لم تكن أمانة معظم السودانيين ونزاهتهم وإخلاصهم في عملهم من قبيل المستغربات من الأعمال، إذ عُرف الكثير من السودانيين بهذه الخصال الحميدة في مهاجرهم العربية أو الغربية، حيث يسيحون في تلكم البلدان طلباً للعلم أو كسباً للعيش. فلا غروَ إن ذُكر أهلنا السودانيون الطيبون، بأنهم أهل إخلاص وأمانة، وجماعة صدق ونزاهة، قربتهم من أرباب العمل، حباً وكرامةً، وجعلت بينهم وبين أولئك صلات مودة وعلاقة محبة. ولما لم يجد منافسهم في المهاجر وديار الغربة مذمة يذمونهم بها، لجأوا إلى فرية، للأسف انتشرت انتشار النار في الهشيم، من أن السوداني مخلص وأمين، نزيه وشريف، ولكن مشكلته الأساسية أنه كسول. وبدأوا يسردون أضرباً من كسل السودانيين، قفشات ونكات، إلى الدرجة التي انطلت هذه الفرية الخبيثة وتلكم الحيلة الماكرة، في ادعاء أن السودانيين كُسالى على كثير من أرباب العمل في دول الخليج، وبعض أصدقائهم من الخليجيين الذين انطلت عليهم حِيل منافسيهم في كسب العيش. وأحسب أنه من الضروري أن أورد في هذا الصدد، قصة حدثت لي ولبعض إخوتي من السودانيين في صحيفة "الشرق الأوسط"، وهي أنه في يوم وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في أغسطس 2005، كنا ثلاثة سودانيين، الأخ الأستاذ عثمان ميرغني نائب رئيس تحرير "الشرق الأوسط" آنذاك، وأنا كنت وقتها سكرتير التحرير لجريدة "الشرق الأوسط"، والأخ المهندس عبد الله المهدي رئيس قسم تقنية المعلومات بالصحيفة، إذ عملنا في ذاك اليوم آناء الليل وأطراف النهار، بحيث لم يغادر أحد منا الصحيفة إلى منزله إلا بعد 24 ساعة ولمدة ساعتين، ثم العودة للمشاركة في اجتماع التحرير الصباحي الشامل في صباح اليوم التالي، ولم يصدق كثير من زملائنا هذا الأمر، حتى إن الأخ الأستاذ مشاري الزايدي (سعودي الجنسية)، انبرى قائلاً في تساؤل استنكاري: لا أدري لماذا يوصف السودانيون بالكسل، وأمامنا الإخوة عثمان وإمام وعبد الله يقدمون نموذجاً في التضحية والمثابرة على العمل بهذه الدرجة التي تجعلنا نشك في مقولة إن السودانيين كُسالى. ومما يُروى عن إدهاش السودانيين لغيرهم بخصالهم الحميدة، أن راعي الغنم، ورعي الغنم من مهن الأنبياء، أنه رفض التصرف في شاة دون إذن صاحبها. وقد استدعى هذا التصرف الأمين أن تكافئه منظمة سعودية لأنه جعل السودانيين والأمة الإسلامية يفرحون أيما فرح بهذا السلوك القويم والأمانة المفقودة. وأخلص إلى أن راعي الغنم السوداني ارتقى بهذا السلوك مرتقًى صعباً، ووضع نموذجاً، حري بكل سوداني أن يفاخر به. فلا غرابة إن كافأته مؤسسة الشيخ حمد الحصيني بالدمام في السعودية بعشرين ألف ريال من خلال قناة "الرسالة" الفضائية. فقمين أن يتم تكريمه في السودان والسودانيين. وجميل أن تسارع إحدى المنظمات السودانية، حكومية أو أهلية إلى تكريمه، تشجيعاً لهذا السلوك القويم، وليكون قدوةً لغيره من أبناء وطنه وغيرهم. وأن هذه المكافأة تُعد تقديراً بسيطاً لأمانته في حفظ الأمانة وحُرمة غياب صاحب الحق. =====