حسب كثيرٍ من مراقبي الشأن السياسي السوداني، داخل السودان وخارجه، أنّ دعوة الأخ الرئيس عمر البشير لكل الأحزاب والقوى السياسية، حكومةً ومعارضةً، يوم الاثنين 27 يناير 2014، والتي جاءت في ثنايا خطابه الرئاسي الذي تضمّن أربعة مرتكزات أساسية، هي السلام والحريات والاقتصاد والهوية، أن مقصدها الرئيسي كسب الوقت والتخفيف من المضاغطات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الحكومة، وليس معالجة الوضع الرّاهن المأزوم، باستقطاب جهود السودانيين كلهم، دون إقصاءٍ لأحدٍ، أو عزلٍ لجماعةٍ، أو إبعادٍ لحزبٍ من أجل البلاد والعباد. وزادت هذه الشكوك عندما طال الانتظار وعِيل صبرُ البعضِ، إلى أن فاجأهم الأخ الرئيس عمر البشير بالدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء يوم الأحد 23 مارس الماضي؛ لتفعيل مبادرته للحوار الوطني من خلال دواليب العمل التنفيذي، فجاءت الوثبة التنفيذية بعد الوثبة الكبرى، بعد انتظار قرابة الشهرين، فشكك المشككون، وذهب بعضهم فرحاً جزلاً لتأكيد صدق توقعاتهم بأن الأمر، قصد به كسب الوقت وإقلال المضاغطة، ولكن تفاجأ الجميع بعد أن بلغ بالبعض اليأس مبلغه، وبدأ يردد بأن هناك جهةً في المؤتمر الوطني تعرقل خُطى الحوار الوطني، وتسعى إلى وأده قبل مولده. فيدعو الأخ الرئيس عمر البشير إلى لقاءٍ تشاوريٍّ مع ممثلي الأحزاب والقوى السياسية، حكومةً ومعارضةً، وفي خطابٍ مختصرٍ أمامهم يُعلن للملأ في قوةٍ وثباتٍ، قرارات طال انتظارُها، داعمة لحقيقة إمكانية الحرمات، بدءاً بالممارسة السياسية الحزبية في دُور الأحزاب وخارجها، مروراً بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، انتهاءً بإعطاء الضمانات المطلوبة لقادة الحركات المسلحة للمشاركة في الحوار الوطني داخل السودان. وفي رأيي الخاص، أن القرار الجمهوري رقم (155) لسنة 2014، الخاص بتنظيم الأنشطة الحزبية، من حيث كفالة ضمان حرية التنظيمات والأحزاب السياسية في إقامة الأنشطة السياسية والفكرية، باعتبارها حقاً مكفولاً، ويمارس وفقاً لأحكام الدستور والقانون، بلا أدنى ريب يأتي في إطار تهيئة الأجواء للحوار الوطني، من خلال انفراج مواعين الحرية، وتكافؤ الفرص في الأجهزة الإعلامية بالنسبة لمعاملة الأحزاب السياسية على قدم المساواة، وبحيادٍ تامٍ، في إطار احترام القانون والمحافظة على الأمن والسلامة، والطمأنينة العامة، باعتبارها واجب المواطنين كافة. أخلصُ إلى أنّ الجميع يجمع على أهمية الحوار الوطني في معالجة قضايا الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، عبر مائدة الحوار وأجنداته الوطنية دون شروط مسبقة، ولكن من الضروري إقناع الأحزاب الرافضة للمشاركة في الحوار الوطني، سواء في مبتدئها أو بعد ذلك. وفي الوقت نفسه، يجب السعي الحثيث لإقناع الحركات المسلحة بالمشاركة الفاعلة في الحوار الوطني، بتأكيد ضمانات حضور قادتها إلى الخرطوم، وإعلان العفو الشامل لحاملي السلاح، والإفراج عن أسراهم في تبادل مع الإفراج عن أسرى القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى من قبل الحركات المسلحة، خاصة أن حركة العدل والمساواة في بادرة طيبة للإفراج عن أسرى الحكومة لديها في مقابل الإفراج عن أسراهم. على كلٍّ، إننا نرى أن الحوار الوطني قريبٌ، حتى إذا رأى الآخرون أنه بعيدٌ. والمطلوب من الحكومة التأكيد على الوفاء بمخرجات الحوار الوطني، وتنفيذ توصياته ومقرراته مستقبلاً. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا". وقول الشاعر السوداني أحمد محمد صالح: يا قادةَ الرأيِ حقّقتم لنا أملاً قد كان قبلُ سراباً خُلّباً حُلُما إنْ أنتُمُ اليومَ أنكرتُم ذواتِكُمُ بلغتُمُ في سماء العزّةِ القِمما كونوا جنوداً فللجنديّ حُرمتُهُ لا تجعلوا للكراسي بينكم قِيَما صُونوا اتّحادَكُمُ من كلّ شائبةٍ تجرّ في ذيلها الإخفاقَ والندما وحَصّنوه بدرعٍ من خلائقكم بالحزم مكتملاً والشملِ ملتئما