لا ينكر أحد في السودان، أن الأطباء ونقابتهم ونقابات العاملين ظلوا على مر الحقب السياسية يتبوأون موقعاً خطيراً، يحدد مسارات الحكومات المتعاقبة. فكان دائماً منهم أعضاء مجلس السيادة "كالدكتور التجاني الماحي، والدكتور عبدالحليم محمد" ورؤساء الوزارات، مثل "الدكتور الجزولي دفع الله" والوزراء "من البروفسور طه بعشر، والبروفسور علي فضل، والدكتور موريس سدرة، والدكتور حسين سليمان أبوصالح، والبروفسور الشيخ محجوب، والدكتور أحمد بلال، والدكتور جلال الدقير، والدكتور غازي صلاح الدين، والدكتور مصطفى عثمان، والدكتور مجذوب الخليفة، والدكتور عبد الحليم المتعافي". وفي وزارات من غير تخصصهم وانسحبت هذه الأهمية لإهاب وزارات الصحة لضمان معيشة متميزة لذواتهم عبر العيادات الخاصة والمستشفيات، فجعلوا من المستشفيات العامة نقطة انطلاق لعياداتهم، بل جعلوا عمل المستشفى العام "تنويم، وعمليات وفحوصات" حكراً لمرضى عياداتهم حتى إن مريض ورم المخ لا تأتيه الفرصة للعملية إلا إذا زار عيادة الجراح المعني حتى بعد أن يتم التشخيص باستشاري مخ وأعصاب، وحتى يسهل التناغم بين عنابرهم بالمستشفى العام ومرضاهم، أقاموا عياداتهم على بُعد مرمى حجر من المستشفى العام وأحاطوه إحاطة السوار بالمعصم، والتي نشاهدها حول المستشفيات الحكومية ما سمح لضعاف النفوس أن يسترزقوا حراماً من الدولة ومستشفياتها، والمرضى يخرجون من مستشفى الخرطوم ليلاً بفايلاتهم ودرباتهم بل وقسطراتهم ليقابلوا الأطباء في عياداتهم اطمئناناً لمزيد من العناية ليدفعوا ضريبة بقائهم في العنبر وتسهيلاً لإجراء العمليات ونيل رضى الاختصاصي ليزورهم ولو مرة في جدول زياراته المتعددة للمستشفيات الخاصة. والأنكأ من ذلك أن بعضهم يوجه موظفي الاستقبال في عياداتهم بأن يتصلوا به عندما يتجمع أربعة أو خمسة من المرضى في العيادة، وذلك في أثناء ساعات دوام العمل الحكومي. لذلك عندما عملت وزارة الصحة الولائية على توفير الخدمات الطبية في الأطراف، وتركيز خدمات مستشفيات الوسط على الخدمات الطبية المرجعية، هاج وماج هؤلاء الذين تضررت عياداتهم من هذه السياسات التي تقدم خدمات طبية ميسرة وسهلة الوصول إلى المواطنين. عليه لم يكن غريباً، أن يكافح الاختصاصيون نقل الخدمات إلى الأطراف؛ لأنها تقطع أطراف المستفيدين. حرك نقل جراحة المخ والأعصاب من مستشفى الشعب إلى مستشفى إبراهيم مالك أصحاب الغرض بعريضة وقعها خمسون اختصاصياً من المتأثرين ضد الوزير، واليوم نجد أن مستشفى إبراهيم مالك يستقبل أعداداً أكبر من مستشفى الخرطوم، أين مصلحة المواطن في هذا العراك بين عمالقة الأطباء الذين يُلبسون مصلحتهم بشعار حماية المريض، والأمر لم يقف عند الأطباء، بل كل العاملين الذين لا يعملون في المستشفى، يصرفون رواتبهم وحوافزهم من المستشفى، ويعملون "فول تايم" كل الوقت بالعيادات والمستشفيات الخاصة بدون خجل، وإلا كيف نفسر أن هنالك أكثر من 104 تقنيي معمل معينين، و64 تقنياً متعاوناً، ولا نجد في المعامل إلا تقنيي الخدمة الإلزامية. والغريب أن بالمستشفى بابين فقط، إلا أن هناك 63 فرد حراسة، ورغم أن المستشفى يشتري الأكل للمرضى من القطاع الخاص بمبلغ 160 ألف جنيه، نجد أن هنالك 73 سفرجياً، ولو تحولت رواتب هؤلاء لطعام للمرضى لكان أفضل لدافع الضرائب الذي هدرت أمواله للذين يستغلون ظلال وكرم الحكومة الغبيانة بهذا الاستهتار. من هنا كان قرار الوزارة بعدم السماح لأي مؤسسة جديدة تقوم بالقرب من مستشفيات الدولة، وإعادة توزيع الخدمات والعاملين إلى حيث الحاجة لهم، هو القرار الأصوب. ولتقم النقابة بعملها في تحفيز العاملين للعمل بأمانة بدلاً من حماية (المتسكعين) والمتعطلين. أما فيما يخص الدكتور محمد عبد الرازق، فنكون شاكرين لو أوضح للشعب السوداني ما هي النقابة التي يرأسها؟ وهل هي نقابة حقيقية أم هي خيالات ظل يؤمن بها هذا الجراح الذي لم يجد وقتاً لعمل عيادته بالمستشفى الحكومي وعمليات للمرضى الذين لا يستطيعون دفع فاتورة العلاج في "سلامات" لمقابلته؟!