المريخ يتعاقد مع السنغالي مباي وبعثته تصل تنزانيا    هذه الحرب يجب أن تنتهي لمصلحة الشعب السوداني ولصالح مؤسساته وبناء دولته    مليشيا الدعم السريع تستدعي جنودها المشاركين ضمن قوات عاصفة الحزم لفك الحصار عن منطقة الزرق    البرهان يهنئ الشعب السوداني والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    إيطالية محتجزة في المجر تعود إلى بلادها بعد فوزها بمقعد في البرلمان الأوروبي – صورة    الخراف السودانية تغزو أسواق القاهرة    كان في وداعها نائب الرئيس للشؤون الرياضية..البعثة الحمراء تغادر الي دار السلام برئاسة كابو    شاهد بالفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع عمر جبريل ينعي القائد علي يعقوب ويؤكد: (لم يتزوج وعندما نصحناه بالزواج قال لنا أريد أن أتزوج من الحور العين فقط وهو ما تحقق له)    شاهد بالفيديو.. الفنان عمر إحساس يغني للممرضات وهو طريح الفراش بإحدى المستشفيات بالولايات المتحدة    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابط القوات المشتركة الذي قام بقتل قائد الدعم السريع بدارفور يروي التفاصيل كاملة: (لا أملك عربية ولا كارو وهو راكب سيارة مصفحة ورغم ذلك تمكنت من قتله بهذه الطريقة)    كيف ستنقلب موازين العالم بسبب غزة وأوكرانيا؟    مدرب تشيلسي الأسبق يقترب من العودة للبريميرليج    ترامب: لست عنصرياً.. ولدي الكثير من "الأصدقاء السود"    مسجد الصخرات .. على صعيد عرفات عنده نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم"    «السوشيودراما» و«رفَعت عيني للسَّمَا»    مواصلة لبرامجها للإهتمام بالصغار والإكاديميات..بحضور وزير الشباب والرياضة سنار افتتاح اكاديميتي ود هاشم سنار والزهرة مايرنو    حلمًا يدفع منة شلبي للتصدق على روح نور الشريف.. ما القصة؟    بالأرقام والتفاصيل.. بعد ارتفاع سعر الجنيه المصري مقابل السوداني تعرف على سعر "خروف" الأضحية السوداني في مصر وإقبال كبير من المواطنين السودانيين بالقاهرة على شرائه    بالفيديو.. تعرف على أسعار الأضحية في مدينة بورتسودان ومتابعون: (أسعار في حدود المعقول مقارنة بالأرقام الفلكية التي نسمع عنها على السوشيال ميديا)    رئيس وأعضاء مجلس السيادة يهنئون المنتخب القومي لكرة القدم    بالصورة.. المريخ يواصل تدعيم صفوفه بالصفقات الأجنبية ويتعاقد مع الظهير الأيسر العاجي    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    بعرض خيالي .. الاتحاد يسعى للظفر بخدمات " محمد صلاح "    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصديق الراحل الفريق محمد زين العابدين .. بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان
نشر في سودانيل يوم 16 - 01 - 2012

شاء حظيّ وقدري أن أكون آخرَ الأصدقاء الذين التقوا بالفريق محمد زين العابدين قبل أن تسوء حالته الصحيّة ليلة الخميس 25 أغسطس عام2011، ويفارق هذه الديار الفانية يوم الأحد 28 أغسطس 2011.
خابرته في منتصف نهار الخميس حسب ميعادٍ سابق لنتحدث عن مقالاته التي نشرها أخيراً عن العلاقات السودانية الامريكية في صحيفة الأحداث وفي موقع سودانايل الالكتروني، ولنناقش تلك التي كان يعدّها للنشر. قبل أن نبدأ الحديث عن المقالات أخبرته أن والد صديقنا السفير جمال محمد إبراهيم قد توفي صباح أمسٍ الأربعاء. قال لي بدون تردد وقبل أن يدعني أواصل حديثي عن موضوع مكالمتنا أنه علينا أن نترك كل شيئ ونذهب للعزاء الآن. وأردف أنه سوف يكون معي بعد ربع ساعةٍ لنذهب معاً.
كانت الشوارع مكتظةً بالسيارات في منتصف نهار ذلك الخميس إثر قرار الحكومة بدء عطلة العيد. لم يكن المشوار إلى منزل أسرة والد السفير جمال محمد أبراهيم ليأخذ أكثر من ربع ساعة، ولكن أخذ منّا قرابة الساعتين تلك الظهيرة.
كان محمد صبوراً وهادئاً. لم يبدُ عليه الضيق أو التبرم من تلك الزحمة غير المسبوقة. بل على العكس، فقد استغل تلك السويعات، والتي تكررت أيضاً في رحلة العودة من منزل العزاء، ليحكي لي عن ذكرياته وتجاربه في محطات عملٍ عديدة. قررت ألا أقاطعه بأي سؤالٍ أو تعليق، وأن أتركه يواصل الحديث كما يشاء. عندما فارقته حوالي الساعة السادسة مساء يوم الخميس كنّا قد قضينا حوالي الخمس ساعاتٍ معاً، فرضتها علينا زحمة المواصلات ذلك اليوم. ما أروعها من زحمةٍ، وما أجملها من ساعاتٍ
حدثني عن عمله كملحقٍ عسكريٍ للسودان بجمهورية الصين الشعبية وما استفاده من تجربة الصينيين من إتقانٍ وحبٍ للعمل. حدّثني عن فترة عمله فى جنوب السودان وعما كان يجب علينا عمله لنُبقي السودان دولةً واحدة. حدثني عن تجربته فى دولة السويد عندما كان سفيراً للسودان في الدول الاسكندنافية وعن النظام والأمن والقانون بلا رقيبٍ أو حسيب. حدثني عن سنوات واشنطن وعن العمل العام هناك، وعن قراره العودة للسودان نهائياً ليساهم فيما تبقى له من العمر في خدمة سوداننا الحبيب. كان يتكلم بهدوءٍ ورويةٍ وبصورةٍ منتظمة وكأنما كان قد أعدّ نفسه لفترةٍ من الوقت لينقل لي تلك التجارب. تُرى هل كان يظن أن هذه هي فرصته الأخيرة لذلك الحديث؟ تُرى هل كان يُهيئني كي أكونَ الناقلَ لذلك الحديث إلى الأهل والأصدقاء والمعارف؟
عشق محمد العمل العام عندما كان بواشنطن فعمل رئيساً للجنة التنفيذية للجالية السودانية هناك، وبعدها عمل رئيساً للمجلس الاستشاري للجالية. وأعطى الجالية الكثير من وقته وماله وجهده وعرقه.
عشق القراءة والبحث الكتابة والنشر في سنواته الأخيرة وأدمنها. وأصبح وجوده ثابتاً في كل الندوات والمحاضرات وورش العمل عن السودان، وأصبحت مداخلاته نقاطاً للتوقف والتفكير والنقاش.
كان الفريق محمد زين العابدين إنساناً متواضعاً لم يحدْ من تواضعه أنه تدرّج في العمل العسكري ليصل إلى رتبة فريق في ثمانينيات القرن الماضي، أو أنه كان سفيراً في تسعينياته.
كان محمد رجلاً بشوشاً تملأ كلمات ترحابه وسلامه وحرارة لقائه مسافاتٍ كبيرة وأزمنةٍ طويلة.
كان محمد شخصا كريماً يجود بما يحتاجه لمن لايحتاجه.
كان محمد شخصاً مسامحاً، تختلف معه ويحتدم النقاش وترتفع الأصوات، وتظن أنّ مسافةً قد نمت بينك وبينه، فإذا به بعد دقائق يقف بجانبك ليبدأ موضوعاً آخر وكأن موضوع الخلاف قد طوته شهور وسنون.
الا رحم الله الأخ محمد زين العابدين رحمةً واسعةً وألهم سوسن وأحمد وزين وريم والفاتح وبقية الأسرة الصبر والسلوان.
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
////////////////
سدّ الألفية العظيم وفرص الخروج من نفق سياسات نهر النيل العقيمة .. بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان
1
تناقلت وكالات الأنباء يوم الخميس 11 أغسطس عام 2011م خبراً مفاده أن الحكومة الإثيوبية بعثت في الأسبوع الأول من شهر أغسطس من هذا العام برسالةٍ إلى كلٍ من الحكومتين المصرية والسودانية تتضمن النقاط الأساسية التي ستمثّل المرجعيّة للاجتماع الثلاثى المرتقب بين هذه الدول لمناقشة سدّ الألفية العظيم الذي تنوي إثيوبيا بناءه على النيل الأزرق. وقد صرّح أحد المسئولين الإثيوبيين بأن الغرض من هذه الرسالة هو اقتراح الخطوط العريضة للاجراءات المتعلقة بالاجتماع الثلاثي والمسائل التي سوف تُناقش في هذا الاجتماع لتسهيل أهداف الإجتماع وتيسير مهمة الوصول إلى قراراتٍ مُرضِيةٍ للأطراف الثلاثة. ويبدو أن هذه الرسالة تأتي كإمتدادٍ وتطبيقٍ لإعلان السيد ميليس زيناوي رئيس وزراء الحكومة الاثيوبية في شهر مايو الماضي أن اثيوبيا مستعدةٌ لمناقشة ومراجعة الآثار السلبية التي يمكن أن يسببها سدّ الألفية لكلٍ من مصر والسودان.
لا بدّ في البدء من الإشادة بهذه الخطوات الإثيوبية والتي تصبّ في روافد التعاون حول مياه النيل، رغم التجاهلات الكبيرة التي إرتكبتها مصروالسودان بحق اثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل في الماضي. فقد رفضت مصر والسودان مشاركة إثيوبيا في مفاوضات مياه النيل في خمسينيات القرن الماضي والتي تمخضت عنها اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان. كما تجاهلت مصر والسودان طلبات إثيوبيا بمدها بمعلوماتٍ عن السد العالي وكلٍ من خزاني الروصيرص وخشم القربة وكذلك مشروعي توشكا وقناة السلام. تمّ هذا الرفض والتجاهل على الرغم من أن إثيوبيا هي المصدر لحوالي 86% من مجمل مياه نهر النيل، (59% النيل الأزرق، و14% نهر السوباط، و13% نهر عطبرة).
2
يقع سدّ الألفية الذي تنوي إثيوبيا بناءه على النيل الأزرق على بعد حوالي 40 كيلومتر من الحدود مع السودان. والغرض من السد هو توليد حوالي 5250 ميقاواط من الكهرباء، ويخلق السد بحيرةً تبلغ سعتها 62 مليار متر مكعب من المياه وهي ضعف سعة بحيرة تانا، وحوالي نصف سعة بحيرة ناصر. وإذا قُدّر لهذا السد أن يتم فسيكون أكبر سدٍّ في أفريقيا والعاشر في العالم.
لقد كان ردّ الفعل المصري والسوداني غاضباُ عند الإعلان عن بناء السد في شهر مارس الماضي. فقد رفضت الدولتان هذا السد بحجة أنه سوف يسبب ضرراُ لمصالحهما المائية، وطالبتا إثيوبيا بمدهما بكل الدراسات المتعلقة بالسد. وذكرت مصر أن بناء إثيوبيا لهذا السد فيه خرقٌ لإتفاقية عام 1902م بين مصر وإثيوبيا. وبدأت بعض الدوائر المصرية تتحدث عن الحرب مع إثيوبيا إن أقدمت فعلاً على البدء في بناء السد. ويبدو أن مصر والسودان تناسيتا أن إثيوبيا كانت قد أكملت عام 2010م بناء سدّين ضخمين، أحدهما سد تكزّي على نهر عطبرة ويبلغ إرتفاعه حوالي المائتي متر ويُخزّن حوالي أربع مليارات متر مكعب من المياه ويُولّد حوالي 300 ميقاواط من الطاقة الكهربائية. أما السد الثاني فهو سدّ تانا بيليس والذي يقوم بتحويل المياه من بحيرة تانا إلى نهر بيليس (أحد روافد النيل الأزرق) ويًولّد حوالي 500 ميقاواط من الكهرباء عند نقطة التحويل.
غير أن حدّة هذه اللهجة التصعيدية بدأت في التراجع بعد أسابيع قليلة من صدورها. فقد قام السيد عصام شرف رئيس الوزراء المصري بزيارة إثيوبيا في مايو الماضي التقى خلالها لساعاتٍ طويلة برئيس الوزراء الإثيوبي السيد ميليس زيناوي وناقش معه قضايا النيل الشائكة بما في ذلك سد الألفية واتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل. وبرز خلال هذه الزيارة لأول مرة الحديث عن التعاون وتبادل المنافع حول مياه النيل.
من الجانب الآخر فقد أعلن السودان في 20 يونيو عام 2011م، أي بعد حوالي الشهر من زيارة السيد عصام شرف لإثيوبيا، على لسان سفيره في إثيوبيا السيد محي الدين سالم عن دعم السودان لتشييد سد الألفية العظيم. ولكن هذا الإعلان كان خجولاً ولم يتم إعطاؤه التغطية الكافية في وسائل الإعلام، كما أن الإعلان لم يَخُضْ في أي إيضاحاتٍ أو تفاصيل عن قرار دعم السدّ.
3
إن النظرة الموضوعية المتأنية لا بدّ أن توضح بجلاء الفوائد التي ستعود على السودان ومصر من سد الألفية العظيم والتي يمكن اختصارها في الآتي:
أولاً: سيقوم هذا السد بحجز كمياتٍ ضخمةٍ من الطمي الذي تقتلعه الأنهار الآتية من الهضبة الإثيوبية بسبب اندفاعها الحاد، والذي تسبب على مرّ السنوات في الحدّ من إمكانيات السدود في السودان ومصر. لقد تقلّصت الإمكانيات التخزينية لخزانات سنار والروصيرص وخشم القربة إلى حوالي النصف بسبب الطمي. كما تقلصت لنفس الأسباب إمكانية توليد الطاقة الكهربائية من هذه الخزانات بنفس القدر. وقد بدأت تأثيرات الطمي تظهر أيضاً في أداء السد العالي في مصر، رغم أن خزانات السودان تمثّل خطّ دفاعٍ رئيسيٍ للسد العالي.
ثانياً: سيقوم هذا السد بتنظيم انسياب النيل الأزرق، وبالتالي سيحدّ كثيراً من الفيضانات المدمرة التي تحدث في السودان من خريفٍ لآخر.
ثاثاً: بسبب عمق الوادي الذي يقع فيه السد وبسبب الطقس المعتدل في منطقته فسيكون التبخر من بحيرة السد قليلاً، وتشير بعض الدراسات أنه لن يتعدى ربع مليار متر مكعب من المياه. هذا ولابد من الإشارة هنا إلى أن التبخر من بحيرة السد العالي وحدها يصل إلى حوالي عشر مليارات متر مكعّب سنوياً، بينما يتبخر حوالي ملياران ونصف متر مكعب من المياه من بحيرة خزان جبل أولياء (والذي فقد أسباب بقائه بعد قيام السد العالي). وتتبخر أيضاً حوالي ست مليارات من المياه من خزانات سنار والروصيرص وخشم القربة ومروي.
رابعاً: سوف يُولّد السد قدراً مهولاً من الكهرباء. ومع الربط الكهربائي الذي يتم حالياً بين مصر والسودان وإثيوبيا فإنه يمكن توفير قدرٍ كبير من الكهرباء وبأسعار معقولة لمصر والسودان من هذا السد. وكما أشرنا أعلاه فإن الطمي قد أثّر على قدرات سدود السودان ومصر لتوليد الطاقة الكهربائية، كما أن إحتياجات مصر والسودان من الطاقة الكهربائية متزايدة.
خامساً: أشارت بعض التقارير أن إثيوبيا عرضت على السودان شق قناة من بحيرة هذا السد لري أراضي زراعية داخل السودان. وهذا عرضٌ سخيٌ لايمكن تجاهله، خصوصاً بعد أن فقد السودان قرابة أربعين في المائة من عائدات البترول بعد إنفصال الجنوب، وعلى ضوء إعلان السودان التركيز على الزراعة لسد الفجوة الهائلة في ميزان مدفوعاته.
تبقى مسألة الزمن الذي تنوي إثيوبيا خلاله ملء بحيرة السد الضخمة. فكلما قصر الزمن الذي يتم فيه ملء بحيرة السد، كلما كانت التأثيرات السلبية على مصر والسودان كبيرة. عليه لابدّ من الاتفاق على فترةٍ معقولة لملء بحيرة السد. ولكن هذه مسألة يمكن الاتفاق عليها بالتفاوض والنقاش والتعاون بين الدول الثلاث.
4
لم تعد إثيوبيا الدولة التي تنهكها المجاعات والحروب والفقر. فقد بدأ نجمها كقوةٍ إقتصادية وسياسية فى البروز خلال السنوات الخمس الماضية. وقد كان اقتصادها العام الماضي خامس إقتصادٍ في العالم من حيث النمو. كما أن إثيوبيا قد أكملت بناء عددٍ من السدود على أنهر النيل وأومو وغينالي وسوف تبدأ في تصدير الكهرباء إلى كينيا وجيبوتي والسودان الجنوبى خلال العام القادم. كما أن إثيوبيا قد بدأت في تصدير الغاز الطبيعي الذي تمّ اكتشافه في إقليم الأوغادن. وقد ساعدت الزيادة المطردة في أسعار البُنْ عالمياً في نمو الاقتصاد الإثيوبي أيضاً مما حفّز مزارعيها على المزيد من الإنتاج.
كما لا بد من إضافة أن إثيوبيا قد أصبحت لاعباً مهماً في السودان. فقد عهدت الأمم المتحدة من خلال قرار مجلس الأمن رقم 1990 الذي صدر في 27 يونيو الماضي للقوات الإثيوبية مهمة حفظ الأمن والسلام في منطقة ابيي المتنازع عليها بقوةٍ عسكريةٍ قوامها 4200 ضابطٍ وجندي. كما عهدت إليها أيضاُ مهام مراقبة الحدود بين السودان والسودان الجنوبي من خلال قوّةٍ عسكريةٍ أخرى قوامها 300 ضابطٍ وجندي.
5
إن قبول الدعوة الإثيوبية للاجتماع الثلاثي الذي سيناقش سد الألفية يصبح أمراً ضرورياً تحتّمه وتمليه الظروف التي تطرقنا إليها في هذا المقال. إن هذا الاجتماع يمكن أن يمثّل نقلةً كبيرةً في تأطير وتفعيل شعار التعاون الذي ظلّ مرفوعاً على مدى العشر سنوات الماضية دون بروز أية نتائج عملية تتمثل في مشاريع تنموية مشتركة بين دول حوض النيل.
لقد ذكرتْ بعض التقارير أن إثيوبيا عرضت على مصر والسودان أن تكون ملكية وبناء وتشغيل السد مسئوليةً ثلاثية، وهذا بالطبع إقتراحٌ سخيٌّ ووجيهٌ وبنّاء، ولاأعتقد أنه سيكون من السهل على مصر والسودان رفضه أو تجاهله. إنّ هناك تجارب كثيرة لسدود تملكها وتديرها مجموعةٌ من الدول المشاطئة. فقد قامت دول السنغال وموريتانيا ومالي ببناء سدّين ضخمين على نهر السنغال (هما سدّا مانانتالي وماكا دياما) وادارتهما إدارةً مشتركة، والاستفادة من الطاقة الكهربائية المولّدة ومن مياه الري في الدول الثلاث. وقد انضمت إليهم في الأعوام الماضية دولة غينيا وهي الدولة الرابعة المشاطئة لنهر السنغال. كما أن هناك سدّ إيتايبو على نهر بارانا الذي بنته وتملكه وتديره وتستفيد منه دولتا البرازيل وباراغواي. وهو ثاني أكبر سدٍّ في العالم من حيث إنتاج الطاقة الكهربائية، بعد سد الخوانق الثلاثة في الصين، إذ يبلغ إنتاجه حوالي 94000 ميقاواط، تستعمل الدولتان جُلّها وتصدران الفائض إلى دول الجوار. وهذه تجارب يتحتم الانتباه إليها والاستفادة منها.
إن التعاون هوالركيزة الأساسية، إن لم نقل الوحيدة، التي تقوم عليها استخدامات وإدارة وحماية وتنمية الأحواض المائية المشتركة. إن اتفاق إثيوبيا ومصر والسودان على العمل المشترك في سد الألفية، إن تمّ، سيكون بلا شك بدايةً عمليةً موفّقة لبرامج عملٍ تنمويٍ جادٍ ومتكاملٍ، مبنيٍ على الاستفادة القصوى من إمكانيات حوض النيل الكبيرة لمواجهة الفقر والتخلف والبؤس الذي يواجه شعوب الحوض، والذين يزدادون عدداً وفقراً كل عام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.