بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: * حتى نبدأ الاجابة على السؤال عنوان هذا العمود ، لا بد لنا من إلقاء بعض الضوء على المفكر الأمريكي نعوم تشومسكى الأستاذ الأمريكي الفخري في قسم اللغويات والفلسفة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(MIT )، ويوصف الرجل بأنه المحلل السياسي الشهير ويعرف عن تشومسكى المفكر اليهودي المولود في عام 1928 بإنتاجه اللغوي والفلسفي والنقدي في مجال اللغة والأدب والسياسة والفلسفة والاجتماع ويشتهر بنشاطه الفكري ومعارضته للسياسة الخارجية الأمريكية فضلا عن انتقاده للاحتلال الإسرائيلي. المتن: * وطالما نحن بصدد البحث عمّا إذا كانت أمريكا وجدت الإجابة على تساؤلها الذي أطلقه جورج بوش الإبن وهو يتساءل " لماذا يكرهوننا؟!!"، فمن المفيد أن نستصحب آراء المفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكى لأنه أدرى بشعاب دهاليز الادارة الأمريكية ، كما أن علينا دوماً أن نفرق بين الادارة الأمريكية وبين الشعب الأمريكي الذي في غالبته هو أيضاً الضحية الرئيسية لسياسة الإدارات التي تحكمه، والعجيب أن هذا السؤال الاستنكاري أطلقه جورج بوش الإبن وهو الذي أدى بسياساته الخرقاء إلى تعميق هذه الكراهية ، وكان هو السبب الرئيسي في تدهور الاقتصاد الأمريكي نحو الهاوية ففي عهده شهدت أمريكا أزمة الرهن العقاري التي أدت إلى الأزمة المالية التي كان من أهم نتائجها إعلان إفلاس أهم المصانع والمؤسسات والمصارف الأمريكية الكبرى.، وفي عهده أدارت الولاياتالمتحدة حربين في أفغانستان والعراق ، جربت فيهما أسلحة اليورانيوم المنضب والطائرات بدون طيار!! * لقد بدأت الكراهية لأمريكا تأخذ طريقها تظهر بصورة ملفتة للأنظار وتصبح حديث المدينة منذ حرب فيتنام حيث ورث أخرقٌ آخر هو ليندون جونسون رئاسة أمريكا عقب اغتيال جون كنيدي ، ولم يدخر جونسون وسعاً في تصعيد الحرب الفيتنامية رغم الهزائم المتواترة التي كانت تمنى بها قواته على الأرض مما استدعاه باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ومنها لهب النابالم الحارق سواء من الجو أو في الأرض مما أثار حفيظة كل العالم ضد أمريكا. * لأمريكا العديد من أقنعة النفاق والتدليس فأمريكا التي ترفع شعارات الديمقراطية أو شعارات أخلاقية إنسانية براقة هي أبعد ما تكون جدية في تطبيقها في دول العالم الثالث ، خاصة في الدول العربية والأفريقية حيث تمثل الدول العربية مخزون الطاقة الاستراتيجي حالياً وأن إفريقيا تمثل 25% من مخزون الطاقة المستقبلي المضمون، لذلك صنعت ودعمت أمريكا جميع الديكتاتوريات في المنطقتين ضماناً لمصالحها الاقتصادية والصناعية ، ومن ظنّ أن أمريكا تقف مع شعوب هذه الدول لتطبيق تلك الشعارات الأخلاقية فهو واهم . فأمريكا تقف وتدعم كل ديكتاتور فاسد يجثم على صدر شعبه وهي تشجعه على سرقة شعبه لتمسك بزمامه ولابتزازه عند الحاجة وعندما يفكر بالتمرد أو شق عصا الطاعة عليها!! الحاشية: * أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تتعلم من أخطائها، وبالتالي يجب أن لا نعتبر أن تكرارها لأخطائها هو نوع من الغباء السياسي ولكنها برأيي أنها استراتيجية متعمدة ، تعمد على اختلاق حروب لتجربة بعض الاسلحة التي ام تجرب وذلك بإيماء من لوبي مصانع السلاح ، فمن العبث إنتاج أسلحة لم تجرب ميدانياً ، ومن العبث أن تمتلئ مخازن البنتاجون هو أكبر مشتري لهذه الأسلحة دون أن تُستهلك ، إذا استمر الحال على هذا المنوال ستتوقف مصانع الأسلحة عن تطوير الأسلحة وانتاجها وتفقد أمريكا ريادتها كقوة عظمى ، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أحد أهم العوامل التي تحكم الحملات الانتخابية هو أن لوبي ومصانع الأسلحة بمختلف أنواعها هو من أهم ممّولي الحملات الانتخابية للحزبين في أمريكا!! * الأمر العجيب والذي يلاحظه المراقب عن كثب أن الحزب الجمهوري ما أن يكسب الانتخابات يظل في الحكم لدورتين ن يزج فيها بأمريكا في أتون حروب تخرج منها أمريكا دائماً منهزمة ثم يأتي الحزب الديمقراطي ليدير الانسحاب ويعمل على ترقيع الاقتصاد الأمريكي المنهار أو شبه المنهار نتيجة زج الجمهوريون بأمريكا في أتون حروب مكلفة يدفع المواطن الأمريكي ثمنها من رخائه. ويبدو أن هناك إتفاق ضمني بين الحزبان على هذا التقاسم!! * من نافلة القول أن نورد هنا بعض أقوال و أراء المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكى إذ قال [ إن الولاياتالمتحدة تخشى قيام أي ديمقراطية حقيقية تعكس الرأي العام للشعوب في منطقة الربيع العربي خاصة مع تداعي قوى هيمنتها على العالم. وقال إن الأمر الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة سيكون هو التحركات تجاه استقلالية القرار في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف أن مخططين أدركوا منذ الأربعينيات من القرن الماضي أن السيطرة على مناطق مخزونات الطاقة في الشرق الأوسط له علاقة كبيرة بالسيطرة على العالم أجمع. وأضاف أنه لا يعني بالضرورة هنا الاستحواذ على مصادر الطاقة في المنطقة وإنما السيطرة عليها فقط حتى ولو اعتمدت الولاياتالمتحدة كلية على الطاقة الشمسية أو على مخزوناتها النفطية. وذكر أن هناك خطرا آخر في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في احتمال أن تتحرك المنطقة صوب استقلالية لها معنى وقال إن هذا يمثل تهديدا خطيرا لها. وأشار إلى أن هناك دراسات كثيرة للرأي العام في العالم العربي أجرتها وكالات أمريكية لاستطلاع الرأي وتوصلت إلى نتائج مشابهة تفيد بأن الولاياتالمتحدة لا تريد حقا أن تعبر السياسات في الدول العربية كمصر وغيرها عن الرأي العام لشعوب المنطقة.] الهامش: * السودان شكّل أول هذه الدول التي شقت عصا الطاعة على الهيمنة الأمريكية التي تريد أن تفرضها على القرارات السيادية لتستحوذ على ثرواته وقد تجلى ذلك بوضوح عندما وقف السودان متحفظاً من حرب الخليج الثانية وصُنِّف يومها من دول الضد، ولقد أثبتت الأيام صحة موقف السودان، فها نحن اليوم نشهد الديمقراطية التي بُشر بها العراق وقد شهدنا حقوق الانسان في الفلوجة وأبوغريب ، وشهنا إبادة أسلحة الجيش العراقي التي بيعت خردة في سوق الحديد والفولاذ!! * وللاستدلال على صحة ما ذهبت إليه أقتطف من حديث نعوم تشومسكى هذا المقتطف الذي ينبغي للقارئ الوقوف عنده وتأمله ، فقال : [أنه إذا حدث هذا فقد يختلف موقف الحكومات من إسرائيل والولاياتالمتحدة ولن تعتبر إيران خطرا كبيرا بل أن غالبية الآراء قد ترى أن المنطقة ستصبح أكثر أمنا إذا امتلكت إيران أسلحة نووية لتوازن القوة الأمريكية وعندها سترى الولاياتالمتحدة أنه يجب وقف الديمقراطية لان الديمقراطية تعني ببساطة انعكاس الرأي العام على السياسات.] ... وأردف تشومسكى قائلا : [ إنه وبالنسبة للغرب فإن الدول الأهم هي الدول النفطية الدكتاتورية في منطقة الخليج لكن هذه الدول نجت من موجات الربيع العربي وقمعت الانتفاضات التي طالبت بالديمقراطية فيها بعنف وبدعم من الغرب.] لكنه أضاف : [ أنه وفي مناطق أخرى بالمنطقة بقيت الهياكل الرئيسية للدكتاتوريات القديمة -بما في ذلك مصر- كما هي على الرغم من تعرضها للتهديد من قوى شعبية تمثل مبعث قلق خطيرا للغرب.] .. وقال:[ إن الولاياتالمتحدة ظلت لهذا السبب تدعم الأنظمة الدكتاتورية السابقة في عام 2011 وكذلك فعلت فرنسا مع تونس قبل الانتفاضة التونسية إلى أن أصبح من المستحيل الاستمرار في دعمها وأضاف أن هناك محاولات الآن لإعادة بناء النظم القديمة في الدول التي شهدت تغيرات تتجه صوب الديمقراطية في المنطقة.] .. وضرب تشومسكى مثلا لموقف الولاياتالمتحدة من تطبيق الديمقراطية في المنطقة وخوفها منها وقال :[ إن هذا ظهر جليا في الانتخابات الفلسطينية في عام 2006 والتي وصفت من قبل العديد من المراقبين المستقلين بأنها أول انتخابات حرة ونزيهة في العالم العربي. وكانت هذه الانتخابات قد أسفرت عن فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي لا تعترف بإسرائيل وترفض معاهدات السلام معها.] إنتهى قصاصة: * من المفيد أن نأخذ في الاعتبار شهادة واحد من أهل البيت إذ قال تشومسكى إن الولاياتالمتحدة وإسرائيل حاولتا جاهدتين دفع نتيجة هذه الانتخابات باتجاه مرشحيهما المفضلين لكن النتيجة جاءت مخالفة لتوقعاتهما لذا وفي غضون أيام اتجهت الولاياتالمتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي إلى معاقبة الشعب الفلسطيني لأنه "انتهك الديمقراطية" عن طريق التصويت وفقا لما يراه وليس ما تراه الولاياتالمتحدة وقال إن واشنطن لا تعتبر هذه ديمقراطية. وأضاف أن الولاياتالمتحدة اتجهت فورا إلى إجراء روتيني تتبعه للإطاحة بالحكومات الديمقراطية التي لا تأتي على هواها وبدأت في الإعداد لانقلاب عسكري لكن الحكومة المنتخبة استبقت الانقلاب وكانت النتيجة هي تصعيد معاقبة الشعب الفلسطيني. * بالمناسبة كان تشومسكى قد زار قطاع غزة يوم الخميس بعدما انتقل برا إليه من مصر عبر معبر رفح. ودعا من هناك إلى رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة. والتقى تشومسكى أيضا برئيس وزراء حكومة حماس المقالة إسماعيل هنية كما ألقى محاضرة في الجامعة الإسلامية بغزة حول الربيع العربي ومستقبل السياسة الخارجية في المنطقة. وذكر المفكر الأمريكي اليهودي الشهير أن تعامل واشنطن مع ما حدث في غزة يظهر بوضوح الطريقة التي يتعامل بها الغرب بشكل عام مع الديمقراطية حيث يكون "لا بأس بها طالما تأتي بالنتيجة التي نرغب (أي الغرب) بها." ورأى تشومسكى أن السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط مازالت قائمة وأن تداعي القوة الأمريكية في العالم مستمر. * بعد كل ما سبق من سرد لا أظن أن أي إدارة أمريكية تجد أي صعوبة في الإجابة على تساؤلها: "لماذا يكرهوننا"، لأن السؤال ليس صعباً والإجابة من أسهل ما تكون وكما يقال: من أكبر المشكلات وأعظم المعضلات إيضاح الواضحات!! * عوافي...