سُكتُم بُكتُم    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    إسرائيل والدعم السريع.. أوجه شبه وقواسم مشتركة    السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن يقول لكم إنّ حدّ الرّدة من أحكام المشركين الضّآلِّين .. بقلم: محمود عثمان رزق
نشر في سودانيل يوم 26 - 06 - 2014


2-1
إن مسألة الردة عن الدين مسألة تزعج كل المجتمعات،وتزعج كل الأنبياء، وكل المصلحين ورجال الدين،وكل الأسر في كل العالم وفي كل العصور وفي كل الأديان. وقد أورد القرآن الكريم أمثلة لبعض ردود الفعل القوية والعنيفة تجاه هذه المسألة الشخصية البحتة التي يرى فيها البعض تهديداً أمنياً وفكرياً لمجتمعاتهم ونمط حياتهم فيما ينظر إليها البعض الآخر –من ضمنهم الرسل- من زاوية رحمة وعاطفة إذ هم لا يريدون للمرتدين سؤ المنقلب وذلك حسب فهم كل شخص لدينه بالطبع. وبعد أن وضّح القرآن كيف تعاملت المجتمعات الكافرة مع من خرج عنهم طفق القرآن الكريم يعالج مسألة الإرتداد بصورة تعكس حكمة الله تعالى وعزّته وكبريائهوعدله وصبره على عباده، فأصبحت هذه المعالجة منهجاً ربانياً للتعامل مع المرتدين. وهنا نود أن نثبت أن القرآن ذكر منهجين في التعامل مع قضية الردة هما:
أولاً: منهج الكافرين في التعامل مع المرتدين من دينهم.
ثانياً: منهج الأنبياء والقرآن الحكيم في التعامل مع المرتدين عن الإسلام والكافرين به أصلاً.
وفي السطور القادمة سوف نتعرض للمنهجين بعيداً عن أي مؤثرات فكرية أخرى. ولنعتبر أنفسنا في الزمن الذي سبق كتابة الموطأ والصحيحين وكتب الحديث الأخرى وكتب الفقه والتفسير. ففي ذلك الزمان كان الناس يستنبطون الحكم من القرآن الكريم مباشرةً أو يستنبطون الأحكام من السنن العملية المتواترة -أيّ المنقولة من جيل إلى جيل- كالصلوات والوضؤ والصيام والحج وغيرها من السنن العملية المتواترة فهذه كانت قبل أن تكتب كتب الحديث ويصير علماً مستقلاً. ولم تعرف تلك الأجيال كتب الحديث ولا أحاديث الأحاد أصلاً فضلاً أن تحتج بها في تشريع أمرٍ ما.
المنهج الأول
منهج الكافرين في التعامل مع المرتدين
قصة سيدنا شعيب (ص) مع حد الردة :
أورد القرآن الكريم قصة سيدنا نبي الله شعيب مع قومه وقد كانوا مشركين فأراد أن يردهم لله الواحد القهار بوسيلة سلمية هي وسيلة الدعوة ولكنهم مع ذلك ضاقوا به وبدعوته السلمية وبأصحابه المسالمين فأصدروا في حقهم حكما قاسياً مستكبراً حين : { قَالَ 0لْمَلأُ 0لَّذِينَ 0سْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَ0لَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ }(الأعراف 88). وحكم الردة الذي أصدره الكافرون هنا هو النفي عن الوطن، والنفي تتبعه مصادرة الأموال بالطبع فلذلك أنذروه قائلين {لَنُخْرِجَنَّك يا شُعَيْبُ} ومن تبعك وآمن بك من قريتنا والشرط الوحيد لعدم تنفيذ هذا الحكم هو توبتكم وعودتكممرة ثانية لحظيرة ديننا أنت ومن تبعك. فرد عليهم نبي الله شعيب بغيظ: { أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِين }.ومن الواضحأن سيدنا شعيباً كان محتجّاً على هذا الحكم الظالم فلذلك قال لقومه: أتخرجوننا من قريتكم، وتصدُّوننا عن سبيل الله، ولو كنا كارهين لدينكم؟ أين الحرية الدينية يا قوم؟. ثم أعلن شعيب موقفه صريحاً وواضحاً مرجحاً جانب الإيمان والحرية والكرامة على التهديد والوعيد فقال : "{ قَدِ 0فْتَرَيْنَا عَلَى 0للَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا 0للَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ 0للَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى 0للَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا 0فْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِ0لْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ 0لْفَاتِحِينَ} (الأعراف 89). وبالرغم من هذا الموقف القوي لم يعلن شعيب (ص) الحرب على قومه مثلما أعلنوها هم عليه، وقد كان يعلم أنهم مشركين وفوق ذلك كله كانوا يأذونه ويترصودنه شخصياً ومن آمن معه. نعم،لم يعلن عليهم الحرب وإنّما صبر عليهم ودعا الله تعالى أن "يفتح بالحق" -أي يحكم - بينه وبين قومه فيفترق الفريقان كل في سبيله من غير قتال ولا مظالم. فالأنبياء عندما يطالبون بشيء لأنفسهم يطالبون به لغيرهم أيضاً من باب "حب لأخيك ما تحب لنفسك" فهم عندما يطالبون بالحرية الدينية لهم يطلبونها لغيرهم أيضاً، فلذلك رفعوا جميعاً شعاراً واحداً هو شعار "لا إكراه في الدين".ومن هذه القصة نلاحظ جليّاً أن منهج الكافرين هو الإعتداء على الحريات والعنف ومعاقبة المرتدين وإكراههم ليعودا في ملة الكفر مرة أخرى بينما منهج الأنبياء هو السلمية والتمسك بالحق والحرية لهم ولغيرهم وعدم الإكراه في الدين والدفاع عن النفس عند الضرورة القصوى.
قصة سيدنا إبراهيم (ص) مع حد الردة :
والقصة الثانية التي قصها القرآن بخصوص حد الردة كان بطلها أبو الأنبياء والأبطال جميعاً سيدنا الخليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. فعندما رفض سيدنا إبراهيم دين آبائه وقومه وبدأ يدعو أباه وقومه دعوة سلمية تقوم على المنطق والحوار السلمي ضاق به قومه فجاءه الوعيد والتهديد من أبيه شخصياًبتنفيذ حد الردة عليه. والقصة تقول :{ وَ0ذْكُرْ فِي 0لْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً. يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ 0لْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَ0تَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً . يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ 0لشَّيْطَانَ إِنَّ 0لشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيّاً . يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ 0لرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } فضاق صدر أبوه بهذا الحوار الرقيق المنطقى السلمي فرد على ابنه بقوة وغلظة وحزم قائلاً : { أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَ0هْجُرْنِي مَلِيّاً } وهنا نجد عقوبة جديدة للردة وهي الرجم وقد سبق أن وقفنا على النفي ومصادرة الأموال كعقوبات للردة عند قوم سيدنا شعيب. وفي هذا المقام أيضاً يتضح لنا منهج الكافرين الضال من منهج الأنبياء السمح المتسامح. فابراهيم عليه السلام لم يشهر السلاح في وجه أبيه وقومه المشركين وإنّما جادلهم وحاصرهم بقوة منطقه فضاق الكفر بالمجادلة فلجأ للتهديد بتنفيذ عقوبة الردة. وعندما أراد سيدنا إبراهيم إثبات حجته عملياً بعد أن هزمهم نظرياً بأن الأصنام لا تستطيع أن تدفع عن نفسها الأذى فهدمها ليثبت لهم ضلالهم،كان رد فعل قومه عنيفاً جداً هذه المرة فألقوه في النار فأمرها الله تعالى بأن تكون برداً وسلاماً عليه.
قصة الحواريين أتباع عيسى (ص) مع حد الردة :
{ وَ0ضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ 0لقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا 0لْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ 0ثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ. قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ 0لرَّحْمَٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} أي: اذكر لهم قصة أصحاب القرية-وقيل هي أنطاكية- مع المرسلين. و{ 0لْمُرْسَلُونَ } هم ثلاثة من أتباع عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكيا، قد بعثوا دعاة إلى الحق وكان أهل القرية عبدة أوثان فذهبوا إليهم يدعونهم لله تعالى ويشفون مرضاهم ويبرئون الأكمه والأبرص منهم في خدمة إجتماعية مجانية. وبالفعل قدشفي على أيديهم خلق كثير، ووصل خبرهم إلى الملك فقال لهم: ألنا إلٰه سوى آلهتنا؟ قالوا: نعم من أوجدك وآلهتك هو إلهنا، فخاف الملك من دعوتهم وسخط عليهم فأمر الناس بضربهم وطردهم فقال الناس لهم { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فرد عليهم المرسلون ذلك التشائم بقولهم: {طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }. وفي هذه اللحظات جَآءَ مِنْ أَقْصَا 0لْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ { قَالَ يٰقَوْمِ 0تَّبِعُواْ 0لْمُرْسَلِينَ. 0تَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}.وهنا أيضا نلاحظ مسألة الرجم كعقاب للردة وقد أضاف إليها القوم عقاباً آخراً غامضاً غير محدد هو مقصود قولهم :{وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم}. وفي مقابل هذا العنف الشديد نلاحظ أن المرسلين لم يفعلوا شيئاً سوى قولهم إنّ مهمتنا هي تذكيركم فقط والتذكير هو وسيلة سلمية لا شك فيها.
قصة سحرة فرعون مع حد الردة :
عندما انتصر سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام على سحرة فرعون { أُلْقِيَ 0لسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } قال لهم الطاغية فرعون وهو يشتاط غضباً: { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ 0لَّذِي عَلَّمَكُمُ 0لسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ 0لنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } وهنا يضيف فرعون لحد الردة عقوبات جديدة هي قطع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب على جذوع النخل حتى الموت. فرد المؤمنون الجدد على دعوة التهديد هذه بقولهم : { لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ 0لْبَيِّنَاتِ وَ0لَّذِي فَطَرَنَا فَ0قْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ 0لْحَيَاةَ 0لدُّنْيَآ. إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ 0لسِّحْرِ وَ0للَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } لم يعلنوا حرباً مضادة على الفرعون المشرك المعتدي، وإن أرادوا ذلك لاستخدموا نفس السحر الذي يجيدونه جيّدا وقد أخافوا به موسى من قبل فثبته الله تعالى، لو أرادوا لاستخدموه وخلعوا به عقل الفرعون وجننوا به جنوده أجمعين. لكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك فلجأوا لوسائل الإيمان فصبروا وتحدوا الفرعون بقوة الإيمان لأنّهم تعلموا أن دعوة الدين هي دعوة سلمية في الأساس ورأوا بأنفسهم كيف جادلهم موسى عليه السلام سلمياً وهزمهم سلمياً. كما أنهم علموا أن الله متم نوره ولو كره الكافرون فلما الإستعجال للوسائل الخطأ؟.
قصة نوح وعاد وثمود مع حد الردة :
والقرآن أثبت أن رسلاً كبار مثل نوحٍ وعادٍ وثمود تعرضوا للتخويف والترهيب بحد الردة وكثير من الأنبياء راح ضحية هذا الحد الجائر فعلياً. يقول الله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ 0لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَ0لَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ 0للَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِ0لْبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } وهؤلاء الرسل كانت دعوتهم دعوة سلمية تمثلت في قولهم:{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي 0للَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ 0لسَّمَٰوَٰتِ وَ0لأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَمًّى.} ودعوة التوحيد هذه زادتهم شكاًفقَالُوۤاْ { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } فرد عليهم الرسل قائلين:{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ 0للَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ 0للَّهِ وَعلَى 0للَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ 0لْمُؤْمِنُونَ. وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى 0للَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى 0للَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ 0لْمُتَوَكِّلُونَ}. وللأسف لم تنفع كل هذه الحجج في زحزحة الكافرين عن كفرهم فازدادوا عناداً ولوحوا بحد الردة إذ قَالَ { 0لَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ 0لظَّالِمِينَ }. وحد الردة هنا واضحٌ جداً وهو النفي عن الوطن وهو مقصود قولهم {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ}، والقصة توضح أيضاً سماحة منهج النبوة الذي يعتمد أساساً على السلمية، والحرية، والحجج المنطقية والصبر وذلك كله في قولهم: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا}.
قصة نبينا محمد (ص) مع حد الردة :
عندما كان رسول الله (ص) في مكة يدعو قومه لدعوة التوحيد سلمياً ضاق به قومه كما ضاقت من قبلهم القرون الأولى من الكافرين واعتبروه من المرتدين عن دينهم – مع أن الانبياء لا يدخلهم الشرك قط- فأتمروا عليه ليسجنوه أو يقتلوه أو يخرجوه من مكة فأنقذه الله من مكرهم كما أنقذ من كان قبله من المرسلين، فكانت تلك نعمة من الله عليه فذكّره بها فقال { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ 0لَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ 0للَّهُ وَ0للَّهُ خَيْرُ 0لْمَاكِرِينَ} وهنا نرى حداً جديداً للردة أضافته قريش لما ذكر سابقاً وهذا الحد الجديد هو السجن وهو مقصود كلمة "يثبتوك". وللمرة السادسة نرى أن منهج الكافرين هو العنف والإرهاب والتهديد والإعتداء وكبت الحريات فيما نرى أن منهج النبوة هو الحرية والتسامح والحجة والسلام والشورى والدفاع عن النفس.
الختام :
وفي الختام يمكننا أن نقول بكل ثقة إن حد الرّدة هو حكم من أحكام الجاهلية الأولى يختص بالمشركين على وجه التحديد كما تثبت ذلك القصص القرآنية. وتتلخص عقوبة الردة عند المشركين وفقاً للقرآن في العقوبات التالية:
1- القتل
2- الرجم
3- الصلب على جذوع النخل
4- النفي عن الوطن مع مصادرة الأموال
5- السجن والتقييد
6- قطع الأرجل والأيدي من خلاف
7- العذاب الأليم
أما منهج النبوة هو الحرية للمؤمنين وغيرهم، والسلمية، والتذكير والمجادلة بالتي هي أحسن، والصبر على الأذى مع عدم التنازل عن الحق. وسنتناول كل ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.