عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى جنات الخلد الدكتور محمد حسن جابر .. بقلم: شوقى محى الدين أبوالريش
نشر في سودانيل يوم 13 - 03 - 2014

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
لم نفق من صدمة وفاة الدكتور حسن محمد حسن (د. حسون) في بداية شهر ديسمبر من العام المنصرم في الدوحة إلا وقد فجعنا بالرحيل المفاجئ لرجل من ذات المنطقة وذات المهنة الإنسانية ... عالم في مجال الطب وإنسان بمعنى هذه الكلمة.. لن يجود الزمان بمثله.. جاب البلاد من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها ومن أقصى شرقها إلى أقصى غربها مهموماً بأمراض الناس وآلامهم ... لم يدخّر جهداً من أجل رفع معاناة المرض والأوبئة الفتاكة عن ذلك الشعب الكادح في البوادي والحضر ... يصلهم يعالجهم ويعيد البسمة إلى شفاههم..لم يقعده عامل السن ولا نعمة الاكتفاء ولا نجابة الأبناء عن أداء ما كان يعتبره واجباً إنسانيا عليه و لذلك ظل دائماً حبيس عيادته ومنزله يداوى القلوب حتى أخر يوم في حياته وقد تجاوز عمره التسعين عاماً.. الكثير منكم يعرف الأستاذ الدكتور محمد حسن جابر الذي مضى إلى رحاب الله في يناير الماضي راضياً مرضياً عنه (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي).
جرت العادة في السودان أن محاسن الإنسان لا تذّكر أو تقدر في الدنيا إلا بعد أن ينتقل إلى الدار الآخرة لذلك عندما يقدرك شخص سوداني لأي سبب من الأسباب يدعو لك "إن شاء الله ما يجي يوم شكرك" وهو دعاء للخلود في الدنيا أو بالأحرى دعاء لطولة العمر وكأن الشكر مشروط بالموت وكثيراً ما نجد الخطباء يتنافسون حول المقبرة بعد الدفن مباشرة لتعداد مآثر الفقيد وكأنها هي الفرصة الوحيدة للاعتراف بجمائل الإنسان، والناس في كثير من الأحيان يردّدون الحديث "اذكروا محاسن موتاكم" فى غير موضعه، وفى التلفزيون القومي السوداني هناك برنامج توثيقي جميل، هذا البرنامج هو لقاء مطول في أكثر من حلّقه مع شخصيات معروفة بل رموز سودانية وغير سودانية محاولة لإبراز وتقدير وتوثيق تاريخهم وإسهاماتهم الايجابية التي أثرت على حياة البشرية وعلى سبيل المثال اذكر بعض تلك الرموز التي وثق سيرتها ومسيرتها البرنامج وهم البروفسير عبد الله الطيب، الكاتب جمال محمد أحمد، الشاعر محمد الفيتورى، الشاعر حسين بازرعه ، الفنان أحمد المصطفى، الاقتصادي الأستاذ مأمون بحيرى، والشيخ صادق عبد الله عبد الماجد ، والشاهد أن هذا البرنامج رغم فوائده المتعددة ارتبط في أذهان الكثيرين، وبنفس الفهم أعلاه، بأن من يستضاف في هذا البرنامج قد دنا أجله وهذه العادة رغم سلبيتها وإجحافها للإنسان أثناء حياته فهي ربما تكون ناتجة لكوّن الإنسان السوداني عموماً لا يحب الإطراء وقد يصاب بالحياء الشديد خاصة عندما يكون ذلك الإطراء علانية في وجهه وعليه يقولون "ألشكرك قدامك نبذك" أو ربما لان الحزن الشديد وألم الفراق يدفعان المشاعر الصادقة والدفينة تلقائياً إلى العلانية..والله أعلم ".. للذين لا يعرفون هذا العالم الجليل والإنسان النبيل وللذين يعرفونه لكن عن بعد.. هو نوع فريد من الرجال جمع خصالاً حميدة متعددة قلما نجدها مجتمعة في شخص واحد ولذا من العسير أن يتكرر شبيهه في هذا الزمن ونحاول هنا إلقاء قليل من الضوء على سيرته وسلوكه ومبادئه في الحياة علها تكون نبراساً تمهِّد الدرب لأجيال لاحقة من الأطباء وغيرهم.
ولد الأستاذ الدكتور محمد حسن جابر في 15 مايو عام 1923، والذي يعرف بدكتور جابر، في قرية "سرة شرق" التي كانت تقع على بعد 15 كيلو متر شمال مدينة وادي حلفا بالقرب من الحدود السودانية المصرية شمالاً والتي غمرتها مياه السد العالي في عام 1964، ويبدو أن هذه القرية الصغيرة في مساحتها لا تنجب للبشرية إلا العباقرة فالأديب العالمي والمفكر المعروف وأبو الدبلوماسية السودانية المرحوم الأستاذ جمال محمد أحمد قد أنجبته هذه القرية التي خلدها الأديب الديبلوماسي الكبير في كتابين نادرين؛ (حكايات من سره شرق)، و(أساطير من سره شرق)، وكتب على بيته العامر في الخرطوم (سره شرق)، وكذلك أخويه المرحومين محجوب وسيد محمد أحمد من كبار رجال الأعمال في السودان وكذلك المرحوم البروفسير الدكتور محمد على عبد الرحمن عالم الطاقة الذي حاضر في الجامعات الهولندية والسعودية هو أيضاً خرج من رحم هذه القرية كما أن الأستاذ المعروف أحمد صادق شاهين معلم الأجيال في السودان والإمارات العربية المتحدة، أطال الله عمره، هو أيضاً ابن هذه القرية. والده "حسن محمد جابر" ووالدته "طاهرة فضل كوبيه"..درس المرحلة الأولية في منطقة سوق الخميس بقرية "دبيرة" المتاخمة لقريته وكان يقيم مع عمته المرحومة الحاجة "عائشة محمد جابر"، والدة الاخ محمد على ادم وإخوانه، للدراسة وهو ينتمي إلى قبيلة "البرماب" الممتدة من قرية "سره شرق" و "سره غرب" إلى قرية "دبيرة" وهي تختلف عن قبيلة "البيرماب" التي كانت تقطن جنوب وادى حلفا.. وكعادة معظم النوبيين في الشمال هاجر مع أسرته إلى مصر حين بلغ سن الثامنة حيث كان يعمل والده هناك ...درس المرحلة المتوسطة والعليا في مدرسة الإبراهيمية العليا بالقاهرة وتخرج منها في عام 1943 ضمن أميز 20 طالب على مستوى الدولة ولذلك تم قبوله بمدرسة الطب بالقصر العيني بجامعة القاهرة والتي تخرج منها متفوقاً على زملائه في ديسمبر عام 1949 وأكمل فترة الامتياز التدريبية في مستشفى القصر العيني عام 1950 والتي أهلته ليعمل طبيباً عمومياً في نفس المستشفى في الفترة من عام 1951 إلى عام 1952.
في أبريل عام 1952 سافر الدكتور جابر إلى المملكة المتحدة لمواصلة دراسة الطب وسرعان ما تحصل على عضوية الكلية الملكية البريطانية في الطب الباطني (MRCP) من أدنبرة في المحاولة الأولى (First attempt) في أكتوبر عام 1953 ثم تحصل على درجة الدبلوم في أمراض القلب والرئة من جامعة كوبنهاجن في عام 1968 وأنتخب زميلاً للكلية الملكية البريطانية للأطباء(FRCP) في أدنبرة عام 1975 ثم أصبح زميلاً للكلية الأمريكية لإمراض القلب والرئة (FACCP) في نفس العام.
عمل الدكتور جابر طبيباً متخصصاً في أمراض الباطنية والقلب في أدنبرة من عام 1953 إلى عام 1954 ثم عاد أدراجه إلى القاهرة عام 1954 لينضم إلى هيئة التدريس بالقصر العيني إلا أنه لم يتمّكن من ذلك ربما لكون مثل هذه الوظائف كانت قاصرة على المصريين فقط آنذاك وعليه غادر إلى السودان والتحق بوزارة الصحة حيث عمل طبيباً للأمراض الباطنية والقلب من عام 1955 وحتى قبيل وفاته عام 2014 في عدد من المؤسسات العلاجية نذكر منها مستشفى الخرطوم التعليمي، مستشفى بور تسودان الإقليمي، مستشفى جوبا الإقليمي، مستشفى الأبيض الإقليمي ثم مديراً لمستشفى الشعب التعليمي وعمل كبيراً لمستشاري أمراض الباطنية والقلب بوزارة الصحة بالسودان وأخيراً في عيادته الخاصة بالخرطوم، بالإضافة إلى ذلك فقد تقلد عدة مناصب مهمة منها أستاذ الطب ألسريري وممتحن خارجي في كلية الطب بجامعة الخرطوم وعضو اللجنة التنفيذية للمجلس الطبي في السودان ورئيس مجلس الإدارة وعضو اللجنة الاستشارية لتسجيل العقاقير في السودان و مستشار منظمة الصحة العالمية (WHO) للعقاقير الأساسية في السودان والشرق الأوسط.
للدكتور جابر بعض المؤلفات والإصدارات نذكر منها كتيب السودان الوطني والدليل الطبي ودليل العلاج القياسي في السودان و الملا ريا في السودان ودليل الاستخدام الرشيد للعقاقير الأساسية في السودان. وكان الدكتور حريصاً على متابعة ما هو جديد في مجالات الطب والعقاقير وقد كان يراه الكثيرون جالساً في مكتبة المجلس الثقافي البريطاني في وقته الخاص يقرأ الكتب ويطالع المجلات والصحف الطبية.
كان الدكتور جابر يمارس لعبة كرة القدم عندما كان صغيراً في سنه وعندما بلغ الثلاثينيات من عمره بدأ في ممارسة لعبة التنس وكان يمارس هذه الهواية بانتظام ويجيدها حتى بلغ الستين من عمره وأيضاً كان يمارس هواية السباحة على الأقل مرتين في الأسبوع..وعلى مدى السنوات الأربعين الأخيرة من حياته واظب على ممارسة رياضة المشي كل صباح لمسافة 2 كيلومتر قاصداً المسجد لأداء صلاة الفجر وظل على هذا المنوال حتى يوم وفاته في يناير 2014..وكان يصوم رمضان وستة من شوال منذ طفولته حتى بلغ التسعين من عمره..وقد ساعدته كل هذه الأنشطة والعبادات بأن يتمتع بلياقة بدنية وذهنية عاليه حتى وفاته، وكان من هواياته المتعددة التصوير وجمع الصور وعلى مر السنين أصبحت لديه ذخيرة وافرة من الصور النادرة والمخطوطات ترقى للتفكير في إقامة معرض للصور والمخطوطات النادرة مستقبلاً ولا أخال في أن تكون هذه الفكرة غائبة على أبنائه.
وقد كان الدكتور جابر قارئاً نهماً منذ صغره والى آخر يوم في حياته وكان شغوفاً بقراءة مختلف المواضيع بما فيها الأديان والعلوم والطب والتاريخ والسياسة والفلسفة وكان كتابه المفضل القرّان الكريم الذي كان يحرّص على تلاوته في المسجد والمنزل كل صباح ومساء. وقد علمت من ألأخ الأستاذ عاطف جمال محمد أحمد المهتم بالتراث النوبي والذي كان مقرباً للدكتور بأنه كان يمتلك مكتبة كبيرة في منزله أهداها مؤخراً إلى المكتبة الوطنية التي انتقلت إلى شارع 9 بالعمارات قرب منزله بالخرطوم.
كانت لدكتور جابر شبكة اجتماعية واسعة من الأصدقاء والزملاء من كبار الأطباء الذين تخرجوا ومارسوا مهنة الطب من قبله مثل المرحوم الدكتور محمد عبدالحليم والبروفسير داود مصطفى (أبو الطب السوداني) حتى من أولئك الأطباء الذين تخرجوا حديثاً في الأعوام 2012-2013 وقد قام الدكتور جابر بتدريس وتدريب عدد كبير من الأطباء على مدى 55 عاماً أغلبهم الآن من كبار أساتذة الطب في الجامعات والمستشارين داخل السودان وخارجه. كما احتفظ بعلاقاته القديمة مع زملائه من الأطباء في مصر والمملكة المتحدة.
وكان الدكتور جابر مقرباً جداً لأسرته وعائلته الكبيرة كما كان صديقاً حميماً لأصدقاء وزملاء أبنائه الذين لم تنقطع زياراتهم عنه حيث كان يسدى إليهم النصح والمشورة في القضايا الصحية والاجتماعية حتى أحبوه وجعلوه قدوة لهم في مهنتهم وحياتهم العامة.
كان الدكتور جابر يسمع أكثر مما يتحدث وإذا تحدث كان حديثه همساً..كان حاد الذكاء قوى العزيمة يتمتع بذاكرة فوتوغرافية ولديه مقدرة فائقة في إخفاء مشاعره والسيطرة على عواطفه خاصة امام أبناءه وحسب علمي كانت هناك حادثتين مؤلمتين في حياته، الأولى هي الموت المفاجئ لابنته الوحيدة "لميا" وهي طفلة والثانية وفاة شقيقته الوحيدة "سعيدة'" أثناء الوضع ورغم حزنه العميق لفقدهما لم يبح بذلك لأبنائه واستطاع باستمرار أن يخفى مشاعره وحزنه أمامهم حتى لحق بهما في دار الفناء.
وكما تعلمون.. في الزمن القديم كان الأب لا يعير اهتماماً بتعليم الأبناء كما هو الحال في زمننا هذا والقليل منهم كان اهتمامهم بمقدار فك الخط فقط ليجد الابناء حظاً في سوق العمل لمساعدة الأسرة مادياً ولذلك يكابد الطفل بمفرده الى أن ينقذه الحظ أو الذكاء ليكمل تعليمه ويصل إلى بر الأمان والدكتور جابر عاش في ذلك الزمان وبذكائه الفطري أدرك أهمية التعليم منذ صغره وبمحض إرادته هاجر من قريته الى قرية "دبيرة" تاركاً والدته ليلتحق بالمرحلة الأولية ثم هاجر إلى مصر وأكمل دراسته حتى الجامعة ثم هاجر إلى المملكة المتحدة وتفوق ونال أعلى درجات التخصص في الطب كل ذلك معتمداً على نفسه وعصاميته من بعد الله ..وهنا لا أقول أن الدكتور جابر سار على درب قدماء الآباء لكنه وكلّ أمره للخالق الرزّاق وأعطى لأبنائه مساحة كبيرة من الحرية والاستقلالية لتشكيل مستقبلهم، حتى لم يشّر لهم لا من قريب أو من بعيد عن ماذا يدرسون وأية مهنه يفضلون بل ترك لهم حرية الاختيار ورغماً عن ذلك فقد سار على دربه اثنان من أبنائه ودرسا الطب حتى أعلى درجاته ويعملان ألان في هذا المجال الإنساني.
توفى الدكتور جابر في يوم الأحد الموافق الثاني عشر من يناير عام 2014 عن عمر ناهز التسعين عاماً تاركاً خلفه حرمه الفضلى السيدة الورعة الحاجة ليلى سيد خضر (المعروفة بالشيخة ليلى جابر) وثلاثة أبناء هم الدكتور مهند طبيب بالمملكة العربية السعودية والدكتور مؤمن طبيب بالولايات المتحدة الأمريكية وحسن رجل أعمال بالسودان وتسعة من الأحفاد تتراوح أعمارهم من 2 إلى 19 سنة حفظهم الله جميعاً ورعاهم.
هذه كانت رحلة دكتور جابر في الحياة..عاشها حياة بسيطة ومتواضعة لكنها جدّية في كل تفاصيلها.. لقد عاش للآخرين يحّمل همومهم وآلامهم..وقد كان تقياً وورعاً يخاف الله في كل صغيرة وكبيرة... لم يقحم نفسه في أتون السياسة والمال حتى لا ينشغل بها عن مرضاه وأهله ودينه وحتى لا تعكر عليه صفو حياته الهادئة التي مرت كالنسمة وحتى عندما أسلّمت روحه الطاهرة إلى بارئها كان في نوم عميق وقد استجاب الله لدعائه "اللهم هوّن علينا سكرات الموت"، و"اللهم أرزقنا قبل الموت توّبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيماً"..
إذا كانت روحك الطاهرة في الملكوت الأعلى تسمعنا الآن... فقد افتقدتك زوجتك المكلومة رفيقة دربك لأكثر من خمسة وخمسين عاماً .. من ذا الذي سوف يؤانسها وهي على فراش المرض شفاها الله .. افتقدك فلذات الأكباد مهند ومؤمن وحسن..افتقدك أحفادك الذين كنت تحبهم و تسعد برؤيتهم...افتقدتك ساحات العلم والجامعات وطلاب الطب والمعرفة .. افتقدك المصلّون في المسجد الذي كنت تداوم فيه صلواتك الخمس.. افتقدك السودان كله الوطن الذي كنت تحبه وتخلص في خدمته.. أفتقدك كثيرون أعرفهم كانوا لا يؤمنون إلا بطبك ولا يشفون إلا بلمستك الحانية أذكر منهم على سبيل المثال محمد أحمد حسين وحسن محمد هارون ومحمد خيري والحاجة زهرة داوود وال صديق وال على محمد ادم وال شبكه وغيرهم الكثيرين. من ذا الذي سوف يداوى قلوبهم التي تنزف الآن حزناً على فراقك الأبدي!!
لكن هذه هي سنة الحياة ولكل أجل كتاب ولا نملك إلا أن نقول وداعاً أيها الأب الإنسان والمعلم والنطاسي البارع ونسأل المولى عزّ وجلّ أن يتغمدك برحمته الواسعة ويدخلك الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا،، وإنا لله وإنا إليه راجعون...ودعواتنا لأهلك وأصدقائك ومحبيك وعارفي فضلك المكلومين في كل مكان الصبر والسلوان وحسن العزاء والله المستعان.
شوقى محى الدين أبوالريش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.