كنتُ حريصاً على المشاركة الفعلية بالذهاب إلى منزل الفنان السني أحمد محمد الضوي في حي الصافية بالخرطوم بحري أمس (الاثنين)، مع عدد من رُسلائي ورسيلاتي في قروب الواتس آب (قادة الصحافة)، ولكن سفري المفاجئ إلى الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، لحضور فعاليات ملتقى المعلومات الثاني عشر بمدينة الأبيض، حالَ دون تحقيق تلكم الرغبة، وذاكم الحرص. وأحسبُ أن مبادرة القروب لتكريم الفنان السني الضوي، ابتدرها الأخ محمد حامد تبيدي مسؤول القروب، فوجدت صدىً طيباً بين أعضاء القروب كافة، بل تدافع بعضهم إلى المشاركة بالذهاب إلى منزل المكرم مساء أمس (الاثنين)، اقتناعاً منهم بأن هذا التكريم قد صادف أهله، وأن المكرم يشكل حضوراً مستمراً في خارطة الغناء السوداني الحديث. ولم يقتصر دور الفنان السني الضوي على التطريب والغناء، بل امتد عطاؤه بألحانٍ شجية، وموسيقى عذبة، وغناءٍ طروبٍ. ولما كان السني الضوي من الذين قضوا ردحاً من زمن صباهم في مدينة بورتسودان، فإننا باعتباري من أبناء الشرق، أرى فيه قواسم الشرق، المتمثلة في الإبداع والإخلاص والوفاء. فمن هنا تجيءُ حسرتي لعدم لحاقي بركب رُسلائي الذين ذهبوا إليه، ومثله يُؤتى إليه من بلاد بعيدة. شهدت نوري بالولاية الشمالية مولد السني الضوي في ثلاثينات القرن الماضي، وانتقل صبياً يافعاً إلى مدينة بورتسودان، حيث استقر مع شقيقه الأكبر محمود السني، والتحق بمدارس كمبوني، ومن ثم شد الرحال إلى الخرطوم، ليكمل دراسته بمدارس الأقباط، وتخرج في المعهد الفني، وعمل موظفاً في شركة النور، أي الهيئة القومية للكهرباء حالياً. وتعرف على زميله في العمل الشاعر محجوب سراج، وكان أول تعامل له كملحن مع الفنان الراحل إبراهيم عوض في أغنيات "من قساك" و"قاصدني وما مخليني". وشكل السني الضوي مصادفةً، ثنائي العاصمة مع الراحل إبراهيم أبو ادية، وانضم إليهما الفنان الراحل محمد الحُويج، وشكلوا ثلاثي العاصمة، وعطروا سماوات الخرطوم بعدد من الأغنيات العذبة، مثل: "كلمة منك حلوة"، و"حيرت قلبي معاك"، و"فريد الحسن". وبعد ذلك بفترة قصيرة تُوفي إلى رحمة الله الفنان محمد الحُويج وتوقف السني الضوي وأبو ادية عن الغناء لفترة، ظن معها أهل الفن بأن ثلاثي العاصمة قد انتهت مسيرتهم الفنية برحيل الحُويج، ولكن مُضاغطات متتالية من الفنان الراحل عثمان حسين، والملحن حسن بابكر والراحل محمد توم التجاني وزير الدولة بوزارة التربية والتعليم الأسبق، استطاعوا إعادتهما إلى الغناء مرةً أخرى. كان السني الضوي يعمل جاهداً من خلال استغلال قدراته الموسيقية للحفاظ على الاستمرارية والنجاح. فلا غرو أن سطع نجم ثنائي العاصمة، وسط كوكبة من عمالقة فن الغناء السوداني، بأغنيات خالدات ما زلنا نرددها وترددها الأجيال التي سبقتنا، وبلا شك الأجيال اللاحقة، مثل: "معايا معايا في الدرب الطويل نحن في بداية طريقنا كيف تقول لي مستحيل"، و"حيرت قلبي معاك"، و"يا حبيبي إنت غايب" و"الأحاسيس النبيلة"، و"وحياة المحبة" و"نهر الريد"، و"ليه نندم على الماضي"، و"زمانا الراح"، و"ناس قراب منك"، و"لما ترجع بالسلامة". وانداح عطاءُ ثنائي العاصمة حناناً وعاطفةً وشجناً، في المدائح النبوية، "لمتين أزورك"، و"صلاتي على الرسول"، كل هذه الأغنيات والمدائح النبوية كانت من ألحان السني الضوي، تتدفق رقةً وإحساساً حتى في ألحانه التي تغنى بها غير ثنائي العاصمة. إن أنسى لا أنسى لحنه لأغنية الفنان الأخ الصديق محمد ميرغني "عاطفة وحنان يا ناس". ويستحضرني ما قاله الأخ الصديق زميل الدراسة في معهد الموسيقى والمسرح، الموسيقار يُوسف الموصلي عندما تحدث عن الفنان المبدع السني الضوي، قائلاً: "السني الضوي تجده في معظم الحناجر الندية، وتجده في ابن البادية وفي منى الخير وفي إبراهيم عوض، وفي عبد العزيز المبارك وفي ثنائي العاصمة، وفي عشرات الألحان من فنه السهل الممتنع، حيث تواضع نادر وتهذيب وثقافة ومعرفة". أخلصُ إلى أن تكريم الأخ الفنان السني الضوي صادف أهله، وهو تكريم مستحق، وأمثاله ينبغي أن يكرموا من مؤسسات عدة. وجميلٌ أن يبادر هذا القروب في عملٍ فيه قدر من لمسة وفاء لأهل العطاء. فالسني أشجانا لحناً، وأطربنا غناءً، فحقّ له علينا أن نكرمه، ونسعى جاهدين إلى تكريمٍ نتيح فيه مشاركة واسعة لكثيرٍ من محبي موسيقى وألحان وغناء السني الضوي. ولنستذكر في هذا الصدد، قولَ الله تعالى: "هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ" وقول الشّاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ: كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمالٌ جَديدٌ ومَسيرٌ للمَجْدِ فيهِ مُقامُ وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ [email protected]