"لست اشتراكيا متطرفا. انا تقدمي وقومي عربي" غندور: نميري ليس ذكيا، وزملاؤه "رؤوسهم فارغة" خليل عثمان: رشاوي الشريف الهندي واشنطن: محمد علي صالح في الحلقة السابقة، عرضت هذه المقتطفات من وثائق وزارة الخارجية الامريكية ردود فعل اجنبية للانقلاب العسكري يوم 25 مايو سنة 1969، والذي قاده العقيد جعفر نميري، واسقط حكومة ديمقراطية انتخبها السودانيون انتخابا حرا: خاف الاميركيون من ان الانقلاب شيوعي او يسيطر عليه الشيوعيون. وعارضه السعوديون، وقالوا انهم يفضلون حكومة حزب الامة. وتردد المصريون لانهم وجدوه خليطا من قومية عربية وشيوعية. وحذر الاثيوبيون من حكومة يسارية على حدودهم. وخاف الكونغوليون من تأييد ثوار "السمبا" اليساريين. وفرح الروس، وايضا فرحت دول في شرق اروبا لان نميري اعترف بحكومة المانياالشرقية (الشيوعية)، الخ ... -------------------------------------------- خليل عثمان: التاريخ: 6-6-1969 من: السفير، بيروت الى: وزير الخارجية صورة الى: السفير، الخرطوم، السفير، الكويت الموضوع: خليل عثمان "اليوم، جاء لزيارتنا للحديث عن انقلاب السودان د. خليل عثمان. يرجي المحافظة على سرية اسمه. انه رجل اعمال سودني مرموق، ويدير شركة "قولف انترناشونال" في الكويت. قال انه عاد امس من السودان، وقابل بعض قادة الانقلاب، واشترك في مناقشات خاصة عن سياساتهم. وقال انهم خططوا للانقلاب تخطيطا مبكرا، ومحكما. وقاد التخطيط شيوعيون استغلوا عدم رضى كثير من العسكريين والمثقفين عن حكومة الاحزاب التقليدية، وشللها، وفسادها. وخاصة"فيناليتي" (رشاوي) الشريف الهندي، وزير المالية السابق. وقال خليل عثمان ان قادة الانقلاب قالوا له انهم ليسوا شيوعيين، ولكن وطنيين اشتراكيين. لكنه يعتقد ان اغلبيتهم تأثرت بالشيوعيين. وان الشيوعيين منظمون، وعندهم اقوى حزب شيوعي في افريقيا وفي الشرق الاوسط. ولهذا، سيستغلون الانقلاب لزيادة نفوذههم. وقسم خليل عثمان قادة الانقلاب الى ثلاثة اقسام: العسكريين (مثل نميري)، والمؤيديين لمصر (مثل بابكر عوض الله)، والشيوعيين (مثل هاشم العطا وبابكر النور). وقال ان العسكريين يسيطرون الأن على الباقين. لكن، يزيد الشيوعيون نفوذهم في سرعة هائلة، وقريبا سيقدرون على السيطرة على النظام. ونصحنا خليل عثمان ان نتابع الخطر الشيوعي في السودان. وقال: "اذا كنتم تعتقدون ان جمال عبد الناصر يسبب لكم مشاكل، انتظروا لتروا ماذا سيفعل الشيوعيون السودانيون عملاء روسيا." وقال ان هناك عسكريين لا يريدون الشيوعيين، واشار الى اجتماعات بعضهم مع الصادق المهدي، زعيم حزب الامة، الذي ذهب الى الخرطوم، ولكن، بعد اجتماعات استمرت يومين، اعتقل، ووضع في السجن ... " الصادق المهدي: التاريخ: 9-6-1969 من: قسم الاستخبارات والابحاث، وزارة الخارجية الى: السفير، الخرطوم الموضوع: الصادق المهدي "يوم 5-6، وبعد اسبوعين في الحكم، اعتقل قادة انقلاب السودان الصادق المهدي، زعيم حزب الامة، وكان رئيس وزراء خلال سنتي 1966-67. يوضح هذا تصميم هؤلاء الضباط الشباب على انهاء سيطرة الاحزاب التقليدية الدينية، وتاسيس مجتمع علماني حديث. وعلى الاعتماد على الحزب الشيوعي، المنظم تنظيما جيدا، لمساعدتهم في تحقيق ذلك ... نرسل لكم معلومات عن الصادق المهدي ... لابد من التركيز على اعمار هؤلاء الضباط الشباب. اقل من خمسين منهم هم الذين خططوا ونفذوا الانقلاب. وسارعوا بعزل كل ضابط اعلى منهم مرتبة ... ويوم 2-6- نظم لهم الشيوعيون واليساريون موكبا كبيرا في الخرطوم، اوضح تاييد سكان المدن في شمال السودان لهم. واشترك في الموكب مهنيون وطلاب ونقابات عمالية ... حتى الأن، يبدو ان المعارضة الظاهرة جاءت من حزب عقائدي صغير، هو الاخوان المسلمين. لكن، سارع النظام واعتقل قادتهم ... " عبد الله غندور: التاريخ: 12-6-1969 من: السفير، الخرطوم الى: وزير الخارجية الموضوع: عبد الله غندور "امس، قابلنا عبد الله غندور، وكيل سابق لوزارة المالية، ومدير شركة الاستثمارات والاستشارات السودانية ... سألناه عن دور الشيوعيين في انقلاب نميري. اصر، وكرر، بأن الحزب الشيوعي السوداني لم يشترك في الانقلاب. ولم يؤيده. بل ناقش امكانية اصدار بيان يعارضه. لكن، ايد الحزب الانقلاب لسببين: اولا: لاحظ تاييد اعضائه وجماهيره المتحمس له. ثانيا: خاف من ان فشله سيكون كارثة عليه، على الحزب ... وسألنا غندور عن اشتراك وزراء شيوعيين في وزارة نميري. كرر بانهم لم يشتركوا في تخطيط وتنفيذ الانقلاب. ولكن اختارهم بابكر عوض الله رئيس الوزراء. بدون تخطيط مسبق، وبدون دراسة تفصيلية مع قادة الانقلاب. ربما لأنهم كانوا اشتركوا في قيادة ثورة اكتوبر التي عزلت حكومة الفريق عبود العسكرية (سنة 1964). وكان عوض الله تعاون معهم في ذلك الوقت، ويراهم تقدميين، ويريد العودة الى سياسات ثورة اكتوبر التقدمية، قبل ان تسيطر عليها الاحزاب التقليدية والدينية ... وسألنا غندور عن بابكر عوض الله نفسه. قال انه ليس شيوعيا. ولن يسمح للشيوعيين بالسيطرة على الوزارة. وانه ناصري، واكثر ناصرية من الرئيس المصري عبد الناصر نفسه. لكن، اذا زاد نفوذ الشيوعيين في الوزارة، سيتخلصون منه ... وسألنا غندور اذا كان عوض الله سيريد من الاحزاب التقليدية تأييد للانقلاب. قال ان ذلك مستحيل، لان الانقلاب يساري، ولأن الشيوعيين اقوياء جدا ومنظمون جدا. وسألنا غندور عن الضباط العسكريين الذين قادوا الانقلاب. قال ان اغلبيتهم "امتي هيديد" (رؤوسهم فارغة). ولم ينل اي واحد منهم شهادة جامعية. ولا يملكون خبرات مفيدة. ورغم ان اغلبيتهم من الشباب الذين يميلون نحو اليسارية والتقدمية، ليسوا شيوعيين منتظمين ... وسالنا غندور عن نميري نفسه. قال انه ربما يملك خبرات اكثر من الباقين. لكن، ليس ذكاؤه عاليا. وخلفيته انصارية، وتميل نحو اليمين. ولو كان الامر بيده، ربما كان تفاوض وتحالف مع الصادق المهدي ... " نميري: التاريخ: 11-6-1969 من: السفير، الخرطوم الى: وزير الخارجية الموضوع: مقابلة صحافية مع نميري "اليوم، نشرت جريدة "الصحافة" نص المقابلة التي اجرتها مع نميري جريدة "الجمهورية" المصرية. وتحدث فيها عن تنظيم الضباط الاحرار، وتخطيط وتنفيذ الانقلاب. وفي سؤال عن فلسفته السياسية، قال، وكانه يستهزأ، انه تاثر بالثقافة الاميركية، عندما درس في مدرسة الاركانحرب في قاعدة فورت ليفنويرث (في ولاية كنساس) سنة 1965. وقال ان "لونه السياسي" هو انه "ليس ليبراليا" ولكن "تقدميا". وانه "اشتراكي لكن ليس متطرفا" و "قومي عربي." نرسل لكم نص المقابلة كما ترجمتها "يو اس آي اس" (المكتبة الامريكية). (مقتطفات): س: يبدو لى انك تأثرت بميول معينة في فلسفتك السياسية. ما هي؟ ج: لم افهم السؤال. س: هل فلسفتك فلسفة اشتراكية؟ ج: لا. س: ما هي اذن؟ ج: امريكية. س: قلت له بصوت عال وفي دهشة: هل قلت ان فلسفتك امريكية؟ ج: نعم. درست في اكاديمية عسكرية في امريكا. لكن، لا تقدم المدارس فلسفات كاملة. انا اؤمن بان الحياة هي الجامعة الاولى. لهذا، كونت قراءاتي في الكتب الغربيةوالشرقية فلسفتي في الحياة. س: ما هو لونك السياسي؟ ج: لم افهم السؤال. س: ما هي آراؤك السياسة. احسست من هذه المقابلة معك انك لست ليبراليا. هل هذا صحيح؟ ج: لست ليبراليا. س: ماذا اذن؟ ج: ليس عندي لون سياسي. اريد اتباع سياسة تعطي الناس حقوقهم. يمكن ان تصفني باني "تقدمي". س: تعني "تقدمي" اشياء كثيرة. هل اقدر على وصفك بانك "اشتراكي"؟ ج: "اشتراكي ليس متطرفا". س: هل انت اشتراكي عربي؟ ج: ليس مثل ما في "الاتحاد الاشتراكي العربي" (المصري). انا عربي، قومي عربي ... " خليل عثمان، مرة اخرى: التاريخ: 11-6-1969 من: السفير، الكويت الى: وزير الخارجية صورة الى: السفير، الخرطوم، السفير، بيروت الموضوع: خليل عثمان "امس، جاء لزيارتي رجل الاعمال السوداني الذي يعمل هنا، في الكويت، د. خليل عثمان. الرجاء المحافظة على سرية اسمه. كان زارني بعد انقلاب السودان، وقدم لي معلومات عنه. ثم سافر الى السودان. ثم الى بيروت حيث قابل السفير الامريكي هناك (الرسالة اعلاه). هذه المرة، قال لى انه تحدث مع نميري، زميله في الدراسة. وكسب ثقته، واثر عليه تأثيرا كثيرا. ويريد منه ان يطور السودان بالتعاون مع الغرب، وليس بالتعاون مع الشرق. وقال انه واجه نميري وتسعة من اعضاء مجلس قيادة الثورة. وسألهم في تحدي: لماذا اعترفتم بالمانياالشرقية؟ ماذا ستقدم لكم دولة شيوعية فقيرة؟ لماذا لا تتعاونون مع اميركا كما يتعاون معها الكويتيون والسعوديون؟ وكما اتعاون معها انا نفسي ا؟ لماذا كل هذا الهجوم على الامبريالية؟ الا اتعاون انا الآن مع هذه الامبريالية؟ هل تعلمون ان الامبرياليين هم الذين يمولون مشاريعي في الكويت وفي السودان؟ ماذا سيقدم لكم المصريون؟ انهم انفسهم يحتاجون الى الامريكيين؟ لماذا سمحتم لبابكر عوض الله بتشكيل وزارة من الشيوعيين والموالين لمصر؟ من اين سياتون برؤوس اموال لتطوير السودان؟ وقال خليل عثمان انه، بعد ساعة ونصف ساعة من النقاش، طلب منه نميري ان يتحدث الى اجتماع مشترك لمجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء. وفعلا، بعد يومين قابلهم، وكرر لهم نفس الأراء السابقة. وقال ان نميري طلب منه ان يجرى اتصالات مع البنك الدولي لتمويل مشاريع استثمارية في السودان. وقال لي خليل عثمان انه سيسافر، بعد اسبوع، الى نيويوركوواشنطن ليحاول مقابلة ماكنمارا، مدير البنك الدولي، لكسب تاييد البنك لدعم السودان. مثل: قرض 157 مليون دولار لمشروع شرق النيل الازرق. وطائرات "بوينق" للخطوط الجوية السودانية. ومشاريع سكة حديد، ودواجن، واسماك. وقال ان الكويتيين سيكونون مستعدين للمساعدة والمساهمة لتنمية هذه الدولة الهامة في افريقيا ... اقترحت عليه، عندما يزور واشنطن، ان يقابل جون قاتش، مسئول الشرق الادني في الخارجية، الذي يعرفه ويثق فيه ... " (يتبع) [email protected]