور فكرة الإتحاد الفدرالي الحالي، وفي القرن التاسع عشر تم اعتماد ولاية فلوريدا من الجنوب سياسياً، وكذلك نيومكسيكو وكاليفورنيا، ويدأ العد التصاعدي للإتحاد حتى أخذت شكلها الحالي، خمسون ولاية فيدرالية، تعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكية وبحق الأنموذج المثالي للدولة الوطنية، القائمة على الحدود الجغرافية السياسية وحكم القانون والمؤسسات الدستورية، والدولة التي تعتمد على الجيش والوطن والشرطة وله علم ونشيد، وتعتمد حقوق المواطنة كأساس راسخ دستوري، ولذا فهي تعتبر أكبر دولة وطنية قطرية من حيث الموارد والمقومات وبها ثروة غابية ضخمة وحيوانية ومائية، وبالرغم من أن الخمسون ولاية اتحادية مرتبطة ببعضها البعض بشبكة عملاقة للمواصلات والسكك الحديدية والطائرات والمطارات الضخمة، إلا أن هذه الطرق والجسور لم تؤثر على الغابات والغطاء النباتي، وكما هو واضح فإنهم يعملون بخطط ومنهج مدروس في مسألة البنى التحتية، فالغابات والحدائق الخضراء موجودة جنباً إلى جنب مع الطرق السريعة، المعروفة بأرقامها المميزة من الجنوب إلى الشمال، أو من الشرق إلى الغرب بطرق قارية، إلى جانب التوصيلات المختلفة من مياه وكهرباء وغيرها، ولا ننسى الموارد المائية في أمريكا حيث تتوفر المياه العذبة ومن الأنهار التي تأخذ أسماءاً هندية بدءاً من أوهايو وكلورادو ومسيسبى , وبذوبان الجليد من تلك الإرتفاعات الشاهقة تسيل المياه عذبة. وبوجود هذه الشبكات من المواصلات لك الخيار إن كنت تريد بصاً أم قطاراً أو طائرة، ففي رحلة تعتبر قصيرة من كولومبس أوهايو إلى نورث كارولينا مثلاً، بالبص تمر على حوالي خمسة ولايات، ويأخذ البص حوالي 12ساعة يبدأها من أوهايو مروراً بوست فرجينيا وثم كنتاكي أو بنسلفانيا ثم تنتهي إلى نورث كارولينا، وقطع ولاية واحدة حسب الحجم قد يكون 4 ساعات أو 6 ساعات، ومثال آخر وهذه المرة بالطائرة، حيث نجد أن الخطوط الداخلية للطيران مثل الولاياتالمتحدة للطيران أو أمريكا للطيران أو ناسا، فرحلة من شارلوت بنورث كارولينا بالجنوب الشرقي إلى دنفر بولاية كلورادو بالغرب- مرتفعات جبال الروكي – يستغرق حوالي 4 ساعات ونصف تقطع فيها الطائرة سهول من ولاية مثل تنسي وتكساس ولتدخل مرتفعات جبال الروكي بفلوريدا، ويمكن أن يأخذ 10 ساعات إلى الاسكا في أقصى الشمال. وكما ذكرت سابقاً فإن أكبر المؤثرات على الإقتصاد الأمريكي هبوط وصعود البترول وسوق البترول وسوق العمل، فبالرغم من الإحتياط النفطي الضخم بها فإنها تحتاج لاستيراد الوقود والطاقة، حتى أن أغلب الحروب التي تدخل بها هي بسبب الوقود، واعتمادهم الكلى على الوقود، وثانياً على سوق العمل، وتهدد البطالة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأن الدولة تدعم العاطلين عن العمل والعجزة وأصحاب وأصحاب المعاشات، وكما ذكرت سابقاً فإن العجز في الميزانية الأمريكية بلغ 1.1 تريليون دولار (تريليون ومائة ألف مليون دولار) ولقد عايشت وقائع وإحداثيات أزمة الديون الأمريكية، فالرئيس أوباما ومن معه الديمقراطيون يريدون منه رفع سقف الإستدانة لإنعاش الإقتصاد الأمريكي وتخفيف الضغط، والجمهوريون يرفضون ذلك البتة ويستغلون فرصة أن الأغلبية لهم في مجلس النواب، والرئيس بدأ سلسلة من الإصلاحات الإقتصادية خاصة في مجال البنى التحتية وتحديث شبكة الطرق، وما لم تتم الإستدانة هذه فمن الصعب إنجاز هذه المهام، وبالفعل صدر قرار الإستدانة وفق شروط صعبة. كما يعتبر التنوع المناخي والتضاريس مصدر ثراء كما هو الحال للمجموعات السكانية، فالولاياتالمتحدةالأمريكية يبدأ مناخها الإستوائي من الجنوب وفي ولايات مثل فلوريدا وأريزونا وهناك مناخات صحراوية كما في نيفادا، ومناخات جليدية كما في آلاسكا وكلورادو والشمال عموماً، وتتراوح وفقاً لذلك التضاريس من جبال الروكي الشهيرة والتي تصل بينها وبين كندا وهناك الصحراء في الوسط والبحار التي تضم القارة والبحيرات الخمس، ومجموعة الأنهار المعروفة كالمسيسيبي وكلورادو وأوهايو، والمسيسيبي بولاية ميسوري فهو من الأنهار الخطرة والذي يسبب كثير من الكوارث والفيضانات في المنطقة، وكما أن هناك إعصاراً مثل الذي يسمونه المفرمة لأنه يفرم الأشياء مثل الأشجار والبيوت وغيرها. إذن أمريكا تتنوع تضاريسها ومناخاتها مثلما تتعدد قومياتها وشعوبها ولكن يحكمها قانون واحد، ومواطنة واحدة ,هذا الحديث فيض من غيض ورغم كثرته الا ان هناك جوانبا لم يغطيها ويظل اشارات وحسب تجربتى المتواضعة وبانتظار من هو اكثر الماما منى ومتبحر فى شؤؤن هذه الفارة العملاقة والتى لا تنتهى عجائبها .