تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لفهم موقف الشيخ عبد الله جاد الله .. بقلم: فتح الرحمن موسى علي
نشر في سودانيل يوم 20 - 03 - 2014


محاولة لفهم موقف الشيخ عبد الله جاد الله
"كسار قلم مكميك" أمير أمراء الكواهلة في المهدية
فتح الرحمن موسى علي
مقدمة
لا مبالغة ان قلنا ان الشيخ عبد الله جاد الله بليلو شخصية لم يكشف النقاب عنها رغم ذياع صيته وماترتب على ذلك من تقدير يكنه له محبي الوطنية والمصادمة عبر أجيال السودان المتعاقبة فهو افضل نموذج للشخصية السودانية القومية التي ولدت مع الدعوة والثورة المهديتين فهو من الجيل الذي عاش طفولته في احضان المهدية في البقعة "ام درمان" فارتوى من سير البطولة والثقة في الله حيث الوضوح المستمد من دعاء الراتب ووحدة الهدف والمصير لدى رجال آمنوا"باحياء القرآن والسنة المقبورين" وجملة المبادئ الصريحة التي قامت عليها الدولة المهدية التي تخلقت مع إنتصارات الثورة المهدية الشعبية على المستعمر الغاشم الذي إندحر مهزوماً في كافة المعارك بدءاً من الجزيرة أبا والابيض وشيكان والخرطوم حتى كرري وام دبيكرات تلك المعارك التي فقد فيها شيخ عبدالله الاهل والاقارب وتوشحت اسرته بسببها باكاليل الشهادة وحب الموت في سبيل الله .
مصادمة شيخ عبد الله جاد الله إتصلت بروح المهدية التي تجرعها من بيئته الاسرية ومن المحيط الاجتماعي المتمسك بالالتزام بروح الدعوة التي توقدت نارها بعزم الرجال فصارت نمط حياة لجيل كامل تربي وعاش في كنف المهدية ووهجها في حاضرت الامام المهدي "امدرمان " حيث اقيمت اركان الدولة المهدية على قواعد الايمان والاسلام و البسالة والرجولة وحب للاستقلال وفداء الارض والعرض والراتب والاعتكاف والصدق والوضوح والصراحة... جيل الشيخ المصادم عبد الله جاد الله هو ذلك الجيل الذي ارهق مضاجع الغازي الاستعماري بتكوينه الفكري النفسي الجانح دوما نحو المقاومة والممانعة لسلطة الحكم الثنائي التي تشيدت انتصاراتها بدماء وجماجم الرجال السودانيين لذلك عمد ت سلطته الاستعمار على تهميش هذا الجيل واخراجه من المعادلات لاسيما النابهين ذوي الوعي والشخصيات المتكاملة الناضجة واعتمدت السلطة الاستعمارية على العناصر الباهتة الضعيفة من هذا الجيل بكل صراحة ووضوح لان ذلك الجيل كان يحمل ملامح القومية التي ظهرت بذرتها في حاضرة الامام المهدي " ام درمان" التي كانت ومازالت وستظل دوما عصية على الخضوع والاستسلام او الطمس الثقافي والتخريب الفكري فقد كان الفرق ظاهرا لهذ الجيل بين الدولة الوطنية ودولة الحكم الثنائي لذلك ظل يتحين الفرص للثورة والانتصار للوطن الجريح فجاءت حادثة الشكابة لتؤكد ان المهدية لم تقبر في تلال كرري في 2\سبتمبر 1889 ففي الشكابه برز هذا الجيل في اخطر تجمع للانصار يناصر ويدعم ابناء الامام المهدي في الشكابة في اغسطس 1899 لم يكن ذلك التجمع الديني معدا للصدام والمواجهة كما لم يكن تحركا قبليا يهدف الى ازكاء النزعة العرقية الجهوية فقد كان تجمع الانصار المرتكز اولا واخيرا على قيم الحق و ورح الايمان والعقيدة لجيل راى المهدي وتربي مع ابناء ه وعرف معنى الحرية فمن الطبيعي ان يتمسك بها فلم تكن مصادفة ان يلتف الانصار حول ابناء الامام و "راتب المهدي" حولهم للاسترشاد والذكر والعبادة والدعاء والمناجاة والمصافاة وتحمل الهزيمة كامر إلهي ودعم النفوس بروح الصمود والتماسك لم يمهلهم الغازي لاستجماع انفاسهم فكان يخطط لانتزاع روح المبادرة وتصفية اي بؤرة للمقاومة حتى ولو كانت مقاومة روحية كما كان يهدف لتصفية ابناء الامام المهدي جسديا فاعتقلهم وشكل لهم محكمة عسكرية ايجازية ميدانية صوريه فاعدموا في اغسطس 1899م فحادثة الشكابة اكدت عنف المستعمر ودمويته رغم ذلك توالت مواقف مقاومة الشعبية الجماعية والفردية للغزو الدموي من ذلك الجيل الذي رضع البسالة والبطولة من شخصيات حقيقية صنعت انتصارات المهدية وتاريخها المجيد ففي بقعة الامام كان الزاكي طمل وحمدان ابوعنجة ومحمود ود احمد وعبد الرحمن النجومي ومحمد عثمان ابوقرجة وكافة امراء المهدية وقادتها الذين عاشوا حياة الزهد والتواضع وروح الثورة في شوارع ام درمان وازقتها فحري بجيل الشيخ عبد الله جاد الله ان يتمثلهم ويكتسب منهم روح المصادمة التي لم تهن وتضعف بعد سقوط الدوله بل ظهرت اقوى واكثر تاثيرا في خطاب الدعوة المهدية الذي اخذ في التجدد والانبعاث مع الامام عبد الرحمن وجيله. فخاب فال الحكم الثنائي حين ظن الغازي ان الامر صار له والاوضاع استتبت لقوته المسلحة فقد كانت الارواح تنشد الحرية والاستقلال وطرد الغازي الدخيل فخرج علي سلطة الحكم الثنائي الدموية الثائر علي عبد الكريم في 1901 امدرمان رافضاً هيمنة السلطة الاستعمارية الباطشة ولما كانت توازنات القوى ضده انهزم رغم انه اعلن المقاومة المعبرة عن موقف جيل الوعي القومي المتطلع للحرية والانعتاق من الاستعمار الظالم البغيض الذي شهد ميلاد ام درمان واروع انتصاراتها... .. هكذا لم تخبو جذوة المقاومة لذلك الجيل الفدائي التي غطت مواقفه الوطن في كافة المجالات فكان منهم بابكر بدري الذي اختار تاهيل العقل وبناء الروح الوطنية ومنهم السيد الامام عبد الرحمن الذي اخذ في تضميد جراح اسرة المهدي الصغيرة والنهوض بها وكما فعل ذات الفعل مع اسرة المهدي الكبيرة"الانصار" فموافق جيل الوطنية كانت روح عامة متمدة على طول السودان وعرضه مؤكدة موقف شعبي موحد مناهض الحكم الثنائي بكافة الاساليب.. فتجمع شباب الانصار من ذلك الجيل خلف عبد القادر إمام ودحبوبة في الحلاوين الذي لم يقم بتحرك منعزل منفصل يظهر حالة من السخط الفردي كما صور لنا المستعمر فانتفاضة ودحبوبة في 1908كانت ثمرة تحرك دقيق وترتيب منظم وتخطيط واعي فعبد القادر ودحبوبة كانت له مراسلات مع الشيخ عبد الله جاد الله واخرين في مناطق مختلفة من السودان تستعد للثورة هذا ما جعل الادارة الاستعمارية تستعمل العنف المفرط لانها ادركت ان المقاومة عامة وشاملة كل الوطن وانها ليست محصورة في الحلاوين بل انها موقف جيل قومي استعد لها الاستعداد الامثل انتفاضة العام 1908لم تكن فعل عفوي معزول كما ادعي الاستعمار في ذلك الحين فقد كانت انتفاضة جيل باكمله و فعل منظم مرتب يقودة الجيل الشاب الذي تربى على المهدية وروحها ودولتها ودعوتها وفكرها وسلوكها لذلك تعاملت سلطة الغزو الاستعماري مع ود حبوبة في 1908م بالبطش والعنف المفرط فاعدم ود حبوبة شنقاً في الكاملين وعلق جسده في حلة مصطفى قرشي حتى يرسل رسائل الرعب للشعب السوداني المصمم على الانتفاض والثورة فقد اكدت وثائق المخابرات الانجليزية ان عناصر انصارية عديدة تتحرك من اجل الثورة بدا من تنقسي الجزيرة مرورا بدارفور وكردفان والنيل الابيض وشرق السودان فقد وضعت يدها على جملة من الرسائل المحرضة على الثورة وتعد للانتفاضة الشاملة.....
فالناظر لتلك الهبات الثورية المتتالية في الفترة بين (1900-1920)يدرك انها لم تكن لتحدث بهذا التراتب والتوالي والتناغم لولا تنسيق بينها تم على ارض الواقع بين جيل الشاب من الانصار الذين عرفوا قيمة الحرية والدولة الوطنية وكرسوا حياتهم للدعوة المهدية ومناهضة الاستعمار... كشفت وثائق المخابرات الانجليزية عن رسائل ارسلها الشيخ عبد الله جاد الله تدعوا الى الصمود والتماسك والانتفاض في وجه سلطة الغزو وتربط بين بؤر الانصار المقاومة في شتى بقاع السودان نعم فقد كان شيخ عبد الله جاد الله احد قادة التنظيم الانصاري السري الذي ارسل الرسائل لدارفور " للسلطان على دينار" والنيل الابيض " لمحمود محمد ودنمر" والى تنقسي الجزيرة الى "عبد الوهاب احمد حاج الامين "وكردفان " للمك جلي" كانت تلك الرسائل هي السبب الرئيسي في ابعاده من نظارة الكواهلة في كردفان كما كشفت ذلك وثائق المخابرات الانجليزية التي وصفت قادة ذلك الجيل المقاوم" انها شخصيات غير ذات اهمية" كان شيخ عبد الله يحث على الجهاد .. فمما يؤسف له فقد وقعت بعض تلك الرسائل المجاهدة في يد المخابرات الانجليزية فاوصت " برفده" من نظارة الكواهلة جاء ذلك في تقارير المخابرات البرطانية الذي سنستعرضه بالتفصيل لاحقا، عندما نتحدث في تفاصيل مؤامرة ابعاد شيخ عبد الله جادالله من نظارة الكواهلة في كردفان في عملية مكشوفة قصد بها القتل المعنوي وتدمير الشخصية للشيخ عبد الله فالكلمة التي تهمنا هنا مما جاء في تقارير المخابرات :" ان له اتصالات ومواصلات مع عناصر معادية ومشبوهة " كان عبد الله جاد الله يراسل قيادات الانصار في كافة انحاء السودان من اجل الانتفاض والثورة على المستعمر الظالم كان يدفع جيله من الشباب المؤمن بالمهدية في طريقه المقاومة للانجليز مركزاً على عناصر محدده من اقرانه الذين تربى معهم في بقعة الامام المهدي" ام درمان" وبعثرهم المستعمر على طول السودان وعرضه. حسب السلطات الاستعمارية يقال ان تلك الرسائل الثورية وصلت حتى السلطان على دينار في دارفور والامام الحسيني ومحمود محمد ود نمر في النيل الابيض وعبد الوهاب حاج الامين في تنقسي الجزيرة في اقصى شمال السودان و الى ود حبوبة في الجزيرة والمك جلي سلطان جبال تقلي وغيرهم من الزعماء والقادة الذين لم يستسلموا للمستعمر الذي فرض نفسه بالقوى المسلحة واخذ في ابعاد كل الذين يرفضون سلطته ويناهضون مشروعاته الاستعمارية المتمددة
على عرض السودان وطولة .
المعروف عن الشيخ عبد الله جاد الله جاد الله مواقفه المناهضة المعادية للادارة البرطانية في السودان ومن ابرزها رفضه قرار الاداري البريطاني في نزاع اهلي بين الكواهلة والكبابيش حول قطعة أرض محل نزاع قديم بين القبيلتين حيث اتخذ الاداري البريطاني قراره بحسم النزاع لصالح الكبابيش حلفاء الحكم الثنائي لاعتبارات سياسية تتصل بولاء الكبابيش للسلطة وتايخ الكواهلة الطويل في المهدية ومناهضة الاستعمار الانجليزي.. فاعترض شيخ عبد الله على القرار وكسر القلم الاداري الانجليزي" ماكمايكل" وهو تحدي غير هين في ذلك الزمن قد يدفع بصاحبه الى حبل المشنقة في ذلك الوقت العصيب من تاريخ السودان تحت الاحتلال. تلك الواقع اكسبته شهره المقاوم فزاع صيته بين الانصار وبين كل السودانيين ..فكسر القلم"هيبة الدولة" صار صفة تذكر كلما ذكر شيخ عبد الله جاد الله " كسار قلم مكميك " فقد ابرزتة تلك الحادثة كاقوى مناهضي الوجود الاستعماري كما كشفت انه واحد من الذين يدبرون امر المقاومة للاستعمار سراً وعلنا . فقضية التصدي المباشر من شيخ عبد الله للمستعمر حين رفض قرار الاداري الانجليزي "ماك مايكل " بتصرفه المشهود وكسر القلم تحتاج منا بعض التامل والتدبر فقد جرع الانجليز اهل السودان الخوف بمكر ودهاء كما فعلوا ذات الفعل في جميع مستعمراتهم التي اخضعوها بالرعب والبطش والعنف المنظم غير المسبوق المصحوب بالابادة الجماعية.. فتنازلت لهم الشعوب عن الثروات والاراضي وكل شئ اجتنابا لغضبهم وعنفهم الباطش فالمدهش في الامر يتأثر شيخ عبد الله بكل ذلك فمد يده الى قلم الانجليزي رفضاً السماح له بكتابة قرار لايعترف به مؤكدا موقفا قديم من سلطة لايحترمها ولايعترف بها فقد قتلت اهله وشردت بقيتهم فالسؤال هنا كيف لم يتسرب الخوف الى قلبه مرة واحدة ؟ هل احتاج لوقت طويل لينتزع من اعماقه الخوف حتى صار المسيطر علي نفسه فلايرعبه المستعمر الذي ابتدع ادوات العنف حتى يحافظ على بها اخضاع السودانيين وكافة" شعوب المستعمرات"؟؟ فالشيخ عبد الله تجاوز الرعب المنغرس في اعماق كثيرة لانه يمتلك عقل يؤمن بالمهدية مؤسس على عقل ثاقب قادر على استيعاب الموت و الحياة" لاموت ولاحياة ولانشور" كقضايا فكرية محسومة لاتحتاج الى جدل فمنذ نعومة اظافره هو يعلم ان الموت عند المؤمن المجاهد مدخل للحياة الابدية" لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله اموات بل احياء عند ربهم يرزقون..."اذا كان موقف شيخ عبد الله انتصارا للحق والعدل والحرية مستمد من قناعات ايمانية روحية تتصل بمنهج وفكر المهدية ودعوتها.. يقول هنري دفيد ثوروا:( ان الانسان لم يخلق هكذا قويا باسلا مسيطرا قفد تحرر من الخوف بالوعي والايمان والفكر) نعم تخلص شيخ عبد الله من الخوف من خلال تكوينه الايماني فرفض قرار الاداري الانجليزي فهو في الاصل رافض للاستعمار منذ ان شهد بام عينه كيف تصد الانصار ببسالة لقوات الغزو الاستعماري التي طحنتهم بقسوة مفرطة ودمية لانظير لها في التاريخ الانساني في كرري والنخيلة وام دبيكرات..برغم كل ذلك العنف لم تخضع لهم الارواح ولم يفلوا في اعماق الناس الرغبة في المقاومة والحرية وطرد المستعمر والتحرك نحو الاسقلال . فقد تربى شيخ عبد الله جاد الله على مجالدة القوات الاستعمارية من ايام الثورة المهدية فوالده جاد الله بليلو كان من ابكار المهدية الذين انضموا للامام المهدي بعد انتصار الجزيرة ابا و قد التحق بالامام في طريق هجرته الى قدير و شارك في دحر وراشد بيك ايمن في 1881م وتصدى مع الانصار للشلالي وساهم مع اهله الكواهلة في تحرير الابيض.. و بعد ان تحرر ت المدينة العريقة" الابيض" على يد الامام المهدي في يناير 1883م اوكل الامام المهدي الى الامير جاد الله مسئوليه إمارة عموم الكواهلة ومراقبة "درب الاربعين" فقد كان طريق الاربعين اهم الطرق التي تربط مصر بعمق افريقيا الاوسط والغربي والشمالي قد كانت التحركات المعادية للمهدية تتصل بمصر تحديدا وهي تحاول اعاقة الثورة فقد استطاعة قوى الاستطلاع التي قدها الامير جاد الله القبض على العديد من الرسائل المتبادلة بين غردون وقادة بعص القبائل المواليه للاستعمار وقد تعرض اولئك للعقاب الصارم من الامام المهدي.
شيخ عبد الله سليل اسرة انصارية صارمة التربية الروحية ومحددة البناء الفكري الذي شكل نظرته للعالم ونفسه فالشيخ عبد الله جاد الله وجد روح المصادمة والممانعة في بيت الامام المهدي في امدرمان "البقعة " التي جائها وهو طفل تجاوز العشر اعوام حيث اقام مع والدة في بيت اسرته قرب مسجد الامام المهدي فى مكان ما جوار مستشفى أمدرمان الحالي فمنها وجد شيخ عبد الله المناخ المناسب الذى بلور روحه وشكل شخصيته و تعمق في المهدية بروحه و وبفكره وبعقله المتوقد المتوثب نحو استيعاب جذوة روح الثورة المهديه بنورها ونارها واخلاقها لذلك تأثر بالوضع الانساني الماسوي الذي عاشه الانصار بعد مجازر الاستعمار فى كررى وام دبيكرات حيث فقد شيخ عبد الله فى تلك المعارك كثير من رجال اسرته واخوته وابناء عموته ورفاق طفولته فى بقعة الامام المهدي.. فقد كانت الانصارية انتماء تلاشت فيه كل حدود القبائل وحواجزها وعصبيتها وصار وهج العقيدة هو الروح الذي يحرك القلوب والعقول.......
الخلفية الاجتماعية لشيخ عبد الله جاد الله:
ينتمى شيخ عبد الله جاد الله الى قبيلة الكواهله التى تنسب الى بني كاهل التى تتصل بابناء احمد كأهل بن عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام ..فالكواهلة تتصل بجملة من القبائل السودانية من حيث النسب والمصاهرة ووحدة الدم والاعراق على نحو ما جاء في تاريخ القبائل العربية في السودان اتصال الكواهلة بالبجا والعبابده الزوايده والزياديه والمساليت والمعاليا.... وغير ذلك من القبائل الكثير.. فقبيلة الكواهلة قبيلة كبيره تعج بالبطون والفروع التى تقطن شرق ووسط وغرب وشمال السودان فمن بطون الكواهلة الكوامله والكمالاب والبراقنه والكميلاب والمرغوباب والحسنات والحسانية والمحمديه والعميريه والمراغنة والكرتان والبدارنه والعميريه والكراميه والجلاليه واللياسيه والقرايه والشرايره والسعودية والقرانين والسلاطنه والمحمداب والنوراب والرميات والجميلة والعرواب والضنضاب... وغيرهم ،قد اشار ماك ميكل الى اتصال نسب الكوهله بالبشارين والبجاو البكر والبهكوس والزغاوة وغيرهم من القبائل السودانية العريقة.....
يرجع أصل شيخ عبد الله جاد الله الى كواهلة كردفان الذين ينقسمون الى فروع وبطون هي البراقنة ( م ) الخليفة البداريون والعبابدة أم عمار دار بحر , البقيرات الجهيماب و العزايا و النيفيدية ولد شيخ عبد الله في أم دم 1873في بيت زعامة قبلية متوارثة لجيلين قبل شيخ عبد الله فقد كان الكواهلة يسيطرون تماماً علي كل المنطقة الممتدة من جبال ميدوب وديار الزيادية حتى قلب بادية شمال كردفات حتى تخوم دارفور ، فحدود أمتداد كوهلة كردفان من الغرب محافظة أم كدادة شمال دارفور ومن الجنوب أمارة الحمر ولاية غرب كردفان وتحد ها شمالاً أمارة الكبابيش ..فالكوهلة الذين يقطنون كردفان وهم اربعة فروع:
الفرع الأول: هم البراقنة وخشوم أولاد حماد وولاد أحمد ، اولاد سعيدو اولاد زايد اولاد الفكي عبد الله ودعرقوب ، اولاد بلال) ود طة جهيماب ، البقيراب ، دار بحر الفرع الثاني الخلايقه وخشوم بيوتهم: اولاد التوم، اولاد حسان اولاد دفع الله، مطيرفاب، غزال عيال عماره، غزيا اولاد مطعون، غرباً اولاد بريدان لفرع الرابع العبابده ومن خشوم بيوتهم ود المسيك: ام حموري، ود القوز، ام تفاع و ام راضي، ود النور وخرج من هؤلاء شيخ جاد الله بليلو الذى كان يقود كل تلك الفروع من مقر رئاسة تلك النظاره ام بادر قبل وبعد ان بايع الشيخ جاد الله ود بليو من الكواهلة العبايده الامام المهدي فى قدير ثم عينه امير الامراء للكواهله الذي تحت امرته سته امراء هم الامين أحمد عبد القادر الملقب بالاعيسر ( من البراقنة) والاميرطه ود الفكى ( من البراقنه) والامير عطابويتة ( من العبابده) والامير فضل الله التوم ( من الخلايقة الغزيا) والامير عوض السيد طواقى( من البراقنه دار بحر) والامير حمد ودالفكى ( من البراقنه البقراب) وكان هولاء الامراء مع الخليفه بأمدرمان سكنهم بحي العرب عدأ الشيخ جاد الله الذى كان يقيم غرب مستشفى امدرمان الحالي الذي نشا فيه الامير عبدالله جادالله ولما جاء الحكم الثنائي ابقى على الادارة الاهلية فاصبح الامير عبد الله جاد الله الشاب ناظرا لكواهلة كردفان دون منازع.
الكواهلة فى ظل الحكم الانجليزى:
تعامل النظام الاستعماري الذى أعقب نهاية الدوله المهدية بمكر ودهاء مع القبائل التى شاركت فى الثورة المهدية او التي اظهرت الولاء فاخذ في يغيير مواقع السلطة فيها حتى يضمن سيطرته عليها، فأخذ يعمل على تعديل مراكز القوى في داخل القبائل لصالحه بابعاد الزعامات التى شاركت فى الثورة المهدية والتي لها ولاء مستمر للدعوة المهديةاو تلك المشهورة بالكراهية للاستعمار وتامن جانبه وكان شيخ عبد الله من تلك المجموعة الاخيرة، فقد ورث شيخ عبد الله جاد الله نظارة قبيلته من ابية الذي ورثها من ابيه لذلك تعاملت معه الادارة الانجليزية كامر واقع ووضعته تحت المراقبة اللصيقة وقد كشفت وتائق المخازات البريطانية فى السودان ذلك بتفصيل دقيق حيث كانت تراقب مراسلاته، حتى انهم ضبطوا رسائل من شيخ عبد الله لعناصر( انصاريه):( انهم ضبطو بعض الرسائل المريبه لاناس غير مهمين وان الناظر عبد الله يتراخى فى جمع الضرائب ويحرض العربان على عصيان اوامر الادارة) (هذا ما اوردته تقارير الادارة البريطانية) فالرسائل المريبه تعنى انه كان يرسل رسائل الى الانصار يدعوهم لمقاومة الادارة الغازية اما كون الاشخاص غير مهمين فذلك تقليل مقصود من المخابرات لشأن اعداء الانجليز ومنهم شيخ عبد الله الذى تعرف أهميتة تمام... فالمعروف ان رسائل شيخ عبد الله جاد الله كانت تهدف الى بناء تحالف مناهض للانجليز يضم السلطان على دينار وعبد القادر ودحبوبة في الجزيرة والانصار فى شمال السودان بقيادة عبد الوهاب حمد حاج الامين الذي خرج ثائر على الاستعمار الانجليزي في تنقسي الجزيرة في العام 1908 والانصار في شرق السودان وانصار النيل الابيض الذى كان احد قادتهم محمود محمد ودنمر الذي استشهد ابوه في القلابات واغتيل عمه ناصر ودنمر وكذلك المك جلى ملك تقلي كانت مهمة الناظر عبد الله وجاد الله في هذا الحلف حشد الرجال فى كردفات وتدريبهم واعادة السيطرة على بادية كردفان من خلال خبراته ومهاراته الذاتيه وتحالفاته مع قبائل الشويحات ودار حامد والمجانين وغيرهم من القبائل، وتقول الاخبار التي وثقتها المخابرات البريطانية انه بعداعدام عبد القادر ود حبوبة 1908 اتجه شيخ عبد الله جاد الى اعداد الرجال الى الجهاد فبداء في توجيه القري و ودعا كل الشباب الى الاستعداد للصدام فى غابة جنوباً ام بادر تسمى (آ ضاية ود جا الله) كمواقع لتدريب الانصار وكانت الخطة تهدف لتأمين طريق الاربعين من الفاشر مروراً بام بادر وكجمر حتى امدرمان، بغرض تزويد المجاهدين الانصار المتحركين من كردفان ودارفور بالطعام والماء والمرشدين... ، كما أن الادارة الانجليزيه كانت تتابع خطوط المقاومه التى تنظيم بهدوء هنا لابد ان نشير الى ان المخابرات الانجليزية ايضاً كانت تنشط فى هذه المنطقة بدعم ومسانده من بعض العناصر المتحالفة مع الانجليز( افادا وقبائل) هم حلف عميق توثق تاريخاً لذلك عملت تلك الجهات الى رصد ومتابعة كل الانشطة العسكرية التي بدات في اطوارها الاولى فقاموا بتوصيل المعلومات كل اخبار انشطة الانصار فجرد الانجليز حملة عسكرية للسيطرة على ( آضاية ود جاد الله) 1909م ففى هذه التجريده العسكرية اعتقل شيخ عبد الله جاد الله ومن معة من الانصار فى منطقى ام خسوس وحوكم فى محكمة عسكرية عليا فى يناير 1910م و فرضت عليه من الاداره البريطانية غرامه قدرها 1781 ريال وتم عزله من نظارة كردفان بناء على ذلك تمت محاكمة شيخ عبد الله سياسياً حيث جاء في الصحيفة الرسميه خبرابعاد شيخ عبد الله جاد الله The Sudan Cassettes) ) مايلى:
رفت وتعين ناظر
بمدرية كردفان
قد أسر سعادة الحاكم العام بناء على توصية مدير كردفان بعزل الشيخ عبد الله جاد الله نظر قبيلة الكواهلة في كردفان من وظيفته لسوء سلوكة وتعين الشيخ احمد عبد القادر الاعيسر ناظرا مكانه تحت التجربه لمدة سنة ( التصديقجواب مساعد مدير مخابرات /402/رقم80فبراير1910م)
DISCHA RGE AND APPDINTMENT OF NOZER KORDOFAN PROVINCE:
His Excellency the governor general of Kordfan, has approved of the dismissal of the sheikh Abdalla Gadalla of the Kawahla tribe in Kordfan, from his appointment Nazir ,on account of unsatisfactory conduit and the appointment of sheikh Ahmed Abdalgader Elaiser as Nazir, in his place on probation for one year
(A.D.L/402/dated 10th February 1910)
خلاصة :
معاصري الشيخ عبد الله جاد الله يؤكدون انه كان عميق الانتماء لمبادئ المهدية كما انه كان حاسماً في مناهضة الاستعمار لا يحترم ادارته حتى انه اصطدم بهم في مرات عديدة منها ما كان في حضرة السيد عبد الرحمن المهدي في الجزيرة ابا..دفاعا عن مصالح الانصار والكواهلة صحيح تطورت علاقة الشيخ عبد الله باسرة المهدي عندما تزوج ابنه الامام المهدي السيدة ام سلمة ولكن الشيخ عبد الله جاد الله ظل ممانعا لاوامر الادارات والانجليزية والاستعمار طوال حياته وفي ذلك يقول دكتور موسى حامد :( كان الناظر عبد الله جاد الله غير المشايخ والنظار الاخرين يدخل توا للمفتش بعمامته وحذاءه بينما الاخرين يضعون احذيتهم وعمائمهم خوفاً ورهبة ) بالمقابل كانت الادارة الانجليزية لا تثق فيه مطلقا فقد كانت الادارة الانجليزية ترصد حركاته وسكناته يراقبونه ويرصدونه في حله وترحاله وحينما احتكم الكبابيش للمفتش الانجليزي ماك مايكل في قضية الارض المتنازع عليها مع الكواهلة ولان المفتش الانجليزي قد ساندة الكبابيش فغضب الناظر مما اجبر المفتش على عدم تسجيل الحكم فحطم القلم وتتطاير المداد(الحبر) على صدر المفتش وجراء هذا الموقف حكم عليه بالاعدام ثم عدل الحكم بالسجن ثم الغرامة واطلق سراحه ونفى الى منطقة "الشقيق" التي قضى فيها بقية عمره مع أهله وعشرته وكان دائم الالتزام بزيارة الجزيرة أبا اكبر مراكز الانصار و وهي المنطقة التي اعلن الامام المهدي منها ثورته على الاستعمار في اغسطس1881. توثقت علاقة الشيخ عبد الله ود جاد الله بالامام عبد الرحمن المهدي الذي أخذ يعيد تنظيم الانصار بمنهج جديد قائم على الحكمة والعقلانية ، اُشرك الشيخ عبد الله في كل الانشطة التي نظمها الامام السيد عبد الرحمن المهدي التي هدفت للاستقلال من القبضة الاستعمارية.ومن الاحداث المذكورة الراسخة اللقاء الذي تم مع مستر ريد حيث حضر مجلس الامام فاراد المستر /ريد تدخين غليونه في حضرة الامام عبد الرحمن المهدي غير آبه بالامام والحضور فتبرم الناظر عبد الله جاد الله وقال كلام أظهر غضبه فعمل المفتش على الرد على الناظر فقال له:(احسن تكون ناظرا للكواهلة بدلا من تكون في مجلس المهدي) الشيخ عبد الله جاد الله لم يكن زعيما قبليا تقليديا بل كان نموذجا يجسد الشخصية القومية والروح الانصارية لذلك لعب دورا هاما في نشر مبادئ الدعوة المهدية وظل يعلي من صورته الانصارية. فالشيخ عبد الله سليل اسرة إستشهد معظم رجالها في حومة الوغى في سبيل الدعوة المهدية رحم الله شيخ عبد الله واسكنه فسيح جناته مع الصدقين والشهداء وحسن اولائك رفيقا .
المصادر:
* موسوعة الفكر الاجتماعي الامريكي هنري ثيورو مفكر وفيلسوف اجتماعي
* تاريخ العرب في السودان ماكمايكل2/150
* تاريخ العرب في السودان/ قبائل شمال ووسط كردفان
(XR/66AZ/C/O/)206-166 /xn* وثائق المخابرات الانجليزية سري للغاية
* قبائل النيل الابيض مدونة مستر ريد
* السودان عبر القرون للدكتور مكي شبيكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.