ما بين مؤيد ومعارض لاتفاقية الكوميسا من منظور أثرها على الإقتصاد السوداني ورفاهية الفرد والمجتمع، عقدت الدائرة الاقتصادية بركائز المعرفة للدراسات والبحوث ورشة عمل بعنوان: أثر اتفاقية الكوميسا على الإقتصاد السوداني ، وبما أن التبادل التجاري بين الدول أصبح من الأهمية بحيث صار يشكل وسائل ضغط ويفرض أو يغير سياسات دول تجاه دول أخرى، وأصبحت التكتلات الإقليمية ضرورة ملحة تفرضها الأوضاع الإقتصادية والسياسية على المحيط الإقليمي والدولي، وفي ظل العديد من التحديات التي يعيشها السودان حالياً من قيام دولة جديدة وما ترتب على ذلك من خروج البترول وقد كان أهم الركائز الإقتصادية له ، والسياسات التحريرية للإقتصاد إضافة للأزمات العالمية والضغوطات الخارجية يفرض سؤال نفسه ، هل إتفاقية الكوميسا أو ما يعرف باتفاقية السوق المشتركة لدول جنوب وشرق أفريقيا هي الحل ؟ قدم الورقة الباحث بابكر حامد الناير مستعرضاً راي الجانبين والفرص والمميزات التي توفرها الإتفاقية ، وابتدر الورقة بتعريف الكوميساً " COMESSA (Common Market for Eastern and Southern Africa) تعني السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا. وتم توقيع الاتفاقية في نهاية العام 1994م لتحل محل اتفاقية منطقة التجارة التفضيلية PTA والتي نشأت في نهاية العام 1981م ودخلت حيز التنفيذ في نهاية العام 1988م . وتضم في عضويتها الآن 19 دولة هي : السودان – مصر – بوروندي – رواندا – سوازيلاند – ملاوي أوغندا – زامبيا – زمبابوي – موريشيوس – سيشل – ارتريا – جيبوتي – أثيوبيا – كينيا – جزر القمر – مدغشقر – الكونغو الديمقراطية - ليبيا. ويقطنها ما يقارب 389 مليون نسمة وتصل وارداتها السنوية إلي 32 مليار دولار فيما تبلغ صادراتها حوالي 82 مليون دولار أمريكي ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول أكثر من 230 مليون دولار وبذلك توفر سوقاً رئيسة عالمية للتجارة الداخلية والخارجية " وذكر الباحث معدداً بعض أهداف التجمع في التوصل لنمو متواصل وتعزيز العلاقات ودفع عجلة التنمية ، ومعدداً أيضاً للمجالات التي تتطرق إليها الاتفاقية ذكر منها ، تحرير التجارة والتعاون الجمركي لإنشاء إتحاد جمركي وإلغاء العوائق الجمركية وغير الجمركية بين الدول الأعضاء ، النقل والمواصلات بتشجيع التعاون من أجل تسهيل عملية نقل السلع وتسيير انتقال عوامل الإنتاج والأشخاص إضافة لمحوري الصناعة والطاقة بتبني معايير ونظم قياسية ومعايير جودة موحدة، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار ، كذلك التمويل وذلك لتوحيد السياسات الاقتصادية الكلية وتسهيل قابلية تحويل العملات تدريجياً ، ومنها الزراعة بغرض المساهمة في مجال التنمية الزراعية وإتباع سياسة موحدة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بتنسيق الجهود لتحقيق تنمية مستدامة من خلال جمع وتحليل البيانات وإزالة العقبات. وعن المزايا التي تعود علي السودان من الانضمام للكوميسا والمعوقات التي تحد من استفادة السودان للانضمام للمنظمة أوضح أن مواجهة تحديات العولمة ومخاطرها تستدعى إعداد أنفسنا وفق خطة قومية تغطى كل مناحي الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال رؤية مستقبلية يتم على ضوئها بناء السودان القوى القادر على مواجهة تلك التحديات ويتجاوز بها مخاطر التهميش والتفريط على ثوابت الأمة وعقيدتها وارثها الحضاري وإرادتها النافذة وتتمكن من كسر طوق العزلة التي تفرضها علينا العولمة والأزمات الاقتصادية في ظل هذه العولمة (الأزمة المالية العالمية) ، وذكر ، أن استحقاقات التعامل الواثق مع تداعيات العولمة يتطلب عدة أمور متداخلة ومتكاملة. ومن أبرز هذه المقتضيات التطور الاجتماعي والسياسي والإداري، من خلال تحقيق التنمية البشرية الكاملة لكل المجتمع وتوفير الفرص المتساوية والحفاظ على عقيدتها ومقاصدها الشرعية. وتعتبر هذه المقتضيات أهم متطلبات إيجاد مجتمع متماسك يتمتع بالوئام الاجتماعي والوفاق السياسي واللذين يعتبران من أهم متطلبات تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والأساس المتين لإيجاد فرص لبناء مجتمع متماسك يعتمد عليه في إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية راسخة تؤهل البلاد لمواجهة تداعيات العولمة وتزيل عنها مخاطر الهيمنة والاستهداف السياسي . أما فيما يتعلق بالعلاقات الدولية بين الدول والأقاليم المختلفة فقد ذكر أن التعامل مع العولمة والتعايش مع المجتمع الدولي في ظل المنافسة الشرسة و في الأسواق المعولمة واحتكار الأسواق بواسطة الشركات العملاقة عابرة القارات، يقتضي التعامل الإستراتيجي المرن المتعدد المراحل مع احترام المصالح المشتركة بين الدول والتكتلات الإقليمية التي ينتمي إليها السودان ، وبيّن أن من تحليل الإمكانات المتاحة للسودان في الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية في المجالين الإفريقي والعربي، أن إمكانية الاحتماء بملاذ تكتلي في المحيطين الإفريقي والعربي غير متاح في المدى القصير، على الأقل، وإن الاستفادة من انضمام السودان إلى الكوميسا أو منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى تبدو محدودة جداً نسبة لضعف القدرة التنافسية لمنتجاتنا ومحدودية تنوع صادراتنا ، وأستطرد مؤكداً أن انضمام السودان للكوميسا حقق عدداً من المكاسب الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ذكر منها: الارتباط بسوق كبير يبلغ حوالي 389 مليون نسمة وما يمتلكه من فرص متاحة أمام الصادرات السودانية ، وإمكانية أن يصبح السودان جاذباً للإستثمارات من دول الكوميسا نظراً لما يتمتع به من موارد طبيعية وثروات هائلة، إضافة لإمكانية إستيقائه احاجته من المنتجات باستيراده لما يحتاجه من سلع ضرورية بإعفاء كامل من الرسوم الجمركية من بعض دول المنظمة ،والتي ستنعكس إيجابيا على رفاهية المستهلك ، وذكر منها أيضاً التسويق للعديد من المنتجات السودانية لسوق الإقليم كالقطن،المنتجات الدوائية،البترول وغيره وفتح أسواق خارجية ، كما أن اختيار السودان كمقر لإحدى أهم مؤسسات السوق المشتركة، محكمة عدل الكوميسا وهذا يعتبر مكسبا للسودان بتوفير فرص عديدة واكتساب الخبرات والتأهيل للكوادر القانونية وغيرها من المكاسب. أما علي الصعيد الاجتماعي فقد ذكر أن تخفيض أعباء المعيشة وزيادة الرفاهة الاجتماعي باستيراد سلع بتفضيلات جمركية أو بدون رسوم جمركية ، إضافة إلى أن السودان أصبح من الدول التي تشارك بفاعلية في العديد من الأنشطة ونال مشاركوه ثقة الدول الأعضاء وأصبح السودان عضوا في العديد من اللجان التي شكلتها الكوميسا خاصة في مجالات التجارة، الجمارك، الطيران المدني، المواصفات والسياسات النقدية والمالية وغيرها. وعلي الصعيد السياسي ذكر أن المكاسب تتمثل في تقوية العلاقة السياسية بين دول الإقليم والتعاون المتبادل في شتي المجالات وتحقيق الأمن والسلام بالسودان وأكّد أن ذلك ظهر جلياً في الدور الذي لعبته لجنة الأمن والسلام بالكوميسا في حل عديد من المشاكل ، و في جانب التبادل التجاري أوضح أن التجارة البينية في إطار الكوميسا ضعيفة وفي عجز مستمر. وذكر مبيناً لبعض الخلاصات إلى أن الميزان التجاري مع دول الكوميسا ظل يشكل عجزاً مستمراً في الفترة من 2001م – 2011م ومتصاعداً نتيجة لضعف الصادرات السودانية لدول الكوميسا مقابل الواردات منها ، وأن نسبة حجم الصادرات السودانية إلى دول الكوميسا مقارنة مع إجمالي صادرات السودان الكلية خلال فترة الدراسة ضعيفة جداً بمتوسط 2,2 % فقط ، مقابل 6,9% متوسط حجم الواردات من دول الكوميسا لنفس الفترة مما يدل على ضعف التبادل التجاري بين السودان ودول الكوميسا كتكتل اقتصادي إقليمي مهم في المنطقة مقارنة مع الدول الأخرى ، وأرجع ذلك لضعف الميزة التنافسية للصادرات السودانية رغم وجود الحوافز والامتيازات التي توفرها الاتفاقية ، مما يعني أن انضمام السودان للكوميسا ذو مردود سلبي من حيث مؤشر الميزان التجاري . وأوصى بأن الإستمرار في الاتفاقية يمكن السودان من الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة ويؤدي إلى فتح فرص أمام انتقال التقنيات الحديثة والتدريب مع معالجة الخلل في الميزان التجاري بخلق ميزة تنافسية وقيمة إضافية للصادرات السودانية ، خاصة وأن السودان لديه ميزة تنافسية في بعض السلع الأولية غير البترولية كالصمغ، القطن، السمسم، والحيوانات الحية ...الخ ، كما أوصى بضرورة تشجيع البحوث التطبيقية وترقية أدائها ودعمها ، والاستفادة منها، إضافة للمراجعة الدورية والمستمرة لوجود السودان في الاتفاقية وما حققته من فوائد والاستفادة من الفرص المتاحة التي توفرها الاتفاقية ، والتوسع بصورة أكبر في العلاقات التجارية مع دول أخرى في اطار الاتفاقية وعدم التركيز على دول محددة ، مع ضرورة إصلاح هيكل الصادرات لصالح الصادرات غير البترولية ، وتطوير البنية التحتية المناسبة لتسهيل عملية التبادل التجاري كالطرق والمواصلات ، الاتصالات ، تقنية المعلومات ، الكهرباء والطاقة ، الخدمات، القطاع المصرفي الفعال ، الاهتمام بالقطاع الخاص ودعمه وتشجيعه ورفع وعيه في النفاذ والارتياد إلى أسواق الكوميسا والاستفادة من المؤسسات التمويلية التي تتبع للمنظمة مثل بنك التجارة التفضيلية ، استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج لرفع الإنتاج والإنتاجية وتخفيض تكاليف الإنتاج للمستوى التنافسي ، وأوضح أنه من الممكن الاستفادة من الاستثمارات المصرية في مجال التصنيع بغرض تحويل المواد الخام الأولية إلى منتجات نهائية مصنعة أو شبه مصنعة لزيادة التنافسية والاستفادة من القيمة المضافة في ظل عدم مقدرة السودان علي ذلك وأخيراً التوسع في المناطق الحرة بالسودان.