من طبيعة الحياة أن الناس تجتمع لتفترق ثم تجتمع لتفترق عدة مرات الى أن يأتي موعد الفراق الأخير الذي يتطلب الدعاء بالخير للسابقين ثم الاجتماع الأكبر يوم القيامة والتفرق مرة أخرى" فريق في الجنة وفريق في السعير " . وحيث أننا جميع الأحياء لا زلنا في تجارب الفرقة واللقاء في الدار الدنيا علينا أن نتعرف على سر التعامل مع الغير من أجل حياة سعيدة وعلى ضوء هذا هل فكرالمتشاحنون أم المتخاصمون بأنهم سيفترقون يوماً ما وقد لا يلتقون الا يوم الحساب؟ وبموجب هذا المقياس واذا فكر الانسان ملياً في حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لكانت حياتنا كلها محبة فتعالوا معي نتأمل الحديث" عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل فقال : يا محمد, عش ما شئت فإنك ميث, وأحبب من شئت فإنك مفارقه ...." . هذا الحديث يرسم لنا معالم طريق التسامح والمحبة في كافة حياتنا بحيث يستوي المتعلم والجاهل في التعامل فلماذا يحمل البعض في أنفسهم الشر ونتقاتل حتى في شؤون الوطن وكأننا نعيش الخلد أو أن أعمارنا تمتد الى ما لا نهاية . وفي هذا السياق فقد لمسنا كجالية في لوساكا عاصمة زامبيا سر العيش في محبة واسترجعنا ذكريات الأعوام الثلاثة التي قضاها معنا المستشار بالسفارة السودانية يوسف بشارة سليمان وخرج الجميع بانطباع واحد هو أن حياته معنا كانت خيراً وبركة ومحبة متبادلة. وقد انعكس ذلك من خلال حفل الوداع الذي أقامته الجالية يو 17 أغسطس 2014م حيث ألقى رجل الأعمال الدكتور أحمد شريف كلمة ضافية شكر فيها الله وأثنى على رسوله الكريم وقال أن الحديث عن السفارة والجالية يصعب في مثل هذا المقام مشيراً الى المقام السامي الذي يتمتع به سعادة السفير محمد عيسى إيدام وسط الجالية وما يتحلى به من دماثة خلق وبشاشة وحسن معشر حتى أن الفواصل ذابت بين الجالية والسفارة وحصل اندماج كامل . ثم تحدث عن سعادة السفير(الثاني) الصادق وقال انه من الشخصيات المحببة للجالية في كل شؤونها ويتحلي بتواضع جم وحسن معشر أما عن شخصية المسؤول الاداري بالسفارة الأخ صالح آدم فقد قال إنه يؤدي واجبه بالكامل ويزيد عليه ولا تجده الا " هاشاً باشاً" في تواضع جم يخجل من يتعامل معه. أما المسؤول الاداري الآخر وهو الاستاذ/عبد القادر عبد الله فقد نعته بأنه صبور ومخلص في أداء واجبه ولا ترى في وجهه الا الخير وحسن التعامل. وتحدث عن المحتفى به وهو يوسف بشارة وكان حديثه ملئاً بالمشاعر الجياشة من ثناء وشعور بالفراق ولكن القاسم المشترك وقال انه إنه شخصية نادرة بكل المقاييس ووجوده وسط الجالية غيثاً مباركاً هطل على الجميع فانبت في نفوسهم البهجة والسرور ويرجع ذلك الى أسرته التي أحسنت تربيته.تحدث الرئيس الفخري للجالية وهو سعادة الدكتور حامد البشير ( وحديثه شهادة على العصر ) وقال انه عمل في مكاتب الأُمم المتحدة في ثماني دول ولكنه لم ير تلاحماً بين الجالية والسفارة مثلما هو الحال في لوساكا وتمنى للجالية أن تستمر علىهذا المنوال . أما سعادة المستشار الجديد الطاهر حارن فقد أثلج صدور أفراد الجالية بقوله أنه التقى بمدير الادارة الافريقية بوزارة الخارجية ليعرف شيئاً عن السفارة والجالية فقال له إنك محظوظ لأنك ذاهب الى دولة تجد فيها سفير من الدرجة الأولى ومن خيرة السفراء في الخارج من حيث الخبرة ودماثة الخلق ألا وهو سعادة السفير محمد عيسى إيدام والشئ الثاني أنك تجد جالية محترمة ومتماسكة وهذا هو الواقع دون تزييف أو مجاملة . لا اود كسر ظهر والسفارة والجالية بالثناء ولكننا نعيش الحديث المذكور أعلاه فالاحترام بين أعضاء الجالية هو القاسم المشترك واجتماعاتنا فرح وضحك نجتمع للترويح عن النفس ونفترق ونحن أكثر شوقاً للقاء مع وضع مقاطع متفرقة من قصيدة ابن زيدون نصب أعيننا: وقد نكون وما يخشى تفرقنا فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً اليكم ولا جفت مآقينا إن كان قد عز في الدنيا اللقاء بكم في موقف الحشر نلقاكم وتلقونا صحيح أن وداع الأخ يوسف جدد فينا ذكريات أخوة أعزاء كانوا يودعون غيرهم وقد ودعناهم وهم أصحاب السعادة السفراء صلاح محمد على وحسن وحمرا وخضر وسبت وأعضاء السفارة محمود وعبد المنعم وعبد القادر وعبد الرحمن نصار وعبد الحليم ومن الكوميسا الدكتور الطيب جلال ومن رجال الأعمال ياسر ومصطفي رجب ومن الأطباء الدكتور عابدين والمرحوم الدكتور عامر محي الدين ومن المهندسين محمد خير والخبراء بالأممالمتحدة الدكتور الوليد المك وحامد قريب الله ( عليهما الرحمة ) وعمر سعد ومن الكوميسا الدكتور الطيب الأمين وجلال والهادي دليل ورئيس الجالية فيصل هلال وغيرهم مع أسرهم فقد غادرونا بسمعة طيبة وتركوا ذكريات نجترها من حين لآخر. العبرة التي ينبغي للجاليات في الخارج أخذها هى أنه ينبغي لنا العيش مع بعض ونحن نضع نصب أعيننا الفراق لأن تذكر الفراق يهيج في النفس أسمي آيات التسامح والمودة أما بالنسبة للسودان بصفة عامة فانني أود أن أذكر من هذا المنبر الحكومة والمعارضة المسلحة بقول الله عز وجل " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام " خاصة لماذا نقاتل ونحن نعلم بأننا نفارق بعضنا بعضاً في غضون ثواني ....دقائق ... ساعات .... شهر.....عام ........... الى ثمانين عام أو أكثر على سبيل المثال . دقات قلب المرء قثائلة له ...... إن الحياة دقائق وثوانٍ (الشاعر أحمد شوقي) علينا أن نتذكر بأن المحبة مزروعة في أنفسنا شئنا أم أبينا والدليل على ذلك أن الجيش والدفاع الشعبي أكثر رفقاً ورأفة بحاملي السلاح في المعارضةمن حيث لا يحتسبون إذ يبتهل معظمهم وعقب كل صلاة الى الله ويقولون " اللهم اغفر للمسلمين والمسلمين الأحياء منهم والأموات" ثم يقومون ويستعدون للقتال وفي نفس الوقت يصلى حاملوا السلاح ويبتهلون الى الله عقب كل صلاة وهم يرفعون أيديهم بالضراعة الى الله بقولهم " اللهم أغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات" فكيف ندعوا لبعضنا البعض بالخير والمغفرة ثم نصوب اسلحتنا على صدور بعضنا البعض والكل يترحم على الموتي من الجانبين بنفس الدعاء من حيث لا يخطر بباله أنه يدعوا بالمغفرة لمن قتل من قبله...... إنه أمر عجيب.. العبرة من الجالية السودانية في لوساكا أيضاً أننا ودعنا سعادة المستشار يوسف بشارة في المطار - الذي سيصل الخرطوم اليوم (20 أغسطس 2014م)- وسط حشد من جميع أعضاء البعثة الدبلوماسية السودانية والجالية ونحن في غاية المحبة له. أتمنى أن نتذكر جميعاً بأن المحبة من حسن الخلق وأكثر ما يدخل الناس الجنة يوم القيامة حسن الخلق. على زير الخارجية ورئيس الجمهورية أن يفتخرا بخير من يمثلون السودان في الخارج من أمثال أعضاء البعثة في لوساكا وعلى سعادة السفيرحاج ماجد سوار الأمين العام لجهاز المغتربين – وهو يحضر فعاليات مؤتمر المغتربين هذه الأيام – أن يفتخر بأن له جالية كلهم على قلب رجل واحد فهم شركاء غير متشاكسين في كل لقاءاتهم. نشاهد في التلفاز السوداني الاحتفاء بالجيش عقب كل معركة فما بال الدبلوماسيين الذي يخوضون حرب تحسين صورة السودان في الخارج بفكر ثاقب وعلى بصيرة مع العلم بأن مجهود الجانبين متكافئ. وحيث أن الأخبار تختتم بالرياضة أود الاشارة الى أن الجالية تشارك في المجال الرياضي لكرة القدم ولديها فريق يلتقي اسبوعياً ومن ألمع النجوم سعادة السفير محمد عيسى إيدام الذي أنعم الله عليه بالخبرة الدبلوماسية والاعلامية والرياضية. وحيث أننا نستقبل الفريق القومي السوداني لكرة القدم الذي سيقيم مباراة ودية مع الفريق الزامبي لكرة القدم نهاية هذا الشهر ( أغسطس 2014م) نتمنى له التوفيق وسنرفع من معنوياته خاصة وأنه يزور زامبيا في وقت تستعد فيه البلاد للاحتفال باليوبيل الذهبي لاستقلالها (24 أكتوبر 1964- 24 أكتوبر 2014م) وأرجو أن يضع الفريق القومي نصب عينه إبلاغ الجانب الزامبي بأن الهدف الثاني من المباراة الودية مشاركة زامبيا أفراحها في الاحتفال باليوبيل الذهبي وسيتناول الإعلام الزامبي ذلك كإيماءة سودانية طيبة..... أرجو المعذرة إذا لم أذكر بعض أسماء الجالية السابقين في المقال فذكراهم باقية في الوجدان بقاء الأرواح في الأجساد كما أرجو ألا نكون من الذين قال عنهم الشاعر في صدر بيت الشعر: الناس لا يذكرون الحي بينهم ...... حتى إذا توارى عنهم ندموا اللهم أجعلنا من الذين يذكرون إخوتهم بالخير أحياءاً وأمواتاً ومن الذين يرون محاسنهم كالحسنة بعشرة أمثالها والسيئة بواحدة فقط حتى تشع الذكرى الطيبة كشعاع الشمس الذي يبدد الظلام .. إنه سميع الدعاء.