[email protected] أفرزت الأزمة السياسية التي تعيشها مصر دروسا وعبراً كثيرة سنحاول قراءتها من خلال زوايا مختلفة. وبما انني شخصيا أؤمن وكثيرون يتفقون معي أن الشعوب تثور لإجل إستعادة كرامتها الإنسانية المهدرة، ورغبة منها في التمتع التام بكامل حرياتها وحقوقها المسلوبة. إلا أن عبر التاريخ تبنؤنا دائما بان معظم الثورات تنحرف عن مسارها الذي إرتضته الشعوب إما بإستبداد قادتها أو بالتضييق عليهم من معارضيهم. حيث يسعى كلا الطرفان إلى منع خصومهم من تحقيق قيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والعدالة وسيادة حكم القانون. وهكذا ينفرط عقد الديمقراطية فيعود الشعب مختاراً للقبول بالأنظمة الشمولية بقهرها وجورها وتفردها بالسلطة.هذه الواقع المرير بكل أسف!! يحيط بنا من كل جانب. ففي مصر أم الدنيا كسر الشعب نظاما إستبد بأهلها لعقود، وخرجت الملايين منه في يناير 2011 قدمت الأنفس الزكية مهرا للقطع مع الماضي بآلامه وحسراته. لكن ما حدث بعد ذلك هو نفس ما تقدم من رواية.. إنقض السيسي على السلطة بإدعاء تفويض شعبي عام، في الثلاثين من يوليو2013 لتخليص البلاد من نظام الحكم المنتخب، فأعاد البلاد لحكم شبيه لما قبل يناير 2011. هو نفسه الشعب الذي خرج في يناير، إختلفنا أو إتفقنا معه، خرج قطاع منه قل أو كَثُر ليقول لن نصبِر حتى تُكمل فترتك. فالمعارضون في مصر لم يحتملوا فوز هذا الطرف، ووفي المقابل لم يستطع الطرف الحاكم قراءة المشهد ليقدم حلولا لكل معضلة سياسية أو قانونية أو إجتماعية إعترضت طريقه، حتى ييسر طريق الخروج من الأزمة برضاء غالب الأطراف. إذن فالمحصلة النهائية حتى الآن هي فشل الأطراف السياسية في مصر في إحترام إرداة الشعب ومعيارها صندوق الإنتخابات. إن عودة مصر لمسارها الديمقراطي ليس ميسورا كما يتصور السيسي أو أعضاء حكومته المؤقتة. فالحل ليس في فرض الأمر الواقع إنما هو ضرورة ترتيب الأولويات والتي تقع على راسها مسؤولية الدولة في إحترام وأداء وحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان، والعدالة الإنتقالية. والقيام بهذه الواجب تفرضه قيم القانون الدولي التي تسثني اعتداد الدول بمبدأ السيادة لتحول دون تنفيذ إلتزاماتها الناشئة بموجب القانون الدولي الإنساني، والإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والتدخل الإنساني، والإستثناءات بموجب ميثاق الأممالمتحدة من خلال قرارات مجلس حقوق الإنسان أو تدخل مجلس الأمن الدولي الذي له مطلق السلطات في تحديد ما إذا كان النزاع الداخلي يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين بموجب البند السابع، أو بموافقة وطلب الأطراف بموجب البند السادس. لذلك يقع على النظام في مصر واجب إقناع الدول الأطراف في الأممالمتحدة بصدقيه نواياه في العودة بمصر لإستقرارها وتمكين جميع الأطراف من المشاركة في حل الأزمة دون إستثناء، أو القبول بوضع البلاد تحت دغوط مستمرة لن يحتملها النظام الحاكم أو يصطبر عليها عليها المحكومين. أما العدالة الإنتقالية فتتطلب من الدولة وفور قبول الشعب بالوضع الإنتقالي أن تعلن إعترافها الكامل بحقوق الضحايا وتقر مبدأ جبر الضرر الذي حاق بهم وزويهم لترد إعتبارهم وتنصفهم وزويهم، على المستويين المادي والمعنوي. ثم تقر أيضا مبد المساءلة ولا تترك أحد من تقديمه للعدالة، بما في ذلك تصحيح السجلات ضمن إطار إصلاح المؤسسات بحيث لا يفقد وظيفته أو يشرد من هو كفاءة وطنية لم يتورط في ظلم أو جرائم النظام السابق وإن كان عضوا فيه. ويتبع هذه البندين في نفس الإتجاه مرتكز مهم وهو إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة حتى يشعر الناس أنهم أمام القانون سواء، وأن من حقهم إعتناق الآراء والأفكار والدين الذي يشاؤون، وأن الجيش والشرطة والأمن تحميهم جميعا في ظل الوطن الواحد الذي لا فرق فيه بين علماني وليبرالي وإسلامي ويساري، وقادم من الريف أو المدينة، متعلم أو غير متعلم. وبذلك تطمئن نفوسهم للدولة ومؤسسات ما دامت تسهر على تنزيل الإلتزام بمسؤولياتها في إحترام ووفاء وحماية حقوق الإنسان،