لا أعرف على وجه الدقة المعايير التي تتبعها الأجهزة المعنية في تكريم المبدعين خاصة في وزارة الثقافة والإعلام وحتى المنظمات الطوعية والشركات الخاصة التي درجت في الأونة الاخيرة على تكريم المبدعين في مجالات متعددة في الفن والأدب وكافة ضروب الابداع. في السنوات الأخيرة التزمت إحدى الشركات الخاصة على تبني إقامة مهرجانات لتكريم بعض الفنانيين والشعراء والناشرين، وهي مبادرة طيبة لا غبار عليها، لكن هل من تم تكريمهم – مع كامل احترامنا لهم- يشكلون القمم الأبرز في سماء الإبداع بالسودان؟. وهل ثمة أسماء سقطت عمداً او تجاهلاً من ذاكرة هذه الشركة، كما سقطت قبل ذلك من ذاكرة مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية. عندما ترفع شركة ما لشعار على شاكلة رعاية المبدعين السودانيين والاحتفاء بهم وتكريمهم فإن المتوقع منها أن تتعامل مع الأمر باعتباره إبداعاً صرفاً بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، لكن ما يحدث هو عكس ذلك تماماً، فالشركة التي ترفع شعار رعاية المبدعين وتعزف على هذا الوتر بغرض الترويج عن نفسها أولاً ثم اظهار مسئوليتها الاجتماعية من خلال هذه البرامج ركزت في احتفائها بالمبدعين على لون معين ومنطقة بعينها. وهو أمر وضح من خلال معظم الفعاليات التي قامت برعايتها خلال الفترة القصيرة المنصرفة. من حق هذه الشركة أن تحتفي بمن تحب، لكن يجب أن تكون أمينة مع نفسها وأمام الناس وأن تشير بوضوح أن هدفها هو اهتمامها بلون محدد ومنطقة معينة، لكن أن تدعي انها ترعى المبدعين في كل السودان هو محض دعاية والدليل على ذلك أنها تجاوزت عن كثير من الأسماء التي تمثل قمة سامقة في سماء الابداع السوداني مثل الفنان بادي محمد الطيب، كروان الحقيبة وآخر عمالقتها يرحمه الله. اللوم الأساسي لا يقع على هذه الشركة التي ليس من صميم عملها أن تقوم بتكريم المبدعين – لكنها طالما تصدت لرعايتهم في كل مكان بالسودان كما تقول، يجب عليها أن تكون أمينة وأن تتبع معايير مهنية بعيدة عن الخيار والفقوس وأساليب العلاقات الشخصية التي تقرر تكريم البعض وتجاهل البعض الآخر. لكن اللوم الرئيسي يقع على أجهزة الدولة الرسمية ومؤسساتها التي لم تلق بالاً للعديد من المبدعين الذي ملأوا الدنيا وشغلوا الناس، ثم ذهبوا لسبيلهم دون أن تلتفت لهم الدولة، وعلى قائمة هؤلاء الفنان الكبير بادي الطيب الذي يشكل مثالاً واضحاً للاقصاء والتجاهل المتعمد الذي تمارسه مؤسسات الدولة المعنية بأمر الثقافة ورعاية المبدعين، فقد ظلم في حياته كما ظلم في مماته رغم أنه يعد أحد الاعمدة الأساسية في الفن السوداني باتفاق الجميع وخاصة فن الحقيبة إذ يعتبر آخر أساطينه وعمالقته. لقد تم تجاهل الفنان بادي عمداً مع سبق الإصرار والترصد، فلم تهتم الدولة برعايته خلال حياته التي انتهت في إحدى المشافي الأردنية دون أن تسهم الدولة في نفقات علاجه. ولم تسع الدولة إلى تخليد ذكراه بعد مماته في الوقت الذي نجدها تحشد إمكانياتها للاحتفاء بشخصيات هم أقل شأناً من الفنان بادي والذي أعطى الفن السوداني الشي الكثير دون أن ينتظر من يكرمه أو يستجدى شهادة من أحد، فقد كان يكفيه محبة الجماهير العريضة التي ما تزال وفية له ولفنه الخالد. نسأل الله أن يتقبل الفنان بادي محمد الطيب ويرحمه رحمة واسعة، وهو لايحتاج الآن سواء دعوات معجبيه ومحبي فنه. Ayman Abo El Hassen [[email protected]]