الامام الشافعي ( 150 ه - 204 ه ) أحد الائمة الاربعة عند اهل السنة وإليه نسبة الشافعية كافة . هو ابوعبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي. وكان ابوه قد هاجر من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا . اما امه فهي يمانية من الازد ، قيل ان ولادة الشافعي كانت في عسقلان وقيل بمنى لكن الاصح ان ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية. ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة لكي ينشأ على ما ينشأ عليه اقرانه ، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين . عرف الشافعي بشجو صوته في القراءة ، قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران ، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا راى ذلك امسك من القراءة . ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة . وكانت هذيل افصح العرب ، ولقد كانت لهذه الملازمة اثر في فصاحته و تضلعه في اللغة والادب والنحو فنشأ فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب . قال الاصمعي صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس . وقال احمد بن حنبل : كان الشافعي من افصح الناس و ما مس أحد محبرة و لا قلما الا وللشافعي في عنقه منة . وقال ايوب بن سويد : خذوا عن الشافع اللغة . عُرف الامام الشافعي كإمام من أئمة الفقه الاربعة ، لكن كثيرين لا يعرفون أنه كان شاعرا مجيداً . و معظم شعره في التأمل يتسم بالتجريد و ضغط التعبير مما يجعله يشبه الامثال السائرة والحكم التي يتداولها الناس . من ذلك : ما حك جلدك مثل ظفرك *** فتول انت جميع امرك ما طار طير وارتفع *** الا كما طار وقع نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت اظنها لا تفرج وقال ايضا : إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى *** ودينك موفور وعرضك صيّن فلا ينطق منك اللسان بسؤة *** فكلك سؤات وللناس ألسن وعيناك ان ابدت اليك معائبا *** فدعها وقل ياعين للناس اعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** ودافع ولكن بالتي هي أحسن وقال ايضا : الدهر يومان ذا أمن وذا خطر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر أما ترى البحر تعلو فوقه جيف *** وتستقر بأقصى قاعه الدرر وفي السماء نجوم لا عداد لها *** وليس يكسف الا الشمس والقمر وعن مكارم الاخلاق قوله : لما عفوت ولم احقد على أحد *** أرحت نفسي من هم العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته *** لادفع الشر عني بالتحيات وقال في صفو الوداد : إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا *** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا ففي الناس أبدال وفي الترك راحة *** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا فما كل من تهواه يهواك قلبه *** و لا كل من صافيته لك قد صفا إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة *** فلا خير في خلٍ يجيء تكلفا ولا خير في خل يخون خليله *** و يلقاه من بعد المودة بالجفا سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديقٌ صدوقٌ صادق الوعد منصفا و من قوله في الزهد : عليك بتقوى الله ان كنت غافلا *** يأتيك بالارزاق من حيث لاتدري فكيف تخاف الفقر والله رازقا *** فقد رزق الطير والحوت في البحر ومن ظن أن الرزق يأتي بقوة *** ما أكل العصفور مع النسر تزول عن الدنيا فأنك لا تدري *** أذا جن ليل هل تعش الى الفجر فكم صحيح مات من غير علة *** وكم سقيم عاش حينا من الدهر وفي الدعاء و المناجاة : بموقف ذلي دون عزتك العظمى *** بمخفي سر لا أحيط به علما بإطراق رأسي باعترافي بذلتي *** بمد يدي استمطر الجود والرحمى بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها *** لعزتها يستغرق النثر والنظما أذقنا شراب الانس يا من إذا سقى *** محبا شراباً لا يضام ولا يظما في الإستغفار : ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو عن الذنب ولم *** تزل تجود وتعفو منةًً وتكرما و قال في الحكمة : ثلاث هن مهلكة الأنام *** و داعية الصحيح إلى السقام دوام مدامة و دوام وطءٍ *** وإدخال الطعام على الطعام و قال أيضاً : لا تأس في الدنيا على فائتٍ *** وعندك الإسلام و العافية إن فات أمر كنت تسعى له *** ففيهما من فائت كافيه و قال أيضاً : تغرب عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريجُ همٍ و اكتسابُ معيشةٍ *** وعلمٌ و آدابٌ و صحبةُ ماجد و قال في فضل العلم : سهري لتنقيح العلوم ألذ لي *** من وصل غانيةٍ وطيب عناق و تمايلي طرباً لحل عويصةٍ *** في الدرس أشهى من مدامة ساق أبيت سهران الدجى و تبيته *** نوَّماً و تبغي بعد ذاك لِحاقِي و قال فيه أيضاً : علمي معي حيثما يممت ينفعني *** صدري و عاء له لا بطن صندوق إن كنت في البيت كان العلم فيه معي*** أو كنت في السوق كان العلم في السوق من مناقب الشافعي : كان الشافعي مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق وتشهد له بذلك دروسه ومعاشرته لاقرانه وتلاميذه وللناس . كما ان العلماء من أهل الفقه والاصول والحديث واللغة اتفقوا على أمانة الشافعي وعدالته وزهده وورعه وتقواه وعلو قدره ، وكان مع جلالته في العلم مناظراً حسن المناظرة ، أمينا لها طالباً للحق لا يبغي صيتاً و لا شهرة حتى أُثرت عنه هذه الكلمة : " ماناظرت أحداً إلاّ ولم أبال يبين الله الحق على لسانه او لساني " وكان رحمه الله فقيه النفس ، موفور العقل ، صحيح النظر والتفكر ، عابداً ذاكراً ، محبا للعلم حتى انه قال : " طلب العلم افضل من صلاة التطوع " ومع ذلك روى عنه تلميذه الربيع بن سليمان أنه كان يحي الليل صلاةً الى أن مات . وروى الذهبي في السير عن بعض تلامذته : " كان الشافعي قد جزأ الليل ، فثلثه الاول يكتب ، والثاني يصلي ، والثالث ينام . " ظل الامام الشافعي في مصر يلقي دروسه ويحيط به تلامذته ولم يغادرها حتى لقي ربه في سنة 204 هجرية غفر الله له و رحمه رحمة واسعة . salah ali [[email protected]]