moaney [[email protected]] بطاقة دعوة أنيقة لحفل خِطبة عزمت على إقامتها أسرة سودانية بمغتربنا ، يصادف توقيتها ثالث أيام عيد الفطر المبارك ، دعتني هذه البطاقة إلى التأمل العميق في محتواها ومغزاها. صفحات بطاقة الدعوة ملونة باللون المحبب تسمية بال"عنّابي" ، وشكلاً ومضموناً في مظاهر الفرح والاحتفال عند نساء المهجر الخليجي ، ومرسومة عباراتها بحروفٍ مذهبة تحمل بيتي المتنبي :"عيد بأي حال عدت يا عيد ، بما مضى أم لأمر فيك تجديد". وأنا مندهشة تماماً إذ كيف يكون مثل هذين البيتين افتتاحية لدعوة خِطبة أقل ما يمكن توقعه منها هو التفاؤل ونثر الورود والأمنيات الجميلة . أما هموم الكتابة فقد دعتني إلى ترجيح أن بيتي المتنبي كما في الدعوة أُلتقطا دون دراية مما يجيء على موجة كتابات الصحف في مثل هذه الأيام من كل عام .حيث تُفتتح الكتابة أياً كان نوعها بهما ويتوشح بعضها الذي يختص بتحويل الفرح إلى نكد بعبارات الحزن والأسى من عودة العيد وحال الأمة الإسلامية والعربية على ما هي عليه من خذلان وضعف وهوان وخضوع . وبفضل هذه الكتابة النكدة نرجع إلى أكثر من ألف عام إلى عصر المتنبي لتكرر الأغلبية الكاتبة "عيد بأي حال عدت يا عيد ، بما مضى أم لأمر فيك تجديد " . يعود الترديد كما الأهزوجة وهو يجهل أو يغض الطرف عن الظروف التي قيل فيها البيتان ، حيث لا يخفى على المُطّلع بأنهما جزء من قصيدة عنصرية وانتقامية للمتنبي صممها عزمه على الثأر من كافور الإخشيدي ووصوليته ونفاقه السياسي وطمعه في الولاية التي لم تتحقق عنده ، فهجاه سراً وعلناً بأقذع الصفات. وأكثر المستشهدين بشعر المتنبي يركزون على هذين البيتين من القصيدة الهجائية ثم على أبيات معدودة من قصائد أخرى تستخدم في سياقات مختلفة تتعدد وتختلف بتعدد الآراء حول هذا الشاعر وإثارته لكثير من الجدل .وباستشهادهم بهذه الأبيات فكأن المتنبي لم يقض صباه وشبابه في نظم "الشاميات"، ولا تحت ظل حكم سيف الدولة الحمداني بعدها ليكتب "السيفيات" ، ولا تحت ظل كافور الإخشيدي ليكتب "المصريات". وهاجس الكتابة النكدة –للأمانة- شعور يداهم الخاطر عندما تلم الملات ، و تضيق الدنيا على سعتها نتيجة لتفاقم الأحداث جالبة الهم والغم على كل المستويات .لكن ما الذي يجعل احتفالية دينية كاحتفالية العيد تتحول إلى نكد بفضل بعض كتابات الصحف أو خُطب يوم العيد التي لم تخرج هي الأخرى على مدى التاريخ الإسلامي القديم والحديث عن تخويف الناس ووعيدهم بالعقاب وعذاب الآخرة وتصل بعضها إلى تجريم حالات الفرح والسرور وخروج مرتكبيها عن ملة المؤمنين لأن قلوبهم الواجفة وجدت فيها مساحة للفرح الدنيوي العابر ولم تنتظر فرح الآخرة الأزلي.أما على مستوى الذهن الكاتب المهووس بالنكد فيأبى أن يترك أمة الإسلام تحتفل بمرور عيدها ثم يرجع إلى ما تعودت عليه عقليته النكدة التي لا تقبل بأقل من أن يرجع الناس إلى الوراء باكين على أمجادهم الضائعة ، متشائمين غير متفائلين. قد تمر هذه الكتابات بغير كثير اكتراث وسط تهاني العيد والأمنيات الطيبة خاصة لو تم تصنيفها ككتابة نكدة ، ولكن هذا التناول يطرح إشكالية أساسية عن مستوى مسئولية المجتمع ،كُتابه وشعرائه ودعاته ، أفراده ومؤسساته عن تنمية روح الفرح والسرور والتفاؤل قدر المستطاع وتقليص مساحة الحزن والأسى قدر الإمكان تمشياً مع القاعدة الإنسانية التي ترتكز على أن الفرح أساساً هو سلوك فطري وما هو دون ذلك فهو شعور طاريء . فأي هاجس منكوب هذا الذي لا يرى أن هناك ثمة مسئولية أخلاقية تستنكر تحويل العيد إلى نكد تلاحقه لعنة المتنبي. عن صحيفة "الأحداث"