هل سيؤدي مقتل زعيم حركة العدل والمساواة "خليل ابراهيم" الى تفكيك الحركة ونهاية قتالها ضد حكومة الخرطوم؟ [email protected] تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة في العالم، نباء مقتل زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في اقليم دارفور في غرب السودان، الدكتور/ خليل ابراهيم بواسطة قوات الجيش السوداني. ولكن يبقي السؤال هنا، هل سيؤدي مقتل خليل ابراهيم الى تفكك ونهاية الحركة ووقف الحرب وإعادة الامن والإستقرار في اقليم دارفور؟. فتلك هي كانت الاهداف التي تقول حكومة الخرطوم بانها تسعى إليها لذا دعت جميع حاملي السلاح من الحركات المسلحة في دارفو بعد فترة قصيرة من نباء الاقتال الى التخلى عن القتال والعودة الطوعية وتسليم اسلحتهم. تلك الحركات والتي طالما تفاوضت مع الخرطوم في منابر عديدة بدءً من "ابوجا" في نيجيريا ومروراً بطرابلس واخيراً في العاصمة القطرية الدوحة، بغرض التوصل الى سلام دائم في هذا الإقليم المنكوب. بيد ان تلك المفاوضات فشلت او تعثرت في معظمها وافضى اخرها في الدوحة برفض حركة العدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم وحركات اخرى التوقيع على الاتفاق النهائي بالرغم من موافقتها مسبقاً على الاطار العام للتفاوض. وبعدها انتقل خليل إبراهيم إلى العاصمة الليبية طرابلس وبقي فيها حتى نهاية نظام العقيد معمر القذافي، قبيلة عودته مرة أخرى إلى إقليم دارفور لمواصلة القتال ضد حكومة الخرطوم. وفي نوفمبر من العام 2011م، انضم خليل وحركته إلى تحالف الجبهة الثورية السودانية، ما يعرف بتحالف "كاودا" بعد تحفظ دام نحو ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيل هذا التحالف بسبب مطالبة زعيم حركة تحرير السودان "عبد الواحد نور" بضرورة أن يتضمن هذا الاتفاق إقرار نظام علماني للدولة في المستقبل يتم فيه الفصل الكامل بين الدين والدولة، وهو ما رفضته حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم ولم تنضم لتحالف "كاودا" إلا في نوفمبر في نفس العام 2011م. ويضم هذا التحالف إلى جانب العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم، الحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال)، وحركة تحرير السودان (جناح مني اركو مناوي) الذي كان في السابق نائباً للرئيس السوداني عمر البشير بعد توقيعه على اتفاق "ابوجا". ماذا ستجني حكومة الخرطوم من مقتل خليل إبراهيم؟ المتابع لتطور الأحداث في السودان، يدرك تماماً بان مقتل خليل إبراهيم لن يأتي لحكومة الخرطوم بفوائد كبيرة سياسية كانت أم عسكرية، ويرجع ذلك لعدة عوامل: اولاً: أن حركة العدل والمساواة وكذلك معظم الحركات المسلحة الأخرى في إقليم دارفور لا تستمد قوتها أصلاً من قادتها بصورة أساسية، وإنما من قوة القبيلة أو الجنس أو الحاشية في تلك المناطق، وتلك القوة تتفاعل بدورها مع قضايا أخرى ساخنة في المنطقة، كالتهميش العرقي، والتراجع الاقتصادي والتنموي والإقصاء السياسي وغيرها، وان اغتيال خليل إبراهيم أو غيره من زعماء الحركات المسلحة في دارفور لن يغير من الأمر شيئاً، طالما لم تتحقق الشعارات التي يرفعونها، حتى ولو اختلفنا معهم في الرأي أو أسلوب الكفاح الذي يتبعونه أم اتفقنا، مادام أن هناك تخلف تنموي وتهميش وتراجع في البنية التحتية والتعليم، من جانب الحكومات المركزية المتعاقبة منذ استقلال السودان، فان مقتل خليل أو على شاكلته لن يغير شيئاً في جوهر القضية، ولن يثني الحركات المسلحة للتخلي عن السلاح ولانخراط في العملية السلمية، فقط خوفاً من أن يلحقها مصير خليل، بل قد يأتي هذا بنتائج عكسية تماماً. ثانياً: من المعلوم ايضاً أن خليل إبراهيم ينتمي إلى إحدى اكبر القبائل "الدارفورية" وهي قبيلة "الزغاوة" والتي تنتشر في جميع إرجاء السودان وتتركز بصورة خاصة في إقليم دارفور، وتمتد جغرافيا حتى دولة تشاد ولها نفوذ سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي حتى داخل دولة تشاد نفسها، مما قد يثير مقتله غضب وحفيظة أبناء عمومته وبالتالي قد يلجئون إلى الانتقام، أو ربما قد تزيد هذه العملية من التأييد للحركة في المناطق المهشمة، وبذلك تكون النتيجة عكسية بالنسبة لحكومة للخرطوم. ثالثاً: التكهنات التي تحدثت وتتحدث حتى الآن عن أن هناك جهات إقليمية خارجية متواطئة في مقتل خليل إبراهيم، وقد أعلنت الحركة مؤخراً رسمياً بان هناك جهات إقليمية تواطأت في مقتل قائدها. فان هذا السيناريو وان صح في مجمله أو جزءً منه ستترتب عليه انعكاسات سلبية كبيرة على حكومة الخرطوم داخليا وخارجيا، وسيكون هذا السيناريو من اكبر الأخطاء التي ترتكبها، لما قد يؤدي إلى رفض واستنكار شعبي وسياسي تام داخل السودان، وذلك لحساسية هذا الأمر الذي يندرج في انتهاك واضح لسيادة السودان. الآثار السلبية المترتبة على الحركة بعد مقتل خليل إبراهيم ولكن بالرغم من كل تلك العوامل الأنفة الذكر، فلا يعني ذلك أن مقتل خليل إبراهيم لن يكون له اسر سلبي أو قد يشل من عمل حركة العدل والمساواة في المستقبل، ولاسيما أن خليل كان يتمتع بشخصية كاريزمية من الدرجة الأولى قد يكون من الصعب إيجاد شخص يحل مكانه بعد انقضاء الفترة المؤقتة التي تولى فيها رئيس المجلس التشريعي للحركة الدكتور/ الطاهر الفكي القيادة. فخليل إلى جانب انه كان قائداً عسكرياً متمرساً، ومفاوضاً عنيداً شهدت له منابر الدوحةوطرابلس وابوجا بذلك، له أيضا معرفة تامة بدهاليز السياسة السودانية وأروقتها خاصة في كيفية التعامل فيما يعرف بالأحزاب الإسلامية والتي كان هو يوما ما جزئاً منها قبيل انخراطه في العمل المسلح في دارفور، فهو إذا شخصية ذات تركيبة سياسية وعسكرية معقدة، ومن الصعب أن نجد بديلا له بصورة سهلة وسلسة، وقد يفضى هذا الأمر إلى إمكانية نشوب خلاف بين قادة حركة العدل والمساواة بشان القيادة وحول من سيخلف خليل، وهل ستكون الشخصية القادمة من القيادات السياسية المتواجدة في الخارج والتي ليست لها خبرة ميدانية كبيرة؟، ام من القادة الميدانيين الذين هم في الميدان وبعيدين عن صالونات المفاوضات؟، وبالتالي قد يجعل هذا الأمر الحركة تنشغل كثيراً بالأمور الداخلية وقد تكون عرضة للتصدع والانقسامات، خاصة وان حكومة الخرطوم تعول كثيراً على ذلك وتريد ان تلعب بتلك الورقة بدعوتها للمقاتلين ترك السلاح والعودة. ولكن في طبيعة الحال، ومما لاشك فيه، ان اغتيال قائد حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم ستترتب عليه اثار سلبية من إضعاف وإحباط في الروح المعنوية لدى ثوار الحركة بالرغم من ردود الافعال الغاضبة من جانب قادة الحركة السياسيين والوعيد للثارعن مقتل قائدهم . هل ستبقى الدوحة هي الخيار الوحيد للحركة بعد مقتل خليل؟ ربما قد لا تكون حكومة الخرطوم كانت تسعى بتلك الخطوة، القضاء تماما على حركة العدل والمساواة بل انها كانت تريد مقتل قائدها الذي تحمله وحده مسئولية رفض التوقيع على اتفاق الدوحة الاخير، وبمقتله ستكون حكومة الخرطوم قادرة على اقناع قادة الحركة الجدد الانضام الى الحركات الموقعة اصلا على الاتفاق، ولاسيما ان حركة العدل والمساواة تعتبر اكبر الحركات المسلحة في دارفور. هذا ام ذاك، فان الخيارات اصبحت محدودة بالنسبة للحركة، وخاصة بعد إنهيار نظام العقيد معمر القذافي الذي كان حليفا لخليل ابراهيم، الى جانب تحسن العلاقات الثنائية بين حكومة الخرطوم وحكومة دولة تشاد وفي نفس الوقت تدهورها مع خليل ابراهيم مؤخراً، ولاسيما ان دولة تشاد كانت دائما الملاذ الامن لحركة العدل والمساواة وزعيمها خليل ابراهيم في السابق. عوضاً عن ذلك كله لم يبديء المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص الاممالمتحدة والولايات المتحدة اي إهتمام او تأييد للتحالف الذي وقعت عليه حركة العدل والمساواة مؤخراً في "كاودا" والذي يدعو الى إزاحة النظام في الخرطوم بقوة السلاح، بل ان الامين العام للامم المتحدة "بان كي مون" انتقد صراحةً هذا الاتفاق وشدد على ان ذلك الطريق ليس هو المسار الصيح للوصول الى سلام حقيقي ودائم في السودان، وانما يجب ان يكون عبر المفاوضات الجادة بين الاطراف. بل ان معظم الاحزاب السياسية التقلدية في السودان كحزب الامة والإتحادي الديمقراطي وغيرها من قوى الاجماع الوطني وكذلك القوى السياسية الحديثة في السودان، عبرت عن رفضها لهذا المنهج، مع اتفاقها في الهدف من ازاحة النظام ولكن بطرق سلمية. اذا هل سيكون منبر الدوحة هو الخيار الاخير والاوحد الذي تبقى لحركة العدل والمساواة في ظل الاحداث السياسية الراهنة في السودان؟ ام سنشهد سيناريوهات اخرى في الاسابيع او الشهور المقبلة؟.