ليس من رأي كمن سمع،قولٌ لا شك فيه و يدخل في عِداد السمع، القراءة بوسائلها المختلفات – الكتاب، الصحف و الإنترنيت أو عبر السينما و التلفاز. من خلال إضطلاعي علي شئ من تاريخ الصين و التاريخ كما فهمه إبن خلدون هو فنٌ من الفنون بل هو علمٌ من العلوم و حِكمة مدعاة للإعتبار .و ما أثار إهتمامي ما جاء في كتاب بول كينيدي- سطوة الأُمم The might of Nations نظرة أهل الصين لبقية العالم و جاء بمثال معبر ، حيث تغلغل المستعملر البريطاني في سواحل الصين ، مُحتلاً مدنها واحدة إثر أُخري و الصينيون علي يقين بأن البرابرة الإنجليز كغيرهم من البرابرة سيتراجعون يعد رُؤية الحضارة الصينية و لكن البرابرة لم يتراجعوا و أحتلوا الصين جميعها! كذلك خاطب إمبراطور الصين ملك إنجلترا عندما بدأ البريطانيون في إدخال الأفيون إلي الصين "بأن الصينيون لا يصدرون إلا ما يُفيد و ينفع، من الغذاء أو التوابل و العطور الفواحة، فما بالكم تجلبون إلينا ما يُدمر الحياة و يتلفها؟ " و من ثم حدثت حرب الأفيون! كثيراً ما تُفسد نظرتنا للآخرين العلاقات بين الأفراد ، بل بين الأُمم،لذلك علينا أن نستخدم معارفنا عبر كافة وسائل المعرفة لتغيير نظرتنا و من بعد تعاملنا بما يخدم كل الأفراد و نبتعد عن التنميط و الصورة المسبقة.لا أحد يشبه آخر ، حتي إن تشابهت البنيات و الهياكل! عند قراءة بعض من قصص الكاتب الصيني لاو شي أو شو قينجسون، المولود في بكين في عام 1899م والذي تخرج في كلية جامعية في عام 1917م و من بعد عمل بالتدريس و الكتابة و في عام 1924 ذهب إلي إنجلترا للتدريس في كلية الدراسات الشرقية و الإفريقية.نظرة عجلي لهذه التواريخ و الإنجازات تكفي لمعرفة بؤسنا و قلة حيلتنا بالمقارنة مع الصين العريقة.في السودان لدينا كتاب الطبقات و كاتب الشونة ! و تأتي عناوين القصص لتعكس الوضع الثقافي المتقدم و الإجتماعي الراقي و سخرية الكاتب ! أما تطور المجتمع الصيني فيمكننا متابعته من خلال كتاب صغير من تأليف ليو دونغبينغ و زان شورونغ المطبوع في عام 2008م – حيث يتناول قضايا المجتمع الصيني المعاصر و مشاكله – بعضها مماثل لما عندنا هنا في السودان و إفريقيا! فهو يتحدث عن السمنة و إنتشارها في الصين و هي من دلائل العافية و الدعة لدي الكثيرين و لكنها مثار نقد من قبل آخرين و يعزوها البعض إلي سياسة الطفل الواحد ! و هي سياسة لها مشاكلها الأُخري، و لكن لا بُد منها في بلد البلايين! أيضاً يتناول المؤلفان التغير الذي طرأ علي النظام الغذائي في الصين بالإبتعاد عن الخبز الصيني إلي الخبز الغربي و هو أمرٌ مُشابِه لما حدث هنا في السودان من تحول كبير من الكسرة إلي الرغيف مع تغير هائل في نمط الغذاء و الكساء- أمرٌ أدخلنا في ديون كبيرة –هنا يأتي دور القيادة الملهمة مثل الرئيس ماو و ثورته الثقافية لتغيير القيم البالية و لتحديث الصين . تربية الحيوانات الأليفة هواية جديدة في الصين من عصافير إلي قطط و كلاب ،لعلها توقفت بعد الثورة الثقافية و الآن بدأت تزدهر.أمور أُخري تشغل بال الصينيين مثل شراء سيارة و منزل و هو حُلم كل إنسان في عالمنا الجديد! أشقائنا في شمال الوادي و المغتربون منهم يسمونها العينات الأربع – عربة، عروس، عِزبة و عمارة و قد تكون ثمة عين خامسة ضاعت من الذاكرة! إن إمتلاك عربة في الصين من الأمور التي عالجها الرئيس ماو بحكمة –حيث تم منع إمتلاكها و كانت شوارع المدن الصينية تمتلئ بالدراجات و هنا أري تراجعاً في السياسات غير مُفيد بل سيضر كثيراً بالبيئة و البشر مثلما نري الآن في بكين! لحل مشكلة السكن لجأت الصين إلي تقليل المساحات – ففي بكين تُعتبر مساحة 100م مربع للمنزل حلم كبير! و هو مما يُثير التفكير في سياسات السكان و الإسكان هنا في السودان ! لماذا لا نقلص المساحات في المدن الكبيرة و زيادتها في الولايات و الأرياف – سياسة آمل أن نلجأ إليها لتحريك السكان إلي مناطق معينة و نبعدهم عن مناطق أُخري! و ليس عبر الكشة! كذلك يتناول الكتاب التشيونغسام و هو رداء المرأة الصينية التقليدي و الذي بدأ يعود و يتطور- هنا في السودان محاولات خجولة لتطوير الثوب السوداني! لماذا نعجز في الوصول لنهايات سعيدة؟ لم يغفل الكتاب بعض القيم النبيلة و التي نحسب أنفسنا من حُماتها! حيث يتحدث الكتاب عن الصدق و الثقة. سألت مُحامية صادفتها في إحدي محاكم الخرطوم عن الجرائم و كثرتها و نوعيتها ؟ وجدتها مُحبطة أكثر من حسين خوجلي و ذكرت لي بأن جرائم الإحتيال غالبة و بأنها لا تثق في أي زول! و يمضي الكتاب في عرض بقية قضايا المجتمع الصيني الجديد مثل تزجية وقت الفراغ و التجارة الإلكترونية، محاربة الفقر و التسول و تشغيل الخريجين و المحافظة علي البيئة . غير أن الكتاب أغفل الإحصاءآت و الأرقام لكثير من القضايا التي تناولها.هل لنا في كتاب مماثل يعكس قضايا المجتمع السوداني بصدق و أمانة حتي إن خلا من الأرقام ؟ [email protected]