العلاقات السودانية الايرانية ومنذ الاستقلال سارت بخطى ثابتة وتمضي في تصاعد مستمر، وإبان حكم الرئيس السابق نميري ساد العلاقات شيء من التوتر وذلك لمساندة السودان العراق في حربه مع ايران، ولكن سرعانا ما عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين للدوران بعد أن تولى الصادق المهدي الحكم وزيارته للعاصمة الايرانيةطهران واستمرت بعد ذلك العلاقة في التطور الى أن زادت الروابط عمقاً ومتانة في عهد الرئيس البشير الذي تبادل الزيارات مع الرئيسين الايرانيين السابقين هاشمي رفسنجاني ومن بعده محمد خاتمي ومن ثم أحمد نجاد. وهاهو الرئيس البشير يواصل تمتين العلاقات والتواصل بين الدولتين ويقرر الذهاب الى طهران بعد غد السبت على رأس وفد كبير للمشاركة في حفل تنصيب رئيس ايران الجديد حسن روحاني ،وفق ما ورد في صحيفة "الراي العام". ولكن قد يسأل سائل هل من مصلحة السودان الاتجاه لتوثيق علاقته مع ايران لاسباب تتعلق بطبيعة التحولات المرتقبة فى ملف الصراع الاسرائيلى الايرانى فى المنطقة ووقوع السودان فى منطقة رخوة ستجعل ظهره مكشوفاً فى حال اضطر للمشاركة فى اية مواجهة، ام ان مصلحة السودان الاستراتيجية فى علاقاته الخارجية تتطلب الاتجاه الى تعزيز علاقاته مع دول الخليج العربى لضمان الحصول على دعم مالى واقتصادى وتوسيع استثماراته؟. فالعلاقة بين الخرطوموطهران امتدت إلى أكثر من ثلاثة عقود، ورغم ذلك لم تتطور هذه العلاقة منذ بدايتها سواء أكانت اقتصادية أو سياسية، حيث لم تصل الى درجة التحالف. بعد اكثر من (23) عاما من العلاقات المتميزة بين السودان وايران، هل سيقف الولاء المذهبي حاجزا مانعا في ان تصبح ايران الداعم الاول للحكومة السودانية سياسيا واقتصاديا؟، فبالرغم من تميز العلاقة ظاهريا بين الدولتين، ولكن في الواقع ليس ثمة علاقات متميزة مع ايران حسبما يرى البعض سيما ان الجانبين يدفعهما في الوقت الراهن التطلع المشترك نحو ما هو أكثر عمقا ومتانة وتطورا، حيث يصف البعض العلاقات بين البلدين ب"الخاسرة" لانها تأتي خصما علي علاقات السودان بدول الخليج لاسيما السعودية وقطر والامارات. سيما ان هذه الدول يستفيد منها السودان استثمارياً أكثر من اي دولة أخرى. ويرجع كثير من المراقبين بالداخل والخارج التطور الكبير الذي شهدته العلاقات الثنائية بين الخرطوموطهران في عهد حكومة الرئيس عمر البشير إلى عدة أسباب أهمها التوجه الإسلامي المشترك لكلا البلدين، والاستهداف الخارجي لهذا التوجه حيث تشعر كل من الخرطوموإيران إنهما تواجهان عدوا مشتركا يستهدف محاصرة وإزالة التوجه الحضاري الإسلامي السائد في البلدين، وينظر السودانيون إلى تجربة النموذج الإيراني في إدارة الدولة بعد نجاح الثورة الإيرانية على انه نموذج يجب أن يحتذي، وان استمرار نجاح التجربة الإيرانية يمثل دافعا قويا لاستمرار مثيلتها السودانية في إقامة الدولة الإسلامية، ولكن في المقابل ظلت العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين ضعيفة ، حسبما أكدت مصادر إعلامية ل"الخرطوم"، ورات الحكومة ان ضعف العلاقات الاقتصادية مع ايران ليس لها تاثير على التطور الحاصل في العلاقات السياسية والفكرية، وربما تقف زيارة الرئيس عمر البشير الي ايران على كيفية الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال عمل اللجان المشتركة بين البلدين، فيما ذهب البعض الى ان ما يربط البلدين مجرد علاقة "عاطفية"، حيث ان الدولتين متهمتين بانتهاك حقوق الانسان لذلك كان لابد ان يدعما بعضهم في هذا الجانب، بجانب انهما منبوذتين من دول الغرب لذلك يدعمان بعضهم معنويا ولكن لاتوجد علاقات اقتصادية، وروا ان الاختلاف بينهم اكبر من التقارب، فضلا على ان ايران لايمكن ان تساعد في دعم السودان مقابل الوجود الاسرائيلي في دولة الجنوب. واعترفت كلا من حكومتي البلدين بضعف العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بينهم خلافا للعلاقات السياسية، وكان تبريرهم ان ضعف التواصل بين رجال الأعمال وعدم توفر المعلومات والامتيازات النسبية التي تميز كل اقتصاد السبب وراء هذا الضعف، ولكن الحقيقة ان ايران درج على عدم الادقاق بسخاء على الدول التي لا تتوافق معها في مذهبها وبما ان السودان ليس من هذه الدول فبالتالي كان دعمها الاقتصادي يكاد لايذكر، وربما ان تقارب السودان من ايران سيفقدها اكثر مما سيضيف اليها لاسيما الدعم والقروض العربية خاصة دول الخليج. والمتتبع للعلاقة بين السودان وايران يجدها قد بلغت ذروتها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية خلال حكومة الانقاذ، فضلا عن تبادل الزيارات بين كبار المسئولين على مستوى الرؤساء حيث زار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني الخرطوم في العام ۱۹۹۷ في وقت كان السودان يشهد فيه حصارا اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا في إطار عزلة شاملة فرضت عليه بعد إدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وزار السودان أيضا الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، فيما شهدت طهران أيضا زيارة للرئيس السوداني عمر البشير وصفت بأنها تاريخية. أما نقاط القوة التي من أجلها جاء التحرك الإيراني صوب السودان أكثر اندفاعًا فهي حاجة إيران نفسها لكسر حاجز العزلة الدولية الذي فرضه عليها الغرب في ظل نفور واضح بينها وبين الدول العربية الأخرى، هذا النفور يتلاشى كلما ابتعدت إيران عن محيطها الآسيوي واتجهت صوب أفريقيا، وهنالك أيضا النقطة المتمثلة في العامل الفكري النابع من إيمان إيران بضرورة تصدير مبادئ الأفكار الشيعية وفي بلد مثل السودان يزخر بمذاهبه وطوائفه الدينية دون تكفير مذهب لآخر، من السهل استيعاب المذهب وتكوين قاعدة شيعية هناك، كما ان طموحات ايران بان يكون لها وجود داخل القارة الافريقية ربما جعلها تتقرب للسودان، حيث ترى إسرائيل، في هذا التقارب توجهات عسكرية إيرانية خاصة و ذلك بعد بروز معلومات تشير إلى وجود خبراء إيرانيين على التراب السوداني يساعدون في صناعة الأسلحة التي تصل إلى حركة "حماس" في غزة، هذا فضلا عن تقرير لصحيفة "ديلي تليغراف" الذي ورد فيه أن الحرس الثوري الإيراني هرب أسلحة روسية الصنع من ليبيا إلى السودان. إنّ انقسام السودان إلى دولتين، بالإضافة إلى تأثير ثورات الربيع العربي جعل من الدولتين ساحة معركة تتصارع فوق حشائشها طموحات إيران وإسرائيل. فبعد اعتراف إسرائيل بدولة جنوب السودان وتطوير علاقاتها الدبلوماسية معها، فإن التحركات الإيرانية صوب شمال السودان تعرب عن سانحة تبدد عزلة إيران الدولية وتسمح بإيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا والشرق الأوسط. ولا شك أنه فيما قبل التحول الإقليمي الدراماتيكي لانفصال الجنوب كان السودان منقسمًا في علاقاته مع إيران بين مصالحه ومخاوفه. واليوم العكس هو الصحيح وذلك لأنّ نظرة السودان ثبتت صوب المخاطرة بما يمكن أن تحققه المصالح، وما يمكن أن تبدده المخاوف، وما يجب الاستفادة منه بالوقوف على هوامش المواقف الدولية إزاء الطموحات النووية لإيران. asmahan faroog [[email protected]]