[email protected] التقيتها في زمان كان يرسم على زبد الأفق لحظات التجلي الحالمة بيقظة الحنين، فاستدعيتها من براكين الإلفة ولوعة الدروب المرهقة بوجد التمني وشق الأنفس. كان فرحي بها نبضاً يآلف بين زحمة الطلوع من أعطاف الأفق وميقات العبور لدفئها الجريء. لم أستبق ولهي إليها عبوراً من أزمنة تحررت من الشبق وتسللت إلى ذاكرة الجسد العاري مواقفاً ترتجى وأسفاً عميق. استبقتها إإلى الفرح الملون بالعافية وشهد النقاء العذب حين استرسلت أشواقي بين محطات النبوغ وإرهاصات الوجد المغلف برحيق المواقف المباحة وهاجس النشوة القديم. صدقيني أن فرحي بلقائك كان يسد منافذ الأرصفة لطرق لا يعبدها المسير ولا مواكب النضال الحثيثة. كنت أرتقب لحظة الميلاد أن ترسم في أمنيات الغيب عبقاً جديداً. كنت أختزل محاصيل المودة في جروف المدن البعيدة وهي تغازل وحي القصائد بعينيك وتعيد لزمن المعرفة أهازيج المحبة في دواخل السراب فيفيض المدى عذوبة وتتوهج الحروف بلغة تكسرت أحجارها على أعتاب الليل وهي ترحل من قرى متصدعة بالدهشة ومتخمة بالزاد والحلوى وأحاديث الصبايا عن مرتع الضحى وأواخر الطريق. ما بين أرض بنيت على يقين الزهو بقدراتك اليانعة، كان يقيني أنك مداخلاً للخروج من بؤس اللغة الساذجة لزهور بكفها بساتين عطاء سرمدي تنتهجه جسور التوحد المفعم بجمال البوح وهمس العصافير وهي ترمي مجاهل الزيف بحجارة من سجيل وتصدح بعبارات مموسقة لحلم ينتظر الصباح ألا يجيء، وأسماك القرش تتربص بالمشاة على حافة البحر والندى، والموج يرفع جزر التوبة في محيط يسكن جوف محارة مثل لؤلؤة نائمة بين صمت الترقب وبكاء الأشرعة وهي تنبيء بالعاصفة والصبر الجميل. اخترق سهمك فواصل الجرح في صدر السحاب ومطر بوحك لم يزل نجوى وعشق مستهان. لم أبتدر احساسي بلهفة القدر إليك ولم أتواصل مع زفير الأفئدة وهي تتوسل لوجهك المقدس حين تعمده آلهة الإغريق وتستجديه معالم الصحو في شفتيك مأدبة لشمس سكبت عصيرها على معالم الطريق بين رفعة الحضور وتصفيق المغيبون عن جنح الظلام. البحر في عينيك لم يسكن موجه توقاً إليك ولم يتعطر بقهوة الإلهام حين تبتدره قصائد الموت وطاعون النَفس الأخير. مباركة كانت غزوة الأحزاب وهي تستلهم مواسم الهجرة إلى كهوف النجاشي ولم ينبئها فرعون بأن موسى كان له هامان آخر لم يبن له من الطين المحروق صرحاً يطل به على إله موسى، وأن زليخة تحدت جدر الصبح لتعبر نهر النيل إلى الفرات حيناً وإلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار حيناً آخراً وقميص يوسف قد من دبر ومن كيد عظيم. إني أتناثر في أفق ذهولي يا امرأة أسعدتني معرفتها وأرقني رحيل شوقي إليها بعد أن أغمضت عينيها عن صمت طويل سحب بساط الخاطر من تحت أقدام النخيل فأزكت الحقول بنكهة ضوئها الخانق وأفئدة الظلام ترنو إليها و لا تستجيب. معذرة يا امرأة حيرتني ذات مساء ثم تحولت بين وهلة وضحاها لأنثى من ورق البردي وجبروت السكون، ومن ماء حفظ على ساق التبلدي لوثة العطش وجنون الأنهار، ومن نغم لم يعد يتجدد في دمائي ولا يحث أنسجتي أن تنهض من جديد لتفتح مسام الشوق الذي تهاوى بين يديها مطراً من أوردة العطر وشجراً من عشب النبيذ. كم كنت سعيداً بك ولكن للسعادة نبض الكبرياء وللحزن أجر الرحيل، فوداعاً يا امرأة لم تكتمل بعد بدواخلي وآثرت أن ترسم هياكل الظلال على بوابات الشمس حصاناً لن يدك حصن طروادة ولن يعتلي جبال الأولمب ولن يفتح نوافذ الرجاء لشعاع استوائي ولا لبيت عتيق. مدخل للخروج: إني أسحب أقدامي من تحت بساطك أرتحلُ ..و أقول وداعاً قد سبقت حزني من بعدُ ومن قبلُ.. نظرات صرت أُخبؤها برموش الطرف المنهطلُ.. إني لا أملك أقداري لا أملكُ في شمسك ظلُ.. لكني املك احساساً عذباً كالورد به طلُ.. الآن سأختم كلماتي لا أسفٌ يبدو لا خجلُ.. هذي الأيام سأدفنها لكن بالذكرى احتفِلُ.