ابتليت هذه الأمة بوعاظ السلاطين الذين يلعبون دوراً خطيراً في دعم وتاييد السلطة ، يبررون للحاكم الظالم أفعاله الشنيعة باسم الإسلام وقد تابعنا الفتوى الغريبة الصادرة من علماء اليمن تحرم الخروج علي الحاكم وتحرم التظاهر يفعلون ذلك طمعاً في ذهب السلطان أو خوفاً من سيفه ، لا يبالون بالنظام السياسي الفاسد الذي لم يرتضيه الله سبحانه وتعالي ورسوله للمسلمين فظاهرة فقهاء السلطان ووعاظ السلاطين ظاهرة قديمة ولازمت هذه الأمة خاصة في أيام ضعفها وغياب الشورى وتمكن الحكام الظلمة ،ففقهاء البلاط لا يمكن أن تسمع منهم كلمة شجب أو إستنكار لأفعال الحكام وهذا وحده يكفي دليلاً علي أنهم ليسوا فقهاء وعلماء حقيقيون للدين وأهله وإنما هم مجرد وعاظ سلاطين وهم ليسوا إلاّ فقهاء السلطة فهؤلاء الوعاظ يشتركون اليوم في تضليل الشعب تارة بسكوتهم عن الباطل وتارة بفتاوى التضليل التي يصدرونها تأييدا للحكام فهم ليسوا فقهاء مهما طال لحاهم وقصرت ملابسهم وكبرت عمائمهم ، والملاحظ أن هؤلاء الوعاظ دائماً وأبداً في صف السلطة لا يكادون الفكاك منها أبداً يدورون معها علي كل حال ، فها نحن نري نماذج منهم في أئمة الجمعة والجماعات فأمام مسجد الحارة (40) أم بدة ومن علي منبر الجمعة يؤكد أن من الأسباب الرئيسية التي أدت إلي الغلاء في الأسعار هو ما تتغني به الفنانة ندي القلعة وعدد من الفنانات وذلك للمظهر العام الذي أصبح من سلبيات الفنانات والذي قاد إلي كل هذا الغلاء والعيش الضنك الذي يشهده الشعب السوداني اليوم هذا العالم البحر الذي لا ساحل له !! أكتشف لنا علاجاً للغلاء فما أسهل أن تقدم الحكومة علي اعتقال ندي القلعة وأخواتها وحبسهن حتى تنفرج الأزمة وتحل المشاكل !! أما الفقيه العلامة عبد الحي يوسف فقد صب جام غضبه علي سوء أخلاق الشعب السوداني والمعاصي المرتكبة والتي أدت إلي ما نحن فيه من سوء الحال ، ماذا نقول إزاء هذا التبسيط المخل للأمور !! صحيح إن الفساد بمعناه الواسع هو السبب الأساسي في الغلاء وسوء الحال ولكن هذا الفساد مرجعه فساد الحكم بالدرجة الأولي وسوء تدبير فقد تناسي هؤلاء الوعاظ الفساد المالي المستشرى في عضد الدولة ويكفي فقط نظرة عجلي للقصور والضياع المملوكة لكبار رجال الدولة والبزخ والترف في المال العام دليلاً علي أن الأمور تتجاوز فساد المحكومين ومعاصيهم ، ولعلم هؤلاء الوعاظ فإن البلاء ليست قاصراً علي الأشرار بل الأخيار أشد بلاءاً من الأشرار وللاستدلال علي سوء فهم هؤلاء الوعاظ نذكرهم بعام الرمادة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أصاب الناس جوعاً شديداً بالمدينة (غلاء الأسعار أسم دلع للجوع ) وما حولها ويروى أن عمر بن الخطاب وهو يتفقد حال الناس بالمدينة ذات ليلة في عام الرمادة فلم يجد أحداً يضحك ولا يتحدث الناس في منازلهم علي العادة ولم ير سائلاً يسأل ، فسأل عن سبب ذلك فقيل له يا أمير المؤمنين أن السؤال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون ولكن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يذهب مذهب هؤلاء الوعاظ ليلعن الأمة علي فسادها وسوء أخلاقها ولم يحملهم المسئولية ولكن تحمل مسئوليته هو وأتخذ من التدابير والإجراءات الحاسمة ووقف مواقف لا يستطعها أحد ممن جاء بعده من أمثال الخلفاء الراشدون عثمان وعلي رضي الله عنهما , أما حكامنا اليوم فهم مجرد طير !! فكان الأمر لم يعنهم وكأنهم غير مخاطبين بنحو قوله صلي الله عليه وسلم(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )(ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته الأحرّم الله عليه الجنة ) وبإجراءات عمر ومواقفه المشهودة وقراراته الحاسمة والحكيمة التي كان لها الفضل بعد الله عز وجل أن تمر هذه المجاعة علي الرغم من شدتها وقسوتها من غير أن تخلف قتلي وخسائر في الأرواح ، صحيح أن سيدنا عمر رضي الله عنه تضرع وابتهل إلي الله واستغاث به ليرفع البلاء ويزيل تلك الضراء ولكنه لم يقف عند هذا الحد بل لجأ إلي التخطيط السليم والتدبير الحكيم طريقاً للخروج من الأزمة فأشرف بنفسه علي الأمر وهذا شان الحاكم الحازم ، العادل ، العاقل......وأول ما فعله عمر أن آل علي نفسه إلاّ يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً (مقاطعة شاملة) حتى يحي الناس أما حكامنا فقد شبعوا من المال الحرام وأفقروا الشعب , لله درك يا عمر...... و في عام الرمادة أن نحروا يوماً من الأيام جزوراً فأطعمها الناس وغرفوا لأمير المؤمنين من طيبها فأتي به فإذا (شوربة سنام وكبد) فقال أني هذا ! قالوا : يأ أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم قال : بخ بخ بئس الوالي أنا أن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها ، هكذا الحكام (حكام اليوم لم يتركوا لنا حتي الكراديس) وبالمقابل هنالك علماء أتقياء أنقياء، علماء عاملون مخلصون أخذوا علي عاتقهم إنقاذ أمتهم مما تعانيه والسير بها نحو العلا ووقفوا في وجه الحكام الظلمة , ومن أمثال هؤلاء طاؤوس اليماني ويحكي أن هشام بن عبد الملك قدم حاجاً إلي مكة فطلب أن يؤتي برجل من الصحابة فقيل يا أمير المؤمنين تفانوا ( أى ماتوا جميعا ) قال ومن التابعين فأتي بطاؤوس اليماني فلما دخل عليه لم يسلم بأمرة المؤمنين ولكن قال السلام عليك يا هشام وكيف أنت يا هشام فغضب هشام غضباً شديداً حتى هم بقتله وقال له ما حملك علي ما صنعت ؟ قال وما الذي صنعت !! فقال ما قبلت يدي ولم تسلم عليّ بأمرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بأزائي بغير إذن فقال أما قولك لم تقبل يدي فأني سمعت علي بن ابي طالب قال ( لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلاّ امرأته بشهوة او لده برحمة ) وأما قولك لم تسلم بأمرة المؤمنين فليس كل الناس راضي عنك فكرهت أن أكذب وأما قولك لم تكنني فأن الله تعالي سمي أولياءه وقال يا داؤد ، يا يحي ، يا عيسي وكني أعداءه فقال ( تبت يدا أبي لهب ) فبهت هشام , وهذا العز بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء هذا العالم الجليل تصدي لسلطان جائر فأهانه أمام رعيته فاضطر إلي الاستجابة لطلب هذا العالم حتى خاف الناس أن يصيب هذا العالم أذي من السلطان الجائر فسأله أحد تلاميذه أما خفت السلطان يا أمام قال والله يا بني استحضرت هيبة الله فصار السلطان أمامي كالقط أما فقهاء هذا الزمان من أمثال عبد الحي يوسف فأنهم أمام السلطان كالقطط يبصبصون حوله طمعاً فيما عند السلطان أو رهبة من سيفه فشتان بين فقيه وفقيه . يا وعاظ السلاطين أما علمتم أن الأمة أدركت الحقيقة وبات الإسلام وأفكاره النقية هي الحكم والفيصل والميزان لديها وحدها الحق وبها تميز الأمة العلماء والرجال وما عاد استخفاف علماء السلاطين بعقول المسلمين تجدي نفعا فقد أنفضت الأمة من علماء السلاطين فأفقدت تلك الأداة التي يمسك بزمامها الحكام فاعليتها كما فقد الحكام أنفسهم فاعليتهم وتأثيرهم علي الرأي العام لدى المسلمين فيا هؤلاء تجنبوا أن تصبحوا لصوصاً تقطعون طريق الله علي عباده وتأكلون الدنيا بالدين فهي تجارة خاسرة لا محالة مهما أكتنزتم من الأموال وبنيتم القصور و نكحتم النساء مثني وثلاث ورباع فأمثالكم لا يملكون الجرأة علي مواجهة الحكام ولم نطلب منكم القيام بدور العلماء الأفذاذ فأنتم ليسوا من أهله ولا طينته ، عليكم بالفقه الميسر ( الحيض والنفاس) وأياكم والتصدي للقضايا العامة حتى لا تفقدوا ثقة الناس نهائياً وكل ميسر لما خلق له. Barood Ragab [[email protected]]