بيان توضيحي من وزارة الري حول سد مروي    هنيدي يبدأ تصوير الإسترليني بعد عيد الأضحى.. والأحداث أكشن كوميدي    مسئول إيراني لرويترز: وفاة الرئيس الإيراني في حادث تحطم المروحية    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    إنطلاق العام الدراسي بغرب كردفان وإلتزام الوالي بدفع إستحقاقات المعلمين    الجنرال في ورطة    (باي .. باي… ياترجاوية والاهلي بطل متوج)    رشان أوشي: تحدياً مطروحاً.. و حقائق مرعبة!    محمد صديق، عشت رجلا وأقبلت على الشهادة بطلا    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    الإمام الطيب: الأزهر متضامن مع طهران.. وأدعو الله أن يحيط الرئيس الإيراني ومرافقيه بحفظه    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    عائشة الماجدي: نشطاء القحاتة أشباه الرجال بمرروا في أجندتهم في شهادة الغالي محمد صديق    بسبب إحاطة عاجلة عن رئيس إيران.. بايدن يقطع إجازته    نائب رئيس مجلس السيادة يطّلع على خطة وزارة التربية والتعليم ويؤمن على قيام الإمتحانات في موعدها    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيدر والغنوشي: النقاش المنشود والأمل المعقود .. بقلم: د. حامد فضل اللهّ / برلين
نشر في سودانيل يوم 08 - 01 - 2015


[email protected]
أثار حصول الشيخ راشد الغنوشي على جائزة أبن رشد للفكر الحر لعام 2014 نقاشاً حاداً، بين مؤيد ومثمن وبين رافض ومحتج وبين نقد مثمر وموضوعي وبين حجاج أو بياناتمنفلتة من عقالها.
نشر المفكر والباحث السوداني د. حيدر إبراهيم علي ثلاثة مقالات في العديد من المواقع الإلكترونية بعنوان :" الغنوشي: مفكر إسلامي أم سياسي حركي حديث؟ " ناقداً ومستنكراً ومحتجاً على حصول الشيخ الغنوشي على الجائزة. صدر المقال الأول بتاريخ 12 ديسمبر، متضمناً أيضاً نقداً لمقال الأستاذ خالد موسى دفع الله بعنوان: " أفول دولة الترابي.. وبداية عصر الغنوشي" الذي صدر مباشرة في اليوم التالي للاحتفال ( 6 ديسمبر)، مثمناً ومشيراً للاحتفال كحدث ثقافي بارز وعاقداً مقارنة بين أفكار الشيخ حسن الترابي والشيخ الغنوشي. واصل حيدر بتاريخ 22. ديسمبر مناقشة أفكار الغنوشي ومختتماً برد على خالد موسى، الذي سبقه بتاريخ 21. ديسمبر كردٍ على رده بعنوان مثير" حيدر إبراهيم والترابي والملاريا " انحرف النقاش عن مساره ليتحول الى نقاش وكأنه بين سوداني وسوداني ( خالد وحيدر ) وبين أفكار الترابي والغنوشي وكأنها مقارنة بين الحركة الاسلامية السودانية ( الجبهة الاسلامية القومية ) وحركة النهضة التونسية وما صاحب المداخلات من مخاشنةواتهامات متبادلة والزج بأسماء كتاب وناشطين سياسيين سودانيين، لا يعرف القراء العرب جلهم، لينقلب النقاش الى سجال لا يخدم الغرض الاساس دون أن أنكر طابعه الفكري.
في هذه الورقة المختصرة أود أن ابدى بعض ملاحظاتي الشخصية حول مقالات حيدر، بصفتي أحد أعضاء مؤسسة أبن رشد وعضواً في هيئتها الاستشارية، وهذا يعنى أن هذا المقال يمثل وجهة نظري الشخصية وليس الموقف الرسمي للهيئة الإدارية والاستشارية لمؤسسة بن رشد.. وسوف تنحصر ملاحظاتي قدر الامكان حول موضوع الجائزة وملابساتها فقط.
يكتب حيدر في الحلقة الأولى، "،وكنت لا أمانع لو كانت الجائزة لمواقفه من الديمقراطية السياسية أو التعددية رغم إسلاميته " ويصف الغنوشي" بأنه مقل في الكتابات الفكرية العميقة فقد شغلته السياسة عن الفكر والتأمل وأخذت الكثير من تفكيره ووقته.ربما لم ينتبه حيدر لمعايير منح الجائزة بشقيها فهي"لشخصية عربية (رجل أو امرأة) ساهمت بكتاباتها أو تأثيرها السياسي في إنضاج فكرة الإسلام المواكب للحداثة والتنوير وكذلك كداعم للمجتمع المدني في بناء الدولة العربية الديمقراطية الحديثة ". للغنوشي مساهمات كتابية عديدة وله تأثيره السياسي، فهو رئيس ثاني أكبر كتلة برلمانية حاليا، وكان رئيس أكبر حزب سياسي في تونس بعد الثورة. وهل له فعلاً موقف ضد الديمقراطية السياسية أو التعددية؟ كما يكتب حيدر. سوف أعود لهذه النقطة لاحقاً.
ويكتب حيدر " ولكن حين طالعت أسماء لجنة التحكيم زال استغرابي واستمر احتجاجي "
تبذل المؤسسة كل عام جهداً عظيماً في التنقيب والبحث واختيار أعضاء لجنة التحكيم من ذوي الاختصاص ومن على استعداد للتضحية بوقتهم للمشاركة في هذا العمل الطوعي النبيل. فأعضاء لجنة التحكيم الحالية لهم اسهاماتهم المقدرة في المجال الأكاديمي والحقوقي والنشاط السياسي.نذكر منهم تمثيلاً لا حصراً الدكتور حسن حنفي الاكاديمي العريق والأستاذ الجامعي والباحث العلمي منذ عقود وصاحب الانتاج الفكري الغزير وخاصة في الدراسات الاسلامية التراثية والاسلام السياسي ود. عبد الوهاب الأفندي أستاذ العلوم السياسية ومنسق برنامج الديمقراطية والاِسلام بجامعة ويستمنستر بلندن و له ابحاثه الاكاديمية واصداراته اللافتة مهما اختلفنا معه في توجهاته الفكرية والسياسية.
مثل هذه اللجنة لا تدعو الى الاستغراب بل تستحق الاشادة والتقدير.
يركز حيدر في نقاشه حول اسهامات الغنوشي على كتابه " الحريات العامة في الدولة الاسلامية " الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت عام 1989 ويعتبره الكتاب الفكري الوحيد للغنوشي اما بقية الاصدارات فهي لا تتعدى مجرد كراسات عن الحركة الاسلامية ومحدودة في طرحها للقضايا.
كتاب الغنوشي في الواقع هو رسالة دكتوره لم تناقش، وأنا أتساءل بدوري وببساطة شديدة، هل يتمسك الغنوشي فعلا بأفكار رسالته التي حررها قبل 25 عاماً دون تحوير أو تعديل؟ ليبقى الأساس الذي يعتمد عليه حيدر في نقده لأفكار الغنوشي، كأن الزمن ثابت والواقع لا يتغير. سوف اتعرض لهذه النقطة لاحقاً.
تعرض حيدر للكلمة التي قدمتها باسم المؤسسة في حفل التكريم وتعرض ايضاً لكلمة الباحث الألماني ميخائيل لودرز ولم يتعرض أطلاقاً لكلمة الغنوشي الضافية، ليتعرف على الأقل، على ما استجد من أفكاره ورؤياه. والكلمة نشرت بتاريخ 13.12. وفي نفس الموقع ( سودا نايل ) الذي نشر فيه حلقاته الثلاث.
-يشير حيدر في الحلقة الأولى، الى موقف الغنوشي من حكم الاسلاميين في السودان. ".ولكن (الغنوشي) اختار المبدأ الجاهلي(أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) فهو مطالب بتأييد أخيه الذي في السلطة ظالما أو مظلوما لكي لا يفقد هذه السلطة."
ويكرر نفس النقطة في الحلقة الثالثة وبإسهاب وبعنوان غليظ :
أما الثقب العظيم في الكتاب وفي فكر (الغنوشي) فقد ظهر في الجزء الخاص بالسودان، والذي عنونه: "الحركة الإسلامية في السودان وأنموذج الحكم في السودان" .(ص282 وما بعدها) .هنا يشير حيدر الى تبرير وتأييد الغنوشي الى الانقلاب الاسلاموي وتبخيس فترة الانتفاضة الشعبية والتجربة الديمقراطية. وما حققه حكم الاسلاميين من نجاح.
لقد اشرتُ بأن للغنوشي رأياً سالباً لتجربة حكم الاسلاميين في السودان ، لعل حيدر لم يطلع عليه، فأكرره هنا للمقارنة.
يعترف الغنوشي بفشل تجربة المشروع الحضاري في السودان علي عكس ما يروج له حيدر ابراهيم وقال ذلك في حوار منشور مع صحيفة اسلام اون لاين في ديسمبر 2010 اشار اليه الدكتور احمد ابراهيم ابوشوك في كتابه الانتخابات القومية في السودان. وفي هذا الصدد يقول الغنوشي عن فشل المشروع الحضاري في السودان: كان " أمراً واقعاً"؛ لأنه لا "يُتوقع ممن فشل في إدارة الحوار في صلب جماعته، أن ينجح في التوافق مع جماعات طالما أعلن عليها الجهاد؛ ولم يدخر وسعاً في التعبئة ضدها وتضليلها وتخوينها والحلف جهارً نهارا أمام الملأ أنه لن يعيد تلك الأحزاب الطائفية! هل يُتوقع ممن أسس مشروعه على استبعاد الآخرين والانفراد بالسُلطة، ونظر لذلك، ورتب عليه أمره أن يتراجع عن ذلك، ويتحول إلى ديمقراطي يحترم حقوق الآخر ويفي بما يعاهد عليه؟" لقد تحول المشروع " إلى حكم سُلطوي قامع، وتحولت طائفة كبيرة من رجاله إلى رجال دولة في حكم مستبد، يزاحم كثيرٌ منهم لنفسه ولأسرته علىالمشاريع التجارية، والشركات، والمناصب والمصالح، ويبذلون ما بوسعهم للاستئثار بالمناصب والمصالح لأنفسهم وأبناء قبائلهم1 "
أين هو قولك ياحيدر " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ؟
يعود حيدر من جديد للجنة التحكيم ويشير الى احكام الغنوشيومساندته للنظام السوداني الاِسلامي القمعي الحاكم ، وبدلاً من أن يكشف لنا عن عدم استغرابه بعد أن طالع أسماء لجنة التحكيم. يكتب حيدر:
" وللقارئ الكريم أن يتصور أن قائل هذه الأحكام، قد تُوج هذا العام بجائزة (ابن رشد) للفكر الحر. وبالتأكيد أن لجنة التحكيم لم تتابع إنتاج الشيخ (راشد الغنوشي) جيداً أو لها أهدافاً لا صلة لها بالفكر الحر "(التشديد من عندي) لماذا الاستخفاف بأعضاء لجنة التحكيم والتقليل من شأنهم وهم أعلام ملء السمع والبصر في قضايا الفكر والإسلام السياسي ، ولماذا العجلة وهذا الحكم المتسرع؟
يكتب حيدر " استوقفني سؤال السيد (لودز): ما هو الإسلام الذي نريده للشعوب العربية؟ وكم منه نريد في السياسة والحياة اليومية؟ وقد وجد الرد هو والاستاذ (خالد دفع الله) في دستور (الغنوشي) مؤسس على نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه واحدا من أركانه، وحذف الشريعة كأحد مصادر التشريع، كما حددت نصوص الدستور الفصل بين الدولة والدين، وتعزيز حقوق المرأة. وأيضا ردا على قتل
السياسيين المعارضين وضعت عقوبة جنائية تجرم التكفير الشائع بين السلفيين والجهاديين. وتنازله عن العديد من القواعد والمرتكزات التي وسمت توجهاته الدينية مثل إباحة الخمر والاحتفاظ بأدوات الترويج
السياحي والمساواة بين الرجل والمرأة. والسؤال: ماذا تبقي من مقومات الدولة الإسلامية؟ ولماذا يأخذ مثل هذه النظام صفة إسلامي وما الذي يميزه عن أي نظام علماني ليبرالي آخر؟ "
إنني لا أفهم هذا الجدل أو هذا الطعن (Polemik) ، هل يعيب حيدر على الاِسلاميين التخلي عن اسلاميتهم؟
يكتب راشد الغنوشي " ومن هنا تأتي أهم إضافة أضافتها الحركة الإسلامية في تونس للفكر الاِسلامي المعاصر، ألا وهي الانتقال في التعامل مع الفلسفة الغربية وكيفية النظر فيها من مرحلة النقد المطلق الذي يفقد هذه النظريات أي وجهٍ للحق باعتبارها باطلاً محضاً إلى مرحلة "الرفضالنسبي" أو التعامل الموضوعي، وهو ما أفسح المجال أمام إمكان قيام علاقات حوار وتفاهم وتعاون بين التيار الاِسلامي والتيارات العلمانية: ليبرالية ويسارية، ومن ذلك الدفاع عن الحريات وعن مؤسسات المجتمع المدني وعلى استقلال المنظمة النقابية" .
ويواصل الغنوشي " ولا بد من الاعتراف بأنه كثيراً ما تعامل الفكر الاِسلامي من موقع ردة الفعل مع الفكر الغربي، وإذا كان العلمانيون العرب قد قبلوا الفكر الغربي؛ كمطلقات وإذا كان الماركسيون قد اعتبروا ماركس الناطق باسم الحقيقة، فقد حاول بعض الاِسلاميين أن يرفضوا بالجملة كل ما جاء من الغرب. ومن معاني العدل النظر الموضوعي في كل ما يعرض، والتعامل الاِيجابي مع الاِرث البشري كما تعامل ابن رشد وآخرون مع الفكر اليوناني فقبلوا ما رأوا فيه من حقٍ ينسجم مع الاِسلام، ورفضوا ما فيه من باطل. " ( راشد الغنوشي – من تجربة الحركة الاِسلامية في تونس، ص 39 و40، دار المجتهد للنشر والتوزيع 2011) . هل فعلاً لم يغير الغنوشي أفكاره ورؤياه منذ أن اصدر كتابه قبل 25 عاماً؟
يقول الغنوشي في كلمته أثناء الاحتفال:"... ابن رشد، العلامة الموسوعي، الفيلسوف الحكيم، الفقيه والاصولي، الذي لاقى فكره الحر ضروباً من العنت ولكنه صمد، واستطاع أن يمتد في التاريخ، وأحسب أن الثورة التونسية هي امتدادٌ على نحو أو آخر للفكر الحر، فكر ابن رشد وفكر ابن خلدون،... ابن رشد أكد في فكره الفلسفي وفي رسائله على معانٍ أساسية، نحن اليوم في البناء الديمقراطي التونسي نحن نحرص عليها أشد الحرص... ابن رشد أكد على معنى التوافق، قيمة التوافق، بين الدين والعلم، بين الفلسفة وبين الدين. ... تعيش اليوم في تونسثلاث مدارس أساسية – المدرسة الدستورية والمدرسة اليسارية والمدرسة الإسلامية. هذه المدارس في الحقيقة كلها امتداد لفكر ابن خلدون وفكر ابن رشد، لهذا الفكر الإصلاحي.
... . تناقضت هذه المدارس ولكنها اليوم تعود إلى نفس الجذور الخلدونية والرشدية تعود إلى فكر الاصلاح. والثورة التونسية وهي امتدادٌ لهذا الفكر برهنت على أن التونسيين على اختلاف مدارسهم يمكنوا أن يتوافقوا، أن التونسيين على اخلاف فكرهم يمكنوا أن يصنعوا دستوراً مشتركاً، دستوراً تقدمياً ... دستوراً لا يُحدث التصادم، لا يؤمن بالتصادم بين الاسلام وبين العلمانية وبين الاسلام والعقل وبين الاسلام والحرية والديمقراطية وإنما يقوم على معنى التوافق. فالدستور التونسي في الحقيقة هو تجسيدٌ لهذا التوافق الذي ناشده ابن رشد وابن خلدون وناشدته الحركة الإصلاحية، فكر التوافق وليس فكر التناقض وفكر التصادم.... . ولكننا إذا استطعنا أن ننمّي في تونس نموذجاً للانتقال الديمقراطي السلس حيث يتوافق الاسلام مع الديمقراطية وحيث يتوافق الاسلاميون مع العلمانيين هذان التياران اللذان تصارعا خلال نصف قرن. تونس برهنت أنهما قادران على أن يتعايشا." . فهذه الإستشهادات التي عظم فيها الغنوشي من التوافقية وأنكار الصدام والتناقض والدعوة للتعايش بين التيارين الإسلامي والعلماني تقف دليلا علي رؤية الرجل للآخر المخالف علي عكس ما يزعم حيدر.وهل فعلاً كما يقول حيدر " ولا شك أن (ابن رشد) قد تقلب في مرقده حين سمع فكر حامل جائزته تجاه الآخر المختلف " ؟. وفي ذات الصدد يكتب حيدر في مقدمة حلقته الأولى " وكنت لا أمانع لو كانت الجائزة لمواقفه من الديمقراطية السياسية أو التعددية رغم إسلاميته" اليس هذا يا أخ حيدر موقفا واضحا وبناءً من الديمقراطية السياسية أو التعددية؟.
و على سبيل المثالفإذا كنت تونسيا فإنني لا أطالب الغنوشي التخلي عن دينه أو عقيدته أو عن مفهومه الاِسلامي في القضايا الكبرى مثل الأخلاق والخير والحرية والعدل و أطالبه بالمثل،و ألا يقوم بالتضييق والتقييد لحريتي كحق طبيعي ولا بممارسة الوصاية علي الناس. وأن أملك حق المواطنة الغير منقوصة مثل سائر أفراد المجتمع وأن يدخل من خلال حركته مع سائر الأحزاب السياسية الأخرى والنقابات في حوار بناء ومثمر حول القضايا العامة بهدف الوصول إلى الاِجماع الوطني. وهذا ما تجسد بالفعل، في إجازة الدستور التوافقي في 26. يناير 2014، والذي يقفل الطريق امام إقامة دولة دينية أو كليانية . واذا قيض لهذا الدستور الثبات وسلامة وأمانة التطبيق، تكون حركة النهضة التونسية وضعت البذرة الأولى ليتجاوز الاِسلام السياسي أزمته التي بلغت ذروتها في داعش .
لقد بذل الصديق حيدر جهداً طيباً ومخلصاً وما يفرضه البحث الجاد من عناء ومشقة ووقت . فقدم مادة جيدة حول الشيخ الغنوشي متتبعاً مساره منذ تاريخ ميلاده ودراسته ونشاطه السياسي وأعماله، التي تناولها حيدر بالنقد ومستشهدا بآراء كثير من الكتاب والناشطين السياسيين الذينيشاطرونه الرؤية ويدعمون وجهة نظره في نقد الغنوشي.
وهذا الجهد ينطلق أيضاً حسبتقديري من حرصه و احترامه وتقديره لمؤسسة ابن رشد. واحب أن اذكر القارئ الكريم، بأن المؤسسة اختارت حيدر إبراهيم كأحد أعضاء لجنة التحكيم لجائزتها عام 2003 والتي فاز بها أستاذ تاريخ الفكر الاِسلامي محمد أركون.
دعونا الآن أن نغض الطرف الى حين، عن الغنوشي دارس الفلسفة والناشط السياسي الذي عانى من السجن والمنفى من أجل الدفاع عن قناعاته ورؤياه والذي قاد حزبه بحكمته وصبره وخبرتهباتخاذ القرارات والتنازلات الصعبة من أجل الوصول إلى إجماع يضم جميع الأطراف ليجنب بلاده الانزلاق الى حرب أهلية مدمرة، كما نشاهدها اليوم في العراق وسوريا وليبيا، ودعونا نتحدث فقط بلغة حيدر عن الغنوشي، فهو القائل:" الشيخ الغنوشي سياسي حركي إسلامي مجتهد ومتقدم على كثير من رصفائه في الحركة الاِسلاميةوهو يستحي ويخجل ويحترم شعبه ويضع له اعتباراً ويمكن وصفه أحياناً باللطف، وللفلسفة والتصوف مسحة في سلوكه ويحب كل ما هو جميل "
الا تستحق هذه الشخصية يا أخ حيدر التكريم والاحترام والتقدير؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.