ظلوا في كهفهم المظلم عقود..رجال ونساء وأطفال...يتكدسون في خوف وتأتيهم زمجرات وحشرجات من كوة في أعلى الكهف بعيدة ...لتنين ينفث النار ويستطيع يحرقهم في ثوان ويصهرهم ويجعلهم هياكل عظمية كما تقول الأسطورة التي يروج لها الحكماء الثلاثة..الهوا ء الفاسد الممزوج بالإفرازات البيولوجية الطبيعة وغير لطبيعة يزكم الأنوف...يقتاتون على الفئران والصراصير والعظايا التي برعوا في اصطيادها عبر الزمن الموتى يتم سحبهم إلى مؤخرة الكهف وإلقاءهم في نفق مظلم آخر ليس له قرار.. ***** كان الطفل الابن الأبنوسي وأمه الرءوم الوحيدين في الكهف اللذان يشكلان حالة استثنائية بأحاديثهم الهامسة التي تدور بينهما وتتسرب إلى مسامع الكثيرين.. - يا أمي لماذا لا نفتح الكوة ؟ - ترد الأم المرعوبة - سيقتلنا التنين حرقا - يا أمي الموت أفضل من هذه الحياة الراكدة التي نعيشها- - يا بني لا تدع الحكماء الثلاثة يغضبون - لماذا يغضبون وهم عالقين معنا في هذا الكهف؟ ثم يأتي صوت زاجر ويسكت الغلام الذكي...وتحول هذا الهمس والتساؤلات إلى تيار في الكهف وبدا الأمر يشكل انزعاج كبير للحكماء الثلاثة فنادوا الغلام وجمعوا الجمع وبداء يسألوه مستهزئين - كيف نصل إلى تلك الكوة ؟ - سنصنع سلم من ثلاث رجال واصعد أنا وافتح الطاقة رد احد الحكماء في نبرة ارتياب - ومن هم الرجال؟... ولماذا أنت؟!! - انتم الحكماء الثلاثة الأوفر صحة لنصيبكم الكبير من أكل الفئران والعظايا وان لا ني صاحب الفكرة .. تعالت الكثير من الأصوات التي ..أعجبت بالفكرة وهم ليس لديهم شيء يخسروه اسقط في يد الحكماء الثلاثة وأضحى الأمر حتما مقضيا.... ***** في اليوم التالي بدا الحكماء يترددون على الوقوف في أكتاف بعد واستمر الأمر لشهور وجاءت ساعة الحسم والرعب والأمل يكسوا الوجوه المعروفة والمكدودة وصعد الرجال في أكتاف بعضهم بعضا وتسلق الغلام هذا السلم البشري وعندما استوي على كتف الحكيم الأول واستقام ليفتح لطاقة اقتربت يده من المزلاج ..أفلته الرجل الخبيث وسقط في الظلام من هذا العلو الشاهق وسمع الجميع قرقعة تكسر العظام وصرخت أمه هلعا وأدركت إنها ستبقى وحيدة حتى من الأمل الذي جسده ابنها الأبنوسي...وتنفس الحكماء الثلاثة الصعداء بعد أن دب الرعب في الجميع ولن يتشجع احد ليقوم بفتح الكوة ..مرة أخرى فهم يخشون التجارب الجديدة.... وعادوا إلى غيبوبتهم مقتنعين بما يقوله الحكماء والزبد الذى لا يذهب جفاء .. وقد حلت اللعنة بالغلام..لأنه لم يسمع الكلام .. انزوت الأم الرءوم بعيدا...تحدق في الفراغ ويدور في خاطرها المكلوم هذه اللعنات((جميعكم أيها الحكماء المتمتعون بالشهرة قد خدمتم الشعب وما يؤمن به من خرافات ولو أنكم خدمتم الحقيقة لما أكرمكم احد ومن اجل هذا احتمل الشعب شكوكم في بيانكم المنمق لأنها كانت السبيل الملتوي الذي يقودكم إليه وهكذا يوجد السيد لنفسه عبيدا يلهو بضلالهم الصاخب وما الإنسان الذي يكرهه الشعب كره الكلاب للذئب إلا صاحب الفكر الحر وعدو القيود الذي لا يتعبد ولا يلذ له إلا ارتياد الغاب))*..... ***** قال الراوي ا ن أهل الكهف كانوا لا يعرفون أن ما يسمعوه هو سيمفونية الطبيعة الجميلة الإمطار والرعود ونواح الرياح وحفيف الأشجار وخرير المياه ...فقط يتلوى في متاهات الكهف المظلم ويتحول إلى فحيح وعواء وزائير وكل ألوان الظلام الأخرى..ولبثوا في كهفهم واجمين... ..... كاتب سوداني فريدريك نيتشه * [email protected]