شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عوووووووووووك ياسيادة الرئيس .. بقلم: البروفسور مصطفى ادريس البشير
نشر في سودانيل يوم 11 - 01 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
انها الفرصة الأخيرة لإنقاذ السفينة التائهة في عرض البحر
البروفسور مصطفى ادريس البشير
كلية الطب جامعة الخرطوم
اندهشت الأوساط السياسية المحلية والاقليمية والدولية بالتعديلات الوزارية التي أجراها المشير البشير على حكومته في الثامن من ديسمبر الماضي بعد طول انتظار وترقب وتكهنات سبقت تلك التعديلات والتي جاءت مخالفة لكل توقعات المراقبين في الساحة السودانية، ومجافية لما عهد في شخص البشير الذي يحسب ألف حساب للعشرة الطويلة ويقدر أيما تقدير تفاني من يقفون بجانبه خاصة أؤلئك النفر الذين شملهم التغيير هذه المرة، فقد عزروه ونصروه وسخروا قدراتهم في خدمته لسنوات طويلة خاصة ابان المصادمة مع خصومه الاسلاميين الذين انحازوا للشيخ الترابي بعد المفاصلة الأولى التي حدثت عام 1999 وأفلحوا في ابعادهم وتصفيتهم من مفاصل الدولة كافة، وكذلك وقفوا بجانبه في انفاذ ترتيبات نيفاشا المرة التي انتهت بفصل جنوب السودان وماتبع ذلك من هزات اقتصادية واجتماعية كبيرة لا تزال البلاد تدفع ثمنها باهظا.
لذا لم يكن في الحسبان مغادرة كل تلك المجموعة التي ظلت أداة طيعة للرئيس ومكنت لهيمنته في اتخاذ القرار لثلاثة عشر سنة دفعة واحدة، فيخرج كل من علي عثمان، نافع، عوض الجاز، أحمد ابراهيم الطاهر، أسامة عبدالله، كمال عبد اللطيف، أمين حسن عمر وسامية أحمد محمد...بل ويخلوا مواقعهم التنفيذية والحزبية معا في ذات الوقت وبهذه السرعة المذهلة. هذا الحدث صعب على المراقبين وعلى أصحاب الشأن أنفسهم استيعابه فذهب عقل بعضهم وأخذ ينوح كأم الوحيد الثكلى المكلومة، وأصيب البعض بالوجوم والتزموا الصمت المريب، ولجأ آخرون على عجل لاستئجار النائحات من بقايا المشعوذين المخضرمين من منتسبي الاعلام الذين يسهل شراؤهم بأبخس الاثمان فقاموا بحرق البخور وضرب القرع وتدبيج المناحات في اجترار نفحات بعض المترجلين والتأكيد على صلاحهم واظهار كراماتهم والجزم بأنهم سوف يعودون مرة أخرى قريبا على صهوات جياد بيض.
ما حدث رفع من سقف التكهنات عن دوافع الفعل ونتائجه ومآلاته والتي تشير بلا ريب الى الحالة النفسية التي يمر بها الرئيس ونقطة اللاعودة التي وصل اليها في التعاطي مع مستجدات هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان بأزماته السياسية والأمنية والاقتصادية المتلاحقة والتي يتحمل هؤلاء النفر أكبر أوزارها بحكم تصدرهم للمشهد السياسي وصناعة القرار التنفيذي من مواقع مختلفة خلال ربع القرن الماضي دون انقطاع، فقد كانوا هم وآخرون تساقطوا قبلهم من تولى كبر الانشقاق الذي أصاب المؤتمر الوطني عام 1999 وتسبب في كثير من مآسي الأمة والحزب والحركة الاسلامية، وهم من قادوا وباركوا نيفاشا التي انتهت بانفصال الجنوب الذي تصاعدت من بعده الأزمة في دار فور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وقد توج كل ذلك الاخفاق بتعاظم هجمات الحركات المسلحة واقترابها من مركز السلطة وأثمرت مؤخرا ميلاد الجبهة الثورية التي ذاع صيتها بهجماتها المتكررة على مواقع حساسة على تخوم العاصمة القومية وفوق كل ذلك ازداد تعكير العلاقات الدولية التي انتهت بمحاصرة رمز البلاد ومطاردته في المحافل الاقليمية ومنعه من المشاركة فى أنشطة المؤسسات الدولية. وكل الشواهد تقول ربما قام مجلس الأمن في القريب العاجل باتخاذ خطوات عملية ينتج عنها المزيد من الاساءة للبلاد كما يتبين من لهجة مسئولة المحكمة الجنائية هذه الايام التي تريد أن تستثمر الحالة (المايعة) في السودان اليوم عبر المزيد من الضغوط من قبل مجلس الأمن.
الطريقة التي حدثت بها تلك التغييرات تدل أيضا على عمق التنافر بين أؤلئك النفر وتضعضع قبضتهم التاريخية على الأجهزة الحساسة في الدولة التي كانوا يديرونها وهوانهم الذي جعل مهمة التخلص منهم دفعة واحدة أمرا لا يأبه به الرئيس رغم الظروف الخانقة من حوله، خاصة وقد تبين للرئيس تهافتهم على التشبث بالكراسي وتنافسهم على خلافته ابان الوعكة التي ألمت به حيث أشيع وقتها بأنه لن يقدر على مواصلة المشوار. وبالرغم من الصلاحيات التنظيمية الخاصة الحزبية منها والتنفيذية التي كانوا يتولونها فقد افتضح عجزهم في بذل النصح للرئيس في مناسبات كثيرة وأحداث جسام مرت بالبلاد وكانت تحتاج لمواقف الرجال الناصحين وتقديم المبادرات الجريئة ولكن لا حياة لمن تنادي. ذلك الضعف الشديد في الأداء وعدم القدرة على بذل النصح استفاد منه الرئيس لتكريس هيمنته والانفراد بالقرارات المهمة خلال السنوات القليلة الماضية وأصبح هو الآمر والناهي في شأن الدولة والحزب وكذلك ما سمي بالحركة الاسلامية الديكورية التي استخدمت لتجيير الاسلاميين الحيارى للمشروع الحضاري السراب المتوهم الذي ظلت تلوكه الألسن.
بعد أن تحرر البشير من هيمنة الشيخ الترابي عام 1999 لم تمض فترة طويلة حتى استفرد بالقرار وأصبح أؤلئك النفر رهن الاشارة لأوامره ويتبارون في ابداء الولاء التام له وتعضيد رغباته فيما ينوي فعله بعد أن كان بعضهم في بواكير عهد الانقاذ في مرتبة تنظيمية أعلى من الرئيس، ففقدوا القدرة على نصحه أو تقديم رؤى فاعلة لاستقامة مسيرة الحكم وتجسد ذلك في مواقف كثيرة سردناها في مقالات سابقة، لذا لم يكن مستغربا اخراجهم من الجهاز التنفيذي وكذلك تجريدهم من مواقعهم في الحزب وتلك التي كان يشغلها بعضهم في الخفاء بتلك البساطة التي تشبه (الكشة) وهو تغيير يحمل دلالات كبرى على ما يستقبله حكم المشير البشير وما ينتظر السودان من أحداث كبيرة يصعب التكهن بنتائجها، واني لأرجو أن يكون المشير البشير قد فعلها في اطار خطة متكاملة لانقاذ سفينة السودان التائهة في عرض البحر.
التغيير الذي حدث نرجو أن يكون وقفة مهمة للقيام بمراجعة شاملة للفترة السابقة وجرد حساباتها وما حدث فيها من اخفاقات كبرى في كافة مناحي الحياة ونرجو أن يكون خطوة أولى لتفكيك الانقاذ والتخفيف من تسلطها على البلاد والعباد الذي ظلت تطالب به القوى الحية في البلاد بما فيهم قطاع كبير من أهل الانقاذ أنفسهم كما نرجو أيضا أن تفتح ملفات أولئك النفر على مصراعيها فهم كانوا أهل الحل والعقد أو يفترض أن يكونوا كذلك، وتلك المراجعة وجرد الحساب واجب يقع على عاتق الرأي الوطني العام وكذلك يتحتم على الرئيس نفسه وطاقمه الذي جاء به الاعتراف بفشل الدولة في تحقيق الحد الأدنى من واجباتها خلال الفترة السابقة، ويحدثوننا بصراحة كما وعد الرئيس وبعض المتنفذين الجدد بنتائج تلك المراجعات عاجلا غير آجل، بغير ذلك فلن يجدي التغيير للأشخاص شيئا، فالذين حلوا محل الذين رحلوا ليسوا أحسن منهم كفاءة أو خبرة، ولابد للشعب أن يلمس الجدية بصورة عاجلة جدا في مراجعة الفترة الماضية بكل ما فيها من كوارث، كيف تمت اجازة نيفاشا وتم تمريرها في اجهزة الدولة والحزب بدون دراسة او تمحيص، وكيف تم فصل الجنوب باستفتاء كانت نتيجته 98% دون ترسيم للحدود، وكيف عجزنا في اطفاء نار الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، وكيف انهارت الخدمة المدنية واستشرى الفساد في الدولة حتى أصبح المفسدون هم أصحاب الحل والعقد، وكيف انهار الاقتصاد حتى صار الجنيه السوداني يتهاوي بين العشية وضحاها وكيف وكيف وكيف...وما هي البدائل المطروحة في العهد الجديد الذي يبشر به الرئيس وطاقمه الجديد.
عموما سيكون صاحب القرار الأوحد في المرحلة القادمة القريبة هو المشير البشير بما حصل عليه من المزيد من الاستفراد بالقرار بعد رحيل تلك الثلة ومهما دبجت التفسيرات وسيقت الحجج للتغيير الذي حدث فان الذين بقوا من حوله بعد (الكشة ) وأؤلئك الذين تم ترفيعهم الى مقامات عليا تقول شواهد الحال والسير الشخصية أن غالبيتهم ممن لا حول لهم ولا قوة مع ارادة الرئيس ورغباته وليس لهم رصيد من الفكر ولا الأصالة في الرأي التي يوجهون بها النصح للرئيس أو الحيلولة دون رغباته الشخصية فيما ينوي تمريره، ولا هم أصحاب تجارب ومبادرات تخرج البلاد من حالة الاحتقان الحالية، فلا يمكن اذن أن نفهم التغيير الذي تم الا في اطار التمهيد لتغيير آخر بتدابير جديدة مغايرة للمرحلة السابقة من حكم الانقاذ تخرج عن كل تلك المناورات المعهودة التي كان يزاولها النظام بتأثير من أؤلئك النفر المبعدين بدوافع ترتبط ببقائهم في السلطة!! اذا فهمت التغييرات التي تمت في خارج هذا الاطار فستكون تلك كارثة أخرى جديدة على البلاد ولن يخرج السودان من ورطاته المتصاعدة. ولكن المتأمل في تاريخ الطاقم الجديد في القيادة العليا وعلاقته بالرئيس وقدراته وخبراته يستطيع أن يستنتج بأنهم يمكن أن يكونوا كبش فداء سهل تفدى به الترتيبات التي يمكن أن تنقذ السودان ان عمل بها الرئيس والتي سأورد ملامحها العامة فيما بعد واني لأرجو أن يقوم بها الرئيس ان اراد انقاذ السفينة التائهة في عرض البحر.
هل يمكننا التأويل بأن التغيير الذي تم بالتخلص من المحيطين بالرئيس من بقايا قيادات الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني التاريخية حوله هو بداية الطريق لخطوات قادمة؟ وهل جاء فعلا استجابة للنداءات المتكررة من القوى الحية في المجتمع السوداني ومن فئات متعددة من داخل المؤتمر الوطني نفسه للتحلل من نهج الماضي البغيض والتمهيد لمرحلة جديدة يقطع فيها الرئيس الصلة التي ظلت تربطه بالمؤتمر الوطني والحركة الاسلامية التي جاءت به للسلطة تدريجيا كما ينقل عنه بعض جلسائه الخلص؟ وهل ما حدث هو فعلا ثمرة لكل تلك النداءات المتكررة التي وجهت له من كثير من المراقبين في الساحة السياسية ومنهم شخصي الضعيف بالتخلي عن عضوية المؤتمر الوطني والوقوف على مسافة واحدة من الفرقاء في الساحة السياسية في مرحلة انتقالية تفضي الى حريات واسعة وحوار عميق يشارك فيه الجميع بما فيهم الحركات المسلحة؟ وهل أراد الرئيس بابعاد أؤلئك النفر عن واجهة الدولة ودائرة صنع القرار أن يطمئن الآخرين بحياده في الترتيبات القادمة التي ينوي أن يشرك الجميع في صنعها دون عزل أو مراوغة كما ظل هو الحال في كل المبادرات السابقة بسبب المتاريس التي ظل يضعها أؤلئك النفر أمام كل خطوات جادة للوفاق الجامع؟
لا شك أن أؤلئك النفر كانوا من عوائق الوفاق الوطني الذي يخرج البلاد من الحالة الراهنة وربما كان ابعادهم في هذه المرحلة هو أفضل خيار لهم من الناحية الشخصية والحزبية فلعلهم يتفرغون لاعادة بناء حزبهم من جديد على أسس جديدة استعدادا للمرحلة القادمة التي يستقبلها السودان، وان يهيئوا أنفسهم لمواجهة حتمية ومساءلة كبيرة سواء من قواعدهم أو من أهل السودان، وذلك يقتضي منهم القيام بعمل خارق في المراجعة ونقد الذات والاعتراف بأخطاء الماضي، وقد يكون الرئيس قدم لهم خدمة جليلة بابعادهم عن السلطة في هذه المرحلة من مراحل التغيير المرتقب، ومما يعضد هذا التوجه فان المبعدين قد تم تجريدهم من المناصب الحزبية التي كانوا يشغلونها أيضا فذلك لا يفهم الا في اطار اسكاتهم عن التصدي للحديث باسم الحزب الآن،ِ وأصبح لزاما عليهم العودة مرة أخرى الى القواعد ليشاركوا في اعادة بناء الحزب من جديد قبل مؤتمره العام الذي تم تأجيله للعام 2014 بدلا من شهر نوفمبر 2013 ، فلعلهم يجدون لهم موطأ قدم جديد في الساحة السياسية في المرحلة القادمة، أو من أراد أن يعتزل منهم ويبحث له عن مهنة أو وطن بديل ربما يجد متسعا من الوقت لترتيب أوضاعه قبل أن تتضح معالم المرحلة القادمة التي ينتظرها السودان، وهذا ما تشير اليه التصريحات التي تتردد الآن على ألسنة بعضهم، فعليهم أن يشكروا الرئيس الذي أتاح لهم هذه الفرصة للمراجعة قبل أن تقوم الطامة الكبرى في حال تعثر خطوات الاصلاح الذي نرجوها في الفترة القريبة القادمة فتنصب أعواد المشانق في طرقات الخرطوم ويكونوا هم أول ضحاياها اذا بقوا في السلطة.
خروج المبعدين من السلطة وهم قيادات نافذة في الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني تاريخيا قد يتيح لهم أيضا الفرصة للتواضع ونبذ التعالي والغرور الذي كانوا يتعاملون به مع الآخرين بسبب السلطة وصولجانها، فلعلهم يبدأون حوارا جادا مع الكيانات التي خرجت من عباءة الحركة الاسلامية الرسمية والمؤتمر الوطني خلال السنوات الماضية بما فيهم المؤتمر الشعبي والاصلاح الآن وسائحون وغيرهم...ويصلوا جميعا الى ما وصل اليه أصحاب الجنة الذين حكى عنهم القرآن في سورة القلم (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَفَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَبل نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
في حقيقة الأمر يحتاج الاسلاميون أو "الاسلامويون" كما يسميهم البعض الى ملاومات واسعة ومراجعات عميقة لما قاموا به في السودان خلال ربع قرن من الزمان وما جنوه على حركتهم الاسلامية وعلى الشعب السوداني من مصائب لم يكن بامكان ابليس ولو جاء بجنوده أجمعين أن يفعل ما فعلوه بحركتهم الاسلامية وبالسودان من دمار وخراب. المراجعات المطلوبة أكبر بكثير من الحلقات التي يجريها الطاهر حسن التوم مع بعضهم بل هي أقرب في الشبه لتوبة بني اسرائيل (اقتلوا أنفسكم ...واخلوا الساحة لغيركم). وقد حاولت أن أشبه حالهم بأمراء الأندلس في آخر عهدهم ولكني وجدت البون شاسعا، فالأندلسيون أقاموا حضارة دامت ثمانية قرون وعندما تنازعوا وفشلوا وذهبت ريحهم تركوا للبشرية رصيدا هائلا من المعارف والخبرات استفادت منها أوربا في نهضتها المعاصرة وعم نفعها كل البشر، أما الاسلاميون في السودان فقد دمروا السودان وتفرقت بهم السبل في ربع قرن من الزمان وأثاروا ضدهم أحقادا وخلقوا غبائن مع القريب والبعيد لا تحميهم من دفع ثمنها البنايات الشاهقة التي يتحصنون فيها ولا تخفف من وطأتها عليهم الأموال المودعة في البنوك الأجنبية ولا تشفع لهم عند الناس وعند الله صيحات التكبير التي تاجروا بها طويلا...ولا شك عندي بأن الرئيس قد قدم لهم بعض المعروف باعفاء هذه الثلة منهم قبل الطامة الكبري لا سمح الله أو الوفاق الوطني المحتمل وذلك عرفانا بجميلهم اذ أنهم جاءوا به الى قمة السلطة في السودان ويعلم يقينا أنه تنتظرهم مواجهات كبيرة مع الشعب السوداني بعد زوال حكم الانقاذ الذي أصبح وشيكا ان لم تتداركنا حكمة العقلاء في الساحة وواقعية التفكير من الرئيس الذي يمسك بزمام الأمور كلها اليوم فهل يخرج لنا بمعادلة جديدة تخرج البلد من هذا النفق المظلم.
ولا ندري أين يكون غدا هو الآخر (الرئيس) اذا أخفق في اغتنام تحويل هذه السانحة الأخيرة لاحداث تغيير شامل، ويقيني أنه اذا فوت هذه الفرصة فليس بعدها الا غرق السفينة ولا ندري ما يفعله وقتها اذا أدركه الغرق، أيستنجد بالجنائية الدولية أم يفرش فروة عبد الله ود سعد وينتظر القدر المحتوم، ووقتها لن تكون هنالك متمة حبشية ليهاجر اليها كما فعل المك نمرأو عشيرة تخفيه في سرداب تحت الأرض كما فعل بعض المريدين مع الامام عبدالرحمن المهدي، وبالطبع لا مجال للنزال مع الثوار والأيدي الخفية من خلفهم في أم دبيكرات كما فعل الخليفة عبد الله لأننا في عصر الأقمار الصناعية والصواريخ العابرة للقارات، وهاهي بوادر الطامة الكبرى قد لاحت في الأفق، ولنا عبرة بما يحدث في دولة جنوب السودان وفي أفريقيا الوسطى وفي الكونغو وقبلها في رواندا وبورندي وها هو موسيفيني قد لبس لامة الحرب وبدأ يقرع الطبول وينادي بالزحف شمالا ولا أظن أنه يتحرك بمفرده بل من خلفه القوى التي تسعى لاعادة تشكيل القارة الأفريقية وفق المصالح الاستراتيجية الغربية التي باتت الصين تهددها بتوغلها في القارة السمراء انطلاقا من قاعدتها الأساسية في الخرطوموالله يكضب الشينة...
الأسئلة التي نطرحها بقوة ونريد الرئيس أن يجيب عليها بوضوح ودون مراوغة خلال المرحلة الحالية الدقيقة القادمة من عمر السودان هي كالآتي: هل قرر الرئيس ألا يترشح للرئاسة بصورة نهائية؟ وما هي الخطوات العملية التي سيتبعها ليوقف الجدل العقيم الذي يدور داخل أروقة المؤتمر الوطني بشأن ترشحه أو عدمه. لماذا لا يقف الرئيس بقوة مع الرأي الذي يقول بعدم دستورية ترشحه ويقفل هذا الباب بصورة نهائية اذا كان جادا في الأمر؟ والسؤال الآخر هل ينوي الرئيس حقيقة أن يخرج من المؤتمر الوطني في المرحلة القادمة ليكون على مسافة واحدة من الفرقاء في الساحة السياسية في المرحلة القادمة؟ وهل فعل ما فعل من تغيير في اطار خطة واضحة المعالم للاصلاح في هذا الاتجاه أم في اتجاه آخر لم يفصح عنه بعد، ومتى سيفصح عنه في ظل الأحوال الحالية التي تقول بأن السودان يتدحرج بسرعة فائقة نحو الهاوية؟
بامكان الرئيس أن يستثمر الظروف التي انتجها بتلك التغييرات الكبيرة التي أبعدت تلك الثلة من الحكم ويسعى للخروج من المآسي التي تسبب فيها حكم الانقاذ خلال ربع قرن من الزمان بترتيبات لا تقل جرأة عن قرار التخلص من معظم رموز الماضي الذي يربطه بالحركة الاسلامية وابعاد الرؤوس التي ظلت تشكل له عبئاً ثقيلا يمنعه من اتخاذ مبادرات كبيرة وجريئة تجعله يضع نفسه على مسافة متساوية من كل القوى المؤثرة في البلاد في هذا الظرف الذي يستدعي لم الشمل. أمام الرئيس فرصة مواتية لطرح رؤية جديدة للم الشمل والتواضع على حل وسط يخرج البلاد من حالة الترقب والانتظار تبدأ بتقديم تنازلات كبرى لن يقف ضدها أؤلئك المبعدون بعد أن أصبحت قيمتهم صفرا في حسابات السياسة ولا أؤلئك الذين جاء بهم الى قمة السلطة حاليا بحكم العلاقة التي تربطه ببعضهم وتشابه المصير الذي ينتظرهم جميعا، بل ان بعضهم قد يكفيه أنه حمل لقب مسئول كبير في السودان ولو ليوم واحد.
اذن ما هي التدابير التي يجب على الرئيس التحاور حولها مع الفرقاء في الساحة السياسية بكل الصدق ودون مناورات أو مراوغات وبالسرعة الفائقة قبل أن تشتعل ثورة الجياع والمهمشين في الأطراف وتنضج خطط المتربصين بالسودان لتحقيق أجندة خارجية كبرى ترتبط بمصالح الكبار في العالم وتزحف الجموع الهادرة بوعي أو بغير وعي على المركز فتقضي على الأخضر واليابس ويخسر الجميع؟
باختصار شديد على الرئيس بعد الاعلان بالصوت العالي أنه رئيس لكل السودانيين وليس له علاقة بالمؤتمر الوطني أو الحركة الاسلامية بعد اليوم ولا يرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية عام 2015، عليه أن يقوم بالتحاور حول تكوين مجلس رئاسي من أحد عشر عضوا هو أحدهم وتكون رئاسته بالتداول شهريا ويقوم المجلس بتكليف رئيس وزراء محايد حفيظ عليم حكيم قوي أمين يقود حكومة خبراء يجيزها له المجلس الرئاسي لمدة عامين ترعى التفاوض مع الحركات المسلحة ووضع الترتيبات الدستورية التوافقية والتمهيد للانتخابات العامة التي يشارك فيها الجميع بحظوظ متساوية ويتم كل ذلك في ظل حريات مشرعة وعدالة منضبطة ترد لكل ذي حق حقه، ان فعل ذلك قد يضمن السلامة الشخصية لنفسه بميثاق مكتوب ويحفظ ما بقي من كيان السودان المهدد بالمزيد من التشظي.
فالسودان اليوم أمام ثلاث خيارات لا رابع لها، أولها أن يقوم الرئيس ويبادر بالترتيبات التي ذكرتها سابقا وتحتاج منه الى جرأة وعجلة وكياسة في التدبير والتنفيذ، ويجب ألا يستغرق ذلك أكثر من ثلاثة أشهر لاكمال تلك المشاورات لتكوين المجلس الرئاسي والحكومة المؤقتة، وأما الخيار الثاني فثورة شعبية منضبطة يقوم بها الشعب بفصائله كافة وبمناصرة من القوات النظامية كافة، ويتم ذلك في اطار حوار جاد في وضح النهار عبر كافة الوسائط الاعلامية وينظر فيه الى المستقبل الواعد في سودان الغد بأكثر مما ينظر لظلامات الماضي البغيضة تماما كما فعل الراحل المقيم مانديلا، ولا ينفي ذلك المطالبة برد الحقوق، ولابد أن يبدأ ذلك الحوار الآن ويتم في وضح النهار مهما كانت التحديات والعراقيل، وتبتدر ذلك الحوار وتكون رأس الرمح فيه الحركة الوطنية للتغيير ان أرادت أن تتنزل بشعاراتها التي تطرحها للساحة السودانية الى أرض الواقع حيث وجدت تلك الشعارات رواجا وقبولا من قطاعات كبيرة من كافة ألوان الطيف السياسي في البلاد وبذلك تكون قد انتقلت من مرحلة التنظير الى الفعل في أرض الواقع وشاركت في احداث التغيير الذي تنشده، ومهدت لمستقبل السودان الذي يتطلع اليه جميع الوطنيين الغيورين، ولابد من الوصول الى ترتيبات عملية مفصلة مع القوى الحية في البلاد بما فيهم حملة السلاح والقوات النظامية لترتيب مرحلة ما بعد سقوط النظام بالثورة الشعبية المنضبطة تحت مظلة جامعة يمكن تسميتها الجبهة الوطنية العريضة للتغيير.
واما الخيار الثالث فهو الفوضى العارمة التي تنتج من تردد الرئيس في المضي قدما في خط الاصلاح الذي أشرت اليه سابقا أو من تصدي قوات الأمن بالقوة المفرطة للثورة الشعبية المنضبطة التي تقودها الجبهة الوطنية العريضة للتغيير كما حدث في سبتمبر الماضي. وليعلم الجميع بأن الثوار هذه المرة لن تخيفهم الدماء التي تسيل في سبيل التغيير بل سيصبح كل دم يراق وقودا للمزيد من بذل الدماء ولا خير في حياة خانعة تحت حكم فقد البوصلة منذ أمد بعيد وجعل السودان وما حوى ضيعة خاصة وحقل تجريب لثلة من العاطلين من المواهب والقيم فعجزوا عن تقديم أي عطاء ملموس لهذه الأمة النبيلة التي تتدفق خيراتها من السماء وتفيض من باطن الارض المعطاءة، وما للمرء خير في حياة اذا ما عد من سقط المتاع.فهل بعد كل هذه الصرخة المدوية ....عوووووووووك ياسيادة الرئيس يتمادى في الطناش ويرتكب حماقة كبرى ويضيع الفرصة الأخيرة لانقاذ السفينة التائهة في عر ض البحر.أدعو الله ألا يخيب ظننا هذه المرة أيضا....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.