يصعب علي من تربي خارج أسرة أنصارية ان يفهم طبيعة العلاقة بين حزب الأمة وطائفة الأنصار. فهي علاقة تبدو لهم رمادية اللون وان بدا لهم ظاهريا ان حزب الأمة وطائفة الأنصار شيئا واحدا : شعار الأنصار - الحربة ورايات المهدية الثلاثة - هي نفس شعار الحزب، كما ان أدبيات الحزب لا تخلو من شعار 'الله اكبر ولله الحمد' في كل منشور وإصدارة او ترديدها في جلسات الحزب واجتماعاته.ولكن المتابع السياسي ومن عايش الحزب او الطائفة عن قرب يعرف ان الاثنين - الحزب والطائفة - وجهان لعملة واحدة. وقبل ان أسترسل في تتبع وتبيان علاقة طائفة الأنصار بالحزب ودورها في تحديد مساراته وبل حسم الصراعات داخله لأحد الطرفين او أتوقف عند المسميات! لا يحبذ الأنصار ان يطلق عليهم اسم 'طائفة' فابتدع لقب كيان - لا ادري من أطلقه علي الطائفة - ولكنه مصطلح غريب في أدبيات الاسلام وأقرب ما يكون لادبيات التنظيمات السياسة! ففي أدبيات الاسلام الشائع مسميات مثل ' جماعة' ، 'طائفة' ( من المؤمنين ) ، ' أمة ، فرقة بينما عالم السياسة المسميات الشائعة هي حزب، حركة، تجمع، تحالف، رابطة ولو أضفنا اليها كلمة كيان لما بدأت كلمة غريبة! مؤخراً تم تغيير اسم الكيان ل' هيئة شئون الأنصار' ومن قبلها - بعد انتفاضة ابريل - تم تغيير اسم الحزب من ' حزب الأمة وكيان الأنصار' الي حزب 'الأمة القومي' ! و كثر أيامها ترديد مقولة "ان كل أنصاري حزب أمة و ليس كل حزب أمة أنصاري " وان سمعت في هذه الايام من يقول "ان ليس كل أنصاري حزب أمة" والأخير - كم ابين لاحقا هنا - ما هو الا كلام للاستهلاك السياسي ( في ظروف الأحداث الاخيرة وتزمر الأنصار من كيفية إدارة حزبهم واستخدام الأنصارية في صراعات الحزب) ان ملابسات تكوين الحزب التاريخية والممارسة العملية من بعد والي الان توضح جليا ان الحزب ما هو الا جناح سياسي للطائفة! تاريخيا - تم تأسيس حزب الأمة بواسطة مجموعة من الأنصار وبعض ' الاستقلالين '.وكان الامام عبد الرحمن المهدي هو من أوعز لتلك المجموعة بتأسيس حزب كآلية ' تمارس السياسة بالوكالة عنه ولكن يسهل السيطرة عليها من خلال الإبقاء علي ثنائية الطائفة - الحزب! ولان الحزب لابد ان يكون مفتوحا لغير الاتباع و طبيعي ان يكون جل هؤلاء الوافدين متعلمين فكانت آلية الامام ولا تزال ان تملك مؤسسات الطائفة قوة مادية اكثر من الحزب! وكان هو الممول الرئيسي للجسمين - مستخدما الثروة الطائلة التي اكتنزها من استثمارات دائرة المهدي التي اعتمدت علي 'السخرة' او العمل بلا اجر ( غير توفير الطعام والمسكن) للانصار خاصة في مشاريع الدائرة ! ولم يكن مستغربا ان نسمع ان كل ممتلكات حزب الأمة هي مسجلة باسم هذا او ذاك من ال المهدي وأنها ممتلكات شخصية وتدفع لهم تعويضات كلما صودرت هذه الممتلكات الحزبية! الشواهد تماهي دور الطائفة مع دور الحزب واستخدامها سياسا لا تحتاج لكثير عناء للبحث عنها وقد سمعنا بعهد الإشارة! ولكني ساستشهد هنا بما قاله د ابراهيم الأمين كيف ان الامام الصادق المهدي استخدم هيئة شؤون الأنصار وأرسلهم للولايات لإضعاف أمانته! وهي ممارسة تنافي ما يدعي ان ليس كل أنصاري حزب أمة ! فكيف يصح لجهة ان تزج باتباعها في الدخول في صراع مع جهة خارجية لا ينتمون اليها!يبدوا ان بعد قيام الإنقاذ أدرك السيد الصادق اكثر من وقت مضي أهمية الطائفة ليس في توسيع نفوذه السياسي والحزبي فقط بل في حسم خلافاته مع أهل بيته من الاسرة المهدوية! كما بدا له ان خير تكتيك- لوقف تاكل تأثيره السياسي العام بسبب تنامي قوة الحركة الشعبية ومن بعدها في سنوات لاحقة حركات دارفور و طهور 'تمرد ' مبارك المهدي وربما الامير نقد الله عليه ومعارضتهما محاولاته لتوريث أهل بيته - هو لإعلان نفسه إماما ( كان يمارس الإمامة قبل ذلك علي كل حال)! ان الإمامة توجب علي الاتباع طاعة الامام والاقتداء به. وبإمامته للأنصار واستخدام الإمامة وهيئة شؤون الأنصار فقد نجح السيد الصادق علي السطرة علي الحزب و في حسم صراعاته مع معارضيه والمنشقين عنه! ويأتي الصراع الاخير كخير دليل ذلك ! ان الإبقاء ثنائية طائفة - حزب و السيطرة علي تمويل الاثنين خصوصا اعتمادهما علي استخدام أصول وممتلكات الاسرة هو جزء من الآليات التي ابتدعتها عبقرية الإمامة عبدالرحمن وجربها ( مع الإنجليز، الطائفة،الحزب وأهل السودان ) للإبقاء علي نفوذه ( الأسري) كما ذكرت في مقالي ' دائرة المهدي ودوائر السودان الخبيثة'! ومن بعده كانت الاسرة المهدوية هي الأكثر شطارة وبالتالي الرابح الاكبر في نزاعات الطائفة اوالحزب! وذلك لاستخدامها لتلك "الآليات الفعالة" التي استحدثها الامام فنجحت! ورغم ان الامام ناي بنفسه عن تولي رئاسة الحزب الا ان أئمة الطائفة من بعده - وفي ظروف سياسية منفتحة- تولو رئاسة الحزب! وهو تطور - و بالنظر للقوة غير متكافئة - يفرض علي اتباع الطائفة الانصياع والتسليم بخيارات الامام - الرئيس ومن دون تساؤل! اختم بما وصلني من الأخ الصديق الدكتور حمد عبد الهادي من لندن من " ... وان الصراع يبن دعاة التحديث والتقليديين ( أهل البيعة في نظري) قد ارتفع لمستوي اعلي واكبر" وختم بقوله " ان بناء الديمقراطية في السودان لا يتم من غير بناء مؤسسات وبمواد بناء سليمة وصلبة... وهو طريق طويل ولكن سنسير عليه ونصل نهاياته. ان ما حدث في مؤخراً في حزب الأمة شيء مخيب للآمال ولكنه ذو اثر إيجابي علي المدي الطويل اذا أنه يغير القلوب والعقول "