انتهي احتلال هجليج, و عادت لحضن الوطن, و تبقي تبعاتها الأخرى, و التي سوف لن تكون في مصلحة القوي التي اختارت الكفاح المسلح كوسيلة لإسقاط النظام , كان من المتوقع أن تقيم قوي المعارضة الحاملة للسلاح, و خاصة الحركة الشعبية قطاع الشمال, إستراتيجية دولة الجنوب, التي كانت قائمة علي احتلال هجليج, و معرفة نتائج تلك الإستراتيجية, من المكاسب و الخسائر السياسية, و التي جاءت من جراء تلك الإستراتيجية, و لكن سكت الجميع عن عملية التقييم و النقد للعملية, و الاستعاضة عن ذلك بالتركيز علي منهج الإنقاذ, و المعروف منذ استلامها السلطة عام 1989 , و هذا يؤكد أن هناك فعلا قصورا كبيرا في الآلة السياسية للجبهة الثورية, و أن تحالفاتها تقيدها أو بمعني أصح تمنعها أن تمارس مثل هذا العمل, و إلا كانت قد قيمت تلك الإستراتيجية تقييما علميا دون انفعال, و هذا يعد من أهم الركائز الثورية, أن تقف علي العوامل التي تساعد الثورة علي النجاح و العوامل التي تعيقها. إن إستراتيجية الحركة الشعبية لاحتلال هجليج, كانت انعكاساتها السالبة كلها تقع علي الجبهة الثورية, وقد أعطت المبادرة لنظام الإنقاذ, بعد ما كان في موقع الدفاع تحول إلي موقع الهجوم, ليس في الساحة العسكرية فحسب, إنما في الساحة السياسية و خاصة في قضيته مع دولة جنوب السودان, و إذا استطاعت حكومة الإنقاذ أن تدير معركتها السياسية في الساحة الدولية, و خاصة في مجلس الأمن و الاتحاد الأفريقي, سوف تخنق الجبهة الثورية, و تجعل دولة الجنوب في الموقف الضعيف, مما يضطرها لقبول الحلول الوسطي, بدلا عن رفع سقف المطالب. أثناء احتلال هجايج, طرحت دولة الجنوب و علي لسان أمين الحركة الشعبية باقان أموم, و وزير إعلام دولة الجنوب برنابا بنجامين, و نائب رئيس الدولة ريك مشار, أنهم سوف يسحبون قواتهم من هجليج, علي أن ينشر مراقبين دوليين في المنطقة لمنع دولة السودان قصف مناطقها من المنطقة, و بعد الاحتلال رفض السودان نشر مراقبين دوليين علي أراضيه و جاء ذلك علي لسان نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه, و أيضا من وزارة الخارجية و لكنها فضلت وقف كامل لإطلاق النار, و اعتقد أن حكومة السودان رفضت ذلك تكتيكا, و هي تعلي من صيحات الرد علي العدوان, باعتبار أن لها الحق في الرد, كل ذلك يعتبر وفق إستراتيجية أن يتدخل المجتمع الدولي, و يتعامل مع القضية دون حيادية, و بالتالي تقبل بالمراقبين علي الخط الطولي للحدود, و سوف تجري المساومة علي الدول التي تبعث بمراقبين دوليين, علي أن لا يكونوا من الدول التي تعاضد دولة الجنوب, و في ذات الوقت تحمل دولة الجنوب مسؤولية أية هجوم يأتي علي حدودها من الجنوب, ثم تطالب دولة الجنوب فك الارتباط بين جيش الحركة الشعبية في دولة الجنوب و في قطاع الشمال, و كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية حليف دولة الجنوب قد جاء علي لسان رئيسها باراك أوباما, أن توقف دولة الجنوب دعم المجموعات السودانية الحاملة للسلاح, و بالتالي سوف تقف مع إستراتيجية حكومة السودان. تدير دولة الجنوب هذا التفاوض, بعد ما وجدت إدانة من المجتمع الدولي, و في نفس الوقت أضاعت القدرة علي المبادرة, إلي جانب أنها لا تستطيع رفض المراقبين, و علي طول الخط الحدودي بين البلدين, و إنها لن تستطيع في ذات الوقت وقف تصدير النفط طويلا, لآن الأمر سوف ينعكس علي معاناة شعب الجنوب, لذلك هي سوف تقبل الحل الوسط. و إذا نظرنا للسياسة الضاغطة أيضا علي دولة الجنوب مشروع القرار الذي قدمته الولاياتالمتحدة لأعضاء مجلس الأمن الداعي إلي فرض عقوبات علي دولتي السودان إذا رفضتا الالتزام بمشروع الاتحاد الأفريقي للحل, كل ذلك سوف يخدم إستراتيجية حكومة السودان في الحل و الساعية إلي خنق الجبهة الثورية و تجفيف بؤر الدعم عنها, و كل ذلك جاء نتيجة إلي للإستراتيجية التي طبقتها دولة جنوب السودان باحتلال هجليج, و هي كانت تحتاج إلي تقييم ثوري بدلا من التجاهل و البحث عن شماعة لتعليق عليها أخطاء الحركة الشعبية. أن الجولة التي يقوم بها السيد ياسر عرمان في الولاياتالمتحدة, و البحث عن مخرج للقضية من خارج الحدود, سوف لن تخدم القضية و الولاياتالمتحدة لن تمارس الضغط علي حكومة السودان أكثر مما هو ممارس بل بعد إعادة انتخاب الرئيس أوباما سوف تبحث البرجماتية الأمريكية عن مصالحها بعيدا عن تصورات المعارضة السودانية, كما أنها أعلنت تكرارا أنها ترفض عملية التغيير من خلال خيار حمل السلاح, و بالتالي هي سوف تدعم الخط الديمقراطي الذي يستخدم الوسائل السلمية, و تحريك الشارع السوداني لفرض عملية التحول الديمقراطي, أما جولة السيد عرمان علي المجتمع المدني الأمريكي, سوف تلقي تعاطفا من ذلك المجتمع لا يرق أن يكون سياسة مؤثرة علي مجريات الأحداث في الساحة, و بدلا عن ذلك كان علي السيد عرمان و رفاقه أن يتحدثوا بصراحة مع رفاقهم في الحركة الشعبية, لنقد إستراتيجيتهم, و لكن بحكم تربية الحركة و ثقافتها منذ تكوينها لا تقبل عملية النقد, و بالتالي ليس أمام الجبهة الثورية إلا القبول علي عملية الخنق, و التي تسببت فيها إستراتيجية رفاقهم, إلا إذا أنتفضوا ثوريا علي تلك الإستراتيجية, و هو أمر غير متوقع, و في الختام نسال الله توفيق الجميع علي الصواب. zainsalih abdelrahman [[email protected]]