يشكو الكثير من المصلين في السودان، عند أداء شعائر صلاة " الجمعة" ، من أن خطبتها لم تعد تذكر بأهمية أمر الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تصديقاً لقول الله تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". وشكواهم أن خطب الجمعة في كثير من المساجد، بدأت تتحول من الموعظة الحسنة إلى بيانات سياسية، وكأنها منتديات سياسية، ويكثر فيها إثارة القضايا الخلافية، والأحكام غير المنضبطة، المفضية إلى الفتن والخلافات، ومؤخراً بلغ السيل الزبى، فبدأ بعض أئمة المسجد يهرفون بما لا يعرفون. والأنكأ من ذلك صدور بعض فتاوى التكفير وإهدار الدم من غير أهل الفتيا. وأحسب أنه معلوم بالضرورة، أن كثير من أئمة المساجد ليس لهم دراية ودربة بالفقه وأصوله، والفتيا وأحكامها. والملحظ المهم في خطب الجمعة في السنوات الأخيرة، بدأت تنهج نهجاً سياسياً، تغيب فيها مقاصد صلاة الجمعة وشرائطها، إلا من البسملة والدعاء وما دون ذلك الخوض في قضايا السياسة وتضاريسها، من حيث التركيز عليها، فكأن خطب الجمعة باتت بيانات سياسية أو عبارة عن نشرات صحافية، فتجد مساجد بعينها عرفت بقربها من الحكومة فهي تناصرها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وأخرى تؤازر المعارضة في حجاجها السياسي. فاصبحت خطبة الجمعة مسيسة تسييساً كاملاً، إما التأييد كله للحكومة أو المناصرة جلها للمعارضة، بدعوى أنهم باتوا مشغولين بأمر المسلمين "المواطنين"، ويتحاججون في ذلك بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح وهمه غير الله عز وجل فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم"، وهو حديث أورده الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة. وفد غاب أو غيب عن ائمة المساجد ضرورة إفهام الدين للمصلين بالتذكرة والموعظة الحسنة، والقول الحسن، والجدال بالأحسن، وضرورة الالتزام بمقتضيات الدين واشتراطات التدين في تعليم المصلين ودعوتهم إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال خطبة الجمعة، مع اليسير من أمور الدنيا، بالمثاقفة والمعلومة، دون تغيب لواقع الحال، ومآلات الأحوال. وفي رأيي الخاص، أنه بعد أن صار التشدد في التدين من سمات بعض الشباب المسلم هنا وهناك في وقتنا الحاضر، أضف إلى ذلك ظهور الحركات المتشددة، بدعوى أنها أقرب إلى إسلام الجهاد، والتي التكفير والقتل عندها أخف من جناح باعوضة، فيندفع بعض هؤلاء جهلاً وتغريراً بإرتكاب أفظع الجرائم، ظناً منهم - إن بعض الظن إثم - أنهم يتقربون بهذا إلى الله زلفى. لم يعد السكوت ممكناً لهؤلاء الذين يكفرون المسلم بغير علم، ويهدرون دمه، ظلماً وعدواناً. فلا غرو أن أخذت جهات عديدة تكفير وهدر دم الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، والفقيه المجدد لبعض المرئيات الفقهية. وأن قضية شهادة المرأة في الاسلام ليس من القضايا الفقهية المستحدثة. فقد ثار حولها جدل واسع في عهود الإسلام المختلفة. وأحسب أن رأي الشيخ الدكتور حسن الترابي ليس من الآراء النشاز، فقد قارب رأيه هذا، رأي بعض الفقهاء والمفسرين، منهم القرطبي وجلال الدين السيوطي وغيرهما. أخلص إلى أن خطوة استدعاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني لعدد من أئمة المساجد الذين تناولوا حديث الدكتور حسن الترابي، وكفره بعضهم، تحمد في أنها تحوطت لأمر بعيد، خشية أن يحدث مكروه للدكتور الترابي بسبب إهدار دمه من بعض هؤلاء فتحدث في بلادنا فتنة كبرى معاصرة، ولكن الجميل أنه أشار إليهم إذا أرادوا تبيان كفر الدكتور الترابي، فأحرى بهم منازلته في مناظرة مفتوحة لتبيان الحق مع من ليتبع، وليس الخوض في قضايا فقهية عميقة وسط جمهور من المصلين في غنى عن هذا الجدال الذي لا يدرك كنهه. وأحسب أن الدكتور الترابي يسعد بهذه المنازلة الفكرية الفقهية، ولكن غيره لا يستطيع لها صبراً. فلنجعل خطب الجمعة سوحاً للدعوة إلى الخير، وجمع كلمة المسلمين، وفي حال بلادنا، فلتكن مدخلاً لكلمة سواء بيننا. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* فإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ". وقول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبيء: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام