الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجزرة العنج في منطقة أم أرضة ومرثية بنونة بت المك نمر!. .. بقلم: محمد جمال
نشر في سودانيل يوم 15 - 04 - 2014

كتبت بشكل عفوي وإرتجالي على صفحتي بالفيسبوك ذكرياتي مع جدتي آمنة بت حماد "15 حلقة حتى الآن" كل شيء سار بشكل طبيعي وعادي مجرد ذاكرة تداعي حر من مهاجر في منفاه. غير أن هناك حلقتين فازتا بقسط وافر من الإهتمام والمتابعة في الخاص وفي العام وهما: حلقة رقم "12" مجزرة العنج في منطقة أم أرضة "جبل أولياء" ومرثية بنونة بت المك نمر حلقة رقم "10"، هذا ما دفعني إلى محاولة إشراك أكبر قطاع ممكن من المهتمين والمختصين (عبر كل الوسائل الممكنة) على أمل مزيد من البحث الآنثروبولوجي كما الآركيولوجي في مثل تلك القضايا وإلتفافاً على الوقائع الآنية المحزنة عبر تحصيلها من زوايا أكثر عمقاً، أو هو الأمل.. تحياتي.. محمد جمال الدين
الحلقتان المعنيتان "أدناه" على التوالي:
---
حكايات مع حبوبة "آمنة بت حماد".. حلقة "12"
هياكل عظمية بشرية في العراء "هل هناك سر"؟!.
هل هناك مجزرة في التاريخ؟. توجد هياكل عظمية بشرية في العراء أمام حلتنا مباشرة في الناحية الشرقية للميدان وفي الزاوية الجنوبية من منزل حسن عباس أبو محمد زين "في الرياض هسا". مشهد تلك الهياكل البشرية أستوقفني عدة مرات في الأيام الباكرة من طفولتي وصباي "سلاسل فقرية وجماجم" متكلسة على سطح الأرض بيضاء ساطع لونها، برزت للسطح بفعل عوامل التعرية البيئية والبشرية. غير أن جل الناس يتعاملون معها دون إكتراث بوصفها معلم من معالم الطبيعة العادية واليومية. لا أحد يعلم على وجه الدقة أصحاب تلك الهياكل التاريخية غير أن هناك عدة نظريات تحاول تفسير الظاهرة من أهمها نظرية حبوبة المتوارثة "نظرية العقرب".. (في المستقبل سأدرس الإنثربولوجي وسأتحدث مع د. على عثمان رئيس قسم الآركيولوجي "الآثار" بجامعة الخرطوم حول القضية فوعدني بزيارة للمنطقة غير أنه أحيل للصالح العام بعدها بعدة أسابيع وذهب إلى القاهرة دون عودة ورحلت أنا بدوري إلى هولندا أيضاً دون عودة حتى الآن).
عندي تصور خاص أن هذه الهياكل العظمية ربما كانت ضاربة في القدم وهي لسلالة بشرية سكنت المنطقة من قبلنا وأنزوت نهائياً في طيات التاريخ. المقابر حديثها وقديمها معلوم بالضروره في كل أركان بلاد أم أرضة وهي: مقابر البساطاب في ديم جبل أولياء وحوى (بضم الحاء وتشديد الواو) في ود مختار والمشمر في كجبي وهي الأقدم في التاريخ ثم مقابر حديثة نسبياً وهي: الفكي دفع الله في قرية الفكي دفع الله ومقبرة جدي عبد المعطي الفكي فضل الله في اللدية الشيخ حبيب الله ثم أخيراً مقبرة جدي العالم حماد (شقيق حبوبة) شرق قرية مسرة. مقبرة حوى هي الأهم وعلى وجه الإطلاق في ذاكرة حبوبة فكل أهلها الأوائل يقيمون هناك وكثيراً ما تتجاوز حبوبة المقابر الحديثة المجاورة بما فيها مقبرة شقيقها لتقول لمن يغضبها "إن شاء الله يودوك حوى".
كنا نمر فوق تلك العظام ونحن في طريق المدرسة دون أن نشعر بها أو نعيرها أي إهتمام يذكر وكأنها شظايا لنيازك هبطت من السماء. ليس نحن الأطفال فحسب بل أيضاً كبارنا. كان كأن هناك تواطؤ مدروس ومنظم مع خصلة نسيان تلك الهياكل البشرية الواضحة للعيان والقائمة في العراء. لا شفقة ولا عطف بها. وربما كان هناك بعض العداء لها!. هل هناك سر دسه التاريخ في مغاراته السحيقة، أم ماذا؟!.
رواية حبوبة أو نظرية العقرب:
أذكر أنني سألت مرة حبوبة عن قصة تلك الهياكل العظمية فقالت بالحكاية التي سمعتها من جدها مردس نقلاً عن أبيه أبو شكير (الجد الثاني لحبوبة) وهو الرجل الأول الذي سكن المنطقة (ود أبودروس) وتحدرت من نسله قرى قبل جاي ومسرة وأم قراقير وود بلول على وجه التحديد ثم إمتدادات كبيرة في كل قرى أم أرضة من السليكاب وود مختار وحتى العسال وأبعد من ذلك. الحكاية تقول: المنطقة كانت يسكنها قوم إسمهم "العنج" إنقرضوا بفعل العقرب الطيارة التي كانت تسكن أشجار الطندب والعشر والسيال تلك التي كانت تعج بها المنطقة ولم يبقى منهم "العنج" غير تلك العظام التي تشهد على سبقهم في السكنى على تراب بلدتنا والبلدات المجاورة في أزمان غابرة. "قضو جت" قالت حبوبة في ختام الحكاية وهي تخبر حفيدها المشحون بحب الإستطلاع. كانت حبوبة تضرب كفيها ببعضهم البعض عندما كررت " قضوا جت، عدمو طفاي النار". كانت عينا حبوبة لامعتان بالإشراق وهي تخبرني الحكاية في الضد من شعور مفترض بالحزن!.
العنج عدموا طفاي النار بفعل العقرب بحسب رواية حبوبة الشفاهية المتوارثة. ولكي تكون الرواية أكثر تماسكاً أخبرتني حبوبة المزيد، ذاك أن جدها (ابو شكير) حرق شجر الطندب "حرقو جت وقعد هنا" فلم تعد العقرب الطيارة تهدده أو نسله فكان الإنتصار الذي جعلنا نكون حتى تاريخ اليوم وتكون الأرض كلها لأحفاد الجد الفذ أبو شكير "الضهرة والبحر" بما في ذلك الجزيرتين "أم أرضة ورفيدة" وبالشراكة مع حلفاء آخرين بدورهم أفذاذ هم إحدى بطون المسلمية وبعض عشائر الجموعية. ربما كان جد أبو شكير أو أي من حلفائه أو معاً هم من فعلوا ذلك لكن على كل حال رواية حبوبة تقول "جدها أبو شكير" هو من فعلها "شخصياً".
ثقوب في نظرية العقرب:
يبدو أن هناك إستقرار قديم وحضارة للعنج يشهدها الملاحظ في الأواني الفخارية وبقايا الطوب المتكلس في الأرض. أي أن فناء العنج الكلي والمباغت لا يمكن أن تفسره "العقرب الطيارة". كما أنني لاحظت أن الهياكل العظمية في كثير من الحالات غير مدفونة في نسق منظم!. هل هناك شيء ما حدث بفعل فاعل للعنج!. شيء غامض ومسكوت عنه. شيء فظ طواه التاريخ دون أن يشهد عليه أحدا. ربما كانت مجزرة مدبرة نتجت عن معركة حاسمة حول وراثة الأرض أنتهت بتطهير عرقي Genocide
تام للجماعة الأصيلة.
من هم العنج؟.
من قراءاتي الخاصة للتاريخ ومن ملاحظاتي الآنثربولوجية المستندة على عدة مصادر منها هولت وماكمايل وآخرين إضافة إلى الحيثيات التاريخية التي أدت إلى إنهيار الممالك المسيحية في السودان أستطيع أن أرد أصول العنج إلى النوبيين القدامى "الفراعنة السود" وأعتقد أنهم كانوا يدينون بالمسيحية. وفي لحظة التحولات الكبيرة التي أعقبت تشكل الحلف الفونجي/الجعلي وفي لحظات تاريخية مختلفة بعد قيام سلطنة سنار أصبح العنج هدفاً إستراتيجياً لذاك الحلف المنتصر وحق عليهم الفناء كونهم العدو الأول والوحيد للحلف الجديد المنتصر والذي تكون في الأساس من الرعاة "المسلمين أو المنتمين إلى الإسلام والعروبة" في الضد من المزارعين المسيحيين ملوك وسكان سوبا على وجه التحديد. ومن أهم ولايات سوبا ذاك الزمان هي منطقة أم أرضة ومن ضمنها حلتنا "ود أبو دروس" حيث تكون اليوم عظام "العنج" ونكون نحن الأضداد في دورة جديدة للتاريخ.
---
هل هي عظام العنج بالضرورة؟. تلك هي الرواية الرائجة، وتبقى كل الإحتمالات واردة. لكن ما هو مؤكد أن "العظام" ليست عظامنا!.
يتواصل.. حكايات مع حبوبة "آمنة بت حماد".
محمد جمال
div id="fb-root"/div script(function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0]; if (d.getElementById(id)) return; js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = "//connect.facebook.net/en_GB/all.js#xfbml=1"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); }(document, 'script', 'facebook-jssdk'));/script
div class="fb-post" data-href="https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/posts/10203626856895711" data-width="466"div class="fb-xfbml-parse-ignore"a href="https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/posts/10203626856895711"Post/a by a href="https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin"Mohamed Gamaleldin/a./div/div
---
حكايات مع حبوبة آمنة بت حماد.. حلقة "10"
مرثية بنونة بت المك نمر
حبوبة آمنة بت حماد غير قارئة، لم يكن ممكناً في زمانها إذ لم تتأسس بعد أي مدرسة للبنات في أي بقعة من السودان أيام صباها ناهيك عن أن الأمر مستحيل في عرف القبيلة حتى لو كانت هناك مدرسة للبنات أمام باب الدار. حبوبة غير وطنية، لم تكن تعلم أنها سودانية حتى رحلت، كانت تعرف أنها جعلية فحسب، المشاعر الوطنية في زمانها لم تتكون بعد بشكل واضح، كلمة "سوداني" نعت مرفوض عند حبوبة ولا يوصف به إلا زول هامل. فالعالم عندها صف طويل من القبائل أشرفها وعلى وجه الإطلاق هم الجعليين وحلفائهم في اللحظات التاريخية المختلفة وأوضعها هم الأعداء. كما أن العالم مقسم إلى أحرار وآخرين وسود وبيض (بيض يمكن أن تعني زرق أو خضر) ومقسم إلى شرق وغرب ومسلمين ونصارى ونساء ورجال ولكل دوره وقدره في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
حبوبة لا تعرف المعلقات الجاهلية ولا أشعار المتنبي ولم تسمع أبداً بالإلياذة و لا الأوديسا اليونانية ولا أشعار البطانة ولا أي شيء غير شيء واحد فقط وتحفظه عن ظهر قلب وهو: مرثية بنونة بت المك نمر وتعرف معاني كلماتها جيداً وتعرف أحداث وأماكن و شخوص ملحمة بنونة الناعية لأخيها عمارة ود المك نمر الذي مات موتة طبيعة أصابت بنونة بالغم والإحباط مما جعلها تستأنف طريقة موته.. فهي "أي بنونة" لا تريد أن ترى أخيها إلا موشحاً بالدم!.
ترتل حبوبة المرثية الأثيرة كلما حانت المناسبة وبلا مناسبة : (الخيل عركسن ماقال عدادن كم.. فرتاك حافلن ملاي سروجن دم ).
روت لي حبوبة عدة مرات وفي مناسبات مختلفة وبفخر شديد، أحداث زفافها وعرسها على إبن عمها "الطاهر الطريفي" في حدود العام 1919 : (ها جنى ها اسكت ساي، اربعين يوم الجنيات إنقزو واتباطنو وإمصعو متل الجمال الهايجة، والخدم ادقن في الدلوكة الليل كلو لاعند الفجرية، الضبائح كل يوم تورين وخروفين، حتى الحدي شبعان، والمريسة والعرقي بالبراميل قدام الحلة للغاشي والماشي، البلد كلها بتشرب، الما بشرب مو راجل، والما بنضرب بالسوط إلا يهج من البلد تكنو والمرا واحد، ود عمي "أومحمد ود الطريفي" بعد البطان بقلع سكينو من ضراعو واشرط يدو يرش البنوت بالدم وهن يشيلن ويزغرتن وإرقصن برقابن السمحات وإدنو الشبال، عاد البنوت مو بنوت نصاح).
تلك المشاهد الإجتماعية التاريخية تقابلها قيم صاخبة هي قيم الفروسية "الشجاعة والشرف والشهامة والمروءة والعزة والكرم والضكرنة". وهي قيم القبيلة، قيم الجسدانية قيم وشائج الدم (لاحظ مشهد الدم في رواية حبوبة أعلاه) . تلك العادات كما المفاهيم التي تقف من ورائها إنهار معظمها أمام الزحف المدني والوعي الأكاديمي الجديد الذي سطع رويداً رويداً بعد الغزو الإنجليزي فتأسست في العام 1945 مدرسة أم أرضة الأولية التي بادر بتأسيسها حسب الرسول ود العازة بت الطريفي ووفق الخطة الإنجليزية. ولكن ما زالت أطياف شفيفة وأخرى غليظة من تلك النزعات و المشاعر العشائرية والقبلية تتلبس الإنسان منسلة من لا وعيه في مناسبات مختلفة. وربما أحتاج الأمر عدة عقود مقبلة كي ينقشع الشعور القبلي بالكامل كما تعلمنا التجارب ومنها تجربة الأمدرمانيين الأصيلين الذين مازالوا يعانون وحتى تاريخ اليوم من تلك المشاعر التاريخية "المتوشحة بالدم ولو معنوياً هذه المرة في جل الحالات" وبعد أكثر من مئة عام من التمدن المفترض، يجد هذا الإفتراض تجليه في "الفخر الأمدرماني" Omdurman`s Pride Syndrome (*التسمية مختلقة).
قيم الفروسية (الجسدانية، الدم) على ما بها من جمال تقف في الضد من قيمة " الإنسانية" بالمعنى المطلق للكلمة كما أنها قيم ذكورية بحتة.
القيمة "إنسانية" قيمة مطلقة المفعول. فالرجل أو المرأة الإنسان بالإحالة إلى القيمة إنسانية يفعل وينفعل في المبدأ مع الجميع ولمصلحة الجميع غير أن الفارس في المبدأ يفعل وينفعل مع جماعته فقط ولمصلحة جماعته فقط "العشيرة" مثالآ. ولهذا فإن القيمة "إنسانية" ليست من قيم القبيلة (لا تكون جزءآ من حزمة قيم الفروسية). لأن ببساطة القبيلة تتمايز عن القبائل الأخرى بسماتها المتفردة وتتعرف في مواجهة الآخرين بما تحوزه من شرف وعز وجاه. ذلك الشرف "المقام الرفيع" يتأتى عبر إلتصاق أعضاء العشيرة أو القبيلة المحددة بقيم الفروسية في مواجهة الآخر وعلى وجه الإطلاق. عندما نقول على سبيل المثال فلان "جعلي" فسرعان ما تخطر على بالنا صفات ومواصفات محددة مخزونة سلفآ في العقل الجمعي "إنه فارس" وهو يتعرف بكرمه وشهامته وشجاعته في مواجهة الآخر "الشايقي مثلآ" ذلك الوضيع الشرف كونه بخيل "فسل" وجبان... وتلك صفات تقف في الضد من قيم الفروسية. وهذا طبعآ إنبناءآ على المحمول الجمعي المحدد للجماعة المحددة وهم الجعليون هذه المرة. فمن مقام جماعة "الشايقية" يكون المنظور بالطبع آخر، فما الجعلي سوى زول أحمق متهور وعوير. (وذاك مجرد مثال توضيحي). لا توجد إنسانية عند الفروسية. هي في الأساس قيم الجسد "الجسدانية" وما ينطوى عليه الأمر من نقاء "الدم" في مواجهة الدماء الأخرى الأقل شرفآ ونقاءآ حتى لو كان ذاك الآخر ينحدر من ذات العرق الحقيقي أو المتوهم.
إن أعظم مثال يجسد قيم الفروسية يكون في أبيات الشعر الشعبي واسعة الإنتشار ، القائلة:
(1- نحن اولاد بلد نقعد نقوم علي كيفنا 2- في لقا في عدم دايمآ مخدر صيفنا 3- نحن أب خرز بنملاهو و بنكرم ضيفنا. 4- و نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا).
لاحظ معي كيف تترجم قيم "الفروسية" الى افعال بتتبع مبسط لأبيات الشعر " الشعبي" تلك مع مراعاة الترقيم الذي وضعته من عندي:
بقليل من اعمال التفكير سنجد ان القيم السامية الدافعة لتلك الافعال كانت كالتالي:
1- العزة
2- المروءة
3- الكرم، و
4- الشجاعة
تلك القيم "الفروسية" تقوم في الأساس وتفعل فعلها في مواجهة الآخر.. ذلك الآخر قد يكون في لحظة من اللحظات مكانآ للتجربة. تجربة السيف على رقبته والخلاصة إثبات جبنه وخنوعه وذلته في مواجهة
جماعة من الفرسان لا قبل له بها.
وفي كل الاحوال فان كل تلك القيم تصنعها الجماعة وفق عملية تاريخية طويلة ومعقدة تتمدد عبر اجيال بهدف تحقيق مصلحة الجماعة المحددة وضمان معاشها وبقائها وأمنها ورفاهيتها في مواجهة الطبيعة والآخر.
وكم هو واضح عندي أن "القيمة الإجتماعية" لا تشتغل إلا في سياقها المكاني والزماني (في إطار مجتمعها المدني المحدد، العشيرة مثالا). وأي خلع لها من سياقها المكاني والزماني سيحولها الى مسخ، أي سيلحقها تشويه وتزييف يتجسدان إما في سوء فهما أو سوء ممارستها. وفي أفضل الظروف يتم الحكم عليها من منطلق انساني كلي (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثالآ). وعندها تكون لا شيء سوى فكرة مجردة. فلقيم لا تقوم في الفضاء الحر بلا هدف أو أطر أو مبررات بل عندها على الدوام هدفها وأطرها ومبرراتها في حيز زمانها ومكانها. فالكرم على سبيل المثال كقيمة يختلف في طبيعة وطريقة ممارسته من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان ... غير أن ممارسة الكرم كقيمة إجتماعية في إطلاقها تقوم في مقابل هدف واحد محدد على الدوام.
فللقيم الإجتماعية أطرها المحددة "تمظهرات إجتماعية محددة"، لا يمكن أن تستقيم بالكامل خارجها. فمثلآ لا أظن أن الكثير من الناس لا في السودان ولا بقية أرجاء الدنيا يتفقون مع "بنونة" بت المك نمر في رؤيتها "الجعلية" لماهية أفضل طريقة للموت. فبنونة ترى أجمل الموت هوالموصوف ب( دايراك يوم لقا بى دميك تتوشح ... الميت مسولب والعجاج يكتح). والرجل الذي تحب بنونة "أي فارس أحلامها" غالبآ ما يكون هو الموصوف ب: (الخيل عركسن ماقال عدادن كم... فرتاك حافلن ملاي سروجن دم). ومثل ذلك الرجل بالطبع لا يكون إلا جعليآ لدى بنونة. ولو أنني لا أستبعد تمامآ أن نعثر في الوقت الراهن على عدة نساء في سودان اليوم يمتلكن بجدارة ذائقة بنونة النفسية والجمالية.
"مرثية بنونة.. ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص":
إن ادَّاك وكَتَّر ما بيقول اديت
أب درق الموشح كلو بالسوميت
أب رسوة البكر حجَّر شراب سيتيت
كاتال في الخلا وعُقُبن كريم في البيت
***
ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص
ود المك عريس خيلا بيجن عركوس
احى على سيفوا البحد الروس
***
ما دايرا لك الميتة ام رمادا شح
دايراك يوم لقى بدماك تتوشح
الميت مسلوب والعجاج يكتح
احى على سيفوا البسوى التح
***
إن وردن بجيك في أول الوردات
مرنن مو نشيط إن قبلن شاردات
أسد بيشة المكربت قمزاتو مطبقات
وبرضع في ضرايع العُنَّز الفاردات
***
كوفيتك الخودة ام عصا بولاد
درعك في ام لهيب زي الشمس وقاد
سيفك من سقايتو استعجب الحداد
قارحك غير شكال ما بيقربو الشداد
يا بُقَّة عقود السم
يا مقنع بنات جعل العزاز منجم
***
الخيل عركسن ماقال عدادن كم
فرتاك حافلن ملاي سروجن دم
وماهو الفافنوس ماهو الغليد القوص
ود المك عريس خيلا بجن عركوس
احي على سيفوا البحد الروس
*******************
مرة أخيرة فإن قيمة " الإنسانية" تقوم في صدام وتضاد مع قيم الفروسية. كونها قيمة "الفردانية" .. فالإنسانية قيمة لا تورث ولا تتأتى كمعطى جاهز. كما أن الإنسان "الإنساني" لا يضيف بالضرورة إلى جعبة الجماعة سهمآ بممارسته الفردية لقيمة الإنسانية. عكس ما يحدث لدي ممارسي قيمة من قيم الفروسية. أنظر من جديد أحد المقاطع المتعلقة من قراءتي لمرثية بنونة بت المك:
(وضعت بنونة مرثيتها باللغة العربية. لغة الدين الإسلامي. في تاريخ ليس ببعيد هو بداية القرن التاسع عشر. منذ قرنين سابقين على القرن التاسع عشر أو يزيد كثيرآ ما درس بعض السودانيين التوحيد وعلوم الدين الإسلامي في الأزهر بمصر (رواق السنارية مثالآ). كما حفلت الساحة قبل قرون عديدة خلت بأعداد لا حصر لها من المتصوفة القادمين من بلدان أخرى. كان الدين حاضرآ في حياة الناس. كما أن بنونة نفسها من قبيلة الجعليين المتصور انها متحدرة من العباس عم النبي محمد.
بل بنونة من قمة أسر النبلاء في القبيلة، أسرة الملك نمر، هي بنت المك نمر، زعيم القبيلة أي فارسها الأول بلا منازع، وقبل ذلك حفيد "العباس". برغم كل هذا. لا توجد أي إشارة في مرثية بنونة تؤمن بالقدر أو ترجو في "آخرة" كما لا يوجد تهليل أو تكبير أو جهاد بالمعنى الديني للكلمة. ففي مرثية بنونة هناك فروسية لا غير. خلاصة قيم دنيوية سامية.
فبنونة ترى الحياة في الفروسية، الحياة التى لا موت فيها. لهذا عندما مات أخوها موتآ طبيعيآ بفعل المرض لا السيف، رأته يموت. وما كانت ترجو له الموت!. كانت توده حيآ في قيمة الفروسية. فالفرسان الميتون في ميدان القتال لا يحسبون موتى. انهم أحياء يرزقون لكن ليس بالمعنى الديني بل بالدنيوي. انهم يعشون في قيمة الفروسية. كيف؟.
القيمة تورث للإبن أو الأخ وهكذا. وهو نفسه السر في تحدر بنونة من أسرة نبيلة، من أسرة فارس بن فارس أبآ عن جد. بنونة بنت المك نمر إبن الفرسان "وارثين الشطارة". إن مرثية بنونة ليست مجرد حزن على عزيز، بل أكثر من ذلك. وليست مجرد فخر بفروسية أخيها الراحل بل أكبر من ذلك. فعندى أن مرثية بنونة تعادل "الإستئناف" في لغة اليوم أى مراجعة الحكم الصادر من محكمة .
أرادت بنونة بكل بساطة أن تقول: نعم لقد مات أخي "عمارة" الفارس خارج ميدان القتال، ولكن نسبة لتميزه وتفرده في القتال في حياته السابقة من قبيل (الخيل عركسن ماقال عدادن كم.. فرتاك حافلن ملاي سروجن دم) و (إن وردن بجيك في أول الوردات.. مرنآ مو نشيط إن قبلن شاردات ).
بالتالي ترجو من الناس "القضاة" إعتباره حيآ أي ضمه الى قائمة الأحياء في قيمة "الفروسية". وعندها فقط يستطيع أخوها "عمارة" أن يضيف سهمه في مسيرة نبل الأسرة كما بالتالى "العشيرة". ولقد فعلتها بنونة. معظمنا يعرف الآن أنه كان هناك فارسآ مغوارآ إسمه عمارة وهو ود المك نمر وأخو بنونة وأنه جعلي "حر").
يتواصل.. حكايات مع حبوبة آمنة بت حماد.
محمد جمال
div id="fb-root"/div script(function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0]; if (d.getElementById(id)) return; js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = "//connect.facebook.net/en_GB/all.js#xfbml=1"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); }(document, 'script', 'facebook-jssdk'));/script
div class="fb-post" data-href="https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/posts/10203668606059414" data-width="466"div class="fb-xfbml-parse-ignore"a href="https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin/posts/10203668606059414"Post/a by a href="https://www.facebook.com/Md.Gamaleldin"Mohamed Gamaleldin/a./div/div
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.