باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    العربي يكسب الاتفاق في دورة الفقيد معاوية الجميعابي بالإنقاذ    قوات الدعم السريع تطلق سراح اثنين من أبناء شقيقة البشير اعتقلتهم من قرية صراصر    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الاخوة جبريل في الكتابة ضد قسوة الشتات .. بقلم: عادل عثمان عوض جبريل
نشر في سودانيل يوم 16 - 08 - 2014


ودنوباوي
[email protected] mailto:[email protected]
مع محمد عثمان عوض جبريل عن الكتابة ضد قسوة الشتات
نشأ محمد عثمان عوض جبريل في أم درمان ، ود نوباوي جنوب ؛ كما نشأ كل البسطاء الطيبين ، بسيطاً وتلقائياً ، استمد خبرة حياته من جدل الإنسان مع الأرض ، ومن رصيد هذا الجدل المتواصل منذ آلاف السنين. درس مراحله التعليمية بمدرسة الركابية الإبتدائية ، ثم المتوسطة في الأهلية ، ثم العليا في الأهلية. لم يواصل تعليمه ، ليس لأنه بلا طموح أو رغبة في التعلم ، ولكن لأنه مفطور على بذرة الرفض إذ يرى أن التمرد هو بناء الحياة كما ينبغي أن تصح ، لا كما يريدها النظام – نظام المجتمع – فجعل اهتمامه كله منصباً على تحصيل نوع آخر من المعرفة ، معرفة مفتوحة على الكون كله دون استثناء ولا تحيز للمسلمات. ابتلعته المنافي ككثير غيره من أبناء هذه الأرض ، وحطت به راحلة الاغتراب في هولنداأمستردام في صيف عام 2007م بمشاركة شقيقيه ، (عادل وعوض) ، أصدر السفر الأول له (باب السنط) ، قبل ان يتبعه ب (أبجدية لاشتهاء الموت) و(الرحيل في منطق الرمز). كانت لنا منه هذه الحصيلة.
حاوره الاستاذ طلال الناير بالقسم الثقافي لصحيفة القرار
ال (هو) والمعرفة الأخرى
قال المتصوف أبو يزيد البسطامي عن نفسه في إحدى شطحاته: ومن أبو يزيد ؟ ومن يعرف أبا يزيد ؟ أبو يزيد يطلب أبا يزيد منذ أربعين سنة فما يجده. ومن أبو يزيد . يا ليتني رأيت أبا يزيد.
ولطالما كنت عاجزاً دوماً عن تقديم إجابة حول سؤال ال (هو) توجّب عليّ أن استدعي شطح أبو يزيد عله يكون مخرجاً لي إزاء هذا السؤال الذي سيبقى دوماً دون إجابة. إذ أن فتات اللغة ؛ المجاز ؛ لم ولن يهدي إلى بصيص إجابة نصبو إليها.
نشأت وترعرعت في تلك الأرض التي لم أزل أحمل ملامحها ، أم درمان، ود نوباوي جنوب ، نشأتي كانت كما نشأ أهلنا الطيبون ، بسيطة وتلقائية ، استمدت ألقها من خبرة جدل الإنسان مع الأرض ، هذا الرصيد المتواصل منذ آلاف السنين كان لي الحظ بسخاء الصدفة إن أنهل منه. درست المدرسة الابتدائية في الركابية ، المتوسطة في الأهلية ، ثم العليا في الأهلية. لم أواصل تعليمي لأنه لم يكن لدي طموح أو رغبة لإكمال ذلك النوع من التعليم التقني ، لم اكن فاشلاً بل متمرداً ، أهملت التحصيل الأكاديمي لأن اهتمامي كان منصباً على المعرفة الأخرى ، المتعلقة بالكليات ، المختصة بفهم الوجود ، لم أندم على ذلك القرار بعدم مواصلة ذلك النوع من التعليم الذي لا زال يلقن التلاميذ أن الإرهابي كريستوفر كولومبوس هو مكتشف الأرض الجديدة وهذا للأسف يحدث حتى الآن في المدارس والجامعات على حد سواء.
الآن وقد تجاوزت الأربعين عاماً ، أنا موجود في هولنداأمستردام إحدى محطات الشتات الذي ما انفك يلازمنا ، لكأنما هو المصير المكتوب على الجبين
تعاونية أدبية
صيف عام 2007م هو الذي شهد ولادة فكرة ذلك العمل المشترك (باب السنط) بالمشاركة مع شقيقيَّ (عادل وعوض) ، الفكرة طرحت من قبل الأخ عادل وتبنينا لاحقاً الفكرة بصورة رسمية. ولكن البذور الجنينية لهذا التعاون الأدبي كانت موجودة في دواخلنا منذ الصغر ، فعند العام 1983م كنا نصدر صحفاً أدبية حائطية نقوم بتعليقها على جدران المنزل في شارع منزلنا ليقرأها المارة. الأخ عوض تولى معي مهمة التحرير والإصدار ، وبالرغم من كون الفكرة استمرت لفترة قصيرة وقد طواها النسيان إلا أنها كانت علامة لم ننتبه إليها إلا مؤخراً.
تلك الشراكة كانت بمثابة المنطلق أو العتبة الأولى كي يضطلع كل واحد منا بهم بناء عالمه الأدبي الخاص. وعليه فلقد اصدر عوض في عام 2010م كتاب (حوار الظلال) وهو عبارة عن قصص قصيرة. والأخ عادل اصدر ديوان شعري بعنوان أم درمان يامدهشة
الشجرة الأم .. شجرة الحياة
المكان الأرض أم والبيئة حضن والفضل في دخولي عالم الكتابة يعود لجغرافيتي وشخوصها بدءاً بمن هم في داخل حوش عوض عثمان جبريل مروراً بمن يقطنون الحي من أهل وأصدقاء وجيران وعابرين ومن التقيتهم ولو لمرة واحدة في حياتي.
هل تسمية الكتاب تأثرت بقصيدة توفيق صالح جبريل المعروفة (باب السنط) ، لا .. لا أعتقد أن التسمية نتيجة تأثر بالقصيدة ولكنها تسمية منتزعة من المكان كما وضحت أهميته من قبل.
تنحدر أصواتنا من الشعوب النوبية التي سكنت على ضفاف النيل في منطقة النوبة التاريخية. وشكل أبواب المنازل في تلك المنطقة يتسم بالضخامة بالإضافة إلى كونها أبواباً خشبية تشابه شكل باب سنطنا في أم درمان. حتى ذاكرة الأجداد كانت مفعمة بالحنين تجاه الأرض التي هجروها ، لذلك نقلوا حتى شكل العمارة من أبواب وقناطير إلى منطقة استقرارهم الجديد عل ذلك يخفف من وطأة غربتهم. ثم إن البرزخ الذي دلفنا منه إلى هذه الحياة هو أمهاتنا ، وباب السنط هو أيضاً برزخ ثان لنا انطلقنا من خلاله إلى هذه الحياة ، أما داخله فكان بمثابة الرحم. كذلك اختيار الخشب مادة لصنعة تمثل رمزية للأشجار أو الشجرة الأم .. شجرة الحياة.
تمسكنا بالاصول والجذور والتاريخ هو هاجس لا يفارقنا إطلاقاً ، لذلك هذه التسمية الفذة فرضت نفسها كرمزية لكل ما ذكرته من قبل وربما أراد لا وعينا أن يقول أشياء أخرى عبر موضوعة التسمية هذه مثل الرد على الازدراء الذي يتعرض له أهلنا النوبيون في مصر ، بأن يتهكموا عليهم بصفة (البوابين) ، والمضحك هو أن أجداد هؤلاء (البوابين) هم من وضعوا أسس الحضارة الإنسانية.
ومجمل المفاهيم المتعلقة بكل العلوم والمعارف الإنسانية. ولكن التحريف والتخريب الذي لحق بكتابة التاريخ عمداً هدف إلى إقصاء أجدادنا عن مسرح التاريخ منذ القدم وحتى الآن فعلى سبيل المثال يتم التحدث عن لغة فرعونية ليست موجودة ، بل هناك لغة نوبية يتكلمها حتى الآن أهلنا في منطقة النوبة التاريخية ، ويتم الحديث عن الدلوة الفرعونية ، وهذه لم تكن موجودة ، فلقد كان هناك شعب نوبي هو الذي أبدع كل تلك المنجزات ، أما الفرعون فهو الحاكم فقط التغييب ، الإقصاء ، التهميش ، الاستفزاز ، الاقتلاع من الأرض ، كل هذا مستمر. المقاومة التي تكمن في تسمية باب السنط تمثل رداً ألمعيا ضد الدُخلاء الذين يريدون سرقة تاريخنا ومنجزاتنا. إذن الرمزية هنا تشتغل على عدة مستويات ومحاور ، ولكنها تلتقي عند نقطة قلق الذات والحفاظ على الهوية والإرث التاريخي ، ليس من منطلق التعصب إطلاقاً ، بل من هم الصراع المتعلق بإزالة آثار الاستلاب الذهني الثقافي الذي يخيم على الكثير من النوبيين.
ولربما يكون ذلك الباب الذي نحمله على ظهورنا ونعبر به في دروب هذه الدنيا هو الذي سينغلق علينا مرة أخرى مشيعاً لنا عندما يضمنا القبر ويلقى بنا في رحم آخر كنا فيه من قبل ، رحم الراحة المطلقة الذي يوصل عبر برزخ الموت
نعمة القلق
نعيش أنا واخواني وأسرتي خارج السودان منذ فترة طويلة لكن ... أو ليست الغربة قدر الموجود منذ إنقشاعه في بطن العدم ! لا تستغرب إن قلت لك إن القلق نعمة ومدعاة ليقظة المخيلة ودفعها حثيثاً نحو الإبداع والخلق.
أما الإنقطاع فقد يكون مادياً فقط ، ولكن على مستوى الوجدان فإن الوطن لم يفارقنا لحظة ، بل ظللنا نحمله في داخلنا كما الوديعة ، التي تُصان بحرص. يبدو أن الأدوار قد تبدّلت ، فبعد أن حملتنا تلك الأرض وأزهرتنا ، فها نحن نحملها في أعماقنا وها هي تزهر صباح كل يوم جديد ، ونستمد من جذورنا الضاربة هناك مصادر قوتنا ونواجه بها قسوة الشتات.
دائماً ما تكون للهجرة أسباب موضوعية ، وفي ما يختص بحالة هجرة أجدادنا من جهة الأب من جنوب مصر إلى السودان فيمكن اعتبارها حالة من حالات كثر. فبعد إنشاء سد أسوان سُلب النوبيون أراضيهم الزراعية الخصبة ، وتم تعويضهم بأراض قاحلة ، وتلك العملية لم تكن بريئة على الإطلاق ، فيمكن إدراجها ضمن عمليات المحو والطرد المنظم التي قام بها المحتل الإنجليزي ضد أصحاب الأرض والتاريخ ، وهذه العملية تكررت إبان بناء خزان السد العالي الذي طمر ما طمر من الكنوز التاريخية التي تؤكد جزماً وبصورة لا غبار عليها افريقية تلك الحضارة الإنسانية العظيمة
ضد المفروض المُنمَّط المجاني
حبوبتي النوبية فاطمة كانت بصورة يومية لا تنفك عن ترديد مقولتها المفضلة (الموت حق والحياة باطلة) على أسماعنا ، وبها زرعت في لا وعي بذرة مغايرة عن المفروض المُنمَّط المجاني لموضوعة الموت ، منها تفتقت في دواخلي شُرفات تطل على المهمل من شاعرية وجمال دهشة الموت. وهذا التأثير جعلني أنقشع من مواقع أخرى لمقاربة ذاك الإشراق الكامن في فكرة فأنتج أسماء نصوص مثل: (الرحيل في منطق الرمز) ، (أبجدية لاشتهاء الموت) ، (قصاصة بجانب انتحار غير منجز) ، (إتكاءة على رصيف موت باهر) ، (اسكني أيها الموت)... الخ.
أما القلق الذي يعتري فوق ذلك ، فإنه قلق من لحظة ارتشاف الفرح والاستواء في عمق الكون. من منظوري الموت قمة الجمال ، إذ هو الوسيلة التي تضعنا في ذات الحقيقة والاتحاد مع الكلي بانغماس في الراحة.
وكما يقول الفكر العرفاني ، الموت هو الولادة الحقة بمعزل عن الأنا التي عهدناها في الحياة. دعوني استعير هذا المقطع الذي يدهشني بعمق تناوله للموضوع قيد الحديث ، وهو من قصيدة (تمثال امرأة تتجرع السم) للشاعر السوري ماهر شرف الدين: (الراقصة الشرقية تعود. تغرق في الضوء. تخبط بيديها وتعوم من جديد. دموعها تسيل بحماسة الدم. تدور حول الطاولة ، حولنا. وفوقها ترقص. تقول: الحياة مهلة الموت لنا ، وتضحك
إعادة إكتشاف الذات
تقول إن الكثير من كتاباتي في الكتاب النوبي ، والعديد من قصائدي ونصوصي تهيم عشقاً بأساطير أوزيريس وسيت والأم افريقيا ، وتجتر حكايا (البعاعيت والدودو) ، وإنني تأثرت بصوفية فرح ود تكتوك ، ولكن أخشى في نفس الوقت ما أسميه ب(أديان تكريس الخوف) ؛ ثم تسأل عن كيف ومتى بدأت باكتشاف هذا العالم الفانتازي ؟ حسناً يا صديقي .. حبوبتي النوبية هي التي اقتادتنا إلى ذلك العالم الخصب منذ صغرنا عبر ملكة السرد المذهلة التي تمتلكها. وهذا الغرس الذي زرعته في دواخلنا بقي محفوظاً ينمو ويزدهر ، ، وبالرغم من انني لم أزر أياً من مناطق النوبة ، إلا أنها حاضرة في كل ثانية أعيشها. الحبوبات والأمهات هن خير حافظ للتاريخ والذاكرة الجمعية لهذا الشعب أو ذاك ، كما إنهن يمتلكن الوسائل المثلى لنقله وتوريثه بصورة أمينة ودقيقة.
قد يلامس السؤال عن مسألة إعادة إكتشاف الذات عصب المعاناة خصوصاً بعد الطمر ومحاولات المحو والمسخ والركام الهائل من الاحتياجات الخارجية التي تعرضنا لها كنوبيين. فمنذ الهكسوس ، الفرس ، الإغريق ، الرومان ، العرب ، المماليك ، الأتراك ، الفرنسيين ، الإنجليز وحالياً بقايا الوافدين ؛ يستمرون في لعب نفس الدور. لذلك النبش في التاريخ هو الرهان على نهوض الذات مجدداً من رماد الحرائق التي لحقت بنا. وهذه العملية ستكون مستمرة لإزالة التخريب والطمس الذي لحق بالذات بغرض إعادة تركيب صورتنا لذواتنا من خلال تاريخنا الحقيقي وليس التاريخ المزيف الذي كتبه المحتل ، ولا أقول المستعمر لأن الاستعمار مفردة زائفة ، وأرضنا التاريخية عندما زخرت بالحضارة والعمارة لم تكن هناك في بقية أنحاء العالم أة حضارة. كلهم جاءوا كغزاة سرقوا ونهبوا وتعلموا ثم عملوا على اغتيال الشخصية النوبية
تحرير الذات عبر المعرفة
الموقف المعرفي – الخارج عن نطاق الجدران – يخدم الذائقة الشعرية ويُغنيها بالتأكيد ، وكلما وسع الشاعر أفقه المعرفي كلما صارت كتابته أكثر عمقاً وغوراً في تناولها للأغراض التي يطرقها. القراءة بالنسبة لي هي الغذاء الحقيقي للفرد. ومن بعد دخلت إلى عالم الكتابة صدفة ، وأدرك أن لي إيقاعاتي الخاصة والمغايرة ، لذلك أبحرت سفن المعرفة في نهر الشعرية بسلاسة بعد أن هبتها رياح التلقائية دون أن أبذل جهداً وأفكر في الأمر أصلاً.
خلال مسيرة حياتي البسيطة جداً كان لدي هدف واضح وهو تحرير الذات عبر المعرفة بمفهومها الواسع ، ولقد قطعت شوطاً لا بأس به.
أتعامل مع اللغة على أساس أنها مادة ملغومة ، وهذا يستدعي مقاربتها من موقع الحذر والحرص على عدم توريطها لي في شراك أوهامها. واستخدم اللغة كوسيلة للإفصاح هو بمثابة المشي وسط حقول من المتفجرات. الواقع المزري الذي يراوح فيه العالم الراهن من مآس وظلم وعدم عدالة اجتماعية وعنصرية وغير ذلك من جبال الآلام هو نتاج للإنشاء اللغوي. هذا يقودنا إلى ان اللغة ذاتها فاعل أساسي في عملية صناعة المأساة التي تتعرض لها الأرض الأم بكل من فيها. الدين والعلم والفلسفة راهنت على اللغة والعقل ، ولكن ماذا كان الحصاد غير الخراب الذي نعاصره الآن !
أي سلطة زائفة ، بما في ذلك السلطة التي تفرضها اللغة عبر بثها لخطابات متناقضة المنافع ولكنها تلتقي عند نقطة تمجيد النتاج البغوي بغرض السيطرة على الوعي وتشكيله حسب رؤية السلطة المنتفعة من بث وفرض سلطة اللغة.
مسألة اللغة والنبش في تاريخها يكشف الكثير عن خفاياها ، ويُسهم في عملية التحرير من أسر اللغة المسيطرة على مصائرنا البائسة. إلى حد ما حررت نفسي مما سميته فضيحة اللغة. ولا ادعي تحرير الآخرين
.
عن أبجدية لاشتهاء الموت
صدر الكتاب في دار الغاوون البيروتية ، ونصوصه تنطلق من مفهوم الترجمة في نظرتها للنص ونشوئه ، وليس من مفهوم النظم التقليدي ، وكنت قد كتبت نصاً من قبل (قصيدة الترجمة) يعالج هذا المفهوم. اسلوب الكتابة لا يتقيد بأي مرجعية ولا يعترف بسلطة تُدّعى. أشعر بالعار وأنا لا أكتب بلغتي الأم ، أكتب نصوصاً باللغة العربية ولكنها ليست نصوصاً عربية. يتكون الكتاب من أربعة واربعين نصاً ، كتبت في الفترة ما بين 2009 – 2010 م نصوص الكتاب هي التي حددت أوقات ولادتها وشكلها واستقرارها على صفحة البياض. وهذا يحيلني لسؤال يراودني دوماً وهو: من يكتب ؟ الكاتب يكتب النص ؟ أم ان النص يكتب الكاتب ؟
قناعتي إزاء الكتابة أن هدفها الأسمى هو الأخذ بيد الكاتب نحو التهذيب من حيث الرؤية والسلوك حتى يتم التنغيم للإنسجام مع دفق التيار الكلي تلك الطاقة الأم.
ملحوظة
ستنشر هذه المقابلة في كتاب دفتر مهاجر سوداني: وداعا رفيقتي امستردام (تحت الطبع) لعادل عثمان عوض جبريل و إصدار مركز كوش
للمساهمة و المقترحات الرجاء التواصل علي الإيميل
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.