ماكرون وبايدن يعبران عن مخاوفهما إزاء عمليات نقل الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية    حبس عمرو دياب.. محامٍ يفجر مفاجأة عن "واقعة الصفع"    صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول من القنصليات المصرية.. لسوء الطقس عشرات الموتى في اوساط القادمين بالتهريب الى مصر    بعثة صقور الجديان تصل جوبا    اتحاد الكرة السوداني يشيد بحكومة جنوب السودان    تحديات تنتظر رونالدو في يورو 2024    سفارة السودان في واشنطن تعلق على حظر وزارة الخزانة الأمريكية ل(7) شركات لتورُّطها المُحتمل في الحرب السودانية    بعد ساعات من حادث مماثل.. مصرع أسرة سودانية ثانية في مصر    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    السعودية.. استخدام طائرات الدرون لنقل وحدات الدم والعينات المخبرية بسرعة وكفاءة بين مستشفيات المشاعر المقدسة    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    شاهد بالفيديو.. شاب من أبناء "الشوايقة" يتوعد القائد الميداني للدعم السريع "جلحة": كان فضلت براي في السودان ما بخليك (جاك الوادي سايل أبقى راجل عوم والمطر البدون براق جاك يا الشوم)    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    تعليق مثير من زيدان على انتقال مبابي لريال مدريد    توتي الضحية    مصر تتفوق عالميًا بمؤشر جودة الطرق.. قفزت 100 مركز خلال 10 سنوات    نصائح مهمة لنوم أفضل    أشاد بالأداء والنتيجة..دكتور معتصم جعغر يهاتف اللاعبين والجهاز الفني مهنئاً بالانتصار    الأمانة العامة لمجلس السيادة تحتسب المهندسة هالة جيلاني    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    السودان يكسب موريتانيا بهدفين في تصفيات المونديال    السودان يهزم موريتانيا ويتصدر مجموعته في تصفيات كأس العالم    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السودان..نائب القائد العام يغادر إلى مالي والنيجر    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أما الزبد فيذهب جفاء .. بقلم: تيسير حسن إدريس
نشر في سودانيل يوم 09 - 03 - 2013


مسؤوليتنا أمام الله والشعب والوطن
للخروج من عنق الزجاجة وإعادة بناء الدولة السودانية:
يجب مغادرة مربع "الترترة" السياسية إلى مربع مواجهة الأسئلة الصعبة وحلها.
الشعب ليس محتاج لفذلاكات "الانتلجنسيا" وتهويماتها الفكرية بقدر حاجته لفكرة بسيطة يفهمها الجميع ويتوافق عليها العامة.
فترات الحكم الانتقالية القصيرة الماضية أخفقت في تمهيد طريق بناء ديمقراطيات معافاة ورشيدة.
النعرة القبلية والجهوية ردة فعل بائسة على سياسات النظام الأكثر بؤسا وهي مدعاة لتعميق الأزمة وليس إيجاد الحلول.
فكرة الفترة الانتقالية الطويلة هي الحل الآمن للازمة الوطنية إذا ما أردنا وطن موحد
(1)
بعد النظر والتمحيص في وثيقتي "البديل الديمقراطي" والفجر الجديد" نجد أن شقة الخلاف بينهما ضئيلة ويكاد يكون التطابق في أغلب بنود الوثيقتين هو السمة الغالبة ورغم هذا فقد وقعتا للأسف في فخ احتمال إعادة إنتاج الأزمة السودانية واحتمالية تكرار الحلقة الشريرة من جديد بعد التخلص من النظام الحاكم اليوم وذلك بسبب استجابة القوى الحديثة والديمقراطية - الساعية بحق لإيجاد معالجات حقيقية ومخرج نهائي من الأزمة التي تطاولت- لابتزاز القوى التقليدية الراغبة بقوة في المحافظة على وضعها القديم والوصول للسلطة في أسرع وقت وبأقصر الطرق ولو أدى ذلك لترك القضايا المصيرية معلقة بلا حلول تراوح مكانها متجاهلين حقيقة أن الوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد كان نتاج مثل هذا التفكير الفطير وتلك الهرولة الغبية خلف المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة.
لقد ظلت القضايا الكبرى المختلف عليها التي يحاول اليوم الموقعون على الوثيقتين مرة أخرى وضعها على الرف في انتظار انعقاد المؤتمر الدستوري المزمع عقده بعد الإطاحة بالنظام الحالي هي السبب المباشر في تعثر خطوات بناء واستقرار الدولة المدينة الديمقراطية في السودان بل وظلت السبب الأساسي في فتح الباب أمام الجنرالات المغامرين لانقلاب على الشرعية والتدخل في شؤون السياسة، هذا إذا ما أضفنا لهذا السبب الخطيئة الكبرى التي تكررت برعونة بعد ثورة أكتوبر 64م وانتفاضة إبريل 85م المتمثلة في إصرار قوى سياسية بعينها على أن تكون الفترة الانتقالية عجولة وقصيرة ومجمدة لا تستطيع معالجة القضايا سبب البلاء هذا النهج والترتيب الذي تصر عليه القوى التقليدية استعجالا للسلطة ومكاسبها قد أثبت خطله كما أثبت أنه أسلوب أناني لا يراعي مصالح القاعدة العريضة من الجماهير ولا يضع طموحاتها وآمالها المشروعة في إرساء نظام حكم راشد في الحسبان بل على العكس من ذلك يفقدها المكاسب الثورية التي يمكن أن تجنيها ثماراً مستحقة لكفاحها وتضحيتها إذا ما وضعت ترتيبات متأنية وغير متسرعة لفترة انتقالية طويلة تلي إسقاط النظام الشمولي.
لقد سبق تجريب الفترة الانتقالية القصيرة مرتين في تاريخ أمتنا القريب ونهج استعجال إجراء انتخابات ديمقراطية دون أن تكون الأحزاب قد استعدت لها الاستعداد الكافي فحسمت لصالح القوى التقليدية بالعددية الميكانيكية والولاء الطائفي الأعمى وأنتجت في ظل انعدام الوعي وتغيبه المقصود بالشعارات الدينية تارة وحماسة الانتماءات الطائفية تارة أخرى – كما هو معلوم - برلمانات معطوبة وحكومات أكثر عطبا وضعفا وقد عانت جميع فترات الحكم الديمقراطي في السودان من خلل بنيوي وبرامجي حد من فعاليتها وأقعد من سلطتها وتركها عاجزة عن إيجاد الحلول للقضايا الوطنية الملحة التي يراد لها اليوم أيضا أن تظل معلقة كقنابل مؤقتة دون بذل أي مجهود من أجل التوافق على الحلول أو حتى مجرد الوصول لتقارب في وجهات النظر إسهاما في توفير الوقت وسرعة البت فيها داخل المؤتمر الدستوري الذي تقع عليه أعباء التخطيط الشاق لاستنهاض الوطن من كبوته.
(2)
وثقتي "البديل الديمقراطي والفجر الجديد" اللتان خرجتا بهما القوى المعارضة قد قدمتا بلا شك معالجات قيمة لمعظم القضايا المختلف عليها وقد مثلتا اختراقاً سياسياً مهما نحو حلول الأزمة الوطنية إلا أن الخوف والفزع الذي ظل ملازما للقيادات التاريخية من الخوض في قضايا بعينها أضعف بعض جوانب الطرح فيهما وقاد الجميع من جديد لفخ التسويف وإمكانية إعادة إنتاج الأزمة نتيجة الإصرار على التمسك بالمواقف الرمادية في قضايا هامة ومفصلية لا تقبل أنصاف الحلول مثل " نظام الحكم / علاقة الدين بالدولة / مسألة القوميات وإشكال الهوية / المشاركة في السلطة وتوزيع الثروة" . وهي قضايا عاجلة وشائكة لا تحتمل التأجيل أو الوضع على الرف لحين إسقاط النظام الحاكم، لتكون ضربة البداية لنقاشها هو المؤتمر الدستوري دون التمهيد لذلك من الآن بحوار متصل تسهم فيه جميع الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني من أجل الوصول لتفاهمات عميقة مسبقة وخلق أرضية مشتركة تسهل مهمة البت فيها وحسمها متى ما انعقد المؤتمر الدستوري.
هذا إذا ما أردنا اختصار الوقت والسير قدما في الطريق الصحيح دون إضاعة الفترة الانتقالية في "اللت والعجن" أما إذا ما أردنا لمؤتمرنا الدستوري أن يكون "سوق عكاظ" للخطب و"طق الحنك" واستعراض العضلات السياسية وتناسي قضايا التنمية وضنك العيش الذي يرزح ويئن تحت وطأته المواطن السوداني فعلينا تأجيل عمل اليوم إلى الغد وإتباع أسلوب الطالب الفاشل الذي يستذكر دروسه فقط عشية يوم الامتحان ويرسب وحينها لن تطيق الجماهير صبرا بعدما أرهقت من أمرها عسرا طوال ربع قرن.
(3)
الأجدى لجميع البدء اليوم وليس غدا في طرح قضايا الاستشكال للنقاش والمداولة الجادة بتكوين ورش عمل تقوم بدراستها دراسة معمقة وبلورة رؤى مشتركة يناقشها المؤتمر الدستوري ويكمل النقص إن وجد ومن ثم يصادق عليها. إن تمهيد الطريق لمعالجة القضايا الخلافية وتقريب وجهات النظر حولها يجب أن يكون هاجساً فكرياً لجميع الأحزاب والقوى المعارضة ولا بد أن يكون لهذا الهاجس نفس أهمية هاجس إسقاط النظام ويتم بذل جهد متوازي لانجاز المهمتين معا بالتلازم وفي ذات الوقت فإسقاط النظام دون توافر أرضية مشتركة ورؤية مبصرة بين أطراف المعارضة حول القضايا الخلافية يعني ببساطة قتل الفترة الانتقالية وإفراغها من مضمونها وتركها نهبا لصراع الرؤى والأفكار التي ستنشط وتصطرع بخلو الساحة من المهدد الوجودي الذي يوفر اليوم الحد الأدنى من تعاضد شتات القوى المعارضة والذي يمثله النظام الباطش، ففي أجواء من الحرية والأمان ستعود حتما "حليمة لعادتها القديمة" ويحاول كل حزب من الأحزاب خاصة التقليدية من أن "يضري عيشه" استنادا على الأغلبية الميكانيكية التي ستنحاز كالعادة لمواقفه بالإشارة دون وعي ودراية لنعود ونتجرع من جديد علقم فشل تجربتي أكتوبر/64 وابريل/85 م.
التوصل لتوافق وقناعات مشتركة حول قضايا الاستشكال المصيرية سيكون أسهل في ظل الأجواء السياسية الحالية المكفهرة بممارسات النظام القمعية ومحاولاته الدائمة لشق الصف المعارض وإقصاء الرأي الآخر الشيء الذي يجعل تقارب ووحدة قوى المعارضة الواقعة جميعها تحت نير عذابه مسألة ضرورية وحيوية تقرب الشقة بين الأطراف المختلفة وتعزز روح التعاضد والتكاتف اللازمة لمقاومة طغيانه والوصول لمعالجات للقضايا المختلف عليها وهو مؤثر مهم يشد وثاق القوى بعضها ببعض، أما في حالة زوال هذا المؤثر قبل الوصول لتفاهمات عميقة ستشعر الأطراف المعارضة كافة بالراحة والأمان ويطغى الطمع والتشاكس السياسي بعد أن يستجمع كل طرف أنفاسه ويبدأ في البحث عن مصالحه الضيقة وينسى كالعادة مصالح وطموحات الأغلبية الساحقة من الجماهير، لقد حدث هذا الأمر بحذافيره من قبل مرتين ومن العبث بل الحمق أن نعيد في كل مرة تجريب المجرب.
(4)
إن التجارب القريبة الماثلة في أذهان الجميع في تاريخنا الحديث قد أثبتت بأن الفترة الانتقالية المتعجلة والقصيرة تكون وبالا ونكالا على مجمل التجربة الديمقراطية وقد وعت معظم الجماهير هذه الحقيقة وملت حالة تكرار الأخطاء والعجز عن اجتراح نماذج وأطروحات جديدة أكثر ابتكارا وثورية تعيد صياغة الحياة السياسية من أساسها وتضع شروط اللعبة من جديد. والمنطق السليم يدفع الجميع بقوة نحو الخروج من مصيدة التقليد والخوف من ابتداع نهج مختلف وسلك طرق غير مطروقة عوضا عن حالة اقتفاء الأثر الخرقاء التي أدمنها الساسة وقتلت روح الإبداع السياسي وحولت مفهوم السياسة من فن الممكن لعملية اجترار ورجع صدى بائس فقد جرب الوطن قصر وعجلة المراحل الانتقالية فاتت مخرجاتها تعيسة ومن الحكمة بعد هذا تجريب سبيل التأني الذي فيه السلامة ونحن نبحث عن مخرج مشرف من وحل الأزمة الوطنية وذلك بطرح فكرة مرحلة انتقالية طويلة يقود دفتها أصحاب الخبرة والكفاءة العلمية في كافة المجالات لتنفيذ برنامج إسعافي عاجل يوقف عجلة التدهور أولا ومن ثم يضع الخطط والبرامج لنهضة وطنية وتنمية مستدامة.
تكمن فكرة الخروج الآمن من نفق الأزمة الوطنية الحالية ببساطة في توافق جميع الأحزاب والقوى المعارضة على مرحلة انتقالية تلي عملية إسقاط النظام مدتها خمسة عشر عاما بنظام حكم رئاسي فيدرالي تتعاقب على حكمها ثلاث حكومات مدة كل حكومة خمس سنوات على أن تقوم كل واحدة من الثلاث حكومات بتنفيذ برنامج محدد تحت رقابة جهاز تشريعي مدته أيضا خمس سنوات تشارك فيه جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بمناديب متفق على كفاءتها ووطنيتها يقوم بإعداد دستور يحكم الفترة الانتقالية ويتابع تنفيذ البرنامج المتفق عليه ويراقب ويحاسب السلطة التنفيذية - الرئيس وحكومته -.
تؤكل رئاسة الثلاث حكومات خلال الفترة الانتقالية لأبناء الجهات التي وقعت تاريخيا تحت الإقصاء والتهميش "الغرب / الشرق والنيل الأزرق" وبهذا نبدأ عهد من التسامح والتصالح مع الذات الوطنية نُزِيلُ من خلاله مسببات الصراع وذرائعه ونَسْتَعِيد الثقة التي فقدت في بعضنا البعض لتقوية اللحمة المجتمعية والشعور الوطني وهزيمة النعرة الجهوية والقبلية التي تتصدر المشهد السياسي اليوم.
أما وزراء الحكومات الثلاثة خلال الفترة الانتقالية فيتم اختيارهم بالتوافق بعد أن يقدم كل حزب من الأحزاب مرشحيه من "التكنوقراط" شرط أن يكون الفيصل في الاختيار والمفاضلة بين المرشحين هو الخبرة والكفاءة والأمانة فقط لا غير. توضع برامج وأهداف الحكومة الأولى تحت شعار "الانطلاقة والتنمية" والثانية تحت شعار " الكفاية والعدل" أما الحكومة الثالثة والأخيرة فتوضع برامجها وأهدافها تحت شعار " التقدم والازدهار" والتي بنهاياتها نكون بحق قد مهدنا الطريق لقيام نظام ديمقراطي راشد ومستقر وبناء على ذلك تقوم انتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة تتنافس فيها جميع الأحزاب تنافساً شفافاً بطرح برامجها على الجماهير ومن ثم الاحتكام لصندوق الانتخابي والقبول بنتائجه.
(5)
الدمار الذي لحق بالبلاد خلال ربع القرن الأخير تحت حكم نظام "الإنقاذ" في كافة مناحي الحياة هائل وغير مسبوق الشيء الذي يدعم فكرة المرحلة الانتقالية الطويلة التي يشارك فيها جميع القوى السياسية ويجعلها منها الطريق الأكثر أمنا وسلامة للسير بتوافق نحو الخروج بالوطن من وهدته وإنجاح برامج المرحلة الانتقالية بعيدا عن أجواء المكايدة والغيرة السياسية وتسجيل النقاط على حساب الآخرين وهو الداء والمعوق الأساسي الذي عانت منه الفترات الديمقراطية السابقة وأدَّى لفشلها وإعطاء المشروعية لحدوث الانقلاب العسكرية المتتالية. إن طول الفترة الانتقالية سيوفر مناخاً صحياً للأجيال الحديثة التي تربت على ممارسة السياسة بأدوات غير سياسية ولا ديمقراطية تحت حكم النظم القمعية لإعادة تربية وتهذيب نفسها سياسيا ويتيح أمامها الفرصة لاكتساب مهارات وآداب العمل السياسي الديمقراطي وترسيخ مفاهيم التنافس الشريف والتداول السلمي للسلطة بعيدا عن مناخ الشحن والاستقطاب الانتخابي الحاد الذي عادة ما يسود الفترات الانتقالية القصيرة والعجولة.
لقد آن أوان لفظ نهج "الترترة السياسية" والسير قدما للخروج من مأزق الممارسات القديمة التي اعتمدت نهج تغيب وعي وصوت الكتلة الجماهيرية العظمى ويقني أن فكرة "الفترة الانتقالية الطويلة" رغم أهميتها لن تروق لساسة العهد القديم وخاصة قيادات الأحزاب التقليدية الذين يعلمون بأن هذه الفكرة تهدد سلطانهم وسلطتهم "البابوية" بما توفره من فرصة لم تتوفر من قبل لنشر الوعي وتبادل الخبرة والاحتكاك بين شباب الأحزاب التقليدية المتطلع للخروج من "جبة وقفطان" الآباء والقوى الديمقراطية الحديثة في ظل توافق يستبعد حساسية الاستقطاب الانتخابي الحاد الذي كان الحجاب الحاجز الذي تستخدمه تلك القيادات بخبث ليحول دون اتفاق شباب السودان من كافة الأحزاب حول برنامج نهضة وطنية.
(6)
لقد تشكل وعي سياسي جديد في أوساط شباب الأحزاب التقليدية، نمى وترعرع في مناخ التعسف والبطش تحت حكم النظام الحالي، الذي عمل بكافة الوسائل لتشويه الوعي والضمير الجمعي ومحاولة إعادة صياغة الفرد وفقا لمشروعه الفكري المدمر، وقد كان نصيب الشباب من هذا البلاء عظيماً ولكن قد أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، وأدت سياسات النظام القمعية إلى عكس مرتجياه حيث تبلور وعي ثوري جديد في بيئات كانت توصف بالتقليدية والرجعية، وهنا يكمن وجع النظام الفاشي ويستبين فشله المريع، فقد غدا معظم شباب الأحزاب التقليدية يتحلى بوعي جديد وفهم عميق لأسباب الأزمة الوطنية الحقيقية وأصبح أكثر نضجا سياسيا ورحابة صدر للاستماع للرأي الآخر دون أحكام مسبقة، وهو اليوم يتطلع بصدق للنهوض بالوطن من كبوته والخروج به من وهدته لبر الأمان، وقد ظهرت تلك الروح الجديدة بوضوح في تضامن الشباب من كافة الأحزاب والمشارب الفكرية، وإيمانه بوحدة المصير والهدف في انتفاضة يونيو/يوليو من العام الماضي.
على القوى الحديثة والديمقراطية أن تلتقط هذه اللحظة التاريخية الفارقة وتحسم خياراتها النضالية وتنفض يدها عن تكتيكات قوى اليمين المتبعة في مقارعة النظام بعد أن ثبت أنها عبارة عن "ترترة" فارغة، المقصود منها حفظ ماء الوجه ليس إلا، وضعيف الحجة والمنطق من يظن أن مصالح اليمين الإسلاموي الذي يمثله النظام تتناقض ومصالح اليمين الطائفي، وعلى قوى اليسار أن لا تحلم بذلك فمصالح قوى اليمين واحدة وهي تتصالح في نهاية الأمر مهما بدا اليوم تشاكسها، وعلى أصحاب الوجيعة الحقيقيين من القوي الديمقراطية ومجموعات الشباب الثائر المتطلع لغد أفضل أن تعي هذه الحقيقة جيدا وتضعها نصب عينيها وهي تخطط لتحالفاتها النضالية المستقبلية، وعلى قوى اليسار بالتحديد أن تكف عن تريد الأسطوانة المشروخة عن واقع الساحة السياسية السودانية الذي يجبرها على التخلي عن برامجها الثورية والانجرار خلف برامج اليمين المهادنة. فقوى اليمين تعمل وفقاً لمصالحها وتعلم أن استمرار وجودها على الساحة يفرض عليها ضرورة المحافظة على المعادلة السياسية العتيقة "قَدَمٌ في البر وَقَدَمٌ في الطوف" ومصالح قوى اليسار حتما مختلفة وليست هنا؛ بل هناك مع الأغلبية المسحوقة من الجماهير ومع شعوب الهامش التي تفترش الأرض وتلتحف السماء في معسكرات الشتات والنزوح في انتظار عون خالقها ومدد حزبها الطليعي السائر لدهشتها بغباء كالمنوم في ركاب من باعوه من قبل مرات بل وتأمروا على حله ونحره. ما لكم يا هؤلاء أين البصر والبصيرة؛ بل أين الذاكرة التوثيقية وأدوات التحليل العلمية من كل هذا؟؟ ولماذا كل هذه الحيرة والنهج الثوري بين وطريق الحق أبلج!!؟.
طرح النهج الثوري المقاوم لبطش النظام الحاكم بعد أن تمنع وسد جميع منافذ الحوار هو الحق الذي لا يجب أن يحيد عن طريقه ثائر، اطرحوا التكتيك الثوري الذي به قد عرفكم شعبكم وأعزكم شهداء أو مشاريع شهادة تسعى بين الناس لباسها كفن، ولينحاز من ينحاز ولينفض سامر كل من تخاذل، فالثورة لا ينجزها المتخاذلون ولو كانوا كثفاً كعباب البحر، الثورة ينجزها أولي المتاريس ملح الأرض الحفاة العراة أما الزبد فيذهب جفاء.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 8/03/2013م
تيسير ادريس [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.