واحدة من سمات السلطة الحاكمة اليوم،هو التناقض لما تدعو اليه و بين ما تمارسه عمليا على أرض الواقع.الاشاحة عما هو جوهرى و اساسى و الالتفات الى ماهو ثانوى و متفرع.تلك بعض من الأسباب التى أدت الى تدهور الدولة،دخولها فى مرحلة الغيبوبة السياسية و دورة احتضارها البطئ. فى احدى افلام الرعب الأمريكى التى تستهدف اثارة المواطن و ذلك من خلال التعرض و طَرق ما هو غير مألوف،عُرض فيلم يحكى عن اعصار هوائى ضخم و مخيف.ذلك الاعصار أخرجت قوته، اسماك القرش بجميع أنواعها و احجامها من اعماق المحيط لتطير فى الفضاء و تتساقط على المدن الأمريكية فاتكة بالمواطنين المندهشين.....الخ الفيلم.بالطبع الفكرة مجنونة جنون المجتمع الأمريكى و تفرده! طافت بذهنى مشاهد من ذلك الفيلم و أنا أقرأ تصريح مدير دائرة الجنايات بشرطة ولاية الخرطوم،هاكم الخبر كاملا كما جاء فى صحيفة الوطن: ( ناشد اللواء محمد أحمد على مدير الجنايات بشرطة ولايات الخرطوم المواطنين يأخذ أقصى درجات الحيطة و الحذر عند اقترابهم من الشواطئ النيلية،و قال فى تصريح للمكتب الصحفى،انه قد تم مشاهدة عدد من التماسيح بالنيل الأبيض قبالة شواطئ جبل أولياء و تم اصطياد احدها قرب الترعة الرئيسية لمشروع سندس الزراعى. ابان اللواء محمد على ان الفيضانات و ارتفاع مناسيب النيل تدفع بعدد من التماسيح من مناطق تواجدها جنوب النيل الأبيض نحو اتجاه الشمال مهيبا بالمواطنين بالتبليغ الفورى عند مشاهدتها بأى منطقة على رقم النجدة 999 أو أقرب مركز شرطة لاتخاذ الأجراءات اللازمة ). فكرت، ماذا سوف يحدث اذا قام أحد مخرجى السينما السودانية- التى قُبرت محاولاتها الشحيحة مع كل أشكال الثقافة السودانية الأخرى- باستعارة فكرة الفيلم الأمريكى مستبدلا أسماك القرش بالتماسيح النيلية! لا أعتقد أن الفيلم السودانى سوف يحقق نجاحا يذكر، لأنه سوف يفتقد أهم أسباب نجاح مثل هذه الأفلام و هى الاثارة،فقط لأن التماسيح تعيش بين الناس منذ ربع قرن من الزمان! التمساح حيوان ضارى،مفترس وعدوانى و له قدرات عالية على التربص و القنص لذلك أفردت له الثقافة الشعبية السودانية مساحة معتبرة، تتراوح بين التقديس، الرهبة و من ثم تشبيهات مجازية متعددة خاصة أن هنالك أعتقاد متفشى بين الكثيرين ان التمساح يقوم ب " بلع " فريسته مباشرة.أصبح يقال " أن فلان تمساح " و ذلك يعنى انه يقوم بأكل اموال الغير و الدولة بالباطل و دون وجه حق. وفقا لذلك المفهوم الشعبى فهنالك تماسيح لا حصر لها تعيش فى المجتمع السودانى،فهنالك ابتداءا: - تماسيح الخصصة من مريدى السلطة الذين استولوا على مؤسسات الشعب الرابحة و امتلكوها لتصبح لهم دجاجا يبيض ذهبا! - هنالك تماسيح الأراضى الذين استولوا على أرض الدولة بنفوذ السلطة و الاحتيال و جعلوا منها ضيعات خاصة،لم يكتفوا بذلك بل تفضلوا بمنحها لأثرياء العرب و سماسرة الدول الداعمة لنظامهم. - تماسيح الأسمدة الفاسدة، الأدوية منتهية الصلاحية الذين لهم قدرات استثنائية فى السمسرة فى كل ما هو ممنوع. - هنالك فصيلة من التماسيح " العشارية " التى تخصصت فى الأعتداء على اموال الزكاة،الاستيلاء على مال الحجيج و توظيف اموال الاوقاف للمصلحة الشخصية! - هنالك بعض تماسيح المستشفيات الخاصة الذين يمتصون دماء مرضاهم بتأنى و استمتاع كما يفعل " دراكيولا ". - تماسيح بعض الجامعات الخاصة الذين لا يهمهم تدنى مستوى التعليم أو مستوى الطالب المتلقى و يفكرون فقط فى أقساط الدراسة التى سوف تُحصل من الطلاب. - لا ننسى تماسيح اللجان الشعبية الذين يرضون بالقليل من الغنيمة و الأسلاب، و يعرفون مقامهم. ...........الخ التماسيح يبدو من " اخراج " خبر التماسيح ان المقصود هو صرف انتباه المواطن عن الاسباب التى أدت الى كارثة السيول و الأمطار و مسئولية الدولة عنها. لكننا برغم ذلك نسأل، أما كان أجدى و أقرب للمنطق بدل الحديث عن تماسيح الفيضان التى تأتى - صدفة كل عقد من الزمان،تقتات ما تيسر اليها من السمك المباح، لا تعتدى على المواطن الا حين التعدى على حدودها - أما كان الأهم الحديث عن التماسيح الفاتكة التى " تسرح و تمرح " بين الناس فى ولاية الخرطوم !! Adnan Elsadati [[email protected]]