ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليكم اللحم ولينا العضم ... تعبير بائس .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 24 - 11 - 2014

يدور هذه الايام نقاش عن الجلد في المدارس . والجلد قديما كان مقننا ترسل وزارة المعارف الكرابيج والبصاطين مع الحبر والاقلام والكراسات والتخت .... الخ من مصلحة المخازن والمهمات ، كاهم وسائل التعليم . ويوظف صول لحفظ النظام وجلد الطلاب . وكانت المحاكم تحكم عادة بالجلد والغرامة . ولقد حكم مولانا القاضي الدرديري علي بريطاني في زمن الانجليز بالجلد ونفذ الحكم . وكان يوجد كرباج في كل محكمة .وكان بعض الصبية قبل الذهاب الي المحكمة يضع الشطة تحت لسانه . وعند الكشف قبل الجلد بواسطة ميزان الحرارة يكتب مساعد الحكيم غير صالح للجلد علي الأليتين بسبب الحمي . .
من موضوع الظلم
اقتباس
أول مظهر من الظلم وقع علي شخصيا وأظن أنه أثر علي حياتي وهو أن خالتي أيقظتنا في الصباح وارتدينا أحسن الثياب وكنت أسأل : ماشين جنينة النزهة ؟ وكان الرد أيوة . وهيأت نفسي ليوم جميل في حديقة الحيوان مع الشقيق الشنقيطي ، وفجأة تتوقف السيارة والسائق امام المستشفي ليقابلنا عمي ابن خال والدي أحمد الحاج إدريس وهو مساعد حكيم في الهشابة في النيل الابيض . وسلمنا للعم اسماعيل الطهار . وتمت عملية الختان بدون أن أستشار أو يخبرني أي شخص بما يحدث . وعندما رجعنا إلي المنزل كنت في حالة هستيرية وكنت أبكي وأصرخ وأقول أنني أريد القطعة التي أخذوها ،إلي أن نمت من التعب . وفي اسرتنا لا يحتفل بالختان ولا يفرش للموت . ولم يعرف حتي الجيران بختاننا .ولكن كان من المفرض تهيئتنا .
وكنت ولا أزال أعتبر أن هذا أكبر تعدي علي شخصي . عندما تعرض ابني جاك لعملية كبيرة ، وهو في السابعة جلس معة البروفسر السويدي ولمدة نصف ساعة كان يحكي له عن العملية . وغضب صديقي الجراح السوداني وترك الغرفة . وكان يقول لي انه لا يفهم ,, فراغ ,, السويديين واضاعة الوقت في شرح العملية ويسألون المريض اذا عنده اعتراض او اسئلة ؟؟ انهما عالمان مختلفان .
المدرسة بدات بأن ذهبت إلي مدرسة سنجة الأولية وكان الناظر وقتها حسن نجيلة مؤلف كتاب( ملامح من المجتمع السوداني) . ولكن تلك الفترة كانت فترة إختيارية أذهب عندما أريد لصغر سني. وكان الأستاذ حسن نجيلة يحضر إلي الوالد الذي كان يملي عليه كتاب "ملامح من المجتمع السوداني" وحسن نجلة يذكر في الكتاب : وقال لي الشيخ وأشعل غليونه والشيخ هو إبراهيم بدري ، لأن أحداث الكتاب دارت عن فترة جمعية الإتحاد واللواء الأبيض وحوادث 24 وعندما تكونت جمعية الإتحاد لم يكن حسن نجيلة قد بلغ العاشرة من عمره .
وإبراهيم بدري كان كذلك من الجيل الذي يرفض أن يذكر إسمه ويبعد عن الأضواء.
عندما انتقلنا إلي أم درمان سكنا في حي الملازمين. وبالرغم من أن محمد شبيكة كان يدير مدرسة النهضة وعبيد عبد النور زوج عمتي يدير مدرسة بيت الآمانة والأحفاد مفتوحة أصر إبراهيم بدري علي إدخالنا مدرسة الأمريكان وأدخل شقيقاتي مدرسة الإرسالية. وكان يقول ديل أولاد مسلمين وحا يتعلموا الدين الإسلامي لكن كويس لو إتعلموا حياة المسيحيين وكيف يتعاملوا ويتقبلوا المسيحيين والآخرين .
وفي اليوم الأول استقبلتنا مسز ميري وهي بملامح شمالية صميمة . إلا أنني مدفوعا بظلم الختان كنت متمردا وغاضبا من كل الكبار فرفضت أن أمكث وهربت من المدرسة ، وعندما أرادت مسز ميري الإمساك بي أسمعتها كثيرا من الشتائم .إلا أنها لم تضربني ولم تغضب . وعندما دعوني في اليوم الثاني كانت في غاية اللطافة ونادت علي كمال محمد عبد الرحمن كبيدة وقالت لي ...هذا سيكون صديقك واعطتنا كرة تنس جديدة وطلبت منا أن نلعب في الحديقة ، وبما أن اليوم كان يوم إثنين يوليو ,, كل المدارس تفتح اول يوليو ,, فقد كانت الأرض مغطاة بالحشائش بسبب الخريف وكانت حديقة المدرسة مليئة بالزهور والفراشات والعصافير . وصار كمال أول صديق لي وتزاملنا في مدرسة الأحفاد الثانوية فيما بعد .
وفي مدرسة الامريكان لم يكن يضربون التلاميذ واغلبهم من اسر فقيرة . وبعضهم يسكن في المدرسة . وتعرفنا بهم فيما بعد وكانوا ممتلئين ثقة بالنفس ، ومن اصحاب الادب والتربية ويجيدون العزف علي الآلات الموسيقية ...
مسزفيث كانت مدرسة مساعدة وهي أول من درسنا الحروف والكلمات الإنجليزية ، كانت رقيقة يحبها الإنسان وكانت تقول أن إسمها ليس فيس ولكن بالثاء لأن فيس تعني بالإنجليزية وجه ولكن اسمها يعني إيمان أو ثقة وهي كذلك كانت بملامح أقرب لملامح شمال السودان أو الأثيوبيات . وبعد سنتين إنتقلت إلي مسسز هيلين وهي إمرأة بيضاء طويلة القامة وفي هذه المدرسة لم يكونوا يضربوننا بل يحذروننا من الكذب وأكثر شيء كان مكروها في تلك المدارس كان الكذب .وكان الاستاذ حسن هو ظابط المدرسة ولم نره يضرب تلميذا .
. وفجأة يقع الظلم مرة أخري فلقد ظهر الأستاذ عبيد عبد النور فجأة في مدرستنا وهو متجهم وطلب مني وشقيقي الشنقيطي أن نتبعه ووجدنا نفسنا في مدرسة بيت الأمانة . وكان الأستاذ شعيب بحجمه الضخم هو ناظر المدرسة الأولية وضابط المدرسة كان شيخ الرياحي الذي صار ناظر مدرسة حي العرب الأولية . ووجد كل منا نفسه وسط أكثر من سبعين طالبا محشورين في فصل صغير ومع أقل كلمة أو لفتة يقع السوط علي الرأس والظهر وكانت النقلة كبيرة ومزعجة .
وعندما حضر السائق لأخذنا من المدرسة قالوا له إنهم قد انتقلوا إلي مدرسة جديدة وحتى والدي لم يكن يعرف .وكنت أستغرب ما الذي كان يعطي الأستاذ عبيد عبد النور الحق في أن يتصرف فينا . وفجأة صار والدي مفتش المركز والذي يحترمه ويهابه الجميع ويناديه الدينكا بماريل وتعني الثور الكبير الأبيض أو بنج وتعني الرجل الكبير أو الشيخ . هذا الرجل كان لا يعترض علي قرارعبيد عبد النور الذي كان أكبر منه سنا وتربطهم مدينة رفاعة والمصاهرة .
وسكن جارا لنا في حي الملازمين الاستاذ مكاوي حاج بلول . وهو ظابط مدرسة امدرمان النموذجية . وكان قد تزوج قريبا بالخالة جودلية ابو القاسم وصار صهرنا. وكان سوط العرس لا يزال جديدا . واستعمله في مساعدة والدي في تربيتي اكثر من الهز في عرسه .
أذكر أن شقيقي الشنقيطي كان يبكي بحرقة لأنه ترك أصدقائه ولكن بالنسبة لي كانت المدرسة جيدة .فأغلب طلبة المدرسة كانوا أولاد الإشلاق ونعرفهم . وهو إشلاق البوليس أو إشلاق سجن أم درمان .وكان البعض يحضرون بدون قرش الفطور وقد يستجدون من الآخرين أو يختفون فطورهم أو يخيفونهم لتقاسم الفطور. واستدعي الأمر التمرس علي الدفاع عن النفس وأخذ الحق باليد ولا يزال حاجبي الأيسر يحمل قطعا من ضربة زجاجة من زميلي علي جاد الله .
من مظاهر الظلم كذلك أن الأستاذ التقلاوي ,, الداعية الاسلامي ,, كان يأتي لإعطاء دروس مسائية لشقيقي الشنقيطي وهذا قبل أن ألتحق أنا بالمدرسة وأذكر أنه طلب مني قائلآ أمش جيب مصاص تمر فجريت سعيدا حاسبا أن نوي التمر سيستعمل في الحساب ولكنه كان يضع النوي بين أصابع شقيقي الشنقيطي الذي كان نحيفا والأستاذ التقلاوي ضخم ويدوس علي أصابعه . والشنقيطي يصرخ ويتلوي من الألم . وتألمت أنا أكثر من الشنقيطي لأنني شعرت أنني شاركت في جريمة عقاب شقيقي.
وفي أحد الأيام أبلغ أحد التلاميذ ضابط المدرسة شيخ الرياحي بأنه شاهد الشنقيطي يلعب بلي في العصر . وأخرج أستاذ الرياحي الشنقيطي في طابور الصباح وقام بجلده وأنا بالقرب منه ثم قال لي شيخ الرياحي : تاني كان شفت أخوك ده بيلعب بلي تجي تكلمنا . فسكت . فسألني : لو شفت أخوك ده بيلعب بلي حا تجي تكلمنا ؟ فقلت لا . متجنبا الكذب كما تعلمت في مدرسة المسيحين . فانهال علي بالكرباج وكأني حصان جامح إلي أن صرت أزحف علي الأرض من الألم وكل ما يسألني أرد ب لا . وكنت وقتها في التاسعة وبدأت أتسائل لماذ أعاقب علي قول الصدق ؟ وأي سلطة لأستاذ الرياحي لما يفعل الشنقيطي وغيره بعد ترك المدرسة ؟ ولكن قديما كان المفهوم أن الوالدين يسلمون الطفل للمدرسة ويقولون لهم : ليكم اللحم ولينا العضم. وشاهدت يوما شيخ الرياحي ينهال ضربا علي الطالب يوسف المؤدب بطريقة بشعة .واستغربنا لانه ابن شقيقه . وكان يؤمن كالعادة القديمة ان هذه هي التربية الصحيحة .
من الأشياء المربكة أن الناظر شيخ شعيب كان يدرسنا الدين ووهو يلبس الجلابية والقفطان وهو انسان رائع ترك اثرا طيبا في نفوسنا الصغيرة . وكان يروي أشياء خيالية لا يمكن تصديقها حتى بالنسبة لنا نحن الصغار . وكان يقول أن الكفار دخلوا الحصن وقفلوا الباب إلا أن سيدنا علي الكرار انتزع باب الحصن بيده اليسري وحمله كدرقة وصار يضرب بسيفه وعندما يضرب يمينا يقتل عشرة ويضرب شمالآ فيقتل عشرة ويتحمس ويرفع تربيزة المدرس التي علي المصطبة بيديه الإثنين مقلدا سيدنا علي الكرار. وكنت أتسائل كيف لا يتمكن شيخ شعيب الضخم من رفع التربيزة بيده الواحدة . بينما سيدنا علي رضي الله عنه كان يحمل باب الحصن بيده اليسري.
شيخ شعيب ذكر لنا مرة أن أي قلم في العالم إذا ريشة أو قلم حبر أو قلم بوص لازم يكون مشقوق وإلا ما بيكتب . لأنو القلم زمان ما كان مشقوق وتلجلج في الكتابة فنهره الله إلي أن انشق من الخوف .
وعندما رجع خالي مبارك خليل إلي السودان بعد الدراسة أحضر لنا أقلام حبر ناشف ولم تكن مشقوقة وبدأت أفكر في أن الكثير من كلام شيخ شعيب لم يكن صحيحا.
في بداية المرحلة الوسطي كان الأستاذ عبيد عبد النور قد قرر أن كل التلاميذ يكونوا حالقين صلعة وكان يشتم من لهم شعر طويل ويصفهم بالحبشية . والسبب كما عرفنا فيما بعد هو الخوف من الحمي الراجعة . التي فتكت بالناس في السودان في الخمسينيات . وكان الكثير من تلاميذ بيت الأمانة من أسر فقيرة والقمل كان منتشرا بينهم . ولكن لم يوضح لنا السبب كالعادة . فالطفل ليس له حقوق .
ورفضت وشقيقي الشنقيطي حلق شعرنا بالرغم من الجلد والتشديد ثم الحرمان من حضور يوم الآباء.
وعمر أحمد العبيد حفيد عبيد عبد النور كان له شعرا طويل وعندما أشرنا إلي هذه الحقيقة كان رد الأستاذ عبيدعبد النور....عمر أمه بتريدو وما دايراه يحلق. فقال الشنقيطي : أنحنا ما مقطوعين من شجرة . ووالدة عمر هي بنت عمتي. وبابكر شقيق عمر الأصغر كان يحلق صلعة . وفي يوم من الأيام أخذنا عبيد عبد النور إلي دكان عبد العزيز إسحق والذي صار صديقي فيما بعد وهو شقيق صديقي عبد الرازق (أبورزقة) وجلس شنقيطي علي الكرسي وحلقوا له جبنة . ورفضت ، وكان يدور في رأسي كل الظلم في العالم الذي يتعرض له الطفل الصغير وقررت أن لا أتركهم يحلقون شعري حتى لو قتلوني ، ورفست أحد ألواح الزجاج في الدكان عندما كثر علي الضرب . ولا أذكر بالظبط ولكني أذكر أني تخلصت وهربت والأستاذ عبيد عبد النور يتبعني بالسيارة إلي أن قفذت في خور الموردة . وتخلصت من المطاردة .. فأرسلتني . والدتي للدراسة السكن عند خالي في ملكال وتلك كانت أجمل وأحسن محطة في حياتي لأنني عشت وتنفست وتفاعلت مع أشقائي من الجنوب.
عندما وصلت الي ملكال لوحدي وانا في الثانية عشر من عمري . اتي احد المدرسين في المساء . وسأل خالي ,, ود اختك جا يا اسملاعيل ؟؟ وعندما شاهدني اداني طقة علي الرأس وقال ....الولد ده انا خليت امدرمان علشان خاطره . وكان ذالك الاستاذ هاشم محمد عثمان ,, ود العمة ,, حارس مرمي المريخ والفريق القومي . وكان عندما يلتفت لكي يقسم الطلبة في الميدان ويجدني امامه يديني شلوت بكدارة الكرة . بدون سبب . كان يجلدني جلدا مبرحا كلما سنحت الفرصة وربما لتأديبي ومساعدة خالي وصديقه . ولم اكره هاشم بل العكس .
وعندما تزوج الاستاذ هاشم بعدها بسبعة سنين بزينب اخت الموسيقار عبد اللطيف خضر الحاوي في مايو 1964 ، كان موكب السيرة يمر بشارع الاربعين . واصطدم السائق بسكران يحمل جالون مريسة . وتوقف الموكب وتجمع الناس . وكنا جلوسا امام منزل توئم الروح بله .فطلبت من العروسين الانتقال الي سيارة اخري . وان يواصل الموكب ويبقي سائق العربة فقط . واحتوينا الموقف ووافق اهل العباسية بسبب معرفتنا . وترجل العريس هاشم . وقال لي باسما .. انت جنك ده ما بتخليه ؟؟ وبعد انطلاق الموكب . ساعدنا السكران علي الوقوف وذهب لحاله .
اقتباس
خلافات امدرمانية 4
مع بداية سنة 2011 شاهدت مولانا عمر شمينة في التلفزيون السوداني . كان وسيما مهندما كما شاهدته اول و اخر مرة في حياتي, منذ ما يقارب الخمسين سنة. لم يتغير كثيرا. و اخر مرة اشاهده كان في محكمة امدرمان التي تواجه الركن الشمالي الغربي من جامع الخليفة . و كان يجلس في المحكمة و في القاعة الجنوبية و يواجه الحائط الجنوبي . و يرتدي بدلة سمنية و قميص بني بدون ربطة عنق و حذاء بني . و كان في قاعة المحكمة بعض عساكر البوليس و الامباشا سيد أحمد . و هو الجنتلمان الذي ينظم صف الشعب في سينما الوطنية . و يرفع الكرباج بدون ان يضرب أي انسان و يقول لنا الزمو الصبر كلكم بتخشو. وكان الامباشا عبد الله بون ينهال علي الناس في السينما بالكرباج وكانهم انعام . وفي احد الايام انهال علي شخص بالكرباج تعدي الصف في اللوج . وتصادف ان الشخص كان ظابط بوليس . ومنع من حفظ النظام الذي يعطيه ما يعادل نصف مرتب العسكري المستجد .
سبب حضوري الى المحكمة انني كنت شاكياً. و كنت مزودا بأورنيك 8- الاذى الجسيم الذي استدعى علاجي اسبوعين. و المتهم كان العميد يوسف بدري . وابتدرني مولانا عمر شمينة قائلا( اسمع مافي قضية المحكمة ما حا تعمل ليك حاجة. لأنو ابوك و لا مدرسك اذا دقاك دي ما جريمة ).فقلت له (يعني القانون بسمح انو ابوك او مدرسك يسبب ليك اذى جسيم او يقتلك ؟). وقلت له بكل بجاحة و بسبب ترددي على المحاكم و حضور الكثير من الجلسات لقرب المحاكم من منزلنا .( أول حاجة وين المتهم؟. و ليه ما صدر أمر قبض؟. و في اورنيك 8, أذى جسيم ؟) فبدا مولانا عمر محتاراً و كان في أول طريقه كقاضي. و تبادل الجميع النظرات محتارين. و كالعادة كان هنالك من ينظرون من الشبابيك و يتحلقون حول الباب .
و أراد مولانا عمر ان يجد له مخرجاً. فتحدث الأمباشا سيد أحمد محاولا ان يطيب خاطري وأن الرجل عمي. و حكى بعض الملح و تجاربه في المحاكم و القضايا. إلا انني كنت مصرا على حضور المتهم . و اخيراً استجمع مولانا عمر شجاعته و قال لي اسمع ( ما حا ننادي ليك العميد يوسف بدري و ما حا نجيبوا المحكمة ) ثم استدرك قائلاً مدفوعاً بحسه القانوني . ( حتى لو القانون معاك ما حا نناديه ) فأحسست بي موقفه و الورطة التي وقع فيها و أكتفيت بأن قلت لهم ( على كل حال انا زول مظلوم و انتوا الظلمتوني ) و خرجت .مولانا عمر كان مدفوعا بروح امدرمان. وهو ابن امدرمان. وقوانين امدرمان كان فوق قوانين الدولة في بعض الاحيان.
في سنتين كاملتين في مدرسة الاحفاد كنت مثالا للطالب الجيد. لم يحدث ان تأخرت او دكيت حصة . و كنت مدفوعا بأنضباط مدرسة ملكال الاميرية و حياة الداخلية . ثم أتى لنا مدرس جديد, لكي يحل محل البروفسر مالك بدري الذي ذهب لدراسة الدكتوراه . و كان مدرس العلوم الجديد هو صلاح هاشم . و يحمل ملامح مصرية كاملة الدسم . و كانت مشاكل السد العالي و ترحيل حلفا لا تزال في الخاطر . و نسبة لأنه كان صغير السن, و ليس له خبرة في التدريس, و يبدو انه قد أتى من الجامعة مباشرةً للفصل, لذا قد كان يجد بعض الصعوبات . طلبة الاحفاد قديماً كانوا يتمتعون بشخصيات متفردة . ولهم كثير من الاعتداد بالنفس .و بعضهم من كبار السن .
أراد الاستاذ صلاح هاشم ان يطبق ما كان يمارسه المدرسين قديماً . و هو صفع طالب او لطمه بطريقة تخيف الاخرين . و كان فصلنا يضم اكبر الطلبة, من طوال القامة. و من أهل الرياضة. أحدهم شمس الدين ميرغني الذي كان يلعب في الدرجة الأولى و صخرة الدفاع لنادي بري. و طه أمام عبد الله الذي كان لاعب ليق و هو شقيق مولانا رئيس المحكمة العليا عبد المجيد امام عبد الله . و عبد المنعم عبد الله حسن عقباوي الذي كان ملاكماً جيداً منذ ان كان في السادسة عشر من عمره . و قد اختير من ضمن معسكر الفريق الاولمبي للملاكمة. و كان هنالك شقيق الشنقيطي بدري و اخي الاكبر و قدوتي مصطفى عبد العاطي ( فقوق نقور) الذي كان زميلي في مدرسة ملكاك من قبل. و كنت احترمه أكثر من المدرسين .
و لسبب ما وقع اختيار الاستاذ صلاح هاشم على شخصي . و عندما حصلت هرجلة , تقدم نحوي, و كنت اجلس في الصف الأول ولم اشارك في الهرجلة . و لم احس به إلا و يده مرتفعة ليصفعني . و كرد فعل طبيعي و كنت وقتها امارس الملاكمة - قمت بحركة لا شعورية بتفادي الصفعة و كما تعلمت في ماتشات الملاكمة التي كنا نخوضها مع عساكر الجيش ، الخطوة الثانية هي الرد بضربة . و كانت لكمة موفقة . و عندما وقف الاستاذ على رجليه مرة اخرى رفع الكرسي ليضربني به . إلا انه توقف عندما احس بأن المعركة قد لا تنتهي . فقال بصوت عالى للطلاب امسكوه . فقال شمس الدين ميرغني رحمة الله عليه ( نمسكو نحن مالنا و ماله , ما تمسكو انت الداير تضربه ) .
قبل هذا الحادث بسنتين و كنت في الرابعة عشرمن عمري , رفضت ان اذهب لموسى ود نفاش الذي يعمل في محلات لمنيوس اليوناني لاحضار الويسكي لوالدي . و قلت له ان الخمر شئ سيئ و أنني لن احضرها له . فقال لي ( انت يا شوقي بقيت راجل) و اجرى اصابعة الاربعة على جبهته اشارة لشلوخ الدينكا و هو قد قضى جلّ حياته وسط الدينكا. ثم اضاف ( من الليلة دي مافي زول بسألك ماشي وين و لا جاي من وين ). و نحن لم نكن نتعرض للصفع و الضرب في منزلنا . ولنا الحرية للذهاب الي اي مكان فقط التبليغ في البداية وعدم الكذب .
و منذ ذلك الزمن كنت أعتبر نفسي رجلا كاملا. و أتعامل مع الدنيا و كأنني رجل امدرماني كامل . و لهذا كانت فكرة ان يصفعني استاذ أو اي انسان تعتبر اساءة لرجولتي . و نحن صغار كان هنالك من يتبرع بمساعدة والدينا و يقوم بجلدنا و ضربنا حتى في الطريق العام . و كنا نحن قديماً في امدرمان نعتبر أن هذا مكملا للحياة . و انا في الحادية عشر من عمري كنت اقف في مدرسة بيت الأمانة و كان استاذي علي النور ينهال علي صفعاً , حتى تتعب يده و أنا لا اتحرك. و عندما يتوقف اقول له كفاية كدا يا استاذ؟؟ فيتكرم علي بصفعتين زيادة و يقول لي اترمي . و اذكر أن زميلي في المدرسة مصطفى وداعة من الموردة كان يقول لي ما تستفز استاذ النور . و كان جاره الرشيد عبد الله الذي صار ضابط بوليس , يقول ( خليه بعد ما يكفت شوقي بتعب ما بكفت زول تاني) . و عندما قابلت الاستاذ علي النور في الدويم لأن خالي اسماعيل قد تزوج شقيقته عرفت لاول مرة انه قريبي جدا . وكان يتكرم بتربيتي ., و انا في الرابعة عشرة من عمري . أبدى تأسفه للصفع الذي تلقيته . لكنه اضاف ( لكن انت كان راسك قوي) . و هذا كان هو مفهوم التربية قديماً .
الاستاذ الدكتور في علم النفس فيما بعد محمود برات من ام جر كان مثل قريبه النور علي من الكيزان . وكان يدرسنا في مدرسة ملكال . كان فظيعا في اعتدائه علي الطلاب . وشاهدته يعتدي بالضرب علي احد اولاد الاستوائية لدرجة ان الطالب الذي كان كبيرا في عمره ينظر اليه محذرا . وبينما الاخ ابراهيم الاسيوطي يمازح احد الزملاء قال له ردا علي السؤال العادي ,, انت ما مسلم ,,, ورد ابراهيم ... انا كرستياني . وطرح الاستاذ محمود برات ابراهيم ارضا وانهال عليه ضربا وهو متهيج وصار يطلب منه ان يصرخ باعلي صوته ويقول انا مسلم انا مسلم . وحتي بعد صراخ ابراهيم لم يتوقف . الغريبة ان للاستاذ كتاب منشور اسمه جنوح الاطفال . وفيه بعض الآراء الغريبة .زلم يذكر ان ما كان يقوم به قد يسبب الجنوح .
الاخت اميرة الجزولي وزوجها الملاك الانسان محجوب شريف طيب الله ثراه تخرجوا من معاهد تعليمية . كانوا يقولون انه اذا اصر المدرس علي جلد تلميذ لا يحق له الجلد بل يكلف مدرس آخر بالجلد ، خوفا من ان يكون الامر انتقاميا .
قبل فترة اخضعت لكشف علي السمع . وكان سمعي جيدا . ولكن السمع اقل جودة في الاذن اليسري . واغلب السودانيين تعرضوا للصفع ولهذا تكون طبله الاذن اليسري اكثر تعرضا لان الصافع يستخدم يمينه . وقد يسبب هذا في فتق طبلة الاذن . وكثير من السودانيين فقدوا حاسة السمع في اذنهم اليسري بسبب الصفع بمناسبة او بدون مناسبة .
عندما اتى يوسف بدري مصحوباً بالصول بخيت , و الفراش محمد و الفراش احمد مطر و الفراش العم خوجلي صاحب الشنب الضخم و الصول محمد أحمد . و الصول بخيت كان هو الذي يدربنا في الكديت او التدريب العسكري, و كان عملاقاً بمعنى الكلمة . و وزنة لا يقل عن 130 كيلو و كان هو الذي قاد الطابور في سنة 1945 عندما مرت قوة دفاع السودان امام الملكة في بريطانيا . و كان حضوره بالكورباج يعني الجلد .
اعترفت بجرمي و قلت انني قد أخطأت , و أنني اريد أن اعرف ماهي العقوبة المقررة . فقال لي العميد يوسف بدري ( انت ما عندك حق تتكلم . انحن نجلدك لحدي ما نكتفي. نجلدك جلد العبد الآبق) و كانت هذه عبارتة المفضلة . فقلت له في هذه الحالة انا لا عاوز مدرسة و لا عاوز جلد و مع السلامة . فأنقض علي الفراشون و كان أحمد مطر المسئول عن الباب يضع ساقه النحيف على عنقي و الصول بخيت ينهال على جلداً. و الغريبة بسبب غضبي لم احس ابدا بالألم. و لم اتحرك. و لهذا تواصل الجلد الى أن بدأ الطلاب يصرخون و كان اعلاهم صوتاً الاخ شمس الدين ميرغني , وكان يقول ( خلاص خلاص قتلتوه حرام عليكم ). و من هنالك ذهبت الى مركز الشرطة و أخذت اورنيك 8 و ذهبت للعيادة الخارجية. وكان قد حكم علي بالحرمان من الدراسة لمدة اسبوعين . وهذه كذالك احدي غلطات النظام التعليمي . كيف تساعد النشء في التسيب من الدراسة ؟؟ عندما سألني مساعد الحكيم في مستشفى امدرمان (مالك ؟) قلت له جلدوني في المدرسة فقال لي بلامبالة ( ما يجلدوك و مال يأدبوكم كيف؟). و عندما كشف علي قال ( أعوذ بالله أعوذ بالله) و نادى على مساعد حكيم اخر. و قرروا ان الامر هو اذى جسيم . و يستدعي علاج اسبوعين . و لكن قبل ان يسلمني مساعد الحكيم الاورنيك لاحظ اسمي و سألني من الذي قام بجلدي , فقلت له يوسف بدري . فرفض ان يعطيني الاورنيك و حاول ان يقنعني بترك الأمر, فرفضت. و عندما أحس بنظرة الشر في وجهي أخذني إلى خالي و عميد اسرة والدتي الدكتور عبد العزيز نقد طيب الله ثراه وهو شخصية اسطورية في امدرمان , يحترمه الجميع , و كان حكيم باشا مستشفى امدرمان . و يدير المستشفى بأنضباط عظيم , و يرتجف الجميع امامه . و انزعج , و طلب مني ترك الاورنيك و الذهاب الى المنزل , فرفضت فرفع التلفون و ضرب 5787 من ذاكرته و تحدث مع أبي الذي طلب مني كذلك ترك الاورنيك و الحضور إلى المنزل , فرفضت. فقال لي اذا لم اترك الاورنيك فيجب ان لا اعود الى منزله . فأخذت الاورنيك و رجعت الى المركز لتقييد البلاغ .
و بينما نحن نتناول طعام الغداء أتى والدي الى المنزل الاخر, الذي خصص لسكن الطلاب ويفصل الحوشين نفاج كبير . وكان والدي لا يحضر لحوشنا حتى يعطينا مساحة من الحرية. فقال لي ( تشتكي اخوي و تجي بيتي و كمان تاكل ), فقلت( يعني أمشي وين ) فتردد قليلاً ثم ادار وجهه راجعاً. و اظنني رأيت شبح ابتسامة على شفتيه.
في الصباح ذهبت الى المحكمة لتأكيد البلاغ. فكثير من الناس كان يفتحون بلاغا ثم تتدخل وساطات أهل امدرمان أو يتكاسلون . و لا يذهبون لتأكيد البلاغ فيسقط البلاغ تلقائياً . و اذا تأخر الانسان و لم يستطع تأييد البلاغ . يمكن ان يقدم عرضحال على ورق مختوم يساوي ثلاثة قروش . و عادةً ما يقوم العم جادين صافي الدين الذي يجلس تحت الجميزة الجنوبية , أو العم حجازي الذي يجلس تحت الجميزة الشمالية بكتابة عرض حال بي 5 قروش. و عندما كنت اقوم بتأييد البلاغ في المحكمة القروية أتى ضابط رفيع المقام . و قال للقاضي (سعادتك بس شوية, انا حا اتكلم مع شوقي و نرجع ليك بعد شوية ) . و هذا الضابط كان ابوقرون . و آل ابوقرون كانوا يسكنون في الهجرة شارع الوادي . و العم ابو قرون كان مأمورا و اداريا. و كان له نشاط ادبي كأغلب المثقفين قديماً. و كان سبب رحولنا الى زريبة الكاشف هو ان والدي كان يريد ان يكون قريبا من العم التجاني ابو قرون و توأم روحه الشاعر توفيق صالح جبريل . و الثلاثة كانوا من الاداريين . و كان أبي يرسلني الى العم التجاني بالكتب أو بالرسائل.
حاول الضابط ان يثنيني , و كان يقول لي انه من العيب في امدرمان ان يشتكي الانسان الاخر . و كان يذكرني كيف كان العم التجاني ابوقرون يرسله الى والدي بأستمرار بالرسائل . و كان يقول لي أن من واجبنا ان نحترم الكبار و ان نقدرهم و أن نتحمل غلطاتهم . الا انني كنت اقول له أن الصفع و الضرب شئ كريه . و يجب أن يتوقف في المدارس . و لازم الانسان يبدأ في حته . و كأطفال صغار ممكن ننضرب , لكن ما ممكن تكفت ليك راجل او تهينو. و فشل الضابط ابو قرون في اقناعي . و بالرغم من احساسي بألمه كنت قد قررت بأن يكون هنالك حد لعملية الصفع و الاهانة و الجلد في المدارس.
بعض الاساتذة الذين كانوا يبالغون في الارهاب والعقاب تعرفنا بهم عندما تلاحقت الكتوف . وكانوا هم من يحتاجون للجلد والكي بالنار .
العميد يوسف بدري وادريس الهادي كانا قضاة في محكمة الاحداث . ولقد حكم يوسف بدري بالجلد علي ابن حينا صعلك لانه كان يسرق لكي يذهب الي السينما كالاطفال الآخرين . ووالده فقير جدا . والزمت البلدية بدفع 150 قرشا شهريا لصعلك لكي يستمتع كالاطفال في حيه .
لم تسمح لي امدرمان بأستدعاء العميد يوسف بدري و حسناً فعلت . و بعد أول اجازة من اوربا ذهبت لزيارة العميد يوسف بدري و تكون بيننا حب صادق, ليس فقط بسبب الدم . و عندما نعيته بقصيدة نشرت في الكتاب الذي حوى رثائه , خرجت الكمات في دقائق و قد كانت نابعة عن حب صادق . رحمة الله على العميد يوسف بدري.
علاقتي مع استاذي صلاح هاشم صارت جيدة , و كنت ابدي له الكثير من الاحترام الى أن تركت المدرسة. و كنت امتطي دراجتي في سوق امدرمان و انا اتحدث مع صديقي عبد المنعم عبدالله حسن عقباوي و تخطينا رجلا على دراجة و لم انتبه له الى ان قفز من دراجته و وضع الدراجة بيني و بينه .و قال لي بصوت محموم ( انا ما عاوز مشاكل عمك قال اجلدوك انا جلدتك ). فنظرت الى العملاق الصول بخيت و لم أفهم الحاصل . و شاهدته ينتزع قطعة قصب سكر في حجم ذراع من مجموعة ضخمة كانت مربوطة في خلف الدراجة و قدمها لي قائلاً (خد) ثم قدم قطعة أخرى لعبد المنعم عبد الله حسن عقباوي . و أنا لم أكن احمل أي ضغينة نحو الصول بخيت . بل كنا نحبه جداً. و لكن كان هنالك من حذره من انني قد احاول ان انتقم منه . و كانت تسبقني سمعة انني احمل عادة سكين ضراع .و بالغ البعض في رسم صورة شرسة . و الانتقام الوحيد الذي مارسته معه, هو انه ترك المفتاح في الطبل خارج غرفتة المحصنة الذي كان يحتفظ فيها بالبنادق و المعدات العسكرية . فقمت بقفل الطبل و أخذ المفتاح و ذهبت . و يبدو انني قد نسيت الأمر و رافقت مجموعة من أولاد الاحفاد الذين كانوا في طريقهم الى جنوب نادي المريخ لشرب المريسه . و كنت انا ارافقهم بالرغم من انني , و الى الان لا اشرب . و كنت استمتع بقصص رواد الانادي و اغانيهم . و عندما رجعنا في اخر اليوم كان الصول محمد أحمد قد تحصل على منشار حديدي و كان على وشك أن يقوم بنشر الطبل . فأعطيته المفتاح و ذهبت لحالي .
الظلم الذي احسست به بسبب جلدي جعلني اكره المدرسة وصرت لفترة اترك المدرسة في بعض الاحيان واتواجد في الانادي مع شلة الانادي او مدخني البنقو . وادفع نصيبي ولا ادخن . ولكن بعد فترة انتظمت . ولولا بعض شعور بالمسئولية لتركت الدراسة . فلقد كنت مجتهدا ومنظبطا ووجدت الظلم . واراد المدرس ان يهينني لكي يفرض شخصيته .
بعد فترة انضم اثنين من ابناء الصول بخيت الى المدرسة . و كنت ابدى له كثيرا من الود و الاحترام . الذي كان غريباً بالنسبة له , ثم تعود عليه و صرنا من الاصدقاء . و كان يحكي لي الكثير من قصص الحرب في اثيوبيا و ليبيا . وأظن ان بعضها كان مبالغاً فيه, الا انها كانت قصص مشوقة . مثل عربات الجيب الايطالية التي تطلق الرصاص عن طريق الكلتش . الصول بخيت رحمة الله عليه كان يقول لنا ان هنالك ثلاثة اشياء سيئة يجب ان يتخلص منها الجندي . و الا سيكون مصيبة لنفسه و للاخرين . و الثلاثة اشياء هي الانانية و حب النفس و حب الذات .
قصة شكوتي للعميد يوسف بدري , انتشرت في امدرمان . و لقد تطرقت لها باقتضاب في كتاب حكاوي امدرمان. و ذكر لي الحبيب معتصم قرشي قبل سنوات بأنه سأل الاستاذ ابن امدرمان البار عمر شمينة عن الحادث. ووجده يتذكر الحادث و غرابة القضية . و لا بد انه كان يتذكر هذه الحادثة ضمن غرائب القضاء , شاب يشتكي عمه و عميده .
و في السويد عندما كنا نخرج كمجموعة للتعرف على البنات, في ايام الشباب كنا نقول يجب ان ناخذ بنصيحة الصول بخيت و ان نتجنب الانانية و حب النفس و حب الذات . رحمة الله على الجميع .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.