تحدثنا بالأمس (الأربعاء) عن شروط الاعتكاف، ونتناول في حلقة اليوم (الخميس) سُنة الاعتكاف وطرائقه. لا يجوز للمسلم أن يبقى بالاعتكاف ويخرج منه بدون عذر، ولا إثم عليه، لأن الاعتكاف سُنة، والسنة يجوز تركها، لكن الأفضل إتمامه إذا لم يكن هنالك عذر لقطعه، تحصيلاً للفضيلة، وإظهاراً للرغبة في الطاعة. أما مكانه، كما بينا بالأمس، فهو المسجد، وهو عام في كل مسجد لقول الله تعالى: " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ". وهذا لفظ عام، فمن خصصه بمسجد معين فعليه الدليل. قال القرطبي: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد"، لقول الله تعالى: "وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ". وذلك لأن الاعتكاف في غيره يُفضي إلى ترك الجماعة، والجماعة واجبة، والواجب لا يُترك للمندوب، أو يُفضي إلى تكرار الخروج إليها كثيراً مع إمكان التحرر منه، بالاعتكاف في مسجد جماعة، والخروج منافٍ للاعتكاف الذي هو لزوم المسجد لعبادة الله تعالى. ويجوز للمعتكف الخروج من معتكفه والتنقل في أنحاء المسجد والخروج إلى ساحته المحوطة بسوره، لعموم قول الله تعالى: "وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ". و(في) للظرفية، فتشمل جميع المسجد، وأما وقت دخول مكان الاعتكاف، فإن المعتكف يدخل قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ. فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ - وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ - قَالَ: مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا. فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ". ويؤيد ذلك أن من مقاصد الاعتكاف في العشر الأواخر التماس ليلة القدر، وهي ترجى في أوتار العشر، وأولها ليلة الواحد والعشرين. وأما وقت خروج المعتكف في العشر الأواخر، فمستحب، كثير من أهل العلم أن يكون خروجه من معتكفه عند خروجه لصلاة العيد، لكي يصل عبادة بعبادة. والقول الثاني: إنه يخرج إذا غرُبت الشمس ليلة العيد، لأن العشر تنتهي بانتهاء الشهر، والشهر ينتهي بغروب الشمس من ليلة العيد، وهذا هو الأقرب – إن شاء الله – لقوة مأخذه. وقال الشيخ الراحل عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للملكة العربية السعودية السابق عن شروط الاعتكاف في رمضان، وجواز خروج المعتكف من المسجد في هذه المدة لأي سبب من الأسباب، فالاعتكاف في المسجد في رمضان سُنة إذا تيسر ذلك، في رمضان أو غيره، لكن في رمضان أفضل إذا تيسر ذلك، وله الخروج إذا أراد الحاجة أن يخرج ليتوضأ، ويخرج ليقضي الحاجة لا بأس، وله أن يهون إذا كان أراد أن يعتكف خمسة أيام ثم ترك منها يوماً أو يومين، واكتفى بيومين أو ثلاثة أيام لا بأس، لأنه سُنة ليست لازمة، إلا إذا نذر، قال: لله عليّ نذر أن أعتكف كذا وكذا، فعليه أن يوفي النذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلا يَعْصِهِ". أما إذا كان ليس بنذر، فهو مُستحب، له أن يدخل ويعتكف، وله أن يقطع الاعتكاف إذا عرض له عارض، وأحب أن يقطع الاعتكاف لا حرج، وله أن يخرج لحاجته لوضوء أو لغُسل أو لقضاء الحاجة لا بائس.