مما لا ريب فيه، أن مرض إيبولا أدخل الرعبَ والفزعَ في كثيرٍ من السودانيين، فما أن يُعلن عن مرضٍ غامضٍ أو وفياتٍ غامضةٍ إلا وتذهب أذهان الكثيرين - إلاّ مَنْ رحم ربي علماً وفهماً - أن هذا هو الخطر الداهم (إيبولا)، قد أدرك السودان على الرُّغم من تطمينات وزارة الصحة بولاية الخرطوم، وتحذيراتها التي تترى بين الحينِ والآخر. وأحسبُ أن هذا الاضطراب، والدعوة إلى تطمين الناس، طِبابةً ووعياً ووقايةً، مما دعا الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم، إلى أن يعقد مؤتمراً صحافياً اليوم (الخميس) في مباني وزارة الصحة بالخرطوم، مؤكداً فيه ما جاء في تقارير منظمة الصحة العالمية عن خلوِ السودان من فيروس الإيبولا، موضحاً تحوطات وزارة الصحة الولائية تجاه هذا المرض الفتَّاك، والنصائح التي قُدِمت وستُقدم من وزارته في كيفية محاصرته، حصاراً مُحكماً، حتى لا ينفذ إلى البلاد من حدودها الشاسعة أو مطاراتها المتعددة. وفي رأيي الخاص، أن للوسائط الصحافية والإعلامية دوراً مهماً في إحداث قدرٍ من الاطمئنان بين الناس حول مرض الإيبولا، وذلك من خلال ضبط شرائط المهنية العالية والتزام اشتراطات الموضوعية، واستدعاء مُستحقات الوطنية عند التفكير في نشر أخبار غير مؤكدةٍ، بادعاء أن هنالك إصاباتٍ بمرض فيروس الإيبولا في بعض مستشفيات السودان، اعتماداً على أن هنالك أمراضاً غامضةً أو أعراضاً غير معروفةٍ أو وفياتٍ طارئةٍ. يغفل الكثيرون من العاملين في الوسائط الصحافية أن قضايا الصِّحة تُعدُّ من مُهددات الأمن القومي، إذ أن بعضهم يَخْتزِل قضايا الأمن القومي، وتحديد الخطوط الحمراء في مسائل مُتعلقة بالجيش والأمن ومؤسسة الرئاسة، ناسين أو متناسين أن مخاطر انتشار شائعات مُتعلقة بالصحة أخطر من كل تلكم المحاذير، لأن تداعياتها تمتد من مضاغطاتٍ سياسيةٍ، وضائقاتٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ، قد تُهدد كيان الأمة بأسرها. فمن هنا تكمن الخطورة في التعامل مع مثل هذه القضايا في الوسائط الصحافية والإعلامية. فالدول المتقدمة تُصدر قضايا الصِّحة، باعتبارها من القضايا التي تمس حياة مواطنيها مباشرةً، لأن الإنسان عندها يتصدر فقه أولوياتها، فالصِّحة هي عندهم خط أحمر، ومُهدِّدٌ رئيسي للأمن القومي. أخلصُ إلى أن خطورة الشائعات التي تُروج في كثيرٍ من الوسائط الصحافية والإعلامية، لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، تداعياتها أكثر ضرراً وأشد خطراً. وهنالك ادعاء أن بعض حالات إيبولا قد وصلت إلى السودان، لا لشيء إلا لأن مريضةً أو مريضاً نزف دماً، واستشكل على الأطباء تشخيص مرضه، فنسارع بالحكم على هذا المريض بأنه مُصاب بفيروس إيبولا، دون أن تكون لدينا أدلةٌ طبيةٌ قاطعةٌ. بينما من المهم أن تتمكن الوسائط الصحافية والإعلامية من ممارسةِ المهنةِ بحرفيةٍ وصدقيةٍ وموضوعيةٍ، وأن يكون حدودها الالتزام بالحفاظ على الأمن القومي. فلنلحظ تحذير البنك الدولي الذي صدر أول من أمس (الثلاثاء) من أن انتشار مرض الإيبولا قد يعصف باقتصادات غرب أفريقيا، محققاً خسائرَ تزيد على 32 مليار دولار خلال العام المقبل، إذا لم تتم السيطرة على هذا المرض خلال الشهرين المقبلين. وحدد البنك الدولي في تقريرٍ، سقفاً زمنياً لوقف اجتياح مرض الإيبولا في معاقله الثلاث ليبيريا وسيراليون وغينيا، بحلول ديسمبر المقبل، وإلا ستكون العواقب الاقتصادية وخيمةً على هذه الدول الثلاث، موضحاً أنه إذا تم النجاح في السيطرة على المرض مع نهاية 2014، فإن الخسائر الاقتصادية ستكون مليون دولار للعام الحالي و129 مليون دولار في العام للدول الثلاث، وذلك في أفضل سيناريو متوقع، وفي هذه الحالة ستتراوح الخسائر في عموم إقليم غرب أفريقيا 3.8 مليار دولار إلى 9 مليارات دولار. من المؤكد أن تقرير البنك الدولي فيه قدرٌ من التحذير يجعلنا أكثر حذراً في الوسائط الصحافية والإعلامية عند التعاطي مع مرض إيبولا، حتى لا نسبب كارثةً اقتصاديةً لبلادنا دون وعي منا، بل علينا التزام المهنية والموضوعية، ومعرفة مُهددات الأمن القومي لنتجنب الزَّلل، والوقوع في أخطاء لات ساعة مندم. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ". وقول الشاعر أبي الحسن بن العباس بن جريج المعروف بابن الرومي: ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها من القَوْمِ حَبَّات القُلوب على عَمْدِ تَوَخَّى حِمَامُ الموتِ أوْسَطَ صبْيَتي فلله كيفَ اخْتار وَاسطَةَ العِقْدِ