السنغال تعمق جراح موريتانيا بعد السودان    ((خواطر …… مبعثرة))    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    جون مانو يقترب من اهلي بنغازي    رئيس بعثة منتخبنا الوطني الى جوبا يضع النقاط فوق الحروف…محمد سيد أحمد: الشكر لسعادة الرئيس سلفا كير والمستشار توت    البرهان يؤكد عزم القوات المسلحة القضاء على المليشيا الإرهابية وأعوانها    مجزرة ود النورة... هل تسارع في تصنيف مليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية؟    المدير العام لقوات الشرطة يؤكد ان قوات الاحتياطي المركزي قدمت تضحيات كبيرة في معركة الكرامة    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي وفد هيئة شورى الفور    مصدر دبلوماسي : الخارجية السودانية لم تتواصل مع نظيرتها السعودية بشأن إيقاف المواطن (المصباح أبو زيد طلحة)    قرار ولائي باغلاق المدارس بجميع المراحل الدراسية بالولاية    وصلت 50 درجة مئوية.. ما وراء موجة "الطقس شديد الحرارة" في مصر؟    منتخب مصر يواجه أزمات قبل موقعة غينيا بيساو بتصفيات المونديال    تحقيق أوروبي.. استثمارات ل"اتصالات الإماراتية" في بلغاريا والمجر وصربيا وسلوفاكيا    ماكرون وبايدن يعبران عن مخاوفهما إزاء عمليات نقل الأسلحة من إيران وكوريا الشمالية    حبس عمرو دياب.. محامٍ يفجر مفاجأة عن "واقعة الصفع"    اتحاد الكرة السوداني يشيد بحكومة جنوب السودان    تحديات تنتظر رونالدو في يورو 2024    انقطاع الكهرباء والموجة الحارة.. "معضلة" تؤرق المواطن والاقتصاد في مصر    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تضع زميلتها ندى القلعة في "فتيل" ضيق: (هسا بتجيك نفس تحملي في أوضة وبرندة وسط 13 نفر وفي ظروف الحرب دي؟)    شاهد بالفيديو.. شاب من أبناء "الشوايقة" يتوعد القائد الميداني للدعم السريع "جلحة": كان فضلت براي في السودان ما بخليك (جاك الوادي سايل أبقى راجل عوم والمطر البدون براق جاك يا الشوم)    نصائح مهمة لنوم أفضل    أديب: الحكومة الجديدة تحتاج "سوبر مان" لمواجهة التحديات    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    الجزيرة تستغيث (4)    انتظام حركة تصديرالماشية عبر ميناء دقنة بسواكن    "كعب العرقي الكعب" .. وفاة 8 أشخاص جراء التسمم الكحولي في المغرب    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في صناعة الرأي الاستشاري .. بقلم: د. الطيب حاج عطية
نشر في سودانيل يوم 08 - 02 - 2015

يتطلب من الاستشارات الغنية بالمعرفة وصناعة الرأي الاستشاري أن تساعد المجتمعات النامية على مواجهة المشاكل والأزمات المهولة والمتطاولة التي تتعرض لها، ويتراوح مدى ودرجة تعقيد تلك المشاكل بالقطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لكن على الرغم من حاجة مؤسسات القطاع الرسمي والقطاع الخاص للرأي الاستشاري فإن المحاولات لصناعة الرأي الاستشاري لكي يؤثر على المعالجات الجادة لإصلاح الحكم غالباً ما تواجه بمقاومة متواصلة وماكرة، كما أن الأزمات المتعددة الأوجه لا يساعدها عدم الترحيب بالتدخل المتخصص.
على الرغم مما ذكر أعلاه فإن هناك حاجة متنامية للرأي الاستشاري من الجانب الحكومي لأن آليات الدعم الرسمي لا تستطيع تقديم الرأي الاستشاري بطريقة مواتية ومرضية إذا أخذنا في الاعتبار سيولة وحساسية وتعقيد القضايا على النطاق الدولي والإقليمي والمحلي.
قد تختار النخبة الحاكمة سبباً لعدم حماسها للرأي الاستشاري، ومن ذلك ما تسميه منافسة حادة أو تدخل غير مرغوب فيه أو تدخل صريح وغير مبرر في العمل الرسمي. وقد لا تود تلك النخبة في أن تبدو كجماعة تنقصها الكفاءة أو تعتمد على الآخرين، وقد ترغب في احترام تفويضها والبقاء ضمن الحدود المرسومة، وعلى كل حال تظل الحاجة لدعم الباحثين ومجموعات الرأي الاستشاري المتخصصة قائمة ولكنها غير مطلوبة. وفي حال إصرار الحكومة على عدم ترحابها بالرأي الاستشاري فإن الأمر يقتضي من مؤسسات صناعة الرأي الاستشاري أن تبتدع طرقاً مبتكرة بالنسبة لتقديم أو إتاحة الرأي الاستشاري للإدارات الحكومية.
تصف هذه الورقة الموجزة تجربة معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم، أعرق وأكبر وأميز الجامعات السودانية. والنموذج الذي تبناه معهد أبحاث السلام (وهو مؤسسة حديثة نسبياً بالجامعة) هو نتاج لتاريخ السودان الحديث المضطرب. وقد أتت برامج الأبحاث والبعثات الأكاديمية والتعديلات الهيكلية كاستجابة للتغييرات الملحوظة بالمجتمع، لذلك لابد من تقديم تعريف موجز للأوضاع السياسية الاجتماعية في السودان لكي نتفهم بشكل أفضل دور ومساهمة معهد أبحاث السلام كمؤسسة متخصصة في صناعة الرأي الاستشاري.
تحليل أوضاع السودان
السودان عالق في المرحلة التاريخية التي تغمر القارة الأفريقية بشكل شبه تام، تحديداً الانتقال العسير والمتطاول نحو بناء الأمة، وطبقاً لذلك يتميز الموقف السوداني الراهن بالانتقال من الحرب الأهلية إلى السلام النسبي، ومن الشمولية إلى الوعد الديمقراطي، لذا يتوجب علينا أن نأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية الاقتصادية التي تؤثر في الانتقال، إذ تقدم اتفاقية السلام الشامل فرصاً وتحديات على طريق الديمقراطية والسلام الدائم.
فضاء متنوع
السودان قطر متعدد المكونات وذو مساحة شاسعة، يتنوع طقسه ويمتد من الصحراء الكبرى إلى الغابات والبيئة الاستوائية بالجنوب، ويتميز المشهد السوداني بتنوعه الاجتماعي والثقافي، فالمجتمع السوداني مجتمع متعدد الأعراق والثقافات والأديان واللغات، كما أن كل المجموعات العرقية الإفريقية المتوطنة ممثلة في السودان ما عدا مجموعة واحدة.
للسودان حدود مع تسع دول إفريقية وشريط ساحلي طويل على البحر الأحمر، ويشترك في 50 مجموعة عرقية وقبيلة مع الدول المجاورة بما فيها مصر، وجمهورية الكنغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا.
سياق النزاع
ينتمي السودان إلى أنظمة النزاعات الإفريقية المتطاولة الثلاثة:
اتضح بالتجربة أن الأبحاث على مستويات النزاعات الكبيرة والصغيرة، والأسباب الجذرية للنزاعات، والحلول المحتملة، هي مجال مطلوب في بناء الرأي الاستشاري.
- نظام نزاع البحيرات الكبرى
- نظام نزاع القرن الإفريقي
- نظام نزاع غرب السودان الذي ينبع من دارفور ويتضمن ستة دول أخرى: (تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا الجنوبية والنيجر والكاميرون).
لقد أدت التدخلات المتعددة للنزاعات وتسربها إلى المناطق المجاورة وتأثير العمليات الفرعية عليها إلى تأججها واستدامتها بالسودان والبلدان المجاورة، ودراسة نظم النزاع تلك من منظور محيطها الجغرافي والسياسي النظري فقط سيعطي صورة مشوهة كما هو الحال في علاقة السودان بتشاد حيث تسود هذه العلاقة تدخلات وغزوات واعتداءات عبر الحدود في الوقت الذي قسمت فيه الحدود الاستعمارية الشعب الواحد في دولتين.
يؤدى سوء إدارة التنوع إلى التخاصم والتنازع، وتوجد عدة دراسات حول الأسباب الجذرية للنزاع بالسودان، والتي تتضمن ما يلي:
- التنافس على المصادر الطبيعية
- المشاكل النابعة من سوء الحكم في غياب أي معادلة ذات مصداقية لاقتسام السلطة والثروة
- عدم وجود منظور مستقبلي للتنمية الاقتصادية وفقدان أي استثمار حقيقي بالنسبة لتوفير الخدمات الأساسية والتنمية البشرية والبنيات الأساسية الحيوية
- سوء إدارة التنوع
السياق الاقتصادي
كانت الميزانية العامة السنوية لعام 2009م تحت الدراسة من قبل المؤسسات الحكومية، وتبين الأرقام الرسمية تحسناً ملحوظاً في الأداء العام وفي بعض المؤشرات بفضل الإيرادات المتحصلة من صناعة النفط الوليدة، لكن الميزانية الجديدة تم تحميلها بمنصرفات مقدرة لمجابهة الالتزامات الناجمة عن اتفاقيات السلام الثلاثة والنزاع القائم والصرف الزائد على القطاعات غير المنتجة. وستكون معالجة ضعف قطاع الخدمات العامة وإزالة الفقر والتنمية البشرية وانسياب الثروة الجديدة من مهام المخططات المستقبلية. كذلك يتعرض الموقف الاقتصادي لتهديد كبير من قبل الأزمات الاقتصادية العالمية والهبوط في أسعار النفط ويهدده عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
النزاع ومستوى بناء السلام
يتميز كل نزاع في السودان بدرجة من الحدة إلا أن دارفور تحتل المرتبة الأولى بالنسبة لاهتمام العالم بالمقارنة مع المواقف النزاعية الأخرى، لكنها جميعاً تتطلب مراقبة لصيقة. وينبغي أن تكون معالجة تلك النزاعات متوافقة مع المستوى أو المرحلة التي تم التوصل إليها في بناء السلام، فنزاع دارفور نزاع نشط وساخن وينتظر التوصل إلى اتفاق سلام ذي مصداقية ليتم مناقشته وتوقيعه. كذلك بدأ للتو تنفيذ اتفاق السلام الخاص بنزاع شرق السودان، وسيكون مشوار ذلك التنفيذ طويلاً، أما بالنسبة للنزاع بين الشمال والجنوب فإن عملية تنفيذ اتفاق السلام قد قطعت شوطاً مقدراً على الرغم من بطء التنفيذ والعوائق.
تتطلب كل هذه العمليات الفرعية أراء استشارية متعددة القطاعات لتساعد الحكومة والجماعات المتمردة ومجموعات المجتمع المدني على المشاركة في بناء السلام والديمقراطية. وزيادة على العوامل الاجتماعية الاقتصادية والسياسية المتنوعة المذكورة أعلاه والتي تميز المجتمع السياسي السوداني فإن عوامل رئيسية أخرى والتي نراها في العديد من البلدان الإفريقية تطفو على السطح كعوائق ينبغي تجنبها، على سبيل المثال:
ضعف النمو الاجتماعي الاقتصادي
عدم الاستقرار السياسي
الدورة الشريرة للحكم العسكري المدني
سوء إدارة التنوع والتعددية
سيادة النظم والثقافات التقليدية
الفصام ما بين نظم الحكم الدينية والمدنية
الوعد الديمقراطي البعيد المنال
الحكمة التقليدية
المجتمعات التقليدية لا تخلو من "مؤسسات" و"آليات" الرأي الاستشاري الخاصة بها، فقد قامت مجالس الأعيان ومجموعات الحكمة بتقديم الرأي الاستشاري للمجتمعات والقادة التقليديين طوال التاريخ القبلي. وقد حظي دورهم بتقدير أكبر آنذاك بالمقارنة مع مجموعات الرأي الاستشاري الحديثة إزاء الحكومات الحديثة. وينبع تبرير وجود تلك المجالس والمجموعات من الممارسات والثقافات والأديان التقليدية.
صناعة الرأي الاستشاري الحديثة
مع قدوم الاستقلال والحكم البرلماني بالسودان في 1956م جرت عدة محاولات لتقديم الرأي الاستشاري وتقنين وصياغة السياسات بشكل أفضل وقد لعبت جامعة الخرطوم دوراً في هذا المجال، فأسهمت بصفتها عامل غير تابع للحكومة على مجال الاستشارية والرأي الاستضشاري لكنها لم تحتكره. وقد عرف السودان في فترة ما التقليد الخاص بخلق المؤسسات الغير رسمية لدراسة وتقصي بعض القضايا المحددة وتقديم النصح بشأنها، ومن أبرز تلك المؤسسات خلال السنوات الأخيرة مفوضية جنوب السودان لعام 1958م، والمائدة المستديرة بالخرطوم لعام 1965م، واللجنة اللامركزية لعام 1983م، ولجنة إصلاح التعليم العالي لعام 1997م... الخ. وفي البداية رحبت الحكومات بمبادرات مجموعات الرأي الاستشاري، لكن مصير نتاج جهودهم تنوع طبقاً للجو السياسي، وقد أثرت دائرة الحكم العسكري/ المدني الشريرة على مواقف العرض/ الطلب للرأي الاستشاري. وقد لجأت الأ،ظمة الشمولية إلى مؤسساتها المنغلقة للحصول على الرأي الاستشاري المطلوب، إلا أنه كان هناك موقف أكثر انفتاحاً خلال فترات الليبرالية والديمقراطية القصيرة. وكانت الوزارات والإدارات تقوم بعملها بشكل روتيني دون أن تتوقع أو تطلب مساعدة من أي جهة كانت. وتعزى الإخفاقات العديدة والتحليل الغث والتخطيط الضعيف الذي ميز أداء الحكومة حتى يومنا هذا إلى البيانات المنقوصة والمؤسسات الإحصائية التي تنقصها الكفاءة.
برزت ثقافة عمل جديدة ودب الأمل من جديد بعد توقيع اتفاق السلام الشامل في يناير 2005م، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرز اتضح أن تنفيذ اتفاق السلام الشامل هو عملية عسيرة ومراوغة ولا نهاية لها. وخلال صراعها مع تلك العملية قامت الحكومة بتوقيع اتفاق سلام دارفور واتفاق سلام شرق السودان، كما شكلت حكومة وحدة وطنية وبرلمان تمثيلي غير منتخب بناءً على نصوص اتفاق السلام الشامل، وكانت هناك حاجة إلى إصلاح قانوني ليتماشي مع الدستور الانتقالي لعام 2005م. بالإضافة إلى ما ذكر كان على الحكومة أن تواصل جهودها الجادة في كل مجالات التنمية الاجتماعية الاقتصادية الشاملة كما كان عليها في نفس الوقت مواصلة عملها اليومي الخاص بإدارة البلاد المثقلة بالمشاكل. الحكومة بلاشك كانت تحتاج إلى المساعدة والدعم، خاصة بالنسبة للطاقات البشرية والمادية التي كانت ضعيفة أو نادرة.
كل هذه الضغوط دفعت الحكومة للبحث عن الرأي الاستشاري، وحتى إلى بناء مؤسسات صناعة الرأي الاستشاري الخاصة بها عبر مراكز طيعة وغير منتقدة ومروضة وبالتالي تم تمهيد الطريق لقيام مؤسسات الرأي الاستشاري والأبحاث الاستشارية الخاصة والأكاديمية والمستقلة.
من بين المراكز التي تشجعها وتدعمها الحكومة يمكن أن نعدد المراكز التالية:
مركز الدراسات الإستراتيجية.
مركز دراسات المستقبل.
مركز دراسات إفريقيا والشرق الأوسط.
ومن بين مراكز الرأي الاستشاري والأبحاث الاستشارية المستقلة يمكن ذكر المراكز التالية:
مؤسسات اتجاهات المستقبل.
مركز الخرطوم لحقوق الإنسان.
مركز الخرطوم للتنمية والديموقراطية.
وقد حثت وزارة التعليم العالي الجامعات الأخرى على تأسيس مراكز سلام خاصة بها بعد تأثرها بمثال جامعة الخرطوم، وأنشأت جامعة جوبا سلفاً مركز السلام والتنمية الرائد والذي يتركز عمله على القضايا المتعلقة بالحرب في الجنوب. كذلك قامت مراكز أخرى في:
جامعة الفاشر (دارفور)
جامعة نيالا (دارفور)
جامعة الدلنج (جبال النوبة)
جامعة السودان (الخرطوم)
ولا زالت كل مؤسسات الرأي الاستشاري العام تلك وأخرى غيرها تحاول أن تتلمس طريقها، إلا أنه من الواضح أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون قادرة على التأثير على الأوضاع المتحركة، وماتزال تجربة جامعة الخرطوم تجربة ريدة من نوعها إذ أنها استطاعت من خلال جهودها الخاصة بصناعة الرأي الاستشاري أن تسود هذا النشاط لفترة طويلة.
دور جامعة الخرطوم
لعبت جامعة الخرطوم التي هي أم الجامعات السودانية والتعليم العالي في السودان دوراً محورياً في تقديم الرأي الاستشاري والخبرات والكوادر المؤهلة لدعم الحكومة والتنمية بالبلاد، وقد كانت على الدوام محفزاً رئيسياً للتغيير، كذلك يعلم الجميع أن مؤتمر الخريجين لعام 1938م، وثورة 1964م وانتفاضة عام 1985م قد نبعت جميعها من جامعة الخرطوم.
في عام 1959م طورت الجامعة برامج الخدمات على البعد والخدمات المجتمعية (الإضافية)، ومن خلال تلك البرامج استطاعت أن تستهل مؤتمر اركويت الشهير الذي أجرى أبحاثاً وأدار حوارات حول مشاريع التنمية وقضايا المنطقة، فكانت الوزارات والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات المختلفة حاضرة في الحوارات وصياغة السياسات. وقد قدم الرأي الاستشاري بطريقة تشاركية وتم تمليكه لجميع الجهات المختصة بما في ذلك الحكومات المركزية والإقليمية، كما تم نشر المناقشات على نطاق واسع، مما شجع مؤسسات أخرى بالجامعة على التواصل والتعاون مع المجتمع والحكومة.
وفي مرحلة حرجة من تاريخ البلاد حين جعلت الكيمياء الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية والسياسية للمنطقة من جعفر نميري معبوداً للغرب حيث بدأ العون التنموي في الانسياب إلى البلاد، فنتج عن هذا حوار نشط حول التنمية والحكم الراشد والسلام والتعايش السلمي، وكان ذلك هو الوقت الذي قامت فيه جامعة الخرطوم بإنشاء:
معهد الدراسات والبحوث الإنمائية
معهد الدراسات الإفريقية الآسيوية
معهد الدراسات البيئية
معهد أبحاء البناء والطرق
كذلك تم إنشاء مؤسسات صناعة الرأي الاستشاري والأبحاث والاستشارات في المجالات الطبية والتعليمية والزراعية.
لقد كانت تجربة معهد أبحاث السلام مع الحوار التشاركي لصناعة الرأي الاستشاري ذات مؤشرات إيجابية، حيث ساعدت في دعم وتمليك الرأي الاستشاري في المجالات الخلافية مثل النزاعات وبناء السلام.
معهد أبحاث السلام
شعرت الجامعة بالحاجة إلى توسيع جهودها في مجال حل النزاعات وبناء السلام، فتم إنشاء معهد أبحاث السلام في عام 1985م كمركز، وتم ترفيعه إلى معهد كامل التأسيس في عام 1999م. وقد أرادت الجامعة للمعهد أن يعمل كمنبر للجامعة يبتدر ويقود ويتعاون في مجالات بناء السلام بالبلاد، والتي تتضمن الأبحاث وبناء القدرات والاستشارات وتوفير المنابر للحوار.
معهد أبحاث السلام وتقديم الرأي الاستشاري
معهد أبحاث السلام هو معهد صغير تابع لجامعة الخرطوم وذو مصادر مادية محدودة، وعلى الرغم من ذلك فهو معهد نشط للغاية. ويتراوح مدى الأراء الاستشارية التي يقدمها المعهد من المستويات الصغيرة إلى المستويات القطاعية والكبيرة، وقد ظل يتبع النهج الكلاسيكي في صناعة المعرفة التشاركية التي تبنتها الجامعة. وقد اختار المعهد الأساليب التشاركية في صناعة الرأي الاستشاري لخيارات السياسات وشجع كل الشركاء على تملك ذلك الرأي الاستشاري.
يتمركز تفويض معهد أبحاث السلام على دعامتين رئيستين:
1. الانتقال إلى الديمقراطية
2. حل النزاعات وبناء السلام
يعرف هذان الرافدان معاملات عمل المعهد. وقد تميزت نشاطات المعهد بلسلسة أعرض من الأهداف والخطوط الإرشادية لكي يوسع مجال وتنوع عمله. تتضمن تلك الأهداف ما يلي:
تجسير الاختلافات سواء كانت اختلافات سياسية أم اقتصادية أم ثقافية عبر الحوار المهيكل والمطلع.
ترقية الإجماع على قضايا السياسات العامة.
استغلال البحث المطلع لدعم الحوار الموضوعي وتمكين صناعة القرار العلمي.
إرساء دعائم التنمية الاجتماعية الاقتصادية والتنمية الدستورية، ودعم الأمن الإنساني، وبناء علاقات وشبكات التعاون على أساس الثقة المتبادلة.
وقد كان للحماس الذي استقبلت به نشاطات المعهد الأثر الكبير في حثه على توسيع نطاق تفويضه بحيث يقوم الآن بما يلي:
توفير البيانات والمعلومات والاستشارات والرأي الاستشاري.
تشجيع وتبني الأساليب التشاركية الخاصة بصناعة الرأي الاستشاري والاستشارات.
التوسيع المضطرد لدائرة الشركاء والمستفيدين.
الاتصال الشبكي على المستويات المختلفة.
توفير المعلومات وإتباع سياسة الباب المفتوح لوسائل الإعلام المحلية والعالمية.
طباعة الحوارات والمناقشات في شكل ورقي وأقراص مدمجة إن سمحت الإمكانيات.
أنشطة معهد أبحاث السلام
يعقد المعهد المؤتمرات والسمنارات وورش العمل والموائد المستديرة العالمية والإقليمية والمحلية، ويتم تخطيط وتنفيذ معظم العمل من قبل أعضاء هيئة التدريس بالجامعة والخبراء بالمؤسسات المختلفة. وقد كان المانحون كرماء مع المعهد وتود الحكومة الآن الدخول في مشاريع مشتركة مع المعهد. ويعيق نقص الموارد المادية والظروف الغير مواتية مخططات المعهد للعمل بالأقاليم المختلفة، وقد تم إحراز بعض التقدم في حالة دارفور، حيث أن نشاطات المعهد جارية الآن في ذلك الإقليم.
برامج معهد أبحاث السلام
1. برنامج الانتخابات: عقد المعهد العديد من المؤتمرات وورش العمل والسمنارات الخاصة بشئون الانتخابات في السودان. وقد قدم المعهد أول نصل لقانون الانتخابات عن طريق مفوضية قومية مستقلة، وقد أثار ذلك النص نقاشاً واسعاً ورفع من درجة الاهتمام بقضايا الانتخابات والاستفتاء. وتستعمل الكتب التي صدرت عن تلك النشاطات بشكل واسع في كل أنحاء البلاد.
2. برامج الإنذار المبكر بالتعاون مع الإيقاد وحكومة السودان وال جي تي زد الألماني.
3. برنامج أبحاث النزاعات الكبيرة والصغيرة بالتعاون مع معهد مايكلسو النرويجي.
4. المشورة الشعبية حول مستقبل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق مع بعثة الأمم المتحدة بالسودان (يوناميس).
5. مشروع سلام دارفور مع العديد من الشركاء والمانحين (برنامج الأمم المتحدة للانماء بعثة الأمم المتحدة بالسودان يوناميس ومعهد ماكس بلانك وفيز الألمانية وآخرين).
6. مشروع تأثير حكم القانون برنامج الأمم المتحدة للإنماء.
7. المشروع المركزي الحالي لدعم اتفاق السلام الشامل مجموعة من المانحين.
8. مشروع وثيقة سلام دارفور بالمشاركة مع معهد ماكس بلانك بهايدلبيرج.
تتضمن النشاطات المستقبلية لمعهد أبحاث السلام ما يلي:
التعامل مع ارهاصات مطالب المحكمة الجنائية الدولية من السودان.
البحوث والندوات حول تأثير الأزمات الدولية على السودان.
السودان وأنظمة النزاع الإقليمية الثلاثة.
مستقبل دارفور، بالتعاون مع معهد ماكس بلانك الألماني.
الدروس المستفادة:
يواجه معهد أبحاث السلام في الوقت الراهن مسئوليات هائلة ومهام جسيمة، فالموقف السوداني يتغير بشكل يومي كما أن كمية بيانات المعلومات ضخمة، وينتظر أن يتم التقييم السليم للعمل في أوقات لاحقة، وعلى الرغم من ذلك فقد تمت الاستفادة من بعض الدروس الرصينة:
ليس صحيحاً أن المستفيدين المفترضين بالضرورة يرحبون بالرأي الاستشاري المستخلص من الأبحاث المطلعة.
التقاليد الشمولية والسلطوية لن تزول بتوقيع المعاهدات لأن زوالها هو عملية اجتماعية طويلة ومضنية.
تكون هناك دائماً حاجة لتحديد الاحتياجات.
يتم التوصل إلى نتائج أفضل والتأثير على دائرة أوسع عن طريق البحث التشاركي.
ينبغي تقديم نتائج البحوث للنقاش والحوار عالي التركيز، إن أمكن ذلك.
ينبغي أن تتسم نشاطاتنا بالشفافية.
إعداد مشاريع قوانين للإصلاح.
يتوجب علينا إعداد نماذج (برامج الأحزاب، ورقة عمل للنوع... الخ).
مواصلة برامج الأبحاث الحالية.
نختم هذه الورقة بالملاحظات الختامية التالية:
1. الرأي الاستشاري حسب العرض والطلب: يتم على الدوام بذل الجهود لتحديد الأبحاث المطلوبة، وقد اتضح بالتجربة أن الأبحاث على مستويات النزاعات الكبيرة والصغيرة، والأسباب الجذرية للنزاعات، والحلول المحتملة، هي مجال مطلوب في بناء الرأي الاستشاري. وهناك مجال آخر ينبغي خدمته، ويتمثل في النماذج والأطر الخاصة بالبناء المؤسسي، مثال لذلك مسودات البرامج للأحزاب السياسية، ومشاريع القوانين. وهناك حاجة ثالثة إلى إصدارات دورية تحمل موضوعات متخصصة عن الاهتمامات العامة المتعلقة ببناء الدولة للسلام.
2. الرأي الاستشاري التشاركي: لقد كانت تجربة معهد أبحاث السلام مع الحوار التشاركي لصناعة الرأي الاستشاري ذات مؤشرات إيجابية حيث ساعدت في دعم وتمليك الرأي الاستشاري في المجالات الخلافية مثل النزاعات وبناء السلام.
3. شفافية النتائج: لقد بينت تجربة معهد أبحاث السلام أن شفافية نتائج الأبحاث عامل رئيس في النجاح والتأثير، ويتم نشر ومشاركة أبحاث المعهد على نطاق واسع بالموائد المستديرة للشركاء المتعددين، لكن تؤكد خبرة المعهد كذلك أن معاملات الشفافية تتطلب إجراءات بناء ثقة استثنائية، وبذلك تصبح مهارات تحديد رواد السلام مع الحكومة وخارجها هي مهارات جوهرية.
4. بيئة الديمقراطية والسياسة المبنية على الرأي الاستشاري: تبين تجربة معهد أبحاث السلام أن الطلب على الرأي الاستشاري الشفاف والصريح لا زال ضعيفاً، لكن هناك أمل أن تتمكن اتفاقيات السلام من إضعاف التقاليد السلطوية بالسودان.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.