الخميس 28/3/2013م أصدرت محكمة إستئناف القاهرة حُكمَها الذي قَضَي ببطلان قرار تعيين النائب العام الجديد المُستشار طلعت عبدالله, وهو الذي عُيِن من قِبَل الرئيس مُرسي بموجب إعلان دستوري, بعد أن أقال النائب العام السابق المُستشار عبدالمجيد محمود. صدر الحُكم ومِصر تشهد حالة من الغليان والإحتقان السياسي, ماسيزيد بدوره من حدة الصراع بين الأطراف المُتصارعة. الحكم بلاشك ألقي بظلاله علي المشهد السياسي المصري, والكُرة الآن في تقديري في ملعب حزب "الإخوان" ليعالج بعضاً من أخطاءه, وذلك بالإمتثال لحُكم المحكمة دون السَير قُدُماً في طريق الطعن, فذلك في تقديري سيُساعد في تهيئة الأجواء, وقد يُسهِم في جسر الهُوة للدخول في حوار وطني يحقق تطلعات الشعب المصري. كما أن الإمتثال للحُكم فيه تأكيد لهيبة وإستقلال القضاء المصري, الذي يسعي الإخوان وحزبهم "الحرية والعدالة" للنَيلِ منه, والزج بالقضاء في الصراع السياسي, فالقضاء المصري وجد نفسه في مُواجهة مع السُلطة التنفيذية, الذي لم يحترم رأسها أحكام القضاء وقراراته, عندما أصدر الرئيس مُرسي وهو لم يَستَوِي بعد علي كُرسي الرئاسة قراراً بعودة مجلس الشعب مُخالفاً بذلك قرار المحكمة الدستورية العليا القاضي ببطلان المجلس تأسيساً علي أن إنتخاب المجلس جري بصورة مُخالفة للقانون, وأقال النائب العام السابق رغم أن الدستور لم يُجَوِز له ذلك, وعين النائب العام الحالي, دون أخذ رأي المجلس الأعلي للقضاء حسب ما تتطلبه المادة 77 من قانون السُلطة القضائية, ثم أصدر إعلاناً دستورياً يحصن فيها قراراته ضد القضاء! حُكم نافذ فورَ صدوره : في مصر الأحكام القضائية التي تَقبَل الإستئناف لا يجوز تنفيذها إلا بعد إنتهاء مُدة الإستئناف, بمعني إذا صدر حُكم من محكمة الموضوع فالحُكم لا يُنَفَذ إلا بعد إنتهاء المُدة المُحددة لإستئناف الحُكم. أما تقديم طعن ضد حُكم محكمة الإستئناف أمام محكمة النقض فهو لا يمنع تنفيذ الحُكم, بل إن محكمة النقض لن تنظُر في طعن مُقدم أمامها مالم يُنفذ حُكم محكمة الإستئناف, فحُكم محكمة الإستئناف نافِذ فورَ صدوره حسب القانون, عكس حُكم محكمة الموضوع كما ذكرنا. وذلك عكس ماهو مُتبع هنا فالأحكام القضائية السُودانية نافِذة فورَ صدورها, غض النظر عن قابليتها للإستئناف من عدمها, وذلك ما لم تصدر المحكمة المطعون أمامها أمراً بوقف التنفيذ, بعد أن يُقدم لها طلب بذلك, هذا بالإضافة إلي أن المحاكم السُودانية التي تُباشر التنفيذ لها السُلطة التقديرية في إصدار أمر بوقف التنفيذ لمُدة مُناسبة ريثما يصدُر أمر بوقف التنفيذ من المحكمة التي تنظُر الطعن لحين الفصل في الطعن. بالعودة لموضوعنا نجد أن المحكمة التي أصدرت الحُكم في القضية قد نظرته إبتداءً وهي محكمة حسب سلِم التقاضي تعتبر محكمة ثاني درجة, فالتقاضي كما هو مَعلُوم يتم علي درجتين, أول درجة وهي المحكمة التي تنظُر النزاع إبتداءً, وثاني درجة وهي المحكمة التي تنظُرها إستئنافياً, أمام محكمة النقض ويقابلها هنا المحكمة العليا فهي تعتبر محكمة قانون وهي لا تنظُر في الحُكم المطعون ضده إلا إذا توفرت أسباب محددة. وعليه فالموضوع أثار ولا زال يُثيرُ جدلاً قانونياً واسعاً, فالبعض يري أن محكمة الإستئناف التي أصدرت الحُكم -وهي دائرة يتم تشكيلها خصيصاً لنظر الدعاوي المتعلقة بأعضاء القضاء- قد نظرت الموضوع إبتداءً, مايعني أنه لا يجوز تنفيذ الحكم إلا بعد إنتهاء مُدة الطعن, وهي ستون يوماً حسب القانون المصري, أو بعد صدور حُكم مُؤيد من محكمة النقض, بينما يري البعض الأخر أن حُكم محكمة الإستئناف واجب النفاذ وفقاً للقانون, وإن لم يكُن الحُكم مشمولاً بالنفاذ المُعجل, وإن نَظَرَها للموضوع إبتداءً لا يعني عدم نفاذ الحُكم. الأخذ بالقول الأخير هو الصحيح في تقديري لأنه حُكم صادر في المقام الأول من محكمة إستئناف, ولأن الأحكام التي لا يجوز تنفيذها فورَ صدورها هي الأحكام القابلة للإستئناف فقط, وليس الأحكام القابلة الطعن ضدها بالنقض, بل إن الأحكام القابلة بالطعن ضدها بالنقض, حسب القانون لن تُقبل مالم تُنفذ. وهذا بالرغم من أن الحُكم صدر دون شموله بالنفاذ. الحُكم سيترتب عليه إعادة الحال إلي ما كان عليه, بعودة النائب العام السابق "إن أراد ذلك" وإلا فعلي المجلس الأعلي للقضاء تقديم مرشحين لرئيس الجمهورية ليتم تعيين نائب عام أخر. أما النائب العام الجديد إن لم يقبل بالحُكم, فهو قانوناً ليس له حق مُزاولة المهام والواجبات, لحين صدور حكم من محكمة النقض يلغي هذا الحُكم, ومحكمة النقض بدورها,كما ذكرنا لن تقبل الطعن في حال تقدمت به هيئة قضايا الدولة -الجهة التي تتولي النيابة القانونية عن الدولة وفقاً للمادة 179 من الدستور- مالم يُنفذ حكم محكمة الإستئناف, وكل ذلك بلاشك سيلقي بآثاره السالبة علي سير العمل بالنيابات والمحاكم المصرية, فيجوز لأي طرف في قضية ما أن يطعن في حضور أي وكيل نيابة حضر ممثلاً للإتهام عن الحق العام, وذلك بحجة أن وكيل النيابة يُمَثِل نائب عام غير شرعي!. كما أن الحكم بلاشك سيزيد من حِدة الصراع السياسي, لأنه حُكم قضائي كاشف وليس حُكم مُنشئ, أي أنه يكشف أمراً واقعاً قبل صدور الحُكم وهو بُطلان قرار تعيين النائب العام الجديد منذ لحظة تعيينه, ما يعني أن جميع القرارات التي إتخذها سيادته منذ شغله للمنصب, هي قرارات مُنعَدِمَة ولا أثر لها. وفي حال إصرار النائب العام الجديد علي شغل المنصب -خاصة أن عدم شمول الحُكم بالنفاذ سيشكل ذريعة لذلك رغم أن القانون واضح- فإن أي قرار سيتخذه سيكون قراراً باطلاً, ما يعطي الحق للأطراف المتضررة منه المُطالبة بالتعويض العادل, هذا غير أن الإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية جريمة يُعاقب عليها القانون وفقاً للمادة 79 من الدستورالحالي. وهنا يُطرح السُؤال هل سيمتثِل حزب الإخوان للقانون ولأحكام القضاء, ولو مؤقتاً لحين التقدُم بطعن والفصل فيه من محكمة النقض, إعلاءً لدولة القانون وإرساءً لقِيَم الديمقراطية؟ أم أن الإستبداد سَيتنامي, ليقدموا بذلك دليلاً أخر علي عدم إحترامهم لأحكام القضاء, بعد أن أعادوا مجلس الشعب, وبالتالي عدم خُضوع الدولة للقانون, ماسيُؤدي لإنهيار دولة القانون؟ هذا ما ستكشفه الأيام. الإخوان والتمكين : حزب الإخوان يسعي بشتي السُبل إلي تثبيت أقدامه مُتشبثاً بالسُلطة, ومحاولاً في ذات الوقت صياغة قوانين جديدة تخدم مصالح الحزب, وكما جاء بنائب خاص -بعض وسائل الإعلام كانت قد ذكرت أن النائب العام الجديد كان قد ذهب إلي مكتبه فور تعيينه برفقة "فصيل من جماعة الإخوان", لذا يَصدُق قول البعض بأنه نائب خاص- فهُناك إتجاه لتقليل سن عمل القُضاة, في قانون السُلطة القضائية الجديد والذي يجري الإعداد له, وبحسب أحد القُضاة, فإن ذلك يعني الإطاحة بحوالي 2,400 قاض ممن تعدوا السِن المُحدد! -إحالة للصالح العام- وقد بلغت الجُرأة بأحد محامي التيار الإسلامي للقول بأن القضاء والإعلام هُما المؤسستين الوحديتين الفاسدتين بالبلاد!, فاسدتان لأنها مؤسسات مُستقلة وعصية علي التطويع, فإستقلال القضاء وحرية الإعلام هما ركائز الحقوق والحريات العامة ومن دونهما لن يتم إحراز أي تقدُم, ولا يصح الحديث عن إشاعة الديمقراطية دون توفرهما. فرغم ما يُقال بأن المحكمة الدستورية العليا تأتي في المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الإستقلالية والنزاهة إلا أنهم بعد ذلك يَرَونَ بأن القضاء المصري مُؤسسة فاسدة!. بل حتي الأزهر لم يسلَم, رغم أن الدستور كفل إستقلاليته وفقاً للمادة الرابعة, فهم يريدون السيطرة عليه, ما دفع بالبعض لتأسيس جبهة للدفاع عن الأزهر, أطلق عليها الجبهة الوطنية لحماية الأزهر والأوقاف بهدف حمايته وإبعاده عن الصراع السياسي. كل ذلك وغيره يُشير إلي أن حزب الإخوان يسعَي لإعادة تشكيل مُؤسسات الدولة, كما يرغبون هم بذلك, منتهجين سياسة الإقصاء والعمل وفقاً للولاء, وذلك للحد من أي هَبَه مُحتملة للنقابات والإتحادات, التي دخل بعضها في إضرابات نتيجة لتردي الأوضاع, ما سَيُسهِم في تنامي الغضب الشعبي. ولكن للشعب المصري أدواته وآلياته التي يستطيع من خلالها إحداث التغيير المَنشُود. loai abdo [[email protected]]