في كل عام وقبل حلول شهر رمضان المعظم, تدب الحركة في أروقة فضائيات السودان المختلفة استعداداً للخريطة البرامجية الخاصة بالشهر الفضيل. وعلى غير عهد كثيرٍ من الفضائيات العربية الموسومة بالابتذال والدراما غير المنضبطة والأغاني التي لا يفصل بينها إلا الفواصل الإعلانية نجد الفضائيات السودانية تجذب أعداداً مقدرة من المشاهدين بسبب جديتها وانضباطها, مما جعل المتندرين يتداولون نكتةً عن مواطن إحدى الدول العربية، اتصل على أحد الشيوخ سائلاً عن كفارة مشاهدة قناة LBC اللبنانية فقال له الشيخ: "شاهد القناة السودانية لسبعة أيام متواصلة". وبما أن غالبية الفضائيات العربية صارت نسخة من ال LBC فقد آلت الفضائيات السودانية على نفسها أن تكون حامية العفاف كعهدها، فصبغت برامجها الرمضانية بصبغة دينية معرفية ترفيهية تكسب المشاهد الأجر والثواب والمتعة والمعرفة التي لا تتسنى إلا في شهر الخير بسبب المشاغل الدنيوية في باقي أشهر السنة. فعكفت فضائياتنا على إعداد جملة من البرامج والمسابقات الهادفة لزيادة المعرفة بعلوم القرآن تفسيراً وتجويداً وتدبراً, فشهر رمضان هو شهر القرآن, الذي منه تستمد القلوب حياتها وتكتسي بالإحسان الممتد حتى رمضان القادم. ومن أشهر هذه البرامج برنامج آيات وآيات الذي يقدم عقب الإفطار مباشرةً ولسنواتٍ خلت. وقد أشاد أحد الشيوخ بهذا البرنامج في خطبة الجمعة وقال يجب أن نسميه آيات ومعاني. حيث يستضيف البرنامج مجموعة من القراء الشباب يشنفون الآذان بتلاوات تدخل القلوب من أوسع أبوابها وتروي الروح بعد يومِ صومٍ طويل, يعقبها تدبر لمعاني الآيات المقروءة, واقفين عند مواعظه, ومتأملين أسراره وحكمه. {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29). و فضائية أخرى تزدان ببرنامج بنات جميلة – وهي جميلة بنت الربيع, ربيبة أبي بكر الصديق وزوجة زيد بن ثابت الأنصاري – صحابية جليلة وفقيهة ورعة. يقدم البرنامج كؤوس الرحيق المنتقاة من بساتين التقوى من خلال سِيَرْ الصحابيات اللائي علا شأنهن بعلمهن فأنجبن النجباء الذين رصعوا صفحات التاريخ الإسلامي بفضائلهم التي أنارت الدروب المعتمة. وحيثما أدرت وجهك وقلبته بين فضائيات السودان المتعددة تجد التنافس على أشده في المسامرة بالتلاوات الأصيلة لقراء سطروا أسمائهم بأحرف من نور من أمثال الشيخ صديق أحمد حمدون الذي منحه الله مزماراً من مزامير داود. وقد أشاد العلامة البروفسور عبد الله الطيب بعلمه الغزير وصوته الشجي. والشيخ عوض عمر أول مقرئ في الإذاعة السودانية وصاحب الصوت المميز الذي معه تلين القلوب القاسية وتذرف القلوب الخاشعة دموع الخشية والخضوع. وهكذا تتفوق فضائياتنا السودانية في شهر رمضان الكريم على أقرانها مقدمةً مثالاً يحتذى به في مجال الإعلام الممتع الهادف, فلا الأغاني تتلوها الأغاني, تتلوها الأغاني, ولا تخصص لمواعظ الدعاة السمحين أمثال الشيخ محمد سيد حاج الدقائق القلائل, ولا أقلقوا من في القبور باجترار أغانيهم وبأصوات الحسان الكاسيات العاريات, ولا تبرجت الصالات في أمسيات الطرب المتواصل, ولا حلت شاشاتهم محل الأباليس في تجريح صيامنا. عزيزي المشاهد: ما تعاين لي شذراً كده!! فلسان حالهم: حتى لا نتخلف عن ركب السابقين, اكتسينا بزيهم وحذونا حذوهم شبراً بشبر ,, فالجمهور عايز كده ,, والمعلن عايز كده ,, والقادم ,, الله يستر منه. وتصوموا وتفطروا على خير.