[email protected] في بلد يصارع إنسانه بدرجات متفاوتة مع شروق الشمس في صباح كل يوم ، هموم الدنيا وإفرازات الفقر، إلا من رحم ربي،فإن آخر ما يجب أن يأتي في أولوية الاهتمامات هو "الكورة" لكن الأمر غير العادي أن تجد "الكورة" هذا الاهتمام الذي بلغ حد الهوس الذي تشارك في صنعه وتغذيته جهات عديدة من بينها جهات رسمية، ليصبح هذا الهوس هروبا للأمام ومتنفسا من الضغوط الحياتية والاجتماعية والسياسية، أو جزءا من مخطط أكبر يهدف لصرف الناس عن أولوياتهم الحقيقية . وقد بلغ الهوس حدا قسّم الشارع الرياضي لمعسكرين بلغ التنافس بينهما حد الصراع والتناحر المؤدي للفتنة، رغم أن المسألة في النهاية "لعب كورة". وقد أفرزت هزيمة فريق الهلال أمام الفريق الكنغولي أو كشفت عن ظواهر سيئة لا بد من الوقوف عندها.أول هذه الظواهر تحول التنافس الرياضي إلى مرحلة من الخصومة والفجور في الخصومة انعكس في تهليل بعض جماهير المريخ لفوز الفريق الأجنبي على فريق الهلال، بصورة مؤسفة ، وهو أمر غير مقبول حتى لو جاء كرد فعل متصاعد على ممارسات مماثلة لبعض مشجعي فريق الهلال حينما احتفوا بهزيمة فريق المريخ أمام فرق أجنبية، وهي ممارسات لا يمكن تسميتها بعدم الوطنية بقدر ما هي جهل يغذيه الشحن الإعلامي السيئ المستفز الذي يبيع جلد النمر قبل صيد النمر، والذي شارك فيه كثيرون بوعي أو بلا وعي، وقد كان لافتا للنظر أن يشارك في ذلك السيد رئيس نادي الهلال نفسه الذي "ألّف" قصيدة للسخرية من نادي المريخ، وهي سابقة غير مألوفة إذ لم يعهد تاريخيا في قيادات ناديي الهلال والمريخ مثل هذا الانزلاق مهما بلغت حدة التنافس الناديين، بل شارك في هذا الشحن والتعصب أناس بعيدون عن الوسط الرياضي يتطلب وضعهم البعد عن "الكورة" أو الحياد الظاهري على الأقل بين فريقي الهلال والمريخ، فلم يجد مثلا ،لا حصرا، صاحب صحيفة سياسية يحترمها الجميع ،لم يجد في نفسه حرجا من أن يبرق رئيس نادي الهلال يهنئه بالنصر "المبين" على فريق المريخ وكأن فريق المريخ فريق قادم من خارج الحدود وكأن النصر أو الهزيمة في كرة القدم ماركة مسجلة باسم فريق بعينه وكأن الفوز على فريق المريخ هو سدرة المنتهى. هل المسألة تستحق كل هذا الانزلاق؟ تضخيم الذات السالب ظاهرة أخرى يجب الوقوف عندها.أسوأ ما في تضخيم الذات أنه يحجب الحقيقة عن الذات المضخمة، يحجبها فقط وإلى حين ولكن لا يغيرها، وقد جاءت لحظة أو لحظات الحقيقة سواء تحت أقدام الكنغوليين أو غيرهم لنعرف أن مستوانا في كرة القدم ليس بمثل ما صوروه لنا. ولإبطال مفعول هذا الهوس وتداعياته ولمنع المزيد من الفعل السيئ ورد الفعل الذي يماثل أو يفوق الفعل السيئ سوءا، لا بد من كلمة سواء والاحتكام لصوت العقل والتواضع على مواثيق شرف وقواعد وضوابط أخلاقية ملزمة لكل قيادات الرياضة وإدارات الأندية الرياضية والإعلام الرياضي في غياب الانضباط الذاتي، وإذا استقام حال القيادات فسيستقيم حال المشجعين ، وبذلك نضع حدا لمسلسل التراجع القيمي المخيف الذي تتابع إيقاعاته بنفس سرعة التراجع الرياضي، وحتى نعود لمرحلة التنافس الرياضي من جديد بدلا مما تدور رحاه الآن من تخاصم وتشاحن (على الفارغة) و"الجنازة حارة والميت....." كما يقول المثل المصري. وقد كان السودانيون من مؤسسي رياضة كرة القدم في دول الخليج وفي السعودية على وجه الخصوص، وما زال الرياضيون السعوديون يذكرون ذلك بالخير، وقد آن الأوان لنتعلم منهم مثلما تعلموا منا في زمن مضى. لنتعلم منهم الانضباط وجمال خطاب الإعلام الرياضي ورقي التعامل بين الإدارات والقيادات الرياضية ولنتعلم منهم آداب وحدود الاختلاف، ولنتعلم منهم مواجهة الحقائق بموضوعية بلا تضخيم للذات . عندما تواصلت هزائم الكرة السعودية مؤخرا وكان آخرها هزيمة المنتخب السعودي من نظيره البحريني وخروج السعودية بذلك من تصفيات كأس العالم لكرة القدم، تعاملت القيادة الرياضية السعودية مع الموقف بعقلانية شديدة حينما أعلنت عن تكليف خبراء عالميين ومحليين بدراسة وضع كرة القدم السعودية من جديد ومعرفة أوجه القصور والخلل وكيفية معالجتها لتسترد الكرة السعودية تميزها من جديد.