Abdelrahim Khabir [[email protected]] بروفيسور عبد الرحيم محمد خبير أجرى الباحث الليبي في علم المصريات (Egyptology) الأستاذ الدكتور علي فهمي خشيم (1936-2011م) بحثاً جريئاً عن اللغة المصرية القديمة وضعه بين دفتي كتابه الموسوم ب "البُرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة". الكتاب من القطع العادي ويبلغ (912) صفحة من إصدارات مركز الحضارة العربية – القاهرة، 2007م. أثار هذا المؤلف ضجة في الأوساط العلمية الأوربية والعربية وقوبل بالدهشة من قبل العديد من العلماء. وقام "علي خشيم" بدراسة مقارنة للغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) بالمكافئات العربية للمفردات المصرية الفرعونية. وكان قد أبان في كتابة المعنّون: (آلهة مصر العربية، الجزء الثالث، المجلد الثاني، صفحات 583-644) التوافق الذي يوشك أن يكون تاماً بين المصرية القديمة والعربية في قضايا من مثل الإسم، العدد، علامة الجمع، العطف، التثنية ، الإضافة ، المنادى ، الضمائر ، أسماء الإشارة، أداة التعريف، الأسماء الموصولة، الصفة، الأفعال، حروف الجر، أدوات الإستفهام،...الخ. وناقش في كتابه: ((الُبرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة)) (المصرية القديمة والعربية المعاصرة) بالتفصيل إشتراك اللغتين في مسائل: تركيب الجملة، الإشتقاق، أدوات الإستثناء، إنّ "التوكيد" ، نون الوقاية، البدل، القلب والإبدال، الأضداد، القطع والإسقاط ، المزيد والمضعّف والمضاعف، الفعل المعتل الآخر، المفاضلة، المبالغة، النسبة، الإسم الموصوف، المصدر، "سوف" المستقبل، أدوات الإستفهام ، المركبة، التعدية. وتجدر الإشارة إلى أن اللغة المصرية القديمة قد شاركت نظيرتها العربية في عدد كبير من التعريفات ، فإن لم يكن ، لأن العربية تطورت بصورة فاقت غيرها، فإن المقارنة ببعض العربيات تكشف عن التماثل فيما بينها. وشاركت المصرية العربية في إتخاذ التاء للتأنيث، واستعمال الواو للجمع، وتظهر في الفعل الماضي في العربية: سمعو (ا) وفي المضارع: يسمعو (ن)، وفي الأمر: أسمعو (ا). وفي الإسم: سامعو (ن). الألف مزيدة رسماً والنون أيضاً مزيدة بدليل حذفها عند الإضافة: سامعو الخبر. واتفقت المصرية والسبئية (لغة اليمن القديمة) في إتخاذ الياء للمثنى (المصرية: تا (أرض) تاوي (أرضان) وفي السبئية : ثنتي صفحتي: صفحتان. ثنى محفدي: محفدان) . وهي كالعربية عرفت ياء النسبة (ر س: جنوب. رسي:جنوبي. رسيت: جنوبية – بياء النسبة وتاء التأنيث). ووافقت المصرية السبئية والأمازيغية (البربرية – في شمال أفريقيا) في تعدية الفعل بالسين ومثال لذلك: س. خرخر: أوقع (أخرّ). س. هاي. أهبط (أهْوى ). س.حم: سخن (أخمَى) س. نشت: قوىّ (نشط). غير أن هناك بعض الظواهر البارزة المشتركة بين المصرية والعربية في حاجة إلى شيئ من التفصيل توضح للقارئ ما قد يراه غريباً عند المقارنة ما بين اللغتين وتزيل اللبس لديه عند مكافأة كلمة مصرية بأخرى عربية وأهمها – إضافة إلى ما تم إيراده أعلاه: القلب والإبدال. فالقلب أو القلب المكاني في المعاني هو أن يقدم حرف الجذر الثلاثي ليحل محل آخر في نفس الجذر، يؤخر ويظل المعنى مع هذا واحداً ، من مثل : (جذب/ جبذ، عطس، سعط/ لوع، ولع، فرغ / فغر). وهو ما لا يزال في اللهجة، مثل الليبية يطفى/ يفطى (= يُطفئ) ، يشعل/ يشلع، (قعمز/ قمعز). وفي اللهجة المصرية الدارجة : (أرانب/ أنارب).وسواء كان هذا القلب نتيجة خاصية في اللغة العربية عند إبن جني ما أسماه )الإشتقاق الكبير( أو نتيجة إختلاف اللهجات فهو ظاهرة معروفة على كل حال.فكلمة "م ر ح" المصرية القديمة تترجم إلى الإنكليزية(lance)وهي العربية "رمح". أما الإبدال فهو من أكثر الظواهر شيوعاً في العربية، ومعناه أن يبدل صوت بآخر يكون في الغالب الأعم قريباً من الصوت المبدل، ولا يمتنع أن يكون بعيداً عنه. وهذا ما يعرف ب "التعاقب" كذلك، حيث لا ندري في معظم الأحيان أي الصوتين أصلي وأيهما مُبْدل. فنقول إنهما تعاقبا ، أي حلًّ أحدهما محل الآخر أو أعقب أحدهما الآخر. ويلحظ أن العلاقات التي تبرر الإبدال اللغوي في أربع: التماثل ، التجانب، التقارب والتباعد. والإبدال مشهور في تاريخ العربية الفصحى وفي اللهجات العربية الحديثة. ومن الأمثلة المعروفة في كتب قواعد اللغة المصرية القديمة الكلمة الشهيرة "س د م " "s d m" وهي تعني "سمع". وقد أُبدلت العين بالصوت " د d" فهي " س ع م" وهذه مقلوب " س م ع " كما نرى ، ولكي نؤكد أنها مقلوبة ومبدلة نوضح أنها قُلبت في لهجة عرب الشمال الأفريقي ( = الجبابلية) وأبدلت عينها غيناً فكانت " م ز غ" = سمع بالعربية الفصحى. ومما سلف ذكره، يتضح أن ثمة تشابه لا تخطئه العين بين اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) ونظيرتها العربية (الفصحى والعامية). بيد أن علماء الغرب الأروبي ولأهداف سياسية استعمارية كانت تتوشح العلم – كما ذكر الباحث على خشيم – وجهوا اللغة الهيروغليفية ورموزها وجهة تتفق مع نمط كتابتهم وأصوات لغاتهم، فكانوا أن قلبوا أشكال هذه الرموز (مئات الرموز إضافة إلى أربعة وعشرين حرفاً هجائياً) وعكسوها صورة ومسار كتابة. فالرموز الهيروغليفية كانت تكتب عادة من اليمين إلى اليسار كالعربية وأحياناً من أعلى إلى أسفل ، فلكي تسهل قراءتها حولّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ المتأخرون من علماء الغرب مسار الكتابة لتصبح من اليسار إلى اليمين وترافق مع ذلك عكس صور الرموز بالطبع، فصرنا نقرأ الهيروغليفية مقلوبة أي أننا نقرأ التاريخ مقلوباً هو الآخر!. ومما زاد الطين بله – كما نوه خشيم– أن نقلت الرموز الهيروغليفية حرفياً إلى الحروف اللاتينية برغم أن المصرية القديمة تحتوى على أصوات لا وجود لها في اللغات الأروبية ، من مثل العين والحاء والخاء والقاف ، مما لا مقابل له في الألف ياء اللاتينية. وتبع ذلك أن كل باحث غربي من المهتمين بالهيروغليفية كان يستنبط رمزاً من اللاتينية يضيف تحته نقطة أو خطأ يومئ به إلى الصوت المعني. ومن هنا جاء الإختلاف في العلامات وعلاوة على ذلك ، إفترض الغربيون أن المصرية لا تحتوي على أصوات نجدها في العربية من مثل الضاد والطاء ، فوضعوا بدلاً منها الدال أو التاء، ودرجت القراءة على هذه الصورة حتى رسخت، وهي قد لا تكون كذلك. وزادوا على ما تقدم ، أن إفترضوا تحريكاً للصوامت ، إذ المصرية كبقية العروبيات تعتمد الصوامت وأكثروا من الصائت (e) مساوقة للغات الأروبية دونما دليل على وجود هذا الصوت في المصرية القديمة. خلاصة القول ، أن كتاب علي فهمي خشيم (الُبرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة) يعتبر إضافة جديدة للمكتبة الآثارية سيما وأنه قد أمدنا بمنهج غير مسبوق لدراسة اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) مما يعطي دفعة جديدة للبحث العلمي الخاص بهذه اللغة. وقد تميط هذه القراءة الجديدة اللثام عن وقائع وأحداث مجهولة في التاريخ المصري الفرعوني. ولا أخال نفسي أعدو الحقيقة إذ قلت أن هذا المنهج الرائد في دراسة اللغة المصرية القديمة قد يكون ملائماً أيضاً لسبر أغوار "اللغة الكوشية – المروية" المنحدرة أساساً من أصول فرعونية مصرية متأخرة - (ديموطيقية وهيراطيقية) ولا تزال لغزاً محيراً لدارسي حضارة السودان القديم. ولابد أن أثبت هنا أن هذه الإصدارة ستكون مرجعاً مهماً للمشتغلين بآثار وتاريخ الحضارة المصرية الفرعونية ونظائرها في العالم القديم لسنوات عديدة آتية. ويلزم التنويه أن هذا الكتاب قد سطر بلغة عربية قشيبة وبأسلوب أكاديمي جاذب مما يجعله في متناول المتلقي سواء أكان متخصصاً أو قارئاً عادياً. والله المستعان.