يتخطى هم الكتابة عن الشاعر العظيم تناوله تناولا كقطع القش أو المرور على حياته العامرة الدسمة مرور المتعجل الذي يؤدي واجب المجاملة أو التأسي إلي فضاءات الكتابة عنه كهم لذيذ ليس والتجول الحميم في بستاينه المروية بحب الأرض وجماليات الوطن والأفتخار به والتغني بأمجاده تالايخا وانسانا وحضارة .أكتب الى أخي الكبير الحبيب الرقيق ...ملك شعّار عموم نوبيا .فأقول أن نيل الوطن وزع على جميع مواطني العالم منشورا مكتوبا بلون الرمال وسعف النخيل يفيد بوصولك إلى كل الرائعين المصطفين في برازخ الإنتظار الشغوفة بتلقي خرائط الوصول الى مدارج الجمال اللامنتهي في حضرة رب العالمين آذنا لهم بالراحة في مستقرهم الأخير. وأقول الى أخينا الحبيب أيضا أنه في غيابك الفاجع تجتمع كل جواهر الوطن مصطفة على ضفاف النيل من منبعه الى مصبه لوداعك ، فالنيل كسيف فضي ثقيل تعود عبرك مجافاة غمده.ولأن لكل نهر من دهره ما تعودا ، فقد تعود نيلنا منك أن تمتشقه حساماً في وجه من يقترب عدوانا من حمى عازة. وفي يومك هذا ، يخرج سيف النيل الصقيل ليقود مظاهرة جواهر الوطن التي تسد الآن المسافة ما بين ناوا وتنقاسي السوق ومن هناك ، إحتشادا بين النيلين ومنهما الى العالم مرورا بمحطات كثيرة تزدحم في الخاطر بدون نظام ..جنوا ، البندقية ، كنشاسا ، براغ ، بيروت ، مكةالمكرمة ، الدوحة ، باريس ، لندن ، كانكون ، أسطنبول ، نيروبي .وأنت يا من حملت شعارا وحدة الوطن مرددا مرج البحران يلتقيان ، تقف في ضجيج تلك المدن وعجيجيها لا ترى فيها حسنا إلا بمقدار ما يقربك من جمال الحبيبة عازة.إنك لا ترى عازة بعين وجدانك فحسب ولنك ترى من بعيد حزنها المؤرق وعذاباتها القاسية في كل نبرة حزن تعتور سكان هذا العالم في أى مدينة كانوا.أن فنك البديع كان دائما سحابة شجو وبوخ وإبداع أينما أمطرت يأتي عازة خراجها: لقيتك واقفة في كل المطارات ومنتظراني بالشوق والبسيمات وايدك راعشة بتقول لي . . سلامات لقيتك في محطات القطارات والتلوج نازلات على وشيشك وصابات وانت تحاحي بالتوب . . الدميعات * اتاريك رحت قبلي هناك وشلتي معاك كل الفات * لقيتك في الشوارع والمطورات وجاريه معايا مرات للضلولات وواقفه معايا مرات في الشموسات وقاعده معايا في قهوايه مرات وتحكي لي حكايات واشوف عينيك ضاوات كما امبارح ومليانات محنات وهذه أنجم الوطن تقف محزونة من بعيد في سماء يظلل مرقدك لتمطر فوقها دمع الفضة فأنت معلمها الذي استوعب نورها الوضاح في خدود عازة وإمطارها لؤلوا من نرجسها وعضها على عنّابها بالبرد.إنك كعادتك في الدهشة والتعبير تردد ...عوافي ...عوافي نجوم الوطن.ولكن ما شأن القمر بوبا في حضرتك؟.إن القمر يكتب "عرضحال من بلاد السافل يوصل" لينضم إلى قافلة الجواهر ليكمل لوحة النيل السيف والنجم الفضة وسيفي المقرن الذان ما أختصما وما أفترقا الا في زمن الحزن الذي فجر العقل والقلب والذاكرة.القمر بوبا يعلن لانجم العالم عبر منشور اسمه "منشور الحب والصفاء للسمح الزين" أنه تمكن من ترجمة أشعارك الى لغة صالحة للاستخدام على كل نوت العالم الموسيقية وتصنيعها في شكل أحجبة وأحجية يحملها أطفال الوطن مع إفطار الصباح.ولربما أراد قمر الوطن بعد أن يستجيب النيل الى "عرضحال من أهل السافل يوصل" وهي أن يعطر منشوره ببعض همهمات السحرة في ناوا .ولأنك أحد سحرة ناوا الذين يخرجون الكلم المبدع من بين شواربهم –على حد تعبير صفيك الراحل الطيب صالح...أسألك عن سير السحرة ، وعن تاريخ الوطن ...أسرار تقولي شنو وتقولي منو ...بيت العزابة وسعن موية الحاجة الوالدة الذي كنت لا تحب الماء الزلال الا منه ...ظلم ذوي القربي ...ومنعطفات التوجع والشكوى ومرارات معاناتك من الذين ظلموك ولم يرتفعوا إلى شرف إدراكك كقيمة وفن وبسالة وتاريخ وأدب وإضافة إلي قيم بلادنا التي ظلت تميزها عن بقية سكان الأرض. 2 تعتدل في جلسة الحديث عن الوطن وقد خفت حركة السابلة في ليل الخرطوم الآسر مخبرا عن تاريخ الوطن الغابر أن موسى عليه السلام ولد في ناوا في مجمع البحرين حيث كان يلتقي فيها بحران قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة وأن الفرعون رمسيس الثاني أستعان بسحرة من ناوا في مواجهته مع موسى الكليم فهم يشتهرون حتى الآن بأنهم سحاحير. نستثمر في ليل الحردلو الآسر وهو يبلغ هيامه وتجلياته العاتية .يبلغ تركيز الحزن في كبده أقصاه والبلاد يسودها جبار لا يكتفي بتكميم أفواه الناس وإانما قتل علماء الأمة ومصابيحها الربانية.وهنا وبضمير المتكلم عن حبيب عرفناه وأحبنا وأحببناه .. فأنني لم أره مكلوما قط مثلما رأيته بعد أغتيال الشهيد محمود محمد طه.لقد كنت حاضرا حين تلاها بصوته العذب المعبر وتلاها علينا بصوت جهير .,اجرينا لها وقتها لحنا عرفانيا وقد كتبها في كنشاسا عام 1975م متنبأ فيها بسيادة القهر وأحكام السحل والموت الزؤام لتصيب تنبؤهاته بعد عشر سنوات من قصيدته ملهمه العالم النوراني .مثل سيد أحمد الخردلو لا يغفل عن رؤية مصابيح النور في ذلك الشيخ : النور فيه صلاحا وتقى وهدي : محمود جنا طه واحد من الاحياء مع انوعمرى انا لم امدح الاحياء بس يا سلام .. سلم زول .. يستحق القول والحمد والتبجيل شوف يازميل الزول وكتين يكون مشغول بالمولى .. صح بالصح وكتين يشوف فى الدين الجاى والجايين من العديل والزين وكتين يسوى الدين شيتاً محبة .. ولين كما زمان الرسول عليه صلى الله وجملة الصاحبين ما فيه قسر وجبر ما فيه زنديه ما فيه شنق وجلد ما فيه ايديه ما فيه الا الحب ما فيه غير الجمال ما المولى حب وجمال 3 عرفت الشاعر العظيم معرفة عميقة منذ السبعينات عبر أخي السفير وتشاركنا يومها السكن وشهدنا فيه ميلاد لحن يا بلدي يا حبوب بحضور شيخ العازفين في فرقة الورد المرحوم عبدالعزيز عصفور، وقراءة الشاعر بنفس صوفي ملهم لقصيدة محمود جنا طه تلك وسنيوريتا وقصائده في مدح مجموعة من الرائعين بشير الطيب ووردي وعمر الحاج موسى وتلك كتابات لم تعرف التسول على موائد السلطة أو الجرى وراء أهل المال فالسمح الزين الذي لا يعرف التحاسد والتباغض والكراهية ، كان حادي الوطن وزريابه المتغني عبر شمائل أحبابه لقيم يراها ونراها مميزة لهذه الأمة التي أنجبته. .ما يشدني و يدهشني في بستان الشاعر العظيم قدرته الفائقة في تطريز فنه الرائع بتاريخ الوطن عبر مفردة محلية وعربية لا تكتفي بحسم الجدل السقيم حول هوية أمتنا وانما الأقتناع المتوازن به عبر مرافعات شعرية يرى نفسه فيها حينا مع العرب الفاتحين في الأندلس حيث نلحظ ذلك في تقربه من رموش الحبيبة سنيوريتا –المكسيكية وتارة نوبيا التي وصل أجداده منها إلى تخوم المسيك ..هناك حيث طلب القائد الأشوري في حربه مع أهل سنيوريتا –وذلك في سياق آخر- النجدة من الملك النوبي بعانخي الذي بدوره أرسل له جيش نجدة بقيادة إبنه ترهاقا .هنا نرى الجيش العربي في الأندلس وتجريدة الجيش النوبي في المكسيك يلتقيان لكى يقوما بصناعة بيولوجية مدهشة تخلقت عبرها ومنها رموش الحبيبة سنيوريتا التي أكد الشاعر في إنتسابه اليها أنها خلطة نوبية عربية فهناك في الأندلس ، كان أبوه العربي من الغزاة الفاتحين –الذين وصفهم نزار قباني بأنهم دخلوا الأندلس عاشقين لا فاتحين -لاكين الخليفة أمر بأنو يعود إلى بغداد لأمر هام ..ومن داكا الميعاد هاجر وخلا البنت شايلة ولاد ولم قد عاد إنه وفي إطار ذلك المثلث التأريخي المحلي العالمي الذي يطل برأسه على مضيق جبل طارق ويرخي ضلعيه الآخرين بين ناوا النوبية والمكسيك حيث يستريح الفرسان النوبيين على ساحل الخليج المكسيكي ، فإن أم سنيوريتا هي الهجين العربي النوبي مع نفسه ومع الآخرين واضعين في الاعتبار تجريدة ترهاقا تلك الى الديار المسيكية .إنه يؤكد وجوب عودة الفارس العربي الهجين إلى رفيقة دربه التي هي هجين عربي نوبي مكسيكي في تقديره التاريخي: لأنو بناتنا في المسيك بدون إخوان وذاكا حرام 4 الوطن سواء كان الشاعر العظيم حاضرا فيه أو بعيدا عنه هو نقطة إرتكازه ، بل أن الوطن عنده هو نقطة إرتكاز العالم كما أشرنا .إن مشاكل الوطن تجعله يلعنه –كما في "ملعون أبوكي بلد-لعنا جميلا –اذا صح التعبير فهو لا يلعن الوطن ولا الأمة ولا الانسان-ولكنها ممارسات الساسة التي رأيناها فيما بعد تفصل جسد الوطن إلى كيانين متخاصمين . ملعون أبوكي بلد تعكس ماذكرناه فهي القصة التي صارت شعاراً ينطق به كل من تعرض لمشكلة في وطننا .. فصارت أشبه بثقافة شعبية سالبة تثير السخط والتشاؤم لكل ما يعتور مسيرة الحياة في البلد وأشاعت قدراً كبيراً من االحزن الشعبي خاصة تجاه الحكومات التي تعاقبت فيما بعد وفشلت في حل مشاكل الوطن وإزالة الفقر والمرض والتخلف و فساد الذمم.ثم أن سيد أحمد الحردلو يقطف من طرافة نفسه وجماليات بيئته ما يجعل شعره عذبا متفردا وما يميز الشاعر العظيم هو أنه يسهل عليك الدخول ليس في وجدانه فحسب أو وجدان الوطن وإنما في وجدان تاريخ الأمم التي يرى وطننا فيها هو رأس الرمح الحضاري وسيد الفكر والوجدان: ونحن الدنيا سقناها وبنيناها بويت في بويت وأسعل جدي ترهاقا وسيب الفاقة والقاقة تالا أبوى بعانخي لزم وأمي مهيرة بت عبود وجدي المهدي سيد السيف الخلا النصارى تقيف هناك في القيف. الطرافة هنا في الموقف والكلمة المستخدمة التي يريد الشاعر العظيم أن يشدنا إليها بطرف خفي: ولد جاييكي من واق واق وشايل الشوق دراش ودقاق وشايل في العيون طارق وناس عنتر بني شداد وكم كتل سلاطين روس وكم أكل الكعب والسوس عشان يوصل لعينيكي عشان يدك وصية جدو ودعباد إلى قوله: وقتلها يمة بس معليش أنا أصلي جراب ومليان عيش لم يكن الغرض من ذلك ، أن يعيد الشاعر تلك المقولة الشعبية"أصلي جراب ومليان عيش بمعناها المجازي المعروف في ضميرنا الشعبي وبالتالي إنفضاض تلك المرافعة التاريخية الحميمية بينه وبين المعشوقة سنيوريتا وهروب الشاعر من الموقف بعد أن أرتخت عضلات الحبيبة عاطفيا وأسلمت أمرها للقربى التاريخية التي أبانها لها الشاعر في منطق جذل وحكيم ، ولكن الشاعر أراد من ذلك الهروب أن يفتح كوة واسعة في قراءة التاريخ في وطننا رامزا للتنوع في أمتنا بجراب العيش وهو تنوع حدا به في تلك اللحظة أن ينحاز إلى ضمير أمته بدلا من الإنسياق وراء ذلك البوح الغرامي الذي ربما رأينا جانبا منه في قصائد كثيرة لحالات مماثلة مثل صلاح أحمد إبراهيم في يا مريا والحردلو في مادلينا ، وهنا أشير إلى أن الشاعر العظيم أبلغني ذات مرة أن مادلينا قصيدته هو لا لمحمد سعد دياب –عليهم جميعا الرحمة والرضوان. إن الحردلو الذي لم يستوعب الكثيرون مضمامين روايته ملعون أبوكي بلد ، تمكن بمهارة فائقة من كتابة مأ اسميه الشعر الروايء لو صحت هذه التسمية فهو هناك مع الخالدين وردي " ومتفلهم تفلهم جن ..لكن يا سلام فنان" وبشير الطيب" ولد كتاب كتابة الجن وكان عمنول مالي الدارة يرن ويرن"ومحمود محمد طه "واحد من الأحياء"وعمر الحاج موسى"وكالعادة دار الأصبع المشتاق على الرقم القديم " ومحمد المهدي المجذوب "كبير الدراويش نام " يكتب لهم "بروفايلز" بحبر فنه الرفيع ، حتى اذا ما تمادت المنون في إختطاف الأحبة من المبدعين يأتي دور الأسطورة مصطفي سيدأحمد وفيه يقول: ... تانى قام واحدْ جميلْ فى بلدنا ماتْ وكان بِغنى للمساكين والمسولتين والحفاةْ وكان بِغنى للمنافى والعصافير والرُعاةْ وكان بِغني لى بلدْ فى الحُلم شايل أغنياتْ وكان بِطنبر .. وكان بِدوبى للحياةْ -2- تانى قام واحدْ مَلِكْ رَوَّحْ وفاتْ وكان مَلِكْ فى الريدْ .. وانسانْ فى الصفاتْ وكان مهاجر فى دموعْ كُلَّ البُكاةْ وكان وترْ مشدودْ .. ومسكونْ دندناتْ وكان – عليه سلامْ – تقولْ ما زولْ حياةْ. ! 5 أكتب عن أحد أحبابي الرائعين ..عن ملك شعار عموم نوبيا مرددا معه: أنا نوبيا وملك شعار عموم نوبيا ومهاجر لى خمس تالاف سنين نوبيا ولم أوصل إلى نوبيا شآبيب الرحمة والمغفرة للشاعر الكبير الذي رضع من ثدي تراب أمته الطهور وظل يشرب محاية الشعر عند أبي دماك فظلرمزا يعلم الجيل كيف يتقرأ حجارة المعابد والأسوار على أعتاب ترهاقا وبعانخي داعيا حتى مماته لوطنه بالبركة والخير في مزمار من مزامير داؤؤد مزامير داؤود: ندِيك طفولتنا ونديك أخوتنا وكل الغناويات. وقد فعل.رحمه الله. Abdulraheem Mohammed [[email protected]]