قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البصلة وقشرتها أو الصادق والإخوان المسلمين .. بقلم: حامد بدوي
نشر في سودانيل يوم 28 - 01 - 2012

الذي يبحث عن إبعاد السيد الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، عن الإخوان المسلمين في السودان، هو كمن يحاول أن يدخل بين البصلة وقشرتها ليفصلهما عن بعضهما. أمر ممكن لكنه مجاني وبلا فائدة. فستظل البصلة بصلة بقشرتها أو بدونها، تدمع العيون وتزكم الأنوف. وتظل قشرة البصلة أيضا تفعل ذلك سواء فصلت من البصلة أو لم تفصل.
ليوقف السياسيون السودانيون التفكير الحالم (Wishful Thinking) فقد حان الوقت لتسمية الأشياء بأسمائها. وهذا أمر لا يتعلق بشخص السيد الصادق المهدي، بقدر ما يتعلق بأيديولوجية حزبه نفسه. فحزب الأمة ببساطة حزب ديني إسلامي شاء من شاء وأبى من أبى. غير أن هذه الحقيقة ظلت غير ذات خطر ولم تكن تشكل لحزب الأمة مشكلة في تعامله مع ساحة سياسية ديموقراطية البنية، إلا بعد أن ظهر الإخوان المسلمون كقوة سياسية بعد أن خرجوا من مرحلة الصفوة والجماعة في الستينات، بعد ثورة أكتوبر، إلى مرحلة الحزب السياسي. ثم لما قوي عودهم كشفوا عن حقيقة موقفهم من الديموقراطية، وعملوا ضدها حتى اغتالوها بليل عام 1989.
إذا سمينا الأشياء بأسمائها وتوقفنا عن دفن الرؤوس في الرمال، سنجد أن الحركة السياسية السودانية، منذ نشأتها وحتى اليوم، تنقسم إلى ثلاثة تيارات متوازية لا تلتقي وكأنها ثلاثة حركات سياسية في ثلاثة بلدان مختلفة:
1 – التيار العروبي الذي قاده منذ البداية الاتحاديون وطائفة الختمية ثم فرّخ الأحزاب العروبية الحديثة من ناصريين وقوميين عرب وبعثيين ...الخ.
2 – التيار الديني الذي قاده الاستقلاليون وطائفة الانصار ثم فرّخ الإخوان المسلمين والوهابيين والسلفيين وحتى القاعدة.
3 – التيار العلماني الحداثي الذي افتقر للقيادة الحقيقية حتى ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان مؤخرا.
كل الأحزاب والحركات والجماعات في الساحة السياسية السودانية لن تخرج عن هذه التيارات الثلاث بأي حال من الأحوال. نعم، لربما بدى أن بين بعض الأحزاب المنضوية تحت تيار واحد من التناقض ما يضعف هذا التقسيم الذي نقيم عليه تحليلنا. من ذلك، أن المرء قد يرى تناقضا باديا بين الحزب (الاتحادي الديموقراطي) وحزب (البعث العربي) كعضوين ضمن التيار الاتحادي العروبي، أو تناقضا باديا بين (حزب الأمة) وجماعة (أنصار السنة) باعتبارهما عضوين في التيار الاستقلالي الديني. أو تناقضا باديا بين المثقف اليساري الشمالي وبين (الحركة الشعبية لتحرير السودان) باعتبار الطرفين عضوين في التيار الحداثي العلماني. غير أننا لو تذكرنا بأن التيار الواحد الذي يتكون من عدة أحزاب وجماعات سياسية لابد له من قاعدة محافظة وقمة راديكالية وما بينهما من منصات متعددة، وأنه والحال كذلك، لا بد من ظهور تناقضات بين القاعدة المحافظة والوسطية وبين القمة الراديكالية، لو تذكرنا ذلك، إذن لظهر أن ما نقول به من انتماء الأحزاب والجماعات المتناقضة لنفس التيار السياسي، هو أمر مبرر ومقبول. فالذي يبدو على السطح من تناقضات لا يعدو التناقضات الثانوية المقبولة ضمن تيار سياسي واحد. فما دام الحزبان يستخدمان نفس المبادئ والقواعد وينطلقان من نفس العقلية والمفاهيم، ويتبعان نفس الاستراتيجيات ويرميان إلى نفس النتائج النهائية لشكل السلطة وأبعاد الانتماء، فانهما حزبان يضمهما تيار سياسي واحد مهما كان بينهما من تضاد ظاهري تكتيكي أو ثانوي.
بهذا المنظور، سنحاول هنا تتبع تحولات الدولة الدينية في السودان، كما حاولنا في مقالة سابقة تتبع تحولات المشروع العلماني الديموقراطي في مقالة نشرت بهذا الموقع.
الدولة الدينية في السودان:
من المهدية إلى الإنقاذ (885 - 2000)
1- الدولة الأنصارية أو المهدية الأولى
نستطيع أن نقول بثقة تامة أن الدولة الدينية الأولى في السودان، الدولة المهدية (1885 – 1898)، قد نهضت وسقطت وهي في عزلة تامة عن ما كان يتحرك خلال تلك الفترة الزمنية في الشرق الأوسط من دعوات للنهضة الإسلامية ومن جهود للإحياء والتجديد الإسلامي علي أيدي مفكرين إسلاميين لا يزال أثرهم الفكري باقيا وحيا وفاعلا من أمثال جمال الدين الأفغاني (1828 – 1879) والأمام محمد عبده (1849 – 1905). فعلاوة علي التعارض الأيديولوجي بين السني الذي يمثله هؤلاء المصلحون وبين الصوفي الذي تمثله الدولة المهدية، فان منهج الثورة المهدية الجهادي المصادم لم يكن ليتفق مع النزوع الإصلاحي السلمي المهادن لهؤلاء الإصلاحيين الكبار.
ولاشك في أن الحكومة الاستعمارية في السودان قد فطنت لهذا التعارض بين الصوفي الثوري والسني الإصلاحي وهي تستقدم، بعد القضاء علي الثورة المهدية، عددا من القضاة الشرعيين ومعلمي الشريعة من مصر كما (ركزت علي حركة الإصلاح الديني التي ظهرت في مصر وأوكلت للشيخ محمد عبده الإشراف علي اختيار القضاة للسودان)
وقد كرس حاكم الدولة الدينية السودانية الوحيد، الخليفة عبد الله التعايشي، هذه العزلة وذلك بأشغال الدولة كلها بجميع قدراتها في حملات لا تنتهي لتطويع وإخضاع قبائل السودان المختلفةبالإضافة للمواجهة مع الأشراف.وكانتهذه الحملات،حروبا حقيقية شغلت كل مقدرات الدولة ولم تسمح بنشوء مناخ ثقافي من أي نوع أو توجهات سياسية أو بروز قضايا فكرية تتواصل مع ما كان ينمو خارج البلاد من نهضة إسلامية فكرية وسياسية.
ويرى فرنسيس دينق أن المهدية كانت (في حملاتها الأولي وما حدث بعد قيام دولتها، مغامرة باهظة الثمن، لان تدهور القانون والنظام والمجاعة الناتجة عن الجفاف والحرب وعدم مقدرة الدولة علي مجابهة الطوارئ والحالة(الهوبسينية) العامة، أي حالة الاقتتال التي عمت أنحاء القطر، تجعل ما حدث في الصومال والبوسنه بالمقارنة، أمورا طفيفة. وكانت فترة انطبق عليها التعبير المحلي "العالم خرب")
نخلص من كل هذا إلي استنتاج أمرين:
الأول: هو أن الدولة الدينية في السودان ومنذ نموذجها الأول قد حكم عليها بأن تتخذ سبيل العنف والقهر ضد المسلمين من المواطنين السودانيين أولا. ثم ضد غير المسلمين من السودانيين من باب أولى
والثاني: هو أن الدولة الدينية في السودان محكوم عليها بالانغلاق والتقوقع وبالتالي العزلة والاستهداف وذلك بسبب فقدان هذه الدولة التناغم الضروري مع مجريات السياسة الإقليمية والدولية.
أما في ما يخص الدولة الدينية المهدية والحركة الأنصارية فإننا نستطيع أن نرجع انغلاقها وتقوقعها داخل ذاتها إلى ثلاث عوامل رئيسية هي:
أولا:
ضيق الأفق الثقافي للقائمين علي دولة الخليفة عبد الله التعايشي.فقد صاحب تلك الدولة قدر كبير من القصور الثقافي والجهل السياسي. وقد أدار الخليفة دولته بفهم ديني بسيط بساطة ضارة، أساسه التفريق بين (الأنصار) و(الكفار). كما أدارها بعقلية قبلية بسيطة وضارة أيضا أساسها التفريق بين(أولاد البحر) و (أولاد الغرب). وهو بذلك قد نسف أي أساس للانتماء من منظور إسلامي. كما نسف أي أساس للمواطنة من منظور قومي.
ثانيا:
المنابع الصوفية لهذه الحركة، مما أشرنا إلية سابقا من تعارض الصوفي الثوري الجهادي مع السني الإصلاحي. ونضيف هنا أن صدود الحركة الأنصارية ونفورها من حركات النهضة والتجديد الإسلامي في المنطقة، يعود في جزء كبير منه إلي أن معظم هذه الحركات قد نشأت في مصر مما زاد من نفور الحركة الأنصارية تجاها. فالدعوة الأنصارية قد تفجرت أساسا ضد تركيا ومصر وبريطانيا، تلك الدول التي يجمعها الأدب الأنصاري في مفهوم (الترك الكفار). ولعل هذا مما أغلق الباب بين الحركات الإسلامية النهضوية التي منبعها (ديار الترك الكفار) وبين الحركة الأنصارية في السودان.
ثالثا:
الطبيعة الاستثنائية لهذه الحركة. فعلي الرغم من أنها حركة دينية في الأساس، إلا أنها قامت، في حقيقة الأمر ضد حكام مصر الأتراك الذين يحكمون باسم خليفة المسلمين في تركيا. ولهذا فقد ظل الأتراك كفارا في العقيدة الأنصارية، لدي العامة من الأنصار حتى اليوم. وهذا وضع استثنائي لأبعد الحدود. والإمام محمد أحمد نفسه هو إمام صوفي استثنائي ضمن أئمة المتصوفة وضمن تاريخ العلاقة بين الدولة والإمام الصوفي الذي يجهر بدعوته ويجمع المريدين من حوله.فمنذ إمام المتصوفة الأول السيد المسيح علية السلام ، مرورا بالإمام الحلاج وانتهاء بالأستاذ محمود محمد طه، فان للدولة علاج وحيد للإمام الصوفي الذي يتحداها. ذلك العلاج هو تعليق الإمام على الصليب أو المشنقة. وقد حاولت الدولة العثمانية ممثلة فيحاكمها علي السودان، شنق الإمام الصوفي السوداني.إلا أن مهدي السودان قد كان هو الإمام الصوفي الاستثناء. فهو الإمام الوحيد الذي شنق الدولة. فلم يعرف في تاريخ التصوف إمام شنق الدولة قبلة ولم يحدث بعده إلا في حالة الإمام الخميني (الشيعي وليس الصوفي) في القرن العشرين. ولعل هذا ما جعل الأمر يبدو غامضا وبلا مرجعية أو ثوابت تاريخية أمام الخليفة عبد الله الذي قاد الدولة الأنصارية بعد وفاة الإمام المهدي. فليس ثمة أدب أو إرث سياسي يعتمد عليه. ولم تتح سنوات الثورة والجهاد التي قادها المهدي فرصة كافية لتأسيس بناء فكري أو سياسي يعتمد عليه الخليفة.
2- إعادة الدولة المهدية أو المهدية الثانية
ما سبق بشأن الدولة المهدية الأولى، يكشف لنا فقر المرجعية التي اعتمدت عليها دعوة إعادة الدولة المهدية، أو المهدية الثانية، علي يد السيد عبد الرحمن المهدي في بداية الحركة السياسية الوطنية.ومع ذلك فقد شكلت هذه الدعوة المشروع السياسي الأكبر بين المشاريع السياسية الرئيسية التي تقسمت حولها الحركة السياسية السودانية في بداية تكوينها.(المشروع الاتحادي العروبي والمشروع الاستقلالي الديني والمشروع الديموقراطي العلماني) وبسبب هذه المرجعية الفقيرة فكريا وسياسيا فقد جاءت المهدية الثانية منبته ومعزولة عن الحركات الإسلامية في المنطقة علي يد دعاة إسلاميين مؤثرين من أمثال حسن ألبنا في مصر والذي بدأ دعوته عام 1928 واستمر حتى اغتياله 1949. كما ظلت الحساسية التاريخية تجاه مصر تحرم المهدية الثانية من أي بعد إسلامي. وقد زاد من تلك الحساسية دعاوى الساسة المصريين حول تبعية السودان لمصر وحق مصر في السيادة علي السودان. هذا بالإضافة إلى اشتراك مصر الفعلي في غزو السودان وتدمير الدولة المهدية ألام.
وحتى علي المستوي المحلي، واجهت المهدية الثانية صعوبات جمة. فقد وقفت الفظائع التي ارتكبت في عهد الخليفة عبد الله ضد كل قبائل السودان تقريبا، حاجزا صلبا بين قطاعات كبيرة من مسلمي السودان وبين دعوة المهدية الثانية.
وكان هذا الوضع المعقد يحتاج رجلا استثنائيا آخر قادرا على أن ينهض بدعوة سياسية متماسكة بناءا علي كل هذا الإرث المنفر. وكان هذا الرجل هو عبد الرحمن المهدي. لقد تبني السيد عبد الرحمن المهدي خطابا سياسيا يحتوي علي المعلن (الدعوة إلى الاستقلال) والمضمر (إعادة الدولة المهدية). وكان السيد عبد الرحمن المهدي ذكيا ذكاءا أسطوريا وهو يختار هذا المنهج. ففي الجانب المعلن من دعوته للاستقلال تحت الشعار الغامض (السودان للسودانيين)، استطاع أن يكسب إلى جانبه العديد من السودانيين من غير الأنصار والذين يرفضون مجرد فكرة الهيمنة المصرية. كما استطاع أن يكسب، لحد ما، رضي بريطانيا التي تنكر مثله حق مصر في السيادة علي السودان. وهي، أي بريطانيا، كانت في حاجة فعلية لتيار سياسي قوي ينادي باستقلال السودان بعيدا عن الاتحاد مع مصر، رغم تحفظاتها علي الجانب غير المعلن من الخطاب السياسي للسيد عبد الرحمن المهدي. وبالمثل فقد كان السيد عبد الرحمن المهدي في حاجة فعلية لرضي أحد طرفي الحكم الثنائي وبالضرورة لن يكون هذا الطرف هو مصر بسبب موضوع السيادة علي السودان ودعمها المكشوف لخصومه الاتحاديين.
وكان الخطاب السياسي للسيد عبد الرحمن المهدي متماسكا في مراميه النهائية. فالاستقلاللديه، كان يعني خروج الدولتين المستعمرتين من السودان وعودة السودان (للسودانيين)، أي عودة السودان لما كان عليه قبل احتلال المستعمر الإنجليزي - المصري. وهكذا فان البديل الوطني للاستعمار هو المهدية الثانية وليس الاتحاد مع مصر كما ينادي المشروع الاتحادي، المنافس القوى للمشروع الاستقلالي. إذليس من القبول لدى قطاع كبير من السودانيين، بما فيهم بعض المثقفين، أن يكون البديل الوطني للاستعمار هو الاتحاد مع إحدى الدولتين المستعمرتين.
وكان السيد عبد الرحمن المهدي يعرف تماما أن استقلال السودان تمنحه بريطانيا وليس مصر. فمصر نفسها كانت تحت الاحتلال البريطاني المباشر منذ القضاء على ثورة عرابي عام 1882. لهذا فقد حاول السيد عبدالرحمن بشتى السبل وفي كل المناسبات أن يطمئن بريطانيا وبلغة دبلوماسية رفيعة، بان دولة الأنصار، إذا عادت، فسوف تكون دولة صديقة لبريطانيا.وأنها تحت قيادته ستكون دولة متحضرة تنبذ العنف والحروب، بل وديموقراطية. وهذا هو مغزى إهداء السيد عبد الرحمن سيف الإمام المهدي لملك بريطانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ففي هذه المناسبة كان السيد عبد الرحمن يخاطب ملك بريطانيا العظمي بلغة دبلوماسية عبقرية، لا تزال غير مفهومة للكثيرين الذين لم يروا من هذا التصرف سوي جانبه الميكانيكي المباشر. لقد كان حوارا دبلوماسيا راقيا بين ملك وملك. كان السيد عبد الرحمن من خلال عملية إهداء السيف علي الرغم من تحذير سلطات السودان للوفد بعدم تقديم هدايا للملك، كان يوصل رسالة لملك بريطانيا مفادها أن دولتي القادمة ستكون صديقة لبريطانيا، وهذا هو مغزى الإهداء، وأنها سوف تنبذ العنف والحروب، وهذا مغزى أن تكون الهدية هي سيف المهدي المجاهد. ثم ثمة رمز آخر في هذا السيف.فهو السيف الشاهد علي الحق التاريخي للسيد عبد الرحمن المهدي في حكم السودان، وهو يعرف أن الإنجليز، خاصة علي مستوى الأسرة المالكة يقدسون مثل هذا الحق التاريخي، لأنهم موجودون على العرش البريطاني بسببه.
ولا شك في أن مستشاري ملك بريطانيا قد صرفوا زمنا وجهدا كبيرين في إعداد إجابة دبلوماسية علي نفس مستوي رسالة السيد عبد الرحمن، فهذه المسائل لا تتم بالعفوية و التلقائية التي يظنها الناس.ولا شك أن تأكد البريطانيين من نية السيد عبد الرحمن تقديم هديته رغم اعتراض حكومة السودان قد أثار وسطهم بلبلة وارتباكا. ولم يكن أمام بريطانيا سوي أن تعلن موقفها الرسمي ضمن تصرف الملك وهو يواجه هذا الامتحان العسير من قبل هذا السياسي الفذ القادم من وراء البحار. وهكذا جاء رد الملك دبلوماسيا رفيعا لكنه يحمل إجابة واضحة علي عرض زعيم الأنصار. وكان مغزاه أن لا دولة لكم في السودان الآن، وستظلون جزءا من الإمبراطورية البريطانية.وكانت الصيغة الدبلوماسية لذلك الرد هي أن يقبل الملك الهدية، أي يقبل يد الصداقة التي مدت له، ثم يرد السيف لصاحبه مرة أخرى مع عبارة تعني أن الملك يرد لكم السيف لتدافعوا به عن الإمبراطورية البريطانية. أي لا دوله سوي الإمبراطورية. وهذه إجابة مدروسة وليس تصرفا تلقائيا، ولا يمكن أن تكون إلا من إعداد عباقرة الدبلوماسية في بريطانيا في ذلك الزمن.
ومن مواقف السيد عبد الرحمن التي أسئ فهمها رغم اتساقها مع طرحه السياسي، موقفه من المؤسسات الدستورية التي بدأت الحكومة الاستعمارية البريطانية إدخالها ضمن نظام الحكم في السودان، مثل المجلس الاستشاري عام 1942 والجمعية التشريعية عام 1948. فبغض النظر عن جدواها في مجال إشراك السودانيين في الحكم من عدمه، فإنها كانت تعني، من حيث هي مؤسسات دستورية، أن السودان دولة أخرى وليس إقليما مصريا. فلو كان إقليما مصريا لترك أمر تطوير نظام الحكم فيه لمصر، ووفق نظام الحكم الملكي المصري. لهذا كانت الحكومة المصرية تعارض بشدة قيام هذه المؤسسات الدستورية في السودان. وكان رد مصطفي النحاس رئيس الوزراء المصري في أغسطس عام 1939 علي طلب حكومة السودان الموافقة علي قيام المجلس الاستشاري، هو تأكيد موقف مصر الرافض لقيام مثل هذه المؤسسات باعتبار أن مصر والسودان بلد واحد، وهي لا تري في مثل هذه المؤسسات سوي أنها(ترمي إلى فصل السودان عن مصر) . ونفس هذا الموقف وقفته الحكومة المصرية من الجمعية التشريعية ولنفس الأسباب الاستراتيجية.
وما كان أمام السيد عبد الرحمن، ومن منظور استراتيجي أيضا، إلا أن يقف موقفا مناوئا لموقف الحكومة المصرية. فأي شيء ، أهون من الاعتراف بأن السودان ما هو إلا إقليم مصري. وإذ كان قيام مثل تلك المؤسسات يعني فصل السودان عن مصر فهو أول الداعين إلي ذلك علانية، ولابد له من تأييدها.
كان موقف السيد عبد الرحمن المهدي ومشروعه الديني الرامي إلي إعادة الدولة المهدية، موقفا دقيقا للغاية، فمصر لن تقبل قيام دولة ( دراويش) علي حدودها الجنوبية، هذا إن قبلت أصلا مبدأ فصل السودان عن مصر. وبريطانيا لن تسلم السودان لابن المهدي الذي ما جاءت جيوشها للسودان أصلا، إلا لتدمير دولته. غير إن السيد عبد الرحمن قد ظل يلعب علي التناقض القائم بين دولتي الحكم الثنائي تجاه مستقبل السودان. فبريطانيا أيضا لن تقبل أن يصير السودان جزءا من أملاك ملك مصر. وهي تري أن السودان يجب أن يكون دولة مستقلة ذات سيادة وديمقراطية ومرتبطة بالكومنويلث وبعيدة عن أسرة المهدي. وهذا الموقف البريطاني ثابت في العديد من الوثائق، وليس أدل عليه من اعتراف السكرتير الإداري لحكومة السودان بأنهم قد( شجعوا إلي حد ما قيام هذا الحزب (الحزب الجمهوري الاشتراكي) الذي جمع زعماء القبائل باعتبار انه سيعمل للاستقلال بعيدا عن أسرة المهدي)
كما أن هذا الموقف البريطاني محدود بدقة في مذكرة مكتب الحاكم العام التي بعث بها إلى وزارة الخارجية البريطانية في الثالث عشر من أغسطس 1954. فقد جاء فيها (إنه من المعلوم أن هدف السياسية البريطانية هو قيام سودان مستقر، حسن الحكم، مستقل عن مصر، وفي علاقات ودية مع بريطانيا، وخاضع للنفوذ البريطاني)
إذن فإن التناقض بين دولتي الحكم الثنائي بشأن مستقبل السودان، قد منح السيد عبد الرحمن المهدي زعيم المشروع الاستقلالي الديني، الرامي إلى إعادة الدولة الوطنية المهدية، قد منحه فرصة تمرير خطابه السياسي المزدوج بين الدعوة للاستقلال علي الأسس العلمانية وبين الدعوة إلى إعادة الدولة الدينية علي أسس شمولية.
فالهدف الأقرب هو الاستقلال، ولا ضير من العلمانية التعددية العلمانية حتى يتحقق، وبعدها لكل مقام مقال.
وكان السيد عبد الرحمن واثقا من اكتساح حزبه لأول انتخابات برلمانية تجري في السودان علي أسس لبرالية تعددية. وبعد أن يتسلم حزبه مقاليد السلطة، ف (لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب، ديننا الإسلام و وطننا السودان).وهكذا فان زعيم الأنصار ما كان يظن بان الأمور سوف تسير بغير ما خطط لها، وأن حزبه لن يكتسح أية انتخابات في السودان منذ انتخابات الحكم الذاتي وحتى انتخابات عام 1986، وأنقدر حزبه هو أن يعاني ازدواجية خطابه السياسي القديم، تلك الازدواجيته التي بدأت تكتيكية ثم صارت طبيعة لصيقة بالحزب كلما صار تحديد موقف للحزب بين العلمانية التعددية والشمولية الدينية ضرورة لا مهرب منها.
3 - المأزق التاريخي أو المهدية الثالثة
لم يؤثر عن أئمة الأنصار منذ السيد عبد الرحمن المهدي، فابنه السيد الصديق المهدي ثم السيد الهادي المهدي، لم يؤثر عنهم بذل أية محاولة لتأسيس خلفية فكرية أو سند تنظيري فلسفي للدعوة المهدية، كما لم يؤثر عن أي واحد منهم محاولة مد جسر دعوية مع أية حركات إسلامية خارج البلاد. ولعل القائد الأنصاري الوحيد الذي حاول ذلك هو زعيم حزب الأمة السيد الصادق المهدي. وحتى الصادق المهدي، مع كل ما حاز من ثقافة رفيعة، لم يستطع إلا أن يكون توفيقيا في طرحه الإسلامي. فهو قد ظل، ولا يزال، يحاول تجسير الهوة التاريخية - المفهومية - الثقافية بين الشورى والديمقراطية. أما في محاولته إيجاد جسر مع الحركات الإسلامية خارج السودان، فلم يسعفه في هذا المجال سوي الثورة الإيرانية، وذلك لأنها هي الأخرى شديدة الخصوصية والمحلية من حيث هي شيعية مغلقة أمام العالم الإسلامي السني. وقد ذكر الصادق المهدي في هذا المجال: (إن المهدية كانت جسرا بين الشيعة والسنة، إذ أقامت أسسها التوحيدية علي السنة، بينما قيادتها علي مفاهيم الشيعة)
وفي واقع الأمر، فان العقيدة الأنصارية ليست في حاجة إلى تنظير ديني أو سياسي، فهي تقوم علي إيمان مطلق بمهدية الإمام المهدي المنتظر وعلي قناعة لا تتزعزع في عودة الدولة المهدية، ما بقي بيت الإمام المهدي يخرج القادة الأفذاذ للأنصار وللسودان. وكان يمكن للأمر أن يستمر هكذا، ويستمر باستمراره الخطاب السياسي المزدوج والغامض الذي ورثته المهدية الثالثة من المهدية الثانية، والذي يجمع بين النقيضين، العلمانية الديمقراطية والشمولية الدينية، لولا ظهور الإسلاميين الراديكاليين في الساحة السياسية السودانية، كحزب سياسي عقب ثورة أكتوبر عام 1964م.
جاء هؤلاء إلى الساحة وفي جعبتهم أدب إسلامي ضخم في السياسة والاقتصاد والآداب والاجتماع من إنجاز( الإخوان المسلمون) في مصر وبقية العالم الإسلامي. لهذا فقد شكلوا بطرحهم الإسلامي القوي فضحا لضعف الطرح الإسلامي للمهدية الثالثة. غير أن هؤلاء لم يكونوا عند ظهورهم، في موقف بسمح لهم بتفجير تناقضاتهم معها، حتى إن (حزب الأمة) لم يشعر بالحرج وهو يتبنى شعارهم حول أسلمة الدستور من داخل الجمعية التأسيسية الثانية بعد ثورة أكتوبر 1964، وذلك لقلة شأنهم في الشارع السياسي السوداني.بل أن الدستور الإسلامي كان هو الشعار الذي سيخوض به إمام الأنصار السيد الهادي المهدي انتخابات رئاسة الجمهورية لولا وقوع انقلاب 1969.
وضع الانقلاب اليساري القومي العربي، المهدية الثالثة أمام مأزقها التاريخي المتمثل في ضرورة تحديد موقف واضح بين العلمانية التعددية والشمولية الدينية، فقد كانت الجبهة الوطنية المعارضة لحكم الانقلابيين تضم الجناح الإسلامي الراديكالي بقيادة دكتور الترابي والجناح العلماني الديمقراطي بقيادة الشريف حسين يوسف الهندي، وكان علي (حزب الأمة) أن يكون ثالث ثلاثة وأن يتكلم بلسانين. ووجدت المهدية الثالثة نفسها تواجه مأزقها التاريخي علي الرغم من أن (حزب الأمة) كان هو صاحب القوة الضاربة الحقيقية من المجندين الأنصار داخل (الجبهة الوطنية)، فقد ظلت العقيدة الأنصارية شبه السرية في حتمية إعادة الدولة المهدية وراء سهولة جمع الأنصار وإرسالهم إلي معسكرات التدريب في أثيوبيا وليبيا. وعندما انطلقت مليشيات الجبهة الوطنية من ليبيا لغزو الخرطوم وإسقاط نظام نميرى في يوليو 1976، فان التناقض في أهداف الحلفاء كان من العمق بحيث لم يسمح لحركتهم بالنجاح. كان الصادق المهدي يقول لشريكيه في الجبهة الوطنية، الشريف الهندي وممثل الإسلاميين بان (الأنصار قد انطلقوا نحو الخرطوم وفي ذهنهم تكوين الدولة المهدية الثانية)
وكان الشريف حسين الهندي ينتظر من تلك المليشيات إعادة الديمقراطية، بينما كان الإسلاميون الراديكاليون يحلمون بإقامة الدولة النموذج. وكان علي زعيم الأنصار أن يقول للديمقراطية نعم وأن يقول للدولة الإسلامية نعم وأن يحمس مليشيات الجبهة الوطنية علي إعادة الدولة المهدية، كل ذلك في جملة سياسية واحدة.
وأخذ مأزق المهدية الثالثة يزداد تفاقما كلما قويت شوكة الإسلاميين الراديكاليين. فقد ظلت المهدية أساسا وقاعدة قوية للدولة الدينية منذ بدايات الحركة السياسية السودانية، وقد قادت المشروع الديني وسط صعوبات لا حصر لها، ولكن بحكم أيديولوجيتها المنعزلة وشديدة الخصوصية، وبحكم هدفها الذي تأسست عليه والمتمثل في إعادة الدولة المهدية التي تجاوزها التاريخ، لا تستطيع أن تقود مسيرة الدولة الدينية في محتواها الراديكالي كما تسعي لها الحركات الإسلامية الحديثة.
وبوقوع انقلاب الإسلاميين الأخير عام 1989 وصلت الحركة السياسية السودانية كلها إلى مفترق الطريق الأساسي، إما دولة ديمقراطية تعددية علمانية، وإما دولة شمولية دينية. وعلي كل الفعاليات السياسية السودانية تحديد مواقفها بوضوح. هنا يسقط لأول مرة، وللأبد الخطاب السياسي المزدوج للمهدية، التي ظلت قيادتها تتحاشى هذا الموقف، وظلت تتحدث بلسانيين طيلة الحقب الماضية. ولعل هذا هو سبب تذبذب موقف حزبها إزاء قوانين سبتمبر 1983، وإزاء اتفاقية الميرغني – قرنق، وإزاء معارضة نظام الإسلاميين الحالي منذ لحظة استيلائهم علي السلطة وحتى ألان . فكل هذه القضايا كانت تتطلب أن تفعل المهدية الثالثة أصعب مهامها على الإطلاق، وهي مهمة توضيح موقفها بلا مواربة نحو الاختيار بين الدولة الشمولية الدينية والدولة الديمقراطية العلمانية.
ولاشك أن القيادة الحالية تعي، ولا ينقصها الذكاء، بان أي طريق سلكت من الطريقين فثمة خطر داهم. فالانحياز للدولة (الدينية) القائمة سوف يفقدها العديد من مناصريها، والانحياز للدولة الديمقراطية (العلمانية) التي تسعى لها المعارضة سوف يفقدها، هو الآخر، العديد من مناصريها. هذا بالإضافة إلى انها سوف تكون تابعة لو انضمت للإسلاميين وتائبة لو انضمت لدعاة الدولة المدنية، ولم تعد القائدة في أي من الجانبين. وهذا المأزق تحديدا هو ما يدفع بالسيد الصادق المهدي للبحث، عند احتدام الصراع بين الدولة الدينية بقيادة (الحركة الإسلامية) والدولة المدنية بقيادة (الحركة الشعبية لتحرير السودان والقوى الحديثة الأخرى)، هذا ما يدفع به للبحث عن (الطريق الثالث)، فانتصار أي من الدعوتين لا يتماشى مع خط المهدية الازدواجي، فالطريق الثالثة هي محاولة لإطالة عمر الازدواجية، وبالتالي إطالة عمر المهدية الثالثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.