[email protected] أذكر عند المرحلة الاولى من مراحل تأسيس قناة النيل الازرق، أنني ذهبت الى مقر القناة في معية الشاعر السفير خالد فتح الرحمن والدكتور خالد التجاني والراحل العزيز محمد طه محمد أحمد، وطوّفنا على استديوهاتها. واستقر عندي يقين منذ تلك الزيارة ان فكرة القناة - وخططها وبرامجها كما طرحها أمامنا المسئولون وقتها - فكرة سليمة وحيوية، وان ذلك المشروع سيصيب نجاحا. وقد كان! خلال السنوات الاخيرة نشأت علاقة خاصة بيني وبين قناة النيل الازرق. في داري في بيرنزفيل تجد في الطابق الارضى جهاز تلفاز عظيم الشاشة يعرض القنوات الامريكية والدولية. ولكنني احتفظ في غرفة نومي الخاصة بجهاز آخر صغير اشاهد من خلاله قناة النيل الازرق. ومؤخراً وبعد ان بدأ حبيبنا الدكتور عبد اللطيف البوني تقديم برنامج تفاعلي صباح كل سبت، اعتدت ان استلقي على السرير، في ساعات متأخرة من ليل الجمعة عندنا، اتابع برنامجه، ثم ابعث له - أثناء تقديمه للبرنامج - برسائل نصية عبر الآيفون. فيتلقاها البوني، ثم يقوم بقراءتها على الفور ليسمعها ملايين المشاهدين حول العالم. السبت الماضي ارسلت له ثلاثة رسائل قرأها كلها. منها رسالة كتبت له فيها: "صلح لياقة القميص يا بوني"،قرأها أيضا على المشاهدين، ثم أصلح ياقته. وكانت زوجتي – السيدة الفضلى ايمان – بجانبي تتابع وتشاهد، وهي تحدق في الشاشة ثم في وجهي،ثم قالت توبخني وتستنكر ما يجري: "حرام عليك. بوّظت الصحافة، كمان عايز تبوظ التلفزيون"؟! حرصت، من منطلق اهتمامي بهذه القناة الفتية، على قراءة التحقيق الصحفي الذي اجرته حولها في عدد الاثنين الماضي من صحيفة (الرأي العام) المحررة خديجة عائد. وقد حمل التحقيق عنوان: (ايقاف المذيعين: بين الاخطاء والاقصاء)! جا في التحقيق ان قناة النيل الازرق هي الاولى في محاسبة المذيعين والمذيعات وايقافهم عن العمل بسبب الأخطاء. ثم نشرت المحررة اسماء عدد من المذيعات اللامعات ممن تم ايقافهن عن العمل لفترات وصلت الى ثلاثة اشهر، كما أوردت أسباب الايقاف. وقد تعجبت لذلك، فمقدار علمي ان قوانين الخدمة المدنية ولوائحها تمنع اشهار وقائع محاسبة المستخدمين ومعاقبتهم. ولكن يبدو ان القناة، بحكم طبيعة ملكيتها، تخضع للوائح اخرى. من اسباب ايقاف مذيعة، أحمل لها اعجابا ووداً شديدا، أنها قالت على الهواء أثناء احتفال لمنظمة الشهيد الزبير: "ومن هنا نبعث بتحايانا للشهيد الزبير محمد صالح". وجاء عن سبب ايقاف مذيعة اخرى بهية الطلعة، اتابع أداءها وأجدها غاية في الذكاء، انها قالت خلال برنامج تفاعلي: "الحمد لله ان رمضان انتهى بخيره وشره"! وعن سبب ايقاف مذيعة شهباء ثالثة، ورد انها اثناء مهمة لها في اريتريا،لتغطية فعاليات مهرجان ثقافي هناك،دخلت في مشادة مع سفير السودان في أسمرا. وفي ظني ان حبيبنا السفير ماجد يوسف، هو السفير المقصود (شكيتك لى الله يا ماجد). وقد تساءلت عما اذا كان ماجد نفسه قد تم ايقافه، كما اوقفت المذيعة، أم لا؟ إذ لماذا يتم ايقاف المذيعة،ولا يوقف السفير، طالما ان المشادة كانت بين الطرفين؟! نسبت المحررة الى مدير البرامج، الشفيع ابراهيم، قوله ان للقناة لائحة متبعة يتم بمقتضاها التحقيق والايقاف. وانا اقول لهذا الرجل: "لائحتك طايرة عليك". وأطالب بإبطال هذه اللائحة فوراً. ما معنى ان يتم ايقاف مذيعة لمدة ثلاثة اشهر لمجرد ان التعبير خانها فقالت: "نبعث بتحايانا للشهيد الزبير"؟ ومن قال اصلاً ان الشهيد لا تجوز تحيته؟! مهنة المذيع والمذيعة مهنة بالغة الحساسية، واحتمالات الخطأ وعدم التوفيق في التعبير واردة في كل يوم. وكثير من النجوم العالميين لهم قصص وحكايات عن الأخطاء التي وقعوا فيها بسبب خيانة ملكة التعبير لهم. في زمان قديم، عرفنا قناة تلفزيونية واحدة يتيمة، هي تلفزيون ام درمان. وكان المسلسل العربي اليومي جزءاً من حياة قطاعات عريضة من سكان المدن، ينتظرونه كل مساء بشغف زائد. وذات مساء - في حوالي العام 1981 ونظام المشير جعفر نميري في اوج عنفوانه - أزف وقت المسلسل، فالتف الملايين حول اجهزة التلفاز. وهنا ظهر المذيع ليفاجئ المشاهدين بقوله: "أنتم ولا شك في شوق شديد الى المسلسل، تنتظرونه بفارغ الصبر. ولكن هيهات، فللسيد الرئيس القائد نميري خطاب ألقاه صباح اليوم، وسنقدم لكم خطاب الرئيس بدلا عن المسلسل هذه الليلة"! هذه واقعة حقيقية وليست طرفة. ولك ان تتصور – أعزك الله – ما حدث لصاحبنا هذا. ولكن العبرة بالنهايات. نفس المذيع الهمام هو اليوم من انجح واشهر المذيعين في قناة تلفزيونية عالمية. أرفعوا ايديكم عن مذيعاتنا! نقلاً عن صحيفة (السوداني)