mona albashir [[email protected]] تمهيد :- أبلغ السودان رسميا الآلية الأفريقية رفيعة المستوى موافقته على مقترحات رئيسها "تامبو مبيكى"، لتسوية الأزمة مع جنوب السودان جراء دعمها لحركات التمرد المسلحة السودانية، وعدم انسحاب قواتها من مواقع تحتلها داخل السودان. وقال الناطق الرسمى باسم وزارة الخارجية السفير أبوبكر الصديق ان المقترحات التى تقدم بها مبيكى تتضمن تكليف برنامج الاتحاد الأفريقى للحدود بتحديد خط الأساس للمنطقة الأمنية منزوعة السلاح، (خط الصفر) على الأرض، فى غضون ستة أشهر . مما تقدم يبدو ان الازمة فى طريقها للأنفراج ولكن ليس مقترح امبيكى وحده هو السبب الرئيسى فى موافقة الخرطوم على تسوية الازمة مع جنوب السودان اذ ان هنالك لاعب هام جدا خلف الكواليس ضغط بقوة تصل حد التهديد للوصول الى هذه التسوية وهو دولة تسمى الصين ، وقد تبدو تسوية مكلفة اذ ان السودان فى اقل من اسبوعين سيتراجع عن قرار اغلاق انابيب النفط لان المصالح الصينيية تكمن داخل هذه الانابيب ولذلك لابد ان تعمل حتى تستمر الصين فى خط الحليف الاقتصادى الاستراتيجى للبلدين . الصين على خط الازمة :- منذ اليوم الاول للأزمة كانت الصين حاضرة بقوة فى المشهد وبعكس المرات السابقة لم تبدى الصين اى تفهم لاغلاق الانابيب وبحسب تقارير من جنوب السودان فقد قدمت الصين احتجاجا شديدا على القرار لدى الخرطوموجوبا وابلغ السفير الصيني لدي السودان وزير الخارجية السوداني علي كرتي عن موقف بلاده ، حيث قال " إن إغلاق الانابيب غير مبررة على الإطلاق ، والاتهامات بدعم الجبهة الثورية غير مبررة لقفل الانابيب " ونقل سفير الصين لدي جوبا فحوى الرسالة للمسئولين في جوبا ، وعندما استمر الحال لم تجد الصين بداً من ارسال مبعوث خاص لنزع فتيل الازمة وانقاذ مصالحها النفطية البالغة اكثر من 11 مليار دولار . المبعوث الصينى لافريقيا (زونج جيا لهوا) عبرعن رغبة بلاده في تطوير العلاقات بين السودان وجنوب السودان ، مشيرا إلى بذل الجهود لوضع حلول نهائية تساعد في استدامة تنفيذ الاتفاقيات جميعها . وقال إن الجنوب ظل يعاني خلال العام والنصف من توقف آبار النفط .. معربا عن أمله في التوصل إلى حلول مرضية للطرفين لتحقيق المصالح المشتركة . كما أكد المبعوث الصيني لوزير الخارجية على احمد كرتى ولوزير النفط د.عوض الجاز أن بلاده ستبذل قصارى جهدها لتمكين طرفي القضية من التوصل لتفاهم يفضي إلى حلول ناجعة لكل الملفات . الامر ذاته سينقله المبعوث للقياده فى جوبا ممايشى ان الضغط الصينى ربما ياتى بنتائج حقيقية لجهة فك الارتباط لان الصين تمتلك كروت ضغط على جوبا خاصة وانها اكبر مستثمر بالفعل في حقول النفط في جنوب السودان من خلال شركتي تشاينا ناشيونال بتروليم كورب (سي ان بي سي) وسينوبك الحكوميتين العملاقتين في مجال النفط . كما عرضت الصين على جنوب السودان العام المنصرم تمويلا بقيمة ثمانية مليارات دولار لمشروعات تنمية رئيسية". الصين حلف استراتيجى ام مصالح :- فى وقت سابق قام وزير الدولة بالمالية بزيارة للصين وانتزع منهم على تسريع الاجراءات الخاصة بالقروض الممنوحة للسودان وزيادة حجم التعاون في مجال القروض التفضيلية والميسرة والمنح ، وقال وزير الدولة بالمالية وقتذاك : ان الصين تعهدت بزيادة حجم التعاون مع السودان ، كما التزم بنك التصدير والاستيراد الصيني بالتنسيق مع وزارة التجارة الصينية بتسريع الاجراءات الخاصة بزيادة حجم التعاون مع السودان في مجال القروض التفضيلية والميسرة والمنح، مع منح اولوية للمشروعات المرتبطة بزيادة الانتاج والانتاجية. وتعود العلاقة بين الصين والسودان الى خمسين عاما الماضية وازدادت نموا وازدهار في عهد الحزب الشيوعي الصيني بعد سياسة الانفتاح الاقتصادي التي قادها الحزب في ثمانينات القرن . والصين بعد استثمارها ميارات الدولارات فى حقل النفط بات من غير الممكن ان تركن الى علاقات عاطفية وقرارات غير مدروسة من شانها ان تؤثر على اموالها فى حقل النفط ولذلك جاء تحركها الآخير والذى بحسب محللين سيكون ضاغطا جدا اذا استمر السودان وجنوب السودان على ذات النهج ، وربما تهدد بسحب اسثماراتها الامر الذى سيكون له مردوده الاقتصادى السالب على البلدين ، وبحسب محللين سياسيين فان الصين دولة عملية وتنفى العاطفة بعيدا عن تعاملها ، ودخولها افريقيا لم يكن من باب الحب والغرام ولكن لتجد لنفسها موضع قدم فى القارة الناشئة ولذلك المال والمصالح الاقتصادية هى صديق الصين الوحيد . الحكومة ترهن ولكن :- رهن وزير النفط السوداني الدكتور عوض أحمد الجاز استمرار ضخ نفط جنوب السودان بتنفيذ حزمة الاتفاقيات الموقعة أمام المجتمع الدولي كحزمة واحدة متزامنة ، مؤكدا عدم الحاجة لمفاوضات جديدة ، والمطلوب تنفيذ الاتفاقيات الموقعة .. مشيرا إلى التزام بلاده حرفيا بتنفيذها . حديث الجاز عاليه يعتبر تحول كبير فى موقف السودان خلال ثمانية ايام ، فالرهن يختلف عن الالغاء قولا واحدا ، ففى التاسع من يونيو الجارى هدد السودان بالغاء الاتفاقيات التسع المتعلقة بالأمن والتعاون مع جنوب السودان اذا ما استمر في دعم المتمردين الذين يقاتلون ضد القوات السودانية . وقال وزير الاعلام السوداني بلال عثمان في المؤتمر الصحفي الذى عقده يومذاك ان حكومته ستلغي هذه الاتفاقيات في غضون 60 يوما اذا لم توقف جنوب السودان دعمها لمتمردي الجبهة الثورية السودانية . التحول عاليه تجده ايضا فى حديث وزير الخارجية على احمد كرتى مع المبعوث الصينى حيث أكد الوزير أن السودان في حالة التزام دولة الجنوب بالاتفاقات الموقعة بينهما سيمضي في سبيل بناء علاقات مثمرة وأخوية معها . قرار الغاء الاتفاقيات وجد انتقادا كذلك من الاتحاد الأروبي وقال: (من شأن قرار وقف تصدير النفط عن طريق جنوب السودان أن يؤدي لعواقب وخيمة على استقرار الدولتين والعلاقات بينهما وهذه العواقب قد تؤثر على المنطقة بأسرها). مشيرا إلى ضرورة تنفيذ اتفاقات أديس ابابا دون قيد أو شرط ودون تهديدات إلغاء تلك الإتفاقيات كلما تنشأ أزمة بين البلدين . المبعوث الصينى فى جنوب السودان :- من المؤكد ان المبعوث الصينى سيحمل الى القيادة فى جوبا ذات الرسالة وربما تفلح الضغوط الصينية مع الجنوب مثلما افلحت مع السودان وجعلته يوافق على مقترح امبيكى للتسوية السياسية بين البلدين وستقوم جنوب السودان هذه المرة بخطوة فعلية فى فك الاتباط مع حركات التمرد السودانية وقطاع الشمال ذلك ان الصين وفى عز الازمة لوحت لجنوب السودان عن طريق السفير الصينى الى استعداد 60 شركة صينية للاستثمار فى كافة المجالات فى جنوب السودان ، وبحسب مراقبين فان الاوضاع الاقتصادية المزرية التى يعيشها جنوب السودان لا تسمح له بالاختيار بين اموال الصين ودعم التمرد فالنتيجة ربما تكون محسومة لصالح الصين اذا كانت القيادة الجنوبية بالذكاء الكافى لحل هذه المعادلة .