قبل اسبوع اتصل بى الاخ عبد القادر كابو من بلدته خارج روتردام فى هولندا . وتحدثنا عن الدنيا . وعرفت انه كان مشغولاً بشحن كميه كبيره من السيارات الى ميناء مصراته فى ليبيا . الى هنا وكل شئ عادى . فالاخ كابو كان فى يوم من الايام من كبار مصدرى المحاصيل فى السودان . وبما انه خريج تجاره فقد كان له نشاط كبير فى تصدير محاصيل السودان ، قبل ان تطل الانقاذ بوجهها الكالح وتشرد الناس وتضايق الشرفاء . الغريب انه سألنى ، تتصور يا شوقى السفينه الشحنا فيها شنو ؟ . السفينه كانت سنار . سنار سفينه ما يعرف ب ( رورو ) وهى السفن المستعمله فى نقل العربات ، وقد يكون معها بعض البضائع الاخرى . ولكن الشحنه الكبيره تكون عادةً سيارات . والسفينه تكو ن مجهزه بوسائل اخراج السيارات وادخالها بسهوله . وسنار تسع لالف وستمائه سياره . صديقى كابو مثلى كان يبدو متألماً . فسنار كانت احدى قطع الاسطول التجارى السودانى ( الخطوط البحريه السودانيه ) . والخطوط البحريه السودانيه كانت ملك للشعب السودانى . وهذا يعنى انا وانت ، وبقيه السودانيين ، من جنوبيين وغرابه واهل شمال السودان واهل شرق السودان والوسط . اين ذهبت اموالنا ؟ . لقد تكونت فكرة اسطول تجارى سودانى فى الخمسينات . واذكر ان الاخ احمد الامين الى انضم الينا فى كورس اللغه فى سنه 1964 فى شمال بوهيميا ، كان قد عمل كضابط بحرى بعد ان درس فى انجلترا . لقد تكونت الخطوط البحريه كشراكه بين جمهورية يوغسلافيا والسودان . وفى البدايه كان كل القباطنه من اليوغسلاف . وارسل السودان مجموعه من الطلاب المختارين لمدينه رييكا فى يوغسلافيا . وتخرجوا من الكليه البحريه . وصار الاخ كابتن قاسم رحمة الله عليه ا ول كابتن بحرى سودانى . وكان قاسم شخصيه فذه. وكان حفل تنصيبه ككابتن حدثاً يؤرخ به . وكان هنالك خريجين آخرين فى الاداره والقانون البحرى . وفى فتره وجيزه صار كل الكباتن من السودانيين . وصارت الخطوط البحرية السودانيه بقياده العم بخيت من انجح الخطوط فى العالم . وكان العم بخيت يعرف عالمياً باوناسيس اوف ذ سودان . وهذا تمثيلاً له بالملياردير اوناسيس اليونانى الذى كان يمتلك خطوط الاولمبيك اليونانيه. وكان من اكبر مالكى السفن فى العالم . وتزوج جاكلين كندى اوناسيس ارملة الرئيس جوزيف كندى . اذكر اننى فى سنه 81 كنت فى ميناء اورسكارسهامن فى الشاطئ الشرقى فى السويد . وشاهدت العلم السودانى على احد السفن . وكان معى صديقى وليام ماكينا من تريمداد . فنزلت من السياره وطلبت منه ان يتبعنى ، الا انه بدأ متردداً . وهو قد عمل منذ الخمسينات كمساعد طباخ ثم طباخاً فى سفن عالميه . وكان يعرف ان البحاره والكباتن لا يرحبون بالمتطفلين . ولكنى طمأنته بأن السفينه سودانيه وهى ملك لكل السودانيين . وان الكابتن ورجاله سيرحبون بنا . ولقد كان . وعندما كنت على ظهر الباخره كنت احس اننى على ارض سودانيه . صديقى وليام ماكينا كان يشيد بالنظافه والانضباط الذى كان على ظهر السفينه السودانيه . بما اننى قد عملت كعتالى لفترة سنتين فى ميناء مالمو ، كنت على ظهر مئات السفن المختلفه . ولكن بعض السفن التى كانت تأتى من شرق اوربا ولاتين امريكا وافريقيا كانت فى حاله مزريه . تكتظ بالعماله الرخيصه تميزها الحمامات التى تفوح رائحتها وحبال الغسيل التى تنتشر على السطح . ولكن سفننا السودانيه مثل شندى ودنقلا فلقد كانت على مستوى وانضباط السفن الاوربيه . وعندما أتت امدرمان الى مدينتنا مالمو فى بداية الثمانينات كانت تجثم بحجمها الضخم فى الميناء . وكان يبحر بها الكابتن قاسم رحمة الله علية . وهو كابتن مميز كثير الاطلاع . يجيد العزف على الورغن وبعض الآلات الموسيقيه . وكنا عندما نذهب لزيارة السفينه نجد الترحيب ونحس بروعة السودانيين من ضباط وبحاره ومن فى رتبة ريس وباش ريس والميكانيكيين وماركونى ( رجل اللاسيلكى والراديو ) . وكانت هنالك روح انسجام ووئام واحترام بين الجميع . الخطوط البحريه السودانيه لم تكن مؤسسه تجاريه فقط . بل كانت رمزاً وطنياً . وكان الضباط والكباتن السودانيين يتلقون اجراً متدنياً بالنسبه للاجور العالمية . وكان البحار السودانى يتلقى ثلاثمائه دولار كمرتب فى الشهر زائداً بعض العلاوات والاوفر تايم . وكان الاجر العالمى المحدد بالقانون الدولى لا يقل عن الف دولار فى الشهر وهذا بدون البدلات والافرتايم الذى قد يصل الى اثنين الف دولار فى الشهر . لان السودانيين كانوا يعملون بقانون الخدمة الوطنيه الذى يتيح لهم ضمانات اجتماعيه ومعاش والخ . وهذا ما تغولت عليه الانقاذ . كثير من اهل واقرباء العاملين فى الخطوط البحرية السودانيه وجدوا فرصه لزيارة العالم الخارجى ، والعلاج والتواصل عن طريق تلك المؤسسه الرائعه . وقد ساعدت تلك المؤسسه عشرات الآلاف من الاسر السودانيه فى الحصول على حياة كريمة . وكانت مثل الخطوط الجويه السودانيه تخرج لسانه لاغلب الخطوط الاخرى فى المنطقه ، لانها كانت الاحسن والاكثر سلامه . وكان يديرها خيرة رجال الوطن . اول اتصال لى مع الخطوط الجويه البحريه كان فى بداية 74 عندما قدت شاحنه بدفورد من السويد وحملتها بماكينات سيارات مستعمله . واشتريت بضعة آلاف من الاطارات المستعمله من المانيا . وكانت تلك اول مرة تؤخذ اطارات مستعمله الى السودان . وكان الاخ مصطفى يدير مكتب الخطوط البحرية السودانيه فى هامبورج بمساعدة الكابتن اليوغسلافى الذى ادار المكتب لسنين عديده . والسودانيون كانوا يذهبون لزياره السفن السودانيه عندما تحضر الى هامبورج ، كوبنهاجن ، روتردام وكانت تلك الزيارت تفرح السودانيين ، ولا يتضايق منها البحاره . وتغيرت هذه الروح بعد الانقاذ . ثم ماتت الخطوط البحريه السودانيه . كان الاخ مصطفى رائعاً بشوشاً متفهماً وكريماً . وعنده حل لكل مشكله .وكنا نشحن الاشياء وندفع الترحيل بالعمله المحليه فى بورتسودان . وكانوا يتساهلون معنا فى الدفع ويمهلوننا . واذكر اننى شحنت على الباخره شندى فى سنه 76 مائه طن من البصل كانت اول محاوله لتصدير البصل السودانى الى اوربا . والخطوط البحريه السودانيه كانت هنالك لمساعدة المواطن السودانى . وكنا نحس بأننا نتعامل مع اهلنا . فى الثمانينات تكونت الجامعه البحريه العالميه التابعه للامم المتحده فى مدينة مالمو . وليس بعيدا عن حوض السفن السويديه ( كوكومس ) الذى كان فى يوم من الايام اكبر حوض سفن فى العالم ، قبل ان تتجه الصناعه الى شرق اسيا . وهذه الجامعه لا تزال للدراسات البحريه العليا . ويشمل هذا الارشاد ، والقانون البحرى ، والاداره ، واشياء اخرى . اول المبعوثين كان الكابتن حمد النيل ، وهو من خريجى رييكا فى يوغسلافيا . وكان قد أتى لدراسات عليا لان ميناء بورتسودان كان يعمل برخصة كابتن ارشاد مصرى ( بايلوت ) . والمصرى يسكن فى الاسكندريه ويتقاضى سته الف دولار ومخصصات . والقباطنه السودانيين هم اللذين يقومون بالعمل . والحقيقه ان كل بايلوت هو كابتن ولكن ليس كل كابتن ببايلوت . لانها تحتاج لتدريب معين . الاخ حمد النيل بوجهه االبشوش وبسمته الدائمه وطعمه السودانى ، كان مكملاً لمجموعتنا السودانيه . احببناه وفرحنا عندما عرفنا انه سيعود لكى يوفر مرتب الكابتن المصرى ومخصصاته ، والذى لم يكن يؤدى اى عمل . ثم اتت مجموعه رائعه من السودانيين أثروا حياتنا بقصصهم وتجاربهم فى الدنيا .وقصص البحر التى لا تنتهى . وكنت احضر تخرجهم وحفلاتهم . ولاننى كنت وقتها مصاباً بمرض التصوير الفتوغرافى فلقد كنت اغطى نشاطاتهم ونشاطات اغلب السودانيين . وفجأة توقف حضور الكباتن اصحاب البسمه والعشائريه والبشاشه . وأتانا كباتن من الكيزان . وهذا قبل سرقه الانقاذ للسلطه . المحنه السودانيه هى ان الانقاذ كانت تخطط لسرقه السلطه وكل السودان . وكأخطبوط بشع كانوا يتمددون . وحتى فى ايام نميرى كان كل البعوثين الى الدنمارك من البيطريين هم من الكيزان ، والاطباء اللذين كانوا ياتون للتخصص فى السويد كانوا من الكيزان او من ساندوهم . ولقد دهشنا عندما شاهدنا كباتن من الكيزان . فحياة البحر ممله . يفضل فيها اصحاب الفرفشه والبهجه، ومن هم على مقدرة للتعامل والتفاهم مع الآخرين . الصوره الفوتغرافيه التى ارفقها مع هذا الموضوع هى لتخرج اربعه من الكباتن من جامعه الاممالمتحده البحريه فى مالمو . ولقد كانوا من الرائعين ، لا نزال نحس بطعم روحهم الجميله وعظمة السودان. وبعدها أتوا من لم يكن بيننا وبينهم اى تواصل . كانوا كما قال الطيب صالح ، من اين اتى هؤلاء . المحنه السودانيه هنا كيف ذبحت الوزه التى تبيض ذهباً ، ولماذا ؟ . ولمن بيعت شندى وشقيقاتها ؟. لقد قدمت الدنمارك اربعه سفن حديثه اوتماتيكيه للشعب السودانى لنقل منتجاته . وكان لها لونين ، الابيض والاخضر ، ويميزها انها كانت مسلوبه فى المؤخره . سمعنا ان الهديه لا تهدى ولا تباع ، تلك السفن كانوا هديه من الشعب الدنماركى . مثل مشروع مياة الجزيره الذى نفذه الدنماركيون كهدية للشعب السودانى . وكانوا سيواصلون فى اماكن اخرى . الا ان الانقاذ اصرت على بيع الماء الذى هو هدية من ملكة الدنمارك للشعب السودانى . وملكة الدنمارك احبت السودان منذ ان كانت فى السادسه عشر من عمرها . لانها كانت تحضر مع جدها ملك السويد الذى كان مسكوناً بحب آثار النوبه ، وكان يحضر كثيراً للسودان . وعندما اهدت الدنمارك محطه كهرباء لكريمة ، اراد النميرى ان ينتزع المحطه ويضعها فى مكان آخر ( وربما ود نميرى ) ، ولكن الشركه المنفذه رفضت وقالوا لنميرى ، بانهم سيركبون المحطه فى كريمه حسب العقد . وفى امكانه ان يأخذها بعد ذلك . ولا تزال المحطه موجوده فى كريمه كهديه لمدينه كريمه . المحنه هو اننا لا نعرف كيف بيعت الخطوط البحريه السودانيه . وسؤالى للاخ الفاتح جبره ( بلاهى لمن تلقى خبر خط هيثرو ، كمل معروفك وورينا سنار دى الوداها مصراته شنو ؟) .. التحيه .. ع س شوقى بدرى . http://www8.0zz0.com/2012/08/01/21/734402662.jpg Shawgi Badri [[email protected]]