حرصتُ على اغتنام سوانح العطلات إبان إقامتي في بريطانيا سنين عدداً، أن أقفَ على بعض معالم التغيير والإصلاح في كثيرٍ من المرافق والمؤسسات بالسودان. واستوقفتني خلال السنوات الأخيرة سياسات وزارة الصحة في ولاية الخرطوم، بعد صدور قرار أيلولة المستشفيات من وزارة الصحة الاتحادية إلى وزارة الصحة بالخرطوم. وأذكر أنني كنتُ في صُحبة الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة، قُبيل إعلان توزيره في حكومة ولاية الخرطوم، وحضرتُ جانباً من تلكم المُناقشات، إذ كان بيننا في لندن قبل إعلان موافقته على تسنم وزارة الصحة بولاية الخرطوم. ومن ذاك اليوم علمتُ أن الأخ البروفسور مأمون حميدة سيعمل جاهداً على إنفاذ سياسات نقل الخدمات الصحية والطبية من المركز إلى الأطراف، تيسيراً للمواطن، والتخطيط لجعل مستشفيات المركز مستشفيات مرجعية، ضمن سياسة الدولة التي تنزلت في البرامج الانتخابية، ليتم إنفاذها في إطار سياسة ولاية الخرطوم. وبدأت مشاهداتي لانجازات وزارة الصحة تترى منذ اليوم الأول من تعيين الأخ البروفسور مأمون حميدة، خلال العطلات التي أقضيها في السودان، حيث رأيت بأم عيني صروح المستشفيات والمراكز الطرفية يتم افتتاحها بواسطة الأخ الرئيس عمر البشير أو الأخ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق، أو الأخ الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر والي ولاية الخرطوم. وكنتُ أسوح مع البروفسور مأمون حميدة قرى ونُجوع وأرياف ولاية الخرطوم، حيث نجوب منطقة أراك صالح شمالاً، والثورات جنوباً، والأم بدات غرباً، والعقيرباب شرقاً، والكلاكلات والصحافة وأركويت والديوم خرطوماً، والفتيحاب والصالحة أم درماناً، وشرق النيل والسليت خرطوماً بحرياً، أضف إلى كل ذلك بعض المناطق الذي يستشكل علينا تذكر اسمها، ناهيك عن تحديد موقعها الجغرافي، وهو يطمئن على سير العمل، ويحثُّ العاملين على سرعة الإنجاز لتحقيق شعار "نحن لا نُجفف.. ولكن نُطوِّر"، في ردٍّ عمليٍّ لبعض الذين يتصدون للنقد غير الموضوعي، وللقلة التي استمرأت الوقفات الاحتجاجية في أعدادٍ ضيئلةٍ، تنفيذاً لتوجهات سياسية معارضة لا علاقة لها بالصحة أو بهموم المواطن، وكانت حُجية هؤلاء المنتقدين لهذه السياسات، زعمهم أنّها تهدف إلى تجفيف المستشفيات الكبيرة، خاصة مستشفى الخرطوم، ويُركزون كل هذه الانتقادات على وزير الصحة بولاية الخرطوم، في تجاهلٍ تامٍ من أن هذه المستشفيات يُخَطط لها أن تكون مستشفيات مرجعية. ولقد وَجَدَتْ مجاهدات الأخ البروفسور مأمون حميدة كثيرَ تأييدٍ وتعضيد، بدءاً من الأخ الرئيس عمر البشير، مروراً بحكومة ولاية الخرطوم، وانتهاءً برضى مواطني القُرى والنُجوع والأرياف في ولاية الخرطوم، الذين صارت مراكز الطِّبابة أقرب إليهم من بقالات المواد الغذائية، وهو حُلم كانوا يرونه بعيداً، وكان الأخ البروفسور مأمون حميدة يراه قريباً، مُستصحباً في ذلك تجارب شعوب الدول المتقدمة، التي تجعل صحة الإنسان في صدارة فقه أولوياتها. ودليلي على ذلك، أن كثيراً من مواطني تلكم الدول - الذين كنت من بينهم، مواطناً لندنياً - لا يترددون على المستشفيات المرجعية إلا مرة أو مرتين في العام، بينما كثير تردادهم على المراكز الصحية التي لا تبعد عن منازلهم سوى خطوات قليلات. ولم يكن هذا التأييد الذي وجده الأخ البروفسور مأمون خِفية، بل صرح به الأخ الرئيس البشير علانيةً في خطابه لدى افتتاح مستشفى إبراهيم مالك قبل عامين أو يزيد، ومؤخراً إشادة مستحقةً بانجازاته من الأخ الرئيس البشير نفسه في المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني في ولاية الخرطوم، وكذلك ما يعلنه الأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم صراحةً في مجالسه دوماً، وفي أكثر من مناسبة. وأحسبُ أن وزارة الصحة بولاية الخرطوم لا تؤطر نفسها في مرسومها الولائي، ولكنها تمتد بفهمٍ عميقٍ لتحمل أعباء مهام قومية، لتقديم خدمات طبية لأبناء السودان كافة، باعتبار أنّها مسؤولة عن علاج المواطن السوداني، مُقيماً في الخرطوم أو وافداً إليها، في مستشفياتها ومراكزها الصحية. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " َقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ: وإذا كانتِ النُفوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأَجسامُ